{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
النهايات - عبد الرحمن منيف
bassel غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 2,109
الانضمام: Jan 2005
مشاركة: #14
النهايات - عبد الرحمن منيف
يتغير). وأهل الطيبة الذين تعوَّدوا نسيان السد والطريق والكهرباء في مواسم الخير, ولم يفكِّروا يومًا واحدًا أن يحصلوا على مثل هذه الخيرات, فإنَّهم في مواسم القحط يتذكرون كلّ شيء, يتذكرون هيئات الرجال الذين أتوا, والكلمات التي قالوها, ويتذكرون أن بعض الذين جاءوا زائرين مع أبناء لهم إلى الطيبة في سنوات سابقة, سنوات الخصب والمواسم الطيبة, وذهبوا إلى الصيد أيضًا في المناطق المحيطة بالبلدة, ورجعوا وقد امتلأوا بنشوة, وتصرفوا في لحظات معينة مثل الأطفال, وبدوا صادقين- إن بعض هؤلاء أصبح في المدينة البعيدة كبيرًا مهمًّا, بحيث لا يذكر اسمه إلاَّ كما تذكر أسماء الأنبياء والأولىاء. إن هؤلاء لم يعودوا يتذكَّرون الطيبة, ونسوا أصدقاءهم, وانتهى الأمر. والطيبة تعض على جراحها في مواسم القحط والجفاف. أما في مواسم الخير فلا تكف عن أن تبعث بسلال المشمش في بداية الموسم, ثم بسلال العنب والتين في نهايته, وبين الموسمين تبعث اللبن والجبن والبيض والخراف الصغيرة أيضًا, ولا تنتظر شيئًا من المدينة. تبعث الطيبة كل هذا برضا أقرب إلى الحبور. ويتصور الآباء والأمهات, وهم يبعثون بالسلال وأكياس اللبن في السيارة الصغيرة التي تذهب في الصباح الباكر, أنَّهم لا يقومون بواجب فقط, وإنما يحسّون بالمرارة والحزن إن تأخَّروا عن موعد سيارة الموظفين, أو إن لم يستطيعوا قطف التين في الوقت المناسب! والطيبة التي لم تتنكر ولم تتغير, وظلَّت وفية لكل شيء فيها ولكل إنسان عاش فيها أو مرَّ بها في يوم من الأيام, خلقت هذا الوفاء الفذ في أبنائها, والذي لا يوجد مثيل له فيما جاورها من القرى, ولا يوجد أيضًا في القرى البعيدة.

في هذه السنة القاسية الملعونة جاء عدد كبير من أبناء الطيبة, جاءوا دون طلب ودون إيعاز من أي نوع, وما كادت أرجلهم تطأ أرض الطيبة, وعيونهم تلامس بيوتها, حتى أحسُّوا بالحزن العميق, ولاموا أنفسهم كثيرًا على أنَّهم تأخروا حتى هذا الوقت, وشعروا بتأنيب الضمير حتى قارنوا حياتهم في المدينة بحياة الناس في الطيبة. لكن هذا الحزن وهذا الندم تراجعا بسرعة ليحل مكانهما الرغبة القوية في أن يفعلوا شيئًا, لعلَّ الطيبة تنجو هذه المرة, ولعلها تحيا وتستمر إلى أن يُبنى السد, أو يقع شيء ما في المدينة البعيدة, ويصبح من الممكن بعد ذلك مواجهة الطبيعة القاسية دون انتظار للوعود الكاذبة أو للمطر الإبله الذي يأتي سنة وينقطع سنوات.

نزع الذين وصلوا لتوّهم ملابس المدينة, ولبسوا مثلما كانوا يفعلون حين كانوا في البلدة قبل سنوات. وخلال اليوم الأول مروا على أكثر بيوت الطيبة, وسألوا عن الرجال والنساء, وحزنوا كثيرًا على الذين ماتوا, وفكّروا في أمور واقتراحات كثيرة, وقرَّروا بينهم وبين أنفسهم عدة أمور, إن هم عادوا إلى المدينة مرة أخرى. لم يكتفوا بذلك, بل وزعوا ما جاءوا به, وكتبوا رسائل عديدة إلى أقرباء وأصدقاء في المدينة البعيدة وفي المهجر. وفي الليل سهروا طويلاً يفكّرون ويتكلمون, لكنهم كانوا يحسون في أعماقهم بالمرارة تكوي لهاتهم مع كل كلمة يقولونها, لأنَّهم لم يكونوا متأكدين من شيء!

وإذا كانت الطيبة كثيرة الصبر والتسامح, وتغفر للغرباء مثلما تغفر لأبنائها, فإنَّها تعرف الغضب في مواسم الجفاف, وهذا الغضب الذي قد يأخذ شكلاً هينًا في بعض الأوقات يتحول في النهاية إلى جنون لا يطيقه ولا يتصوّره أحد.

قال أحد القادمين, وكان شابًّا يدرس في مكان بعيد:

- الناس هناك لا يفعلون كما تفعلون أنتم هنا, إنَّهم, هناك, يحوّلون الكلمات إلى قوة. قوة منظمة ومحاربة, ويجب أن نفعل مثلهم شيئًا عاجلاً قبل أن يلتهمنا الموت.

قال رجل مسنّ, وهو يقلب شفتيه باستنكار, ويقلب نظراته بين الأرض والسماء:

- وماذا تريدنا أن نفعل?

وقبل أن يجيب الشاب تابع الرجل:

- يجب أن تعرف, لا أحد يستطيع مقاومة الحكومة. علينا أن نكون عقلاء ونفكِّر فيما نستطيع عمله.

قال الشاب بعصبية:

- القحط إذا جاء تنامون سنةً كاملة, وإذا لم يجئ ترسلون الدعاء والرسائل ولا شيء غير ذلك, وبهذه الطريقة لن تبقي الطيبة!

قال والد ذلك الشاب:

- الطيبة, يا ولدي, باقية, لقد مرَّت سنوات صعبة كثيرة مثل هذه, تحمَّل الناس تلك السنوات وعاشوا بعد ذلك, وظلَّت الطيبة.

ردَّ الشاب بسخرية:

- الموت والحياة في مثل هذه الظروف متساويان. انظروا إلى الأرض والأشجار والدواب. وانظروا في وجوه البشر, إن كل شيء يموت, وإذا جاءت سنة مثل هذه السنة فلن يبقي شيء!

كان يمكن لهذا الحديث أن يستمر وأن يتطوّر لكن حين دخل الضيوف, الذين جاءوا عصر ذلك اليوم, إلى المضافة, تغيَّر الجو فجأة.

06-15-2005, 07:16 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:45 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:46 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:47 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:47 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:48 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:49 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:51 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:53 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:54 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:55 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:57 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:58 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:15 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:16 PM
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:16 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:17 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:18 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:18 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:20 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:20 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:21 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:21 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:23 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:23 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:24 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:25 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة Arab Horizon - 06-16-2005, 05:50 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-16-2005, 06:05 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة إبراهيم - 06-16-2005, 06:42 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-18-2005, 11:42 AM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-18-2005, 11:44 AM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة Samer Almasri - 06-28-2005, 12:59 PM,

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  طلب كتب لعبد الرحمن بدوي غاندينو 0 395 06-21-2014, 07:02 PM
آخر رد: غاندينو
  اللغة العربية أم اللغات... كتاب منن الرحمن غالي 3 3,964 08-01-2010, 12:39 AM
آخر رد: غالي
  ومن سلسلة الأعمال الخالدة .. * أسفار شيلد هارولد * _ لورد بايرون _ ترجمة عبد الرحمن ب ali alik 0 1,248 07-04-2010, 03:39 PM
آخر رد: ali alik
  " المختار في كشف الأسرار وهتك الأستار " للشيخ عبد الرحمن الجوبري louis 1 2,972 03-09-2009, 01:56 PM
آخر رد: louis
  عبد الرحمن شكري (المؤلفات النثريه كامله) moh3774 6 1,607 04-21-2008, 09:25 PM
آخر رد: إبراهيم

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS