{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
النهايات - عبد الرحمن منيف
bassel غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 2,109
الانضمام: Jan 2005
مشاركة: #17
النهايات - عبد الرحمن منيف
خلق جوّا متوترًا, شديد الحرج, خاصة لأهل الطيبة تجاه ضيوفهم, فإنَّ حركة غير عادية سرت في الجميع. كانت حركة سريعة غامضة, وفيها ذلك الاحتجاج اللذيذ الذي يشيع الاعتراف الضمني بأن ما قاله ذلك المجنون هو الحقيقة ذاتها, ولا يمكن لأحد أن ينكرها أو يتنكر لها, وأن ما قاله كان يجب أن يُقال!

قال نعيم, وقد جاء مع الضيوف من المدينة, وتحدَّث معهم كثيرًا عن الصيد في الطيبة, وعن عساف ومقدرته الفائقة في الصيد, وتحدّث أيضًا عن غرابة طبعه, قال ليخفف من كلام عساف:

- ما قلته, يا عم عساف, هو الحقيقة, لكن أنت تعرف أي جنون يعيش في قلب الصياد!

قال أحد الضيوف, بلهجة مستسلمة, وكأنَّه يدافع عن نفسه:

- لقد انقطع الصيد في كل المنطقة, وليس في الطيبة وحدها!

ولأول مرة يقهقه عساف, كما لم يفعل ذلك في حياته إلاَّ مرات قليلة, وقال بصوت مليء بالسخرية:

- ومَن قال إن الطيبة وحدها يسكنها المجانين?!

ولكي تفهم كلماته جيدًا أضاف:

- لقد وصل الجنون إلى كل مكان. وهذه الأسلحة الجديدة ما كان لها أن توجد, حتى لو صنعها بعض المجانين في الأماكن البعيدة, ما كان لها أن تصل, أو أن تستعمل في الصيد. إنَّها تقتل كل شيء, ولا تبقي شيئًا!

ومن جديد عاد إلى لهجة السخرية:

- إذا كانت المناطق الأخرى تنعم بالمياه والخضرة, وتحصل على ما تريده دون عناء, لأنَّ منها الحكام والعسكر, فإنَّ الطيبة بلدة مسكينة, إذا أمطرت الدنيا وجدت لقمتها, وإذا أمْحَلت مات الناس جوعًا!

ومرة أخرى تغيَّرت لهجته:

- فيما مضى, قبل سنوات كثيرة, كنا نحارب الجوع ونتغلب عليه بالطيور التي تأتي, بالحيوانات التي تقترب من البلدة, وكنا نقاوم الجوع حين نأكل الجراد والجرابيع, أمَّا هذه الأيام فلم يبقَ شيء. فإذا استمرت الحال هكذا فلن تمضي فترة قصيرة حتى تصبح الطيبة مأوى للبوم والوطاويط!

قال ضيف آخر بلهجة خجولة وهو يستعرض صورة الطيبة:

- سمعت أن سدًّا سيُبنى عندكم, وأن هذا السد سيروي مساحات واسعة, أليس كذلك?

قال أحد المسنِّين:

- مثلما سمعت, يا ولدي, سمعنا. الفرق بيننا وبينك, أننا سمعنا هذا منذ وقت طويل, ولقد قال لنا ذلك الكبار في المدينة, لكن مَن يدري!

وضحك الرجل بنوع من السخرية وهزَّ رأسه بأسف.

قال مختار الجهة الشرقية:

- اتركوا الآن هموم القرية. المهم أن ترتبوا مشوارًا مناسبًا للصيد, وهؤلاء الكرام لن ينسوا الطيبة, ولن يوفروا أي جهد من أجل إقناع المسؤولين لبناء السدّ بسرعة!

وتحوَّل الجو فجأة. هجم أحد القادمين على عساف, وقبَّله على رأسه, وقال بطريقة مغرية:

- ستكون قائد الحملة يا بطرس, وسوف نعود بصيد وفير غدًا!

قال أحد المسنِّين مازحًا:

- يجب أن تصيدوا صيدًا كبيرًا. إن الصيد وحده يمكن أن ينقذ الطيبة من الموت!

وتحلقت المجموعة, بمَن فيهم الضيوف, حول عساف, وبدأ الإعداد لمشوار الغد.

قال عساف ليؤكِّد اتفاق الليلة الفائتة:

- لو ذهبنا إلى الحجل فسوف نرجع بأيدٍِ فارغة. قتلوا الحجل لمسافة ألف كيلو. أمَّا الكدري فقد تنكّح, أصبح يخاف من الرجال والأشباح, ويطير من مسافات بعيدة. لذلك يجب أن نذهب إلى أقصى مكان, وما دام معنا سيارات فسوف تطيّر كل مجموعة للأخرى.

توقف قليلاً وأجال عينيه في الوجوه حوله. كانت العتمة تملأ كل شيء, ولا تبيّن من خلالها سوى برقات سريعة للعيون أو توهج السجائر المشتعلة حين تمصّها الشفاه, قال عساف وهو يتحرّك:

- أنتم وحظّكم, أنتم وشطارتكم!

في غبشة الليل المتأخر كانت رياح ناعمة تملأ الكون وتخلّف نوعًا من البرودة اللذيذة, والرجال الذين انحشروا في السيارتين, كانوا أميل إلى الصمت والتأمل. صحيح أنهم تبادلوا بعض الأحاديث السريعة, لكنها كانت في مجملها للتغلب على الصمت والسأم, وفي محاولة لخلق تحريض متبادل, وبدافع الأمنيات قبل أي شيء. وعساف الذي جلس في سيارة الجيب, وكانت في المقدمة, كان شديد الصمت, ولم يجب عن الأسئلة التي وُجِّهت إليه إلاَّ بكلمات قليلة, كان يكتفي بأن يقول:

- اصبروا وسوف نرى!

بين فترة وأخرى, ولأن عسافًا هو الذي يعرف الطريق, كان يحدّد ويصدر الأوامر:

- يمين.

- يسار.

- مرة أخرى إلى اليسار!

والسائق الذي يستجيب بطاعة ودون اعتراض, كان يخطئ بعض الأحيان, فبدل أن يستدير إلى اليسار, كما طلب منه عساف, كان يستدير إلى اليمين, لكن ما يكاد يفطن إلى خطئه حتى يستدير بقوة ليأخذ الاتجاه الصحيح. والسيارة الخلفية, التي كانت تسير على مسافة بعيدة نسبيًّا, لتتجنب الغبار الكثيف المتطاير من الجيب, كانت ترى في كل حركة, في كل التفاتة, مفاجأة أو صيدًا, وكانت تتوقع باستمرار شيئًا. لكن عسافًا الذي عرف هذه الأرض بشكل جيد, كان هادئًا. وحين سأله أحد الجالسين في المقعد الخلفي إن كان الوقت قد حان لإعداد البنادق, أجاب بعصبية:

- الصبر مفتاح الفرج. اصبر!

- ألا يحتمل أن نجد أرنبًا أو ذئبًا?

- وهل بقيت أرانب?

- أتصور أن هذه الأرض أرض أرنب!

- لا تتصور!

وانقطع الحديث مرة أخرى. لم يكن يسمع خلال هذا الصمت سوى الدويّ الصاخب لسيارة الجيب, ولم تكن ترى إلاَّ المساحة التي يولدها النور القوي المنبعث من أضوائها.

إنَّها إحدى المرات القليلة التي يتوغل أبناء الطيبة وضيوفهم إلى هذه المسافة البعيدة في الصحراء. ومع كل ميل جديد تتغير طبيعة التربة ويتغير الهواء. فالمنطقة المحيطة بالطيبة متنوعة التضاريس, متفاوتة أشد التفاوت, إذ تبدأ ببعض الصخور السوداء, وكأنَّها حدود الطيبة من هذه الناحية, ثم تليها الكثبان الترابية التي تتخللها بعض الصخور الكلسية, ثم الأرض الحصبة الشديدة التنوع. وتتساوى في هذه الأرض قطع الحجارة الصغيرة مع التربة. وتظل هكذا, مع تفاوت بسيط, مسافة طويلة, حتى يقطعها وادٍ, وهذا الوادي يصبح خلال فصل الشتاء مجرًى للسيول والأمطار, ولا يكاد الإنسان يتجاوزه, وينعطف فجأة ناحية الغرب, ولمسافة ميل أو اثنين, حتى تبدأ الصحراء تظهر.

تبدأ الصحراء أوّل الأمر بخجل, وكأنَّها تكوَّنت في التو واللحظة, إذ ما تزال تحمل بعض ملامح الأرض التي تجاورها, لكن تدريجيًّا تتغير الأرض, لتصبح نسيجًا واحدًا متشابهًا وأقرب ما تكون إلى راحة اليد, من حيث الاستقامة, مع التواءات صغيرة ومتفرقة, وكثبان رملية تظهر وتغيب, بين فترة وأخرى.

حين بدأت الصحراء, قال عساف بصوت واضح:

- الذين على الشبابيك يمكن أن يملأوا بنادقهم. هنا يمكن أن نجد أرنبًا ضائعًا لم تصله بعد طلقات المجانين!

وبطريقة آلية, شديدة الاستجابة, سُمعت أصوات البنادق وهي تُفتح, ثم سمعت أصوات الخرطوش وهي تستقر. قال عساف, وهو يلتفت إلى الخلف, ويكلم الرجل الذي جلس في وسط المقعد الخلفي:

- حين نصل إلى مكان الصيد الحقيقي سوف تجلس مكاني ... هنا!

سأل نعيم, وهو يسوق السيارة, وقد شعر بالخوف أن يتخلَّى عساف عنهم في هذه الصحراء الرهيبة:

- وأنت, يا عم عساف?

لأول مرة, منذ بداية الرحلة, ابتسم عساف, ونظر إلى السائق, ثم إلى الرجال الذين يجلسون في المقعد الخلفي. كانت بداية أضواء الفجر تنتشر بهدوء وتتسرب إلى داخل السيارة. وبعد أن تملَّى من وجوههم قال:

- أنا وكلبي على الأرض, وأنتم في السيارة.

سأله أحد الثلاثة, وكان جالسًا في الخلف:

- وكيف سنصيد?

قال عساف بسخرية:

- السيارة هي التي تصيد!

ولما أحسَّ أن أحدًا لم يفهم كلامه أضاف بلهجة مختلفة:

- بعد أن طارد الصيادون الطير وأتعبوه, بدأ يخاف من كل شيء, ولا يمكن أن يُصاد الآن إلاَّ بالسيارة.

توقف قليلاً, تطلع حواليه, وقال بلهجة جديدة:

- حين ترون رفًّا من الكدري أو القطا يجب أن تغيروا عليه بأقصى سرعة, وقبل أن يطير كله, قبل أن يبتعد, يمكن أن تأخذوا منه بعض الطيور!

سأل نعيم, ومقود السيارة يضطرب بين يديه حين أمسك البندقية:

- وأنت يا عم عساف?

نظر إليه عساف نظرة مشجعة وأجاب.

- لا تخف, سنبقي أنا والكلب على الأرض, والذي يفلت منكم, الذي يطير باتجاهي ويقترب, سوف يكون نصيبي!

بعد فترة من السير, ولما أحسَّ عساف أنه وصل المكان المناسب, نظر إلى الأفق نظرة دائرية واسعة ليتأكَّد. وبحركة من يده, مع غمغمة غير واضحة, طلب من نعيم أن يقف. ظنَّ الجميع أن عسافًا رأى صيدًا, لأنَّ الوقفة السريعة التي وقفها نعيم خلقت شعورًا قويّا بالمفاجأة, لكن عسافًا وهو يفتح الباب, ويطلب من الكلب النزول, قال بهدوء وكأنَّه يلقي موعظة:

- يجب أن نبقي في دائرة, وهذه الدائرة قد تتسع وقد تضيق, لكنها تبقي دائرة, والطير لن يبعد كثيرًا. ما عليكم إلاَّ أن تعرفوا كيف تساعدون بعضكم بعضًا, ويجب أن يفهم جماعة السيارة الثانية هذا.

بعد قليل وصلت السيارة الثانية, ووقفت بهدوء إلى جانب الجيب, ولكي لا يترك عساف الأمر غامضًا, قال بصوت عال:

- سنبقي أنا والكلب على الأرض, وأنتم, كل في اتجاه تطاردون الطير, والكدري في مثل هذا الوقت لا

06-15-2005, 07:18 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:45 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:46 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:47 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:47 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:48 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:49 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:51 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:53 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:54 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:55 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:57 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:58 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:15 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:16 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:16 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:17 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:18 PM
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:18 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:20 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:20 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:21 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:21 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:23 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:23 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:24 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:25 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة Arab Horizon - 06-16-2005, 05:50 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-16-2005, 06:05 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة إبراهيم - 06-16-2005, 06:42 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-18-2005, 11:42 AM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-18-2005, 11:44 AM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة Samer Almasri - 06-28-2005, 12:59 PM,

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  طلب كتب لعبد الرحمن بدوي غاندينو 0 395 06-21-2014, 07:02 PM
آخر رد: غاندينو
  اللغة العربية أم اللغات... كتاب منن الرحمن غالي 3 3,964 08-01-2010, 12:39 AM
آخر رد: غالي
  ومن سلسلة الأعمال الخالدة .. * أسفار شيلد هارولد * _ لورد بايرون _ ترجمة عبد الرحمن ب ali alik 0 1,248 07-04-2010, 03:39 PM
آخر رد: ali alik
  " المختار في كشف الأسرار وهتك الأستار " للشيخ عبد الرحمن الجوبري louis 1 2,972 03-09-2009, 01:56 PM
آخر رد: louis
  عبد الرحمن شكري (المؤلفات النثريه كامله) moh3774 6 1,607 04-21-2008, 09:25 PM
آخر رد: إبراهيم

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS