{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
النهايات - عبد الرحمن منيف
bassel غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 2,109
الانضمام: Jan 2005
مشاركة: #22
النهايات - عبد الرحمن منيف
يقول الذين وصلوا عصر اليوم التالي في ثلاث سيارات, إحداهما لسلاح البادية, وعثروا على السيارتين, إنهم وجدوا أغلب الرجال بين الحياة والموت. كان عدد منهم فاقدًا الوعي, وكان الآخرون في حالة من الإعياء الشديد. أمَّا سيارة الفولكس فاكن فقد انغرزت إطاراتها الخلفية في الرمال وأصبحت في حالة من الإنهاك إلى درجة أنها لم تعُدْ قادرة على الحركة, ووجدوا الحبل الذي حاولت الجيب استعماله لسحبها قد تقطّع في عدة مواضع, أمَّا كمية المياه التي كانت في السيارتين فقد نفدت تمامًا, ولم تبقَ إلاَّ أوان فارغة يخشّ فيها الرمل, ويقول هؤلاء إنهم لو تأخروا ساعة أو أقل لمات جميع مَن كان في السيارتين. أمَّا حين بدأوا يرشّون على وجوه الرجال الماء, وبدأوا يكلمونهم, لم يستطع أي من الرجال السبعة أن يتكلم كلامًا واضحًا, كانت غمغمات أقرب إلى أصوات الحيوانات. ولقد بكى اثنان من الرجال السبعة, أحدهما من أبناء الطيبة, ولم تعرف أبدًا أسباب ذلك البكاء, وهل كانت تعبيرًا عن فرح أو عن شيء آخر!

وبعد بضع دقائق, ورغم الإلحاح في السؤال عن عساف, لم يستطع أحد أن يجيب.

لكن قائد الرجال الذين كانوا في السيارة العسكرية قال بلهجة لا تقبل المناقشة:

- ابقوا في أماكنكم, لا تتحركوا أبدًا, وسوف نجد عسافًا.

قال أحد رجال البادية وكأنَّه يطمئن الجميع:

- لا بدَّ أن يكون قريبًا, وسنجده!

وبخفة متناهية قفز إلى البيك آب, دون أن يحس أحد, مختار المنطقة الشرقية, وأخذ مكانًا حصينًا قريبًا من القمرة, وأمسك بالحديد الأمامي بقوة.

كانت الصحراء الممتدة بصفرتها المائلة إلى زرقة مثل حلقة لا أفق لها ولا نهاية. وحين انطلقت السيارة بدوي مفاجئ صرخ الذي بكى من الضيوف, وركض وراءها, ثم سقط على الأرض وأخذ بالعويل, وحتى حين حُمل وأُعيد إلى السيارة وأُعطي قطرات من الماء, ظلَّت دموعه تتساقط دون توقف, ثم غطَّى وجهه بيديه وأجهش, وظلَّ كذلك فترة طويلة.

كان الحشد الكبير ينتظر, وكان الأمل لا يزال قويًا في العثور على عساف. وإذا كان الصمت, في حالات كثيرة, أفضل وسيلة للتعبير, فقد ظلَّت أسئلة الرجال الذين جاءوا من الطيبة بلا إجابة, وإن كانت إجابتها واضحة قوية في الوجوه, في الحركات, في الشفاه المتشقّقة المفطورة. أمَّا حين سقطت بعض الدموع فقد كفَّ الجميع عن الكلام. وانشدّت العيون إلى كل الاتجاهات لعلَّها ترى بشرًا أو زوالاً, وكان أمل واحد, مثل نسمة باردة, يخفق في كل صدر, وارتفعت ابتهالات لا تخطر على بال ولا نهاية لها, وكانت أقرب إلى التمتمة وتشبه الدعاء, أن يكون عساف حيًّا وأن يجدوه.

لقد انبثقت في تلك اللحظات آلاف الصور في أذهان الرجال الذين ينتظرون. وتلك الصور, وإن بدت متداخلة مضطربة, وأقرب إلى الحلم, فإنَّ صورة عساف كانت أشدها وضوحًا وأكثرها بياضًا: حين كان يعود بعشرات الطيور ويوزّعها بمهارة لا تخطئ. حين كان يمزّق بعض المواضع من أحذيته وثيابه. حين كان يجمع الخرطوش الفارغ من الصيادين الأغرار ويتأمله بعناية ثم يحضره بعناية أكثر ليستعمله في اليوم التالي ويتأكّد بنفسه من قوته. ثم لمَّا تخلَّى نهائيًّا عن الخرطوش المصنوع من الورق المقوي واستعاض عنه بخرطوش النحاس, وكيف كان يحتفظ ببعض هذه الخراطيش في جيب جلدي صغير لصقه على صدره, كيف كانت الطلقات تبدو شديدة اللمعان ولا يستعملها, كما يقول ويؤكِّد, إلاَّ (لقتل الوحوش) - إن هذه الصور, وعشرات غيرها, تمرّ في هذه اللحظات مثل شريط طويل, وكل إنسان متأكّد أنَّ عسافًا ستنشقّ عنه الأرض وينفجر فجأة كما تنفجر الطلقة. وأهل الطيبة الذين تعوَّدوا على عساف وغياباته التي قد تطول يومين أو ثلاثة, حين تحاصره الثلوج أو يفيض الوادي, إذا كانوا قد تعوَّدوا عليه وألِفوا كل شيء يصدر عنه, فقد كانوا متأكّدين تمامًا من شيء واحد: سينفجر عساف بينهم, وأن السيارة حين تعود يائسة مثقلة بالخيبة والحزن ستجده وسط المجموعة, يتحدّث بتلك الطريقة المبهمة, الحافلة بالأصوات غير المفهومة, عن رياح البارحة وعن جنون الطبيعة وغدر الصحراء, ويجب أن يضيف في النهاية: الإنسان أقوى من الطبيعة, ويعرف كيف يروّضها أو يحتال عليها!

كانت الأفكار والصور تتلاحق, وكانت النسمات الطرية التي بدأت تهب مع ميلان الشمس نحو الغروب تولد أملاً يقوي كل لحظة, وتولد يأسًا يقوي كل لحظة. وفي خضم الأفكار والصور, ومع كل نسمة جديدة كانت العيون تدور, والصمت يقوى, إلى أن جاءت تلك الصرخة المفاجئة المدوية:

06-15-2005, 07:21 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:45 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:46 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:47 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:47 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:48 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:49 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:51 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:53 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:54 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:55 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:57 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:58 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:15 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:16 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:16 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:17 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:18 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:18 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:20 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:20 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:21 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:21 PM
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:23 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:23 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:24 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:25 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة Arab Horizon - 06-16-2005, 05:50 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-16-2005, 06:05 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة إبراهيم - 06-16-2005, 06:42 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-18-2005, 11:42 AM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-18-2005, 11:44 AM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة Samer Almasri - 06-28-2005, 12:59 PM,

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  طلب كتب لعبد الرحمن بدوي غاندينو 0 400 06-21-2014, 07:02 PM
آخر رد: غاندينو
  اللغة العربية أم اللغات... كتاب منن الرحمن غالي 3 3,969 08-01-2010, 12:39 AM
آخر رد: غالي
  ومن سلسلة الأعمال الخالدة .. * أسفار شيلد هارولد * _ لورد بايرون _ ترجمة عبد الرحمن ب ali alik 0 1,251 07-04-2010, 03:39 PM
آخر رد: ali alik
  " المختار في كشف الأسرار وهتك الأستار " للشيخ عبد الرحمن الجوبري louis 1 2,976 03-09-2009, 01:56 PM
آخر رد: louis
  عبد الرحمن شكري (المؤلفات النثريه كامله) moh3774 6 1,610 04-21-2008, 09:25 PM
آخر رد: إبراهيم

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS