{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
نزيه أبوعفش: لا يشرّفني الانتماء إلى هذا العالم.
Geua غير متصل
عضو مشارك
**

المشاركات: 7
الانضمام: Mar 2005
مشاركة: #2
نزيه أبوعفش: لا يشرّفني الانتماء إلى هذا العالم.

نزيه أبو عفش
ساعة الذئب *


هكذا، دونما سببٍ واضحٍ، أشعر الآن أني حزينٌ ..
وأني على وَشَكِ الموت . . والأرضُ قبري،
وأن رفاقي جميعاً،
رحلوا . . تاركين زوابعَ أنفاسهم في كؤوس النبيذ المريرةْ
هكذا، دونما سببٍ، أشعر الآن أني مريضٌ مِن الحزنِ،
والأرضُ تكمل دورتها في سديم التعاسةِ . . زرقاءَ . .
سوداءَ . .
مثخنةً تحت قبّةِ هذي السماء الضريرةْ
وأنا جالسٌ فوقها كالرسولِ اليتيمْ
أتصفَّحُ آلامها . .
وأَعدُّ ثواني الحياة الأخيرةْ.

هكذا، دونما سببٍ، أشعر الآن أني حزينٌ . . وأني
دونما أسفٍ سوف أَقطع هذا المجاز الذي يوصل الغرباءَ إلى
تربةِ الغرباءِ:
أَعدُّ خطاي على ورقِ الذكرياتِ . . وأمضي
ساهما في طريقي
أتلفّتُ حولي كمن يتوقع أن يجد الذئب مختبئا تحت أنفاسهِ
فأفكر أني . .
لم يعد لي مكانٌ على هذهِ الأرض أبني ضريحي عليهِ
وأن صديقي ( صديقي الذي في كتاب الرسولْ . . . )
سوف يمسكني فجأةً من ذراعي لكي يدَّعي أنني أنا
قابيلهُ . .
ثم يطعنني في ظلامي ويمضي إلى جهةِ التلّ مستبشرا
بالحياةِ . .
يعاتبني . . ثم يمضي،
ويندبني . . ثم يمضي،
ويتركني . . ثم يمضي
إلى جهةِ التلِّ . . كي يقطف الورد عن أمهِ
ويؤدي الصلاة على العشب كي يصفح الله عني
ويرحمَ إخوته الميتينْ! . .

ألهذا إذنْ أشعر الآنَ أني حزينٌ
وأني على وشك الموتِ، مثليَ مثل المسيح،
وأن قُضاتي يدورون حولي بلا ندمٍ، وهمو يغسلون أصابعهم
من دمي
ويُعدّون لي الشمعَ كي يطردوا وحشةَ الموتِ عن موتهم! . .
يذرفون الأنينَ على وحشتي.
يشهقونَ.
يطوفون حول نعاسي وقد أوقدوا خوفهم في مباخرهم
وأضاؤوا مصابيحهم فوق رأسي لكي ينعسوا تحت ظلمتها ..
وأنا ساكتٌ في السديم الأصمّ ْ
هادئٌ وضعيفٌ . . كما شاءني الله . .
منكسرٌ تحتَ آلامِ نفسي،
أراقبهم ملكاً ملكاً ورسولاً رسولاً،
أميز أصواتهم.. ملكاً ملكاً ورسولاً رسولاً،
وأبغضهم ملكاً ورسولاً.
وأُبصرهم في منامي كما يبصر الميتُ قاتِلَهُ.
أتبيَّنهم، وأرى الموت ينضح من خوفهم.
أتصفَّح أعناقهم وأَعدّ شرايينها وهي تلمع تحت الظلامِ.
أَعدّ أصابعهم، وخواتمَ أعراسهم، وسواعدهم،
والعناكبَ سوداءَ تسرحُ فوق مناكبهم. وأراهم . .
أعدّ نقوش خناجرهم ورنين المفاتيح،
أقراطهم،
خوذَ الجنرالات تفضح وحشتهم،
ضجرَ الأنبياء ويأسَ اللصوصِ،
جسارةَ أفكارهم وصليلَ عقائدهم،
خوفهم من ظلامي يهبّ على نومهم في الظلام، تمائمَهم
تتأرجحُ لامعةً في الظلام، طهارتـَهم في الظلام، مكائدَهم،
صمتـَهم يتوهج حول فخاخ الثعالبِ، ألوان أثوابهم في الهواء
الذي أنشأوه لأنفسهم في أعالي الهواء . . ؛ أَعُدُّ الهواء. أعدّ
خدوشَ أظافرهم فوق لحم الهواء. أشم قتامةَ أنفاسهم في قتامةِ
جسم الهواء. أشم الهواء الذي في الهواء. أشم التباس الهواء.
أشم سواد الهواء الذي . . لا يُشمّ.
وأرى الحسراتِ التي . .
وأميز لون السماء التي . .
والنجومَ التي كنتُ أوقدتها دمعةً دمعةً تحت سقف السماء التي . .
وأعدّ ثواني الحياة التي ألهمتني السعادة قبل ثلاثين موتاً . .
أتنسّمُ عطرَ النساء اللواتي . .
كنتُ أحببتهم بلا أملٍ
ورفعتُ لهن السماواتِ مسقوفةً بالألمْ.
غير أنّي، هنا، تحت سقف السماء التي لا تراني . .
لم أزل واقفاً كالرسولِ اليتيمِ ..
أغالبُ ضعفي
وأبكي على حيرة الكائنات بكاءَ مسيحٍ على نفسهِ
وأعدُّ رماد الثواني . .
قلتُ: لا تبكِ أيّوبُ . .
ثم شددتُ لحافي على غصّتي .. كي أغطي هبوب الندمْ
ورأيتُ الألمْ .
. . . . . . . . . . . . .
لا تقل لي إذن: ( ما الذي يجعل الميتَ يحزنُ؟ . . . ) . .
لا شيءَ . لا شيءَ يُحزنني غيرُ نفسي .
ولا شيءَ . لا شيء يحزنني أبداً .
هكذا، دونما سببٍ واضحٍ، صرتُ شخصاً حزينا .
صار لي كتفان حزينان، وجهٌ حزينٌ، وقلبٌ حزينٌ،
وجسمٌ . . .
وصارت عظامي
تتجعّد مِن شدّة الحزنِ .
صرتُ بلا سببٍ، أتنصَّتُ تحت الظلام فأبصرُ مادّة حُزني .
أميّزُ ملمسهُ في نسيج الهواء الكفيفِ،
أرى وجههُ يتلألأ خلف ظلالِ المعاني كما تتلألأ فاكهةُ الموتِ،
أسمع أنفاسه تترقرق في غصّة الحبر. . . زرقاءَ . . . خضراءَ
مثل لهاثِ عصافير تسْبحُ في موتها .

هكذا . . . صرتُ شخصاً حزيناً، يكابد حزناً حزيناً .
وصرتُ أرى الله في هيئةِ امرأةٍ هدّها الحزنُ . . . تبصرني من
بعيدٍ فتشهق مذعورةً، ثمّ تهربُ مني كأنْ لا ترى غصّتي تحت
سقف الحياة الحزينْ . . .
هكذا . . . دونما سبب! . .
فانكفأتُ إلى ليلِ نفسي
خائبا و ضعيفاً . . . كما شاءني خالقي . . .
. . . وفقدتُ اليقينْ .

فـ . . . لماذا إذنْ أشعرُ الآن أني حزينْ؟ . . .
ألأني تعبتُ مِن السير في جنتي - جنةِ الميّتينْ . . .؟ . . .
أم لأني
ضقتُ ذرعا بنفسي
وضجرتُ من الشعر - فاكهة الميّتينْ . . .؟ . . . .
أم لأني
صرتُ أسمع في غصّةِ الطين غصّة أحفادهِ
فأرى ندم الله؟! . . . أمْ . . .
أم لأنّ الحنينْ؟ / أسودٌ
والقصيدةَ زرقاءُ (زرقاءُ مثل الخطيئةِ)؟ . . .
زرقاءْ! . . .
زرقاءُ روحي . أغانيّ زرقاءُ . صمتيَ أزرقُ .
تنهيدتي . ضجرُ الحب أزرقٌ . آلام نفسي زرقاءُ
والخوف أزرقُ . وحشةُ قلبي . جمالُ الخطيئة .
لونُ الهواء . نحيبُ العصافير أزرقُ . آنية الورد
زرقاءُ والعطرُ أزرقُ . صوت المرتّل . ثوبُ الفتاةِ .
ضفيرتها . تختها . شهقة الدم طالعةً من شقوق بكارتها .
تاجُ مأتمها . . .
ساعة الذئب زرقاءُ . . . والذئبُ أزرقْ! . . .

غير أن الحنينْ / أسودٌ .
والقصيدةَ سوداءُ! . . .

: ( هذا دواؤك أيّوبُ، هذا دواء الندمْ! . . . ).

وإذنْ، كيف يمكنني الآن ألاّ أكون حزيناً . . .
وأنا أتخبطُ في هذه الكلمات وأسألُ:
- ماذا تخبّئ لي ساعةُ الذئبِ؟ . . .
- ماذا يخبّئ لي صاحبي الذئبُ؟ . . .
ماذا يخبّئُ لي الشعر تحت فخاخ الثعالب؟ . . .
ماذا يخبئُ لي ملكي ورسولي؟ . . . وماذا يخبئُ لي الوقتُ؟ . . .
- عطرَ الحنينْ . . .
لمداواةِ آلام نفسي،
وحبرَ الشقاءِ . . .
لأرفوَ أسمالَ هذا الخريفِ الحزينْ . . .


هكذا، دونما سببٍ، يتشقق قلبي . . .
فأبصرني عارياً كمسيحٍ يطوفُ على التلِّ . .
كفّاهُ كفّايَ . حيرتهُ حيرتي . صوتهُ صوتُ نفسي وقد
نـَعِسَتْ . فمهُ . كتفاهُ الضعيفان . عيناه . غصّتهُ .
يأسهُ . شفتاه . أصابعهُ . روحهُ الداميةْ! . . .
فأجرُّ خطايَ إلى مأتمي . . .
خائفاً وحيداً .
غنائيَ يعكسُ خوفي؛ وروحي
ذبُلتْ في يديَّ . . . كما يذبلُ الوردُ في الآنيةْ .

ألهذا إذن أشعر الآن أني حزينْ! . . .
ألأنّ القصيدةَ - فاكهة الموتِ - سوداءُ تحت لساني؟ . . .
أم لأن الحنينْ . . . . .؟!
- بل، لأن الحنينْ . .
حيلةُ الخائفين من الموتِ . . .
. . . . . . . . . . . . .
قل لي إذن:
ماالذي يبصر الميتُ تحت الكفنْ /
غيرَ أوهامهِ؟! . . . .
ما الذي يجد الميتُ تحت الكفنْ /
غيرَ حيرتهِ تتدفـّقُ زرقاءَ فوق سرير الزمنْ؟! . . .
لا تقل لي: يرى نفسهُ، أو يرى اللهَ فيها . . .
لا تقل لي: ويسمع في نومه خفقانَ الزمنْ . . .
يتسرّبُ من قلبه ويسيلُ على الليلِ .
قل لي: يرى خوفه طافياً في وعاء الزمنْ . . .
ويرى الموت . . . أبيضَ . . . كالنورِ . . .
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
قل لي إذنْ:
ما يؤرِّقُ روحَكَ في الموتِ . . . غيرُ الندمْ ؟ . . .
- شهوتي للجمال الضعيف . . . وسحرُ الخطيئةِ .
قل لي . . . وماذا يؤرّق روحك غير الندمْ؟ . . .
- أن أرى ما يرى الميّتُ في نومهِ :
الروحُ جائعةٌ . . وجمالُ الخطيئةِ يخبو .

وقل لي: . . . . . . .
- أرى ما يرى الميتُ :
ليلٌ يسيلُ على الليلِ؛ أسئلةُ الموتِ تدفعُ أسئلةَ
الموتِ . . .
قل لي، وماذا؟ . . .
- أرى ما يرى الميتُ في نومه:
الأرضُ عمياءُ، والنورُ أعمى .
أرى الله ملتبساً في عقائدهِ . . . وأرى رُسلَ الله يبكون
أنفسهم في مهبّ الندمْ .
وأرى قسوةَ الخوفِ في ضجرِ الكائناتِ . . .
أرى الضعفَ مُنتبذَاً . . . والجمالَ حزيناً! . .
أرى كيف تطهو العدالةُ لحم الحياةِ بملحٍ ودمْ! . .
وأرى الأرض طافيةً في خرائبِ دمْ :
عشبُ نسيانَ . . . دمْ .
أَلعصافير فوق عيونِ البنادقِ . . . دمْ .
ذكرياتُ الطفولةِ . . . دمْ .
شهوات المحبّينَ . . . دمْ .
شهقةُ النايِ في رئةِ الناي . . . شهقةُ دمْ .
زهرةُ الأرضِ . . . فكرةُ دمْ .
غصّةُ الناس . . . غصّةُ دمْ .
الحقيقةُ.. حيلةُ دمْ .
كلّ ما تلمس اليدُ فوق الترابِ . . . خزانةُ دمْ .
زوغانُ الخلائق في الأرض سعيٌ إلى حقلِ دمْ .
والعدالةُ . . . ميزانُ دمْ .

فلماذا إذنْ لا أكون حزينا؟ .
لمااذ إذنْ؟ . . .
ولماذا أداوي تعاسةَ نفسيَ بالشعر . . . وهو خلاصةُ دمْ؟ . . .
ألأنّ الألمْ /
شهوتي ودليلي؟ . . .
أم لأني أرى في الألمْ
صرخةَ الله يبكي على نفسهِ في سماواتِ دمْ؟ . . .
أم لأنّ الشقاءْ /
لُقمةُ الروحِ؟ . . .
أمْ؟ . . .

يا إله السماءْ . . .
يا إلهي الذي كنتُ أرضعتهُ حيرتي في أعالي السماءْ . . .
رُدّني خائباً وضعيفاً كسابقِ عهدي .
رُدّني . . . حجراً في العراءْ .
رُدّني . . زهرةً في إناءْ .
رُدّني دودةً، سلحفاةً، غزالاً ينطُّ على الصخرِ،
قـُبّرةً تتنزّهُ عمياءَ فوق هواءِ الحقول المقطـَّرِ . .
جرواً على بابِ راعيهِ ينبح من ضجرٍ . . .
رُدّ قلبي الضعيفَ إلى جسمهِ . . .
رُدّ لي العطفَ . رُدّ الجمالَ القديمَ ، وشوقَ اليتيمِ إلى الحُبّ .
رُدّ القصيدة زرقاءَ (زرقاء مثلَ الخطيئةِ فوق سرير الخطيئةِ)
رُدّ حنانَ النساءِْ . . .
وضعفَ النساءِْ
ورائحة الورد تنضحُ غامضةً من جلود النساء .
ورُدَّ إلى الروح بعضَ الألمْ . . .
رُدّه شاهقاً وجليلاً . . . لكي نتعرّف فيهِ على نفسنا
حين تغربُ شمسُ الحنانِ عن الأرضِ .
رُدّ الألمْ
ناصعاً وكريماً . . كما يشتهي الشعراءْ .
رُدّه طاهراً . . كحليبِ النساءْ .
أو أعِدني إلى خالتي الشجرةْ . . .
غيمةً تتلألأ تحت لحاءِ الحياة الكتيمِ . . .
كما تتلألأ فاكهةُ الموتِ . . .
. . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
قل لي إذنْ: أهو الخوفُ،
أم هي فاكهةُ الموتِ؟ . . .
- بل هي فاكهةُ الموتِ يُنضجها الخوفُ تحت قميصِ
الزمنْ .
- أم هو الخوفُ؟ . . .
- الخوفُ عِطرُ القصيدةِ
والموتُ شكلُ الزمنْ .





* ساعة الذئب حسبما يقول إنغار برغمان، هي الساعة التي يموت فيها معظم الناس، وفيها معظم الناس يموتون.

06-23-2005, 05:27 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
نزيه أبوعفش: لا يشرّفني الانتماء إلى هذا العالم. - بواسطة Geua - 06-23-2005, 05:27 PM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  نزيه أبو عفش: كم من البلاد أيتها الحرية! أسامة مطر 19 4,279 04-04-2011, 11:22 AM
آخر رد: أسامة مطر

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS