{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
النهايات - عبد الرحمن منيف
bassel غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 2,109
الانضمام: Jan 2005
مشاركة: #24
النهايات - عبد الرحمن منيف
- يجب أن نتجه إلى الناحية اليسرى, لأنَّني أرى نسرًا, لست متأكِّدًا تمامًا, ولكني رأيت نسرًا يحوم, وما دام هذا الطير يعلو وينقضّ بهذه الطريقة فلا بدَّ أن هناك شيئًا!

وقبل أن يكمل مقبل كلامه, وضع القائد المنظار المقرّب على عينيه, حيث أشار مقبل, وهزَّ رأسه دلالة الشك أوّل الأمر, ثم بدا متأكّدًا, وبسرعة طلب من السائق أن يتوجه ناحية اليسار.

لمسافة كبيرة بدت الأرض مثل راحة الكف, لا شيء أبدًا. والنسر الذي لم يكن يرى أوّل الأمر, بدا مثل نقطة سوداء في الفضاء البعيد, كان يصعد ويهبط. وحين رأيناه أوّل مرة, غاب ثانية. تصوّرنا الأمر كله وهمًا, وأن مقبلاً لم يرَ شيئًا, لكن والسيارة تتجه حيث يريد, والسكون يخيِّم على كل شيء, والأرض خاوية لا تظهر شيئًا أبدًا, بدا على مسافة بعيدة زوال. قال مقبل بتأكُّد جازم:

- (هذا النسر حطَّ على شيء, ويجب أن نصله لنتأكّد!).

وأسرعت السيارة, وتعلَّقت عيوننا حيث يشير مقبل, وفي كل دقيقة نقترب أكثر فأكثر حتى تأكِّدنا من وجود النسر. كان من مسافة بعيدة يبدو جالسًا مثل رجل. كان بسواده القاتم شديد الوضوح, وترتفع قامته شيئًا فشيئًا ما دمنا نقترب. وحين أصبحت المسافة بيننا لا تزيد على مئات الأمتار طار. بدا ضخمًا مهولاً, وبان البياض في لونه إلى جانب السواد.

ومع كل خطوة تقتربها السيارة, حيث كان النسر يربض, بدت لنا الصورة أكثر وضوحًا وقسوة مما كنا نتصور.

كان عساف مدفونًا في الرمل, لم يكن يظهر إلاَّ رأسه, وفوق الرأس تمامًا كان الكلب رابضًا, وكان الجزء الأكبر من جسد الكلب مدفونًا بالرمل أيضًا, لكن بطريقة غريبة للغاية: كان يشكل سياجًا حول جسد عساف, خصوصًا رأسه. كان يحتضنه.

ولما وصلنا رأينا كل شيء واضحًا.

قال مقبل بثقة:

- عساف مات قبل الكلب, ولا بدَّ أن بعض الطيور, ربما هذا النسر أو غيره, أحسَّت وعرفت بذلك, وجاءت لتأخذ نصيبها منه, لكن الكلب, وفي محاولة لحماية عساف صارعها حتى صرعته. انظروا إلى الدماء المتجمدة فوق رأس الكلب, لقد مزَّقته بمناقيرها لتصل إلى عساف, وفيما هو يدافع عن نفسه, وعن عساف, تهشَّم, ولا بد أن يكون قد مات من العطش أو من النهش).

قال مقبل ذلك وامتدَّت يده إلى الرمال تزيحها وتسحب جثة عساف. الجثة مدفونة بالرمل تمامًا. المطرة فارغة, وعساف يقبض على البندقية بقوة, ولا بدَّ أن يكون قد قام وسقط عدة مرات, لأنَّ يده اليسرى ملتوية ومزرقّة. ومن حسن حظه أنه سقط على وجهه, لو كان في وضع آخر لأَكَل النسر عينيه وهشِّم وجهه, والكلب حين رأى عسافًا يسقط نام فوقه: لا بدَّ أنه حاول إنقاذه بشكل أو بآخر, لكن العاصفة كانت أقوى من الاثنين!

بهذه الطريقة انتهى عساف.

سكت المختار, وضع يديه تحت صدغيه, كأنَّه يحاول أن يمنع رأسه من السقوط أو كأنَّه يتذكر. وخيِّم صمت ثقيل. وبصوت مختلف تمامًا, صوت من عالم آخر, أضاف:

- كان بودِّي لو حملنا الكلب معنا, كان يستحق ذلك, لكن لم أجرؤ على طرح الفكرة, بدت لي لا تناسب الموقف ولا يمكن أن يفهمها أحد. أمَّا حين حملنا الجثة ووضعناها في البيك آب, فقد ظللت على الأرض لبعض الوقت, وكنت أنظر إلى الكلب. لم أستطع أن أرفع نظري عنه, لكن قائد السيارة العسكرية, قال بصوت عصبي, وإن كان فيه بعض القسوة: (لم تنته مهمتنا بعد, علينا أن نصل إلى الجماعة...). ولما صعدت إلى السيارة ومررت إلى جانب الجثة, نظرت إليها بإمعان, بدا لي وجهه شديد الحزن, ولا أعرف كيف سمعت صوت عساف, سمعته يقول: (والكلب...?! هل تتركون الكلب?) وبسرعة, وبخوف اقتربت من الجنديين اللذين كانا في مقدمة السيارة, ولم أستطع أن أنظر بعد ذلك إلى الخلف. كنت خائفًا, كنت خائفًا تمامًا من أن أرى عسافًا, أو أن أسمع كلماته, وسيطر عليّ الخوف أكثر عندما مالت الشمس إلى المغيب, وتصوّرت الذين ينتظرون, وتصوّرت الطيبة والبشر ولا أعرف أي أحزان أخرى).

قال أحد المسنّين, وقد بدت في لهجته رنَّة حزن لم يتعوّدها الكثيرون:

- كان من الواجب أن تهيلوا عليه التراب لكي لا تأكله الطيور!

رد المختار بعصبية:

- كان الواجب أن نأتي به.

قال الرجل المسن:

- لا يمكن أن تحمل الحيوانات حين تموت, لكن الأكرم لها أن يُهال عليها التراب.

هزَّ المختار رأسه وقد بدت عليه علائم الحزن الشديد والندم, ولم يتكلم.

قال صاحب الفرن:

- أعجب شيء في هذه الدنيا العلاقة بين الإنسان وما حوله من أشياء, من حيوانات وأشجار وبيوت وأنهار, حتى الصحراء التي لا تبعد كثيرًا عن الطيبة يتعلّق بها الإنسان في حالات كثيرة, لأنَّ فيها نجاته, ولولا ذلك لما ذهب عساف إلى هناك. كان يريد أن يخلص الطيبة, ويخلّصني أنا بالذات, لأنَّ الأرغفة القليلة التي أصبحت تخرج من الفرن لم تعد تكفي أحدًا.

قال رجل ظلَّ صامتًا, لكن دمعة سقطت حين بدأ يتكلم:

- في الطيبة, كما في أي مكان آخر من هذا العالم, ما يحتاج إلى تغيير هو الإنسان.

وصمت لحظة, جفَّف دموعه التي كانت تتساقط دون إرادة على خدّيه وأضاف:

06-15-2005, 07:23 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:45 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:46 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:47 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:47 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:48 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:49 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:51 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:53 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:54 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:55 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:57 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 05:58 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:15 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:16 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:16 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:17 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:18 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:18 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:20 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:20 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:21 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:21 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:23 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:23 PM
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:24 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-15-2005, 07:25 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة Arab Horizon - 06-16-2005, 05:50 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-16-2005, 06:05 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة إبراهيم - 06-16-2005, 06:42 PM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-18-2005, 11:42 AM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة bassel - 06-18-2005, 11:44 AM,
النهايات - عبد الرحمن منيف - بواسطة Samer Almasri - 06-28-2005, 12:59 PM,

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  طلب كتب لعبد الرحمن بدوي غاندينو 0 395 06-21-2014, 07:02 PM
آخر رد: غاندينو
  اللغة العربية أم اللغات... كتاب منن الرحمن غالي 3 3,964 08-01-2010, 12:39 AM
آخر رد: غالي
  ومن سلسلة الأعمال الخالدة .. * أسفار شيلد هارولد * _ لورد بايرون _ ترجمة عبد الرحمن ب ali alik 0 1,248 07-04-2010, 03:39 PM
آخر رد: ali alik
  " المختار في كشف الأسرار وهتك الأستار " للشيخ عبد الرحمن الجوبري louis 1 2,974 03-09-2009, 01:56 PM
آخر رد: louis
  عبد الرحمن شكري (المؤلفات النثريه كامله) moh3774 6 1,608 04-21-2008, 09:25 PM
آخر رد: إبراهيم

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS