{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
النهايات - عبد الرحمن منيف
bassel غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 2,109
الانضمام: Jan 2005
مشاركة: #20
النهايات - عبد الرحمن منيف
لم تكن الجلسة, في الوادي, تحت ظلال الصخور, مريحة, إذ رغم رطوبة المكان, كانت ريح الصحراء شديدة اللفح والحرارة, وكانت تحمل معها, بين فترة وأخرى, ذرات من الرمال تسفّ وتتكوّم على المنحدرات الواطئة, غير المنتظمة, والتي تشكل مجرى السيول أيام الشتاء.

في هذه الجلسة, والتي شرب خلالها الجميع, وتحدّثوا عن أشياء لا حصر لها, كان عساف في البداية أقرب إلى الصمت. وفي المرات القليلة التي تكلم فيها, تحدّث بشكل غير مفهوم, وكأنَّه يحدّث نفسه. أما عندما سُئل عن الحيوانات التي صادها, وفي أي أماكن, فقد اكتفى بأن يقول:

- ما فائدة الحديث عن الأشياء الماضية, ما دام الإنسان غير قادر الآن على أن يصطاد أي حيوان?!

وحين ألحُّوا عليه أن يحدِّثهم عن أكثر مرة صاد فيها, وعن عدد الطيور والأرانب التي صادها, قال بحدّة:

- لا تنظروا إليّ كوحش, أنا إنسان, نعم إنسان مثلي مثلكم, وليس بيني وبين أي مخلوق عداء من أي نوع. فإذا كانت الطيور والحيوانات تغريني وأُطاردها, فلأنَّني أشعر بحاجة أكثر مما أشعر بلذة. وحتى لو كانت هناك لذة, فإنَّها لا تصل بالإنسان إلى حدود الإبادة والفتك. حتى الذي يرغب في امرأة, ويريد أن يعتصرها بين يديه إلى الأبد, فإنَّه غير قادر على أن يفعل ذلك بلا حدود. أمَّا إذا كان أحمق, وإذا فعل شيئًا لا يناسب الطبيعة البشرية, فلا بدَّ أن ينتهي بشكل ما. وأنا... عساف الذي لا يعرفه أهل الطيبة إلاَّ تائهًا في البراري, ولا يلاحق إلاَّ الطيور والحيوانات, أنا عساف الفهد, لا أرغب في الصيد لمجرد القتل ولا أصيد أكثر ممّا يجب إلاَّ في الأوقات الضرورية.

كان يريد أن يتحدث أكثر, وبطريقة أفضل, لكنه لم يستطع. أمَّا الأفكار التي دارت في رأسه وملأت عقله وهو مستلق على جنبه, وكلبه بقربه, فقد كانت كثيرة إلى درجة لا يستطيع أن يحاصرها, أن يقولها. وحتى لو أراد أن يتكلم فإنَّ كلماته تبدو غامضة فجة, وقد لا يفهمها أحد. وحين شرب كأسًا جديدة وامتلأ نشوة شعر بأنه يستطيع أن يتكلم بشكل أفضل, خاصة وأن الآخرين قد تكلموا دون أن يطلب منهم أحد ذلك, ودون أن يكون لكلامهم أي معنى أو ضرورة. لقد تكلموا بتلك الطريقة الفخمة المليئة بالأكاذيب, والتي لا يتقنها إلاَّ المتعلمون وأبناء المدن. فكَّر أكثر من مرة في أن يصرخ, أن يضحك بسخرية, لكنه ابتلع أكثر ما كان يريد أن يقوله, واكتفى بأن ينظر إلى الوجوه, وأن يراقب التصرفات.

كان عساف في ذلك اليوم حزينًا إلى درجة لا يتذكر معها أنه حزن بهذا المقدار, وشعر بأن ثقلاً أقرب إلى الصخرة يجثم على صدره. وإذا كان قد تعوّد أن يصدر الأوامر إلى الصيادين الأغرار, وأن يقودهم في المسارب الضيقة ويتقدّمهم في المعاصي, ليثبت لهم بطريقة ما أنهم ما زالوا بحاجة إلى وقت طويل لكي يتعلموا معنى الصيد, وأن يتصرفوا بطريقة مليئة بالحكمة والذكاء, ويميزوا بين الطيور التي تُصاد وتلك التي يجب أن تُترك لتعيش, إذا كان قد تعوَّد ذلك ومارسه بمكر, ولأسباب غامضة في بعض الأحيان, فلقد كان في هذا اليوم أقرب إلى الاستسلام واليأس, وكان مستعدًّا لأن يفعل ما يريده الآخرون.

لو أن عسافًا تماسك في لحظة معينة, لو أنه رفض بإصرار, مثلما تعوّد, الاستجابة إلى رعونة الشباب وخفتهم, لو أن الحزن فارقه واليأس لم يسيطر عليه, لو أن الخمرة لم تتصاعد أبخرتها القوية الحادة إلى الرؤوس في هذا اليوم الصيفي, لو أنَّ المكان كان غير هذا المكان, لما حصل شيء. لكن قوة خفية, أقرب إلى البلاهة, ولعلَّها حكيمة بمقدار لا يدركه عقل الإنسان, هي التي قرَّرت كل شيء!

فقبل أن ينتصف النهار, وبعد أن استراحت القافلة أكثر من ساعتين بدا الزمن لضيوف الطيبة الذين أتوا من المدينة, شيئًا مختلفًا عمّا يحسّه أهل الطيبة, ومًن عاش في مثل هذه الأماكن. إذ ما كاد أحدهم يقترح العودة إلى الصيد, حتى استجاب الآخرون بسرعة وسهولة. وكأنَّهم اتفقوا على ذلك من قبل. وعساف الذي نظر إلى أبناء الطيبة نظرة تساؤل, وجد في عيون هؤلاء استسلامًا حائرًا, وبدا أنهم غير قادرين على اتخاذ أي قرار, وأنهم يمثلون دورًا أقرب إلى الحماقة, ويستجيبون لأي رغبة يطلبها هؤلاء الأفندية.

بعد تردُّد لم يطل, نهض عساف وبلهجة مليئة بالسخرية والتحدِّي, قال يخاطب كلبه:

- لا يتعلم الإنسان إلاَّ بالتجربة, أمَّا الحيوانات فإنَّها تتعلم أشياء كثيرة ثم تورّثها إلى أولادها وحًفًدتها, وبهذه الطريقة تدافع عن نفسها وتواصل الحياة. أمَّا الإنسان...

وضحك بسخرية, وبلا مناقشات طويلة اختار عساف مكانًا جديدًا, قال ليقنع نفسه:

- قد لا تكون الطيور هناك مضروبة, وقد نجد بعض الأشواك تستظل بها, ونحن وما قُسِم لنا!

وبالطريقة نفسها, وبالإصرار نفسه, حين وصل إلى المكان الذي يراه مناسبًا للصيد, أوقف السيارة وأنزل كلبه, ثم نزل.

لم يتكلم هذه المرة أي كلمة, لم يكرز بأي موعظة. أمَّا حين قال أحد أبناء الطيبة بصوٍت عالٍ لينبّه الجميع:

- سنلتقي هنا بعد ساعة وأقصى حد ساعتين, لأنَّ الطريق إلى الطيبة طويل, ويجب أن نصل مبكرين.

حين قال الرجل هذه الكلمات, هزَّ عساف رأسه دلالة الموافقة, ولوَّح بيده بطريقة دائرية, وقد فُهمت تلك الحركة على أنَّه سيبقى في منتصف الدائرة, وفهمت على أنَّها تحية.
06-15-2005, 07:20 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:45 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:46 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:47 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:47 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:48 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:49 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:51 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:53 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:54 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:55 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:57 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:58 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:15 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:16 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:16 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:17 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:18 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:18 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:20 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:20 PM
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:21 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:21 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:23 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:23 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:24 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:25 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة Arab Horizon - 06-16-2005, 05:50 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-16-2005, 06:05 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة إبراهيم - 06-16-2005, 06:42 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-18-2005, 11:42 AM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-18-2005, 11:44 AM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة Samer Almasri - 06-28-2005, 12:59 PM,

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  طلب كتب لعبد الرحمن بدوي غاندينو 0 395 06-21-2014, 07:02 PM
آخر رد: غاندينو
  اللغة العربية أم اللغات... كتاب منن الرحمن غالي 3 3,964 08-01-2010, 12:39 AM
آخر رد: غالي
  ومن سلسلة الأعمال الخالدة .. * أسفار شيلد هارولد * _ لورد بايرون _ ترجمة عبد الرحمن ب ali alik 0 1,248 07-04-2010, 03:39 PM
آخر رد: ali alik
  " المختار في كشف الأسرار وهتك الأستار " للشيخ عبد الرحمن الجوبري louis 1 2,974 03-09-2009, 01:56 PM
آخر رد: louis
  عبد الرحمن شكري (المؤلفات النثريه كامله) moh3774 6 1,608 04-21-2008, 09:25 PM
آخر رد: إبراهيم

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS