(4)

تركنا "سلامة موسى" يذهب تلميذاً إلى القاهرة التي كانت تعج في أوائل القرن المنصرم بجلبة فكرية ثقافية – كما قلنا أعلاه -.

ولقد كان من البديهي أن يتصل "سلامة" الفتى بأسباب الثقافة المتاحة في محيطه. ولعلنا نكون واهمين لو قلنا بأن "سلامة " الفتى بدأ في القاهرة "مشروعه الفكري". فالمشاريع الفكرية تقيم بنيانها – عادة – على أساس متين من ثقافة جامعة مانعة، وهذا ما لم تتحه بعد السنين لهذا الفتى النهم إلى العلم والمعرفة. ولربما أضفنا بأن أول الدعائم الجدية لصرح "سلامة موسى" الفكري، لم تتكون عند مفكرنا إلا بعد أن ألقى عصا ترحاله في "لندره" بعد تخرجه من المدرسة الخيديوية (1903).

ولكن "جو القاهرة الفكري" آنذاك، لم يترك "المفكر الفتى" على الحياد. وهكذا نرى "سلامة موسى" يبدأ رحلته المعرفية عن طريق بضعة من الجرائد و المجلات أهمها أربعة فرد: "اللواء" و"الجريدة" و"المقتطف" و"الجامعة".

أما "اللواء" فكانت الصحيفة التي أصدرها "مصطفى كامل" (1874 – 1908) "زعيم النهضة السياسية في مصر ورمز الوطنية في الشرق كله" كما يقول عنه "حنا الفاخوري". وكان هذا قد درس الحقوق في "تولوز" في فرنسا ثم تنقل بين فرنسا والمشرق عاملاً على إيقاظ الوعي الوطني من ناحية، ومحاولة إفهام الأوروبيين بأن في مصر قوة حضارية فاعلة جديرة بالاستقلال ومؤهلة له. وبالإضافة إلى بضعة من كتب عرف بها "مصطفى كامل" "كدفاع المصري عن بلاده" و"المسألة الشرقية" و"حياة الأمم"، فإن هذا الرمز الوطني الساطع في تلك الحقبة، كان خطيباً مصقعاً يتمتع "بكاريزما" وقدرة على التأثير في نفوس سامعيه ومحدثيه. ولكنه – رغم ذلك – انكفاً عائداً – في السنين الأولى من بداية القرن المنصرم – إلى الدعوة باتجاه السلطنة العثمانية والخلافة الإسلامية قبل أن يرحل مبكراً وهو ما زال في عز عطائه.

كان "سلامة موسى" يقرأ اللواء، وكان يتفاعل مع أحداث عصره، وكان حسه الوطني يتنامى ويتوطد ويتعزز شيئاً فشيئاً. وهكذا نجده يكتب بعد "حادثة دنشواي" الأليمة قائلاً: " عمني جمود يشبه الغثيان، فلم أستطع الأكل جملة أيام. ودارت في رأسي خواطر جنائية عن هؤلاء المعتدين على بلادنا وأهلنا. وما تزال دنشواي عندي من الذكريات الأليمة" ....
بعد سنوات قليلة سوف يهتدي "سلامة" إلى "مشروعه الثقافي"، وسوف يكون أحد أهدافه منه هو "جلاء الإنكليز" عن وطنه ومكافحة المستبدين والرجعيين في الشرق: "ما هو دوري ؟ من هم أصدقائي ؟ ومن هم أعدائي ؟
إن همي هو أن أعرف وأن أفهم وأن أكافح الانكليز حتى يجلو عن بلادنا. وأيضاً أن أكافح تاريخنا : أكافح هذا الشرق المتعفن الذي تنغل فيه ديدان التقاليد".

كان هذا مشروع "سلامة موسى" سنة 1909 وهو بعد في مطلع شبابه .. وما أشبه الليلة بالبارحة، وكم نحن ما زلنا بحاجة إلى هذا "المشروع" في وقتنا الحاضر ...

يتبع

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	عامة اهل النار من النساء	الباحثة عن الحقيقة	23	6,567	11-13-2011, 05:34 PM آخر رد: yasser_x
	"هي دي مصر ياعبلة "	طيف	8	3,104	03-06-2011, 09:37 PM آخر رد: طيف
	نظرة عامة على المجتمع الإسلامى	قطقط	0	1,015	10-22-2010, 05:26 PM آخر رد: قطقط
	العنصرية عامة وعنصرية اللون خاصة	علي هلال	28	7,119	10-21-2010, 11:11 PM آخر رد: علي هلال
	موسى يدعو تركيا وإيران لعلاقة خاصة مع الجامعة العربية	Basic	0	1,060	02-20-2010, 02:55 AM آخر رد: Basic