{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
رواية صوفية عن حياة الفيلسوف اليوناني ( فيتاغورس )
Georgioss غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,434
الانضمام: Jan 2005
مشاركة: #4
رواية صوفية عن حياة الفيلسوف اليوناني ( فيتاغورس )
[CENTER]الفصل الأول


في ما بين سنتي 580 – 570 ق.م تقريباً، وعلى شاطئ البحر المتوسط، حيث كانت ترتصف حجارة مسطحة منظمة جنب إلى جنب مرصفة رصيف الميناء الطويل لواحد من أعظم وأقدم المرافئ في العالم. إنها صيدون.

إن الحقبة الكنعانية الفينيقية لهذه المدينة، بلغّت ذروتها في ما بين القرنين الثاني عشر، والعاشر ق.م. إذ قد لعبت دوراً مهماً على المستويات الروحية والعلمية والإقتصادية في ثقافة المتوسط. مما ترك أثراً كبيراً وملموساً لا يزال قائماً لغاية يومنا هذا.

إن التقليد يقول بأن صيدون كان الإبن الأكبر لكنعان، أب العرق الكنعاني الفينيقي ذو الشخصية القوية، وهو القائد الكاريزماتي، فبنى المدينة وأعطاها إسمه. وكان ذلك منذ ما لا يقل عن 3000 سنة ق.م.
ويعني إسم صيدون " الصيد"، لأن الصيد كان واحداً من أهم مصادر كسب الرزق لسكانها، الذين كانوا بمعظمهم صيادي أسماك، " وصيادي بشر". لذلك عرفّت المدينة بإسم صيدون.

هناك كانت تقف على رصيف الميناء العظيم بطوله، ناظرة إلى مغيب الشمس، ومتأملة في الماضي، في وقت كانت فيه الكرة البرتقالية الحمراء مغطاة بطبقة قلية الكثافة من الغيوم متحدة مع المياه الكنعانية الفينيقية. وكان هناك سرب من طيور النورس يحلق خارقاً الهواء، وعاكساً ظله على تراب الشاطئ المملؤ بأشجار النخيل.

وكانت بواخر الكنعانيين تطوف في كل الإتجاهات لتصدّر الحكمة والمعرفة، واللباس الأورجواني المصنوع من الكتان، والمعادن المصنّعة، والنبيذ، والملح، والعطور، والحبوب، والزجاجيات، والفخاريات المصنوعة بدقة فائقة. هذا وأن صيدون كانت لديها قدرة إنتاجية ضخمة ومنوّعة. وفضلاً عن ذلك، فقد قاموا بصناعة الخوابي المنقوشة والمجوهرات المزخرفة بدرجة عالية من البراعة الفنية. ومن ميناءها، كانت تشحن أخشاب الأرز والصنوبر إلى البلدان الأوروبية، وأفريقيا والأمركيتين.
وبالمقابل، كان التجار الكنعانيون الفينيقيون يستوردون الذهب والحديد والرصاص من الشواطئ الغربية للبحر الأسوّد، والنحاس من قبرص، والأحجار الكريمة من الهند والشرق الأقصى، والعاج من أفريقيا، وورق البردي من مصر، والفضة من إسبانيا، والرصاص والتنك من أرض البريطانين. كما وإستوردوا أيضاً، خشب الإبنوس، الحرير، الأحصنة، البهارات، التوابل، العنبر والبخور.
فالمياه الكنعانية - الفينيقية كانت أشبه بقفير النحل، إذ كانت البواخر فيها تمخر المياه ذهاباً وإياباً بحركة دائمة بدت للناظرين إليها وكأنها الفوضى بذاتها داخل نظام شبه خفي.
لقد لاحظت ذلك، وأخذتها الدهشة بما للبحارة من قدرات على المناورة التناغمية في كل أنحاء البحر المتوسط. وهي مرتدية فستاناً أزرقاً من الكتان الطويل، ورأسها مغطّى بوشاح زهري اللون، ووجها ناعماً للغاية، أما عيناها فكانتا عسليتان وكبيرتان. وعلى صدرها كانت تضع قلادة من الياقوت الأزرق منظرة بفارغ الصبر عودة زوجها الصوري التاجر، الذي كان على وشك الوصول من رحلة قام بها إلى اليونان منذ حوالي الأسبوعين تقريباً.
هاك ظهرت بين السفن، السفينة التي كان منيساركوس ( 1 ) على متنها، فأدركت ذلك من خلال مؤخرة السفينة المرتفع عليها تمثال ل" نصف إمرأة – نصف سمكة - عشتروت سيدة البحر". وأقتربت السفينة كثيراً، ومن ثم رستّ على رصيف الميناء. فنزل منها عدد كثير من الناس، تجار وفنانين. ومن بين تلك الجموع الغفيرة، رأته آتياً نحوها وعلى وجهه علامات السعادة بادية بوضوح، وهو بردائه البنفسجي الطويل المربوط على خصره بحزام جلدي، وشعره الأسود الطويل المجعد، ولحيته المغطية لوجهه الذي لفحته الشمس بأشعتها.
وما إن رأته حتى غمرتها السعادة، لإبتسامته المشجعة لها. ولدى دنوّه منها، جثى على ركبتيه وقبّل الأرض. ثم لمس بطنها بنعومة وعطف، فشعرت بالإرتباك بسبب تصرفه هذا، لأنه ما كان قد فعل مثل هذا معها في السابق في مكان عام.
- فكلمها بلطف:" إني أشعر بتحركه، ونبضه المتناغم الإيقاع في داخلك".
- إبتسمت واضعة إحدى يديها على بطنها، والأخرى على رأس زوجها منيساركوس مداعبة شعره الطويل المنسدل على كتفيه. ومن ثم سألته بتعجب:" لماذا تعتقد يا حبيبي بأن المولود الذي نتظر هو صبي"؟
- فإبتسم ووقف، ثم أمسكها بذراعيها ونظر بعينيها وقال:" إني آت بأخبار طيبة يا حبيبتي بارتينيس، لقد قمت بزيارة أشهر المعابد في اليونان وهو معبد دلفي، وإن واحداً من رفاقي التجار اليونانيين، علم بأنك حاملٌ فنصحني بأن أستشير العرافة، ففعلت، وهي التي أعلمتني بأننا سنرزق بصبي".
بارتينيس المؤمنة ب " إيل" إله الكنعانيين - الفينيقيين، وآلهة أخرى أدنى مرتبة من إيل، أخذتها الدهشة من تمكّن أناس آخرين مؤمنين بآلهة أخرى مختلفة معرفة الغَيب. ولكن وبنظرها فإن تلك المعرفة من المحتمل أن تكون مجرّد أوهام لا اكثر ولا أقل، فالقلق والفضول تركاها في حالة من الريبة والحيرة.
- فقالت:" يا حبيبي منيساركوس، أخبرني، هل أنت فعلاً مؤمن بما تنبأت به تلك العرافة الكاهنة، وأنت العارف بأن إيمانها وإيمان شعبها مختلف عن إيماننا نحن؟ هل هذا ممكن فعلاً"؟
- أجابها:" آه يا باراتينيس، إني أخبرك بما أخبرتني إياه، وأنا مصدّق لأقوالها. وأتمنى عليك أن تري تلك الكاهنة. فأنا وعند ذهابي إليها بدى لي بأنها قد ذهبت بعيداً في العالم الناءٍ حيث أكتنفها الضباب وكأنها كانت تقوم بمخاطبة العالم اللامرئي.
فأنت يا عزيزتي بارتينيس، بإستطاعتك الذهاب معي في رحلتي القادمة، وسترين بأم العين. هذا إذا كانت لديك الرغبة في ذلك".
- إلتفتت ناظرة صوب البحر، وسألته بشغف:" أين تقع اليونان"؟
منيساركوس تحرك مشيراً بإصبعه ناحية الشمال الغربي، حيث كانا يقفان معاً وأيديهما متشابكتين. فضغطت على يديه وأغمضّت عينيها، وأخذتّ نفساً عميقاً وطويلاً.

* * *


إن الطريق من المرفأ إلى المدينة مرصوفٌ ومزدانٌ من الجهتين بأشجار النخيل ، والأعمدة الموضوعة عليها القناديل لإنارة الدرب.
منيساركوس وبارتينيس يمشيان سوية على تلك الطريق الهادئة المودّية إلى السوق الذي ليلته هذه صاخبة، ذلك أن المحلات التجارية فيه لا تزال مفتوحة لعرض ما فيها من بضائع مختلفة حيث البعض من التجار قاموا بتخزين بضائعهم الجديدة فيها التي شحنوها من الخارج لتوّهم بغية عرضها في اليوم التالي.
بالإضافة إلى ذلك، كانت المعادن ترسل مباشرة إلى المصانع القائمة على مقربة من السوق، كالمصنع الذي كان موجوداً في الصرفند على بعد 15 كيلو متر جنوبي صيدون لتصنع من القطع المعدنية اشكالٌ مختلفة وجميلة. وفضلاً عن تلك المحلات التي تعرض فيها البضائع، كانت صيدون مشهورة بخدماتها الإجتماعية وعلاجاتها الطبية، لذلك بات " أشمون" إله الطب من أشهر الآلهة فيها. ويقول التقليد:" إن أشمون كان رجلاً عادياً ذو قدرات عجائبية على الشفاء بإستخدامه الأعشاب الطبيعية في علاجاته". لذلك أعتبره الصيدونيون إلهاً.
ففي طب الأسنان مثلاً، كان الأطباء يلفّون سلكاً من الذهب الخالص على النيرة بغية مسك الأسنان المرتخاة لتثبّت في مكانها.

الناس أحبوا العيش في صيدون، السكان الأصليون كما الغرباء عنها. فكلهم وجدوا الحياة فيها مليئة بالمرح ونابضة بالحياة نفسها في قلوب الناس، والحيوانات، والأشجار، وفي داخل البيوت كما على الطرقات وفي كل مكان منها.

وترك الزوجان السوق متوجهان إلى المنطقة السكنية التي كانت فيها البيوت كلها متشابهة لحد ما. فمنها ما كان مستطيلاً وقائم الزوايا، ومنها ما كان مكّعب الشكل، وكلها مبني من الحجارة، أما نوافذها فكلها مطلة على كل الجهات وهي مزدانة بالأحجار الكلسية.
أما منزل منيساركوس وزوجته بارتينيس فهو شبه مختلف عن ما عداه من منازل أخرى. فقد كان مبنياً من الحجر، ومسقوفاً بخشب الأرز، ومحاطاً بحديقة. ولم تكن غالبية الناس لها منزلٌ مشابه له، لأن كلفة إنشاء واحد مثله هي باهظة، ولكن منيساركوس لم تكن لتنقصه الإمكانية لإمتلاك مثل هكذا منزل، وهو الرجل الذكي الذي أفلح في تعاطيه التجارة التي منها جنى ثروته.
ودخل الزوجان إلى منزلهما، وأضاءوا قنديل الزيت المعلّق على عامود في وسط الدار. وجلس منيساركوس على الأريكة ليرتاح، بينما كانت زوجته منهمكة بإعداد الطعام. وبعد ذلك، وبمحاذاة النافذة المغطاة ببرداية أرجوانية جميلة، وعلى طاولة خشبية فخمة قام بصنعها نجار صيدونيّ، جلس الزوجان لتناول طعام العشاء من اللحوم والخضار والفاكهة الطازج التي كانت تملئ المنزل بروائحها الشهية في جو من الصمت والسكون، إذ كانا يتخاطبان بلغة العيون. وبعد مضيّ القليل من الوقت، ذهب منيساركوس للنوم، لأنه كان منهكاً بسبب طول الرحلة التي قام بها عائداً لبيته ووطنه.
في اليوم التالي ظهرت الشمس متحركة ببطء فوق قمم جبال لبنان الشرقية، وغناء العصافير الذي تبعته حركة الناس والحيوانات التناغمية كان مواكباً لحركتها. في هذه الأثناء كان الزوجان يتناولان طعام فطورهما من الحليب الطازج في حديقة منزلهما، حيث أريج الزهور والشجر مالئاً الهواء الذي كانا يستنشقانه بكل جزء من جزيئاته. وما كانت تشكيلة الألوان والأنواع إلا لتزيد وجودهما مع بعضهما تناغماً. ومقابل ناظريهما كانت " تلة الميراكس" Murex . وبمحاذاة حديقتهما، وعلى الطريق الضيقة ظهر صف من الرجال والنساء يمشون قاصدين تلك التلة وهم حاملين السلال المملؤة بصدف الميراكس، وكأنهم متوجهين إليها للقيام ببعض من الطقوس، ملوّحين بالأيدي للزوجان الذين ردا لهم السلام. أما منيساركوس، فإستوقف أحدهم طالباً منه أن يحضر له وفي خلال شهر ردائين من " الأورجوان الملوكي" بناء لطلب شخصين من وجهاء اليونان.
- ولدى سماعها ذلك، قالت بارتينيس:" وأخيراً،أعتقد بأننا سنذهب إلى اليونان في خلال شهر من الآن، كم هذا جيّد"!
- فأجابها زوجها:" نعم يا حبيبتي، وأنا متأكدٌ بأنك ستتمتعين بوقتك هناك. فسأعرفك على كل أصدقائي من رسامين، وشعراء، وتجار، وسياسيين".
- فأجابته:" أنا منتظرة بفارغ الصبر زيارة اليونان، والتعرّف على أصدقائك هناك. أما بالنسبة لتلك الكاهنة العرافة التي حدثتني عنها سابقاً فأنا لست متاكدة من شرعيتها".
- فأجابها:" حسناً يا حبيبتي، فأنا لا أحاول إقناعك بها، لكنك لا تستطعين أن تحكمي عليها من دون أن تريها أولاً".
- فقالت:" أنا أعلم ذلك يا منيساركوس، ولكن إذا أردت. يمكننا أن نزور الكهنة في جبيل لأنني متأكدة بأن قوة الإله العلي " إيل" هي معهم".
- قال:" أنا لا أمانع ابداً ما إقترحته، سنزورهم حتماً".
بارتينيس شعرت بالراحة لما قاله أخيراً، وهي تشرب الحليب الطازج.
بالأمس وعندما كلمها زوجها عن دلفي بإيمان كبير، ظنّت بأنه قد غيّر قلبه ودوّزن عقله لآلهة اليونان. أما الآن وبعد تلك المحاورة التي دارت بينها وبينه، فقد باتت متأكدة بأن شكوكها فيه لجهة تغيير إيمانه لم تكن أبداً في محلها من الصحة والدقة. ثم نظرتّ إليه، فكانت عيناه متجهة إلى مكان آخر.

وفي غضون ذلك فإن موكب الأخصائيين بصدف الميراكس وصل إلى التلة الإصطناعية التي تكوّنت من رواسب نفايات مصانع صبغ الأورجوان خلف تلة الميراكس. وإن هيئاتهم الغير واضحة المعالم بدأت بالزوال ببطء كلما إبتعدوا. والأهالي هناك، كانوا قد إختاروا هذا المكان بإستراجية فائقة شرقي صيدون، وذلك من أجل إبقاء الروائح بعيدة عنهم عندما تهب الرياح متجهة صوب الأسفل.
هناك في الداخل، وبسرية تامة كانت قطع صدف الميراكس (2) الصغيرة تكسر. ليقوم الأخصائيون بعدها بسحب الرخويات منها ووضعها في براميل واسعة فوق نار خفيفة. وبعد ذلك، كانوا يضعون تلك الرخويات تحت أشعة شمس المتوسط لتتحلّل فوراً وتصبح ذات لون صفراوي صباغي. وكان المهرة من الكنعانيين - الفينيقيين العاملين بسرية تامة، يشعلون هذا السائل لحوالي أسبوعين مسيطرين على هذه الطريقة، مضيفين إليها وصفة كيميائية ليست معروفة.( ربما البعض من خواص الليمون) الأمر الذي كان ينتج عنه تنوّع فائق الجمال من الألوان ما بين الزهري الخفيف، إلى البنفسجي الغامق " اي الأرجوان الملوكي".
وكان النسيج الراقي المستوّرد من مصر يصبغ بهذه الألوان الرائعة الجمال والطويلة الديمومة معطية بذلك في كل مكان متعة الموضة.
فالأورجوان الملوكي كان اللباس الدائم والتقليدي للشعب الكنعاني - الفينيقي، وأطلق عليه هذا الإسم لأن الملوك والأغنياء من الأمم الغريبة بإستطاعتهم دفع ثمنه وهم الباحثين عنه دوماً، طالبين إياه مقابل الذهب.

إن الصيدونيون، كما الصوريون أيضاً إشتهروا بصباغة الأرجوان، وكانوا حريصين ومحافظين على صون سر صناعته الفريدة هذه، وللغاية فقد كانوا يفتشون ويراقبون كل عامل وعاملة لديهم في وقت إنتهاء دوامات عملهم وقبل ذهابهم لبيوتهم كي لا تنقل الأسرار من خلال أي من أولئك العمال إلى أحد. وإنهم وبهذا الضبط للأعمال وتلك السيطرة على أسرارها والمحافظة عليها، ظلوا هم الوحيدين القادرين على القيام بتلك الصنعة التي إبتكروها.

هناك، ومن وراء تلة الميراكس، ظهرت أشكال صغيرة متحركة ماشية ببطء في المجال الرحب أمامها. وهي متّبعة إيقاعاً خاصاً، ظاهرة ومتخفية على مد النظر، مما كان يخيل للناظر إليها بأنها ليست ثابتة بحركتها، وكأن تلك الأشكال تحاول إخفاء طبيعة حركتها.
وكانت الشمس المشرقة كالملك فوق قمم الجبال الشرقية، وبدأت تلك الأشكال الغير واضحة المعالم، بالإتضاح شيئاً فشيئاً. وكلما تقدمت للأمام كانت تزداد وضوحاً أكثر فأكثر. إنهما كائنان بشريان يظهران، وها هو شكلهما يتوضح رويداً رويداً، ونبضة نبضة.
وبدى الأول وكأنه حاملٌ حملاً كبيراً، أكبر من الذي كانت تحمله الأخرى. إنه يحمل صندوقان، وهي تحمل لفافة من الورق البردي تحت إبطها، أما لباسهما فكان تقليدياً. وما هي إلا هنيهة حتى وصلا إلى منزل منيساركوس وبارتينيس. ففتحا بوابة الحديقة وتوقفا، ولم يكن هناك أي صوت لحركة داخل او خارج المنزل. وعبرا الحديقة بإتجاه المنزل ووضعا الصندوقين ولفافة الورق البردي على عتبة الباب الخلفي المطل على تلك الحديقة، وأنتظرا لهنيهات، ومن ثم وببطء ومن دون أن يلتفتا للوراء تركا المكان.
ولم يمر من الوقت بعد ذلك أكثر من ساعتين، حتى إستفاقت بارتينيس من نومها. فرفعت الستار وفتحت النافذة، وأخذت نفساً عميقاً من الهواء المنعش. ومن ثم تحركت إلى الداخل مبتعدة عن النافذة التي كانت في بعض من الأحيان تتمشّى ذهاباً وإياباً بقربها، وكأنها منشغلة بأمر ما.
لاحقاً، فتحت بارتينيس الباب الخلفي، فوجدت على عتبته صندوقيين بنيَ اللون ورائحة الأرز فواحة منهما، ولفافة الورق البردي. وقرأت ما كان مكتوباً على الصندوقين بالأحرف الفينيقية:" الأرجوان الملوكي - قطعة واحدة". وكانت على واحد من الأطراف الأربعة لكل صندوق من الصندوقين محفورة الكلمات التالية:" صنع في صيدون – فينيقيا". ولتوّها، أدركت بأن تلك الأغراض هي مرسلة لزوجها، لذلك فهي لم تحل لفائف الورق البردي، وقالت في نفسها:" منيساركوس سيتولى الأمر لاحقاً".
ومرّت في ذهنها أن فكرة الرحلة لليونان قد باتت امراً مؤكد حدوثه، ومصير ولدها المنتظر سيعلن عنه قريباً جداً. وتداخل في قلبها الشعور بالقلق والفرح في آن واحد، وبانت على ثغرها إبتسامة، وبعض من ملامح الإضطراب على وجهها. ومرّت بمحاذاة تلك الأغراض قاصدة الحديقة بخطوات بطيئة وحذرة. وطار من امامها طائر صغير ذو ريش ملوّن هو أشبه بطائر الفينيق الأسطوري، وراح يتنقل من غصن شجرة، ليحط على غصن شجرة أخرى مختلفة. وراحت تحدق به متأملة إياه، فبدى لها كم هو سعيد بتنقلاته، وإبتسمت.
* * *
وإنقضى الأسبوع الأخير، وإنتهى معه الشهر.
هناك على رصيف ميناء صيدون، كان يجتمع التجار والفنانين والعلماء تحت أشعة شمس المتوسط. إنه نهار جميل، فالكل كانت تحركه إرادة ذو طاقة هائلة. إنها إرادة الحياة.
وبنشاط وإيمان، ظهروا وهم مختلطين ببعضهم البعض، حيث كان كل فرد منهم على إختلاف تخصصه بالحياة تواقاً للقيام بمغامرة مليئة بروح الإنتماء إلى عائلة بشرية شجاعة ومحبّة ومهتمة.
وبين تلك الجموع من الناس، ظهر منيساركوس وزوجته بارتينيس، فراحا يسلمان على الناس المحتشدين هناك وهم متوجهين صوب السفينة التي كان منيساركوس دوماً يسافر على متنها.
وكانت الرياح الناعمة تلامس وجه عشتروت المتجهة عيناها صوب الناس تارة، وصوب أمواج بحر الربيع المبكر تارة أخرى.
وحط الزوجان رجليهما على ظهر تلك السفينة.
بارتينيس، قليلاً ما سافرت إلى خارج فينيقيا قبل زواجها وبعده،.إنه يوم جديد ومميز بالنسبة لها، فتركها لصيدون لم يكن بالأمر السهل عليها، حتى ولو كان ذلك لفترة قصيرة من الزمن. لكن، أمامها هدف يجب عليها ان تحققه، ووجهة عليها ولوجها.
وبدون اي تردد منها، راحت تسير على ظهر تلك السفينة، وهي ترتدي رداءً من الكتان الأزرق، ملتحفة بوشاح أبيض أمام كل الرجال الذين كانوا هناك على ظهر السفينة، متتبعة لخطوات زوجها منيساركوس الذي اشار لها إلى درجة موجودة على شمالي غرفة القبطان في مؤخرة السفينة. فسبقته نزولاً حتى وصلا سوية إلى رواق فاصل بين أبواب الغرف.
- وسمعت صوت زوجها من وراءها قائلاً لها:" يا حبيبتي بارتينيس، إنها غرفتنا تلك الواقعة مباشرة أمامنا".
فتوقفتّ أمام بابها، وإلتفتت صوب زوجها الذي هز برأسه. ثم أمعنت النظر في باب الغرفة، فرأت عليه صحفة من البرونز مكتوب عليها:" الرقم 5". إنها غرفة منيساركوس التقليدية المخصصة له في رحالاته، ولم يكن في تلك الغرفة الصغيرة سوى سرير واحد، تقابله من الجهة الأخرى بمحاذاة الحائط تعليقة الثياب، هذا فضلاً عن طاولة عادية. وفي تلك الأثناء، جاءهم الحمال ليدخل أمتعتهما للغرفة، فأعطاه منيساركوس قطعة نقدية معدنية، فإبتسم الحمال شاكراً، ثم إنصرف.
أما في خارج السفينة، كان هناك ما يزال البعض من الناس يتمشون على رصيف الميناء، فصرخ بهم القبطان:" الكل على السفينة، سنبحر بعد عشرة دقائق من الآن".
* * *
عندما كان الزوجان على ظهر تلك السقينة التي كانت غاصة بالناس، ومن بينهن البعض من النساء. عاد القبطان للصراخ من جديد، بهدف التأكد من أن كل المسافرين باتوا الآن على متن السفينة. وما هي إلا هنيهات، حتى تحركت السفينة ببطء مبتعدة شيئاً فشيئاً عن رصيف الميناء، منطلقة بقوة أربعين رجلاً من المجذفين بها وهم منقسمين لصفين، واحداً فوق الأخرعلى جهة واحدة منها. لقد كانوا يجذفون بتناغم وإيقاع متتابع، وهم ينصتون لموسيقى الإبحار التي كان عازف الناي يعزفها.

وبإزاء السفن الفينيقية، لم تتعدى السفن المصرية كونها مجرد زوارق كبيرة، كان يستخدم بحارتها المجاذيف القصيرة ذات الشفرة العريضة على طرف واحد أو طرفين منها للإبحار. أما البحارة الكنعانيون ذوو الخبرة، فقد إبتكروا تقنية التجذيف بالمجاذيف الطويلة ذات الفعالية الكبيرة، هذا فضلاً عن كوّنهم فريدين من نوعهم في قيادة السفن. فكان القبطان يتولى قيادة المجذفين بالمجاذيف، في حين كان العازف بالناي يبدوا كالمايسترو واقفاً أمامهم، وموزعاً الأدوار عليهم وكأنهم كانوا في حفلة موسيقية يعزفون فيها السمفونيات الرائعة. الأمر الذي جعلهم على تناغم قوي مع بعضهم البعض، ومع القبطان أيضاً، بغية تسيير السفينة بأقصى سرعة ممكنة. فالقبطان كان دوماً متأهباً، وعمل ربان السفينة في غاية السهولة.
وأصدر القبطان أوامره، فإنطلقت السفينة بسرعة مبتعدة عن المرفأ. وفي مقدمتها يرتفع رأس حصان خشبي موجهاً صوب قلب البحر المتوسط. أما في وسط سطحها، فيرتكز العامود الحامل الشراع مرتفعاً لخمسة أمتار. وشد أحد البحارة الحبل بحذر حالاً رباطه، فنزل الشراع منبسطاً، ليكوّن شكلاً مستطيلاً، فضربته الرياح وتابعت السفينة سيرها بسرعة، سابحة على وجه المياه الزرقاء.
النهار في منتصفه، ومعظم التجار الكنعانيين الفينيقيين يضعون بضائعهم المختلفة بطريقة منتظمة في منتصف سطح السفينة، أما هم فمرتاحون على الجانب الآخر منه. ذلك أن السفينة رحبة، فطولها البالغ 32 متراً، وعرضها البالغ ستة أمتار، أمّن لأولئك التجار المكان الفسيح لهم ولبضائعهم، وللناس الآخرين أيضاً التنزه والتجوّل على سطحها بكل راحة.
وإلى جانب تلك السفينة، كانت تبحر سفنٌ كثيرة محملة بالبضائع والناس، منها ما كان كبيراً، ومنها ما كان صغيراً. مبحرة كلها في هذه المملكة البحرية، متوجهة إلى مختلف الأصقاع.
- بارتينيس ومنيساركوس، كانا يتناولان طعام الغداء معاً. فقالت له:" أنا متحمسة جداً يا منيساركوس لكل ما هو حاصلٌ، إنني وبفارغ الصبر أنتظر الوصول لليونان، فكم يلزمنا من الوقت بعد كي نصلها"؟
- أجابها:" سنصل في غضون ثلاثة أيام، وأنا عالم بأنك متحمسة جداً، تماماً مثلي وأنتِ بقربي. وإني أعدكِ بأنكِ ستتمتعين هناك، فاليونان هي مكان جميلٌ يستحق زيارتنا وإهتمامنا، أما دلفي فهي ضرورة روحية".
ووقفت بارتينيس على حافة السفينة ناظرة إلى الشمس أتي أوشكت على الغروب، حيث بات لونها يتغيّر شيئاً فشيئاً، وهي تنحدر ببطء صوب المياه أمام ناظريها، وكأنها تغرق فيها. وهي لم تشعر بذلك من قبل بأنها قريبة جداً من الشمس. وتخيلت الصوت العميق لتلاقي الشمس بالمياه التي إضطربت منها، متصوّرة النار التي فيها مهتزة من شدة قوتها، إذ أن عنصرين مختلفين من الطبيعة قد إتحدا. إنهما النار والمياه.
وفي هذه الأثناء، وضع منيساركوس يده الدافئة على ظهرها مقاطعاً تخيلاتها. فلامس بطنها مدللاً إياه بنعومة، ووضع يده الأخرى بيدها، مسنداً رأسه على كتفها. فإضطربت من الداخل.
- ثم همس بأذنها:" أحبك يا عزيزتي".
فإبتسمت، وإنتباهما الشعور بالوصال الغامرهما. منصتين لصوت نبضات قلبيهما العميق الخافق في داخلهما، شاعرين بالسعادة والسلام.
لاحقاً، وفي تلك الليلة، كان الزوجان السعيدان على موعد مع هملكون قبطان السفينة لتناول العشاء معه ، وهو ذو جسد نحيل، ولحية طويلة، وشعر طويل أبيض منسدل على كتفيه، وله من العمر ما يناهز الخمسين عاماً، وصاحب نظرات ثاقبة. . .
وعند حلول المساء، جلس منيساركوس وبارتينيس على مائدة العشاء بصحبة أربعة من التجار الأغنياء، وهملكون معهم. فراحوا يشربون النبيذ، ويتناولون الأطعمة الشهية. وفي خلال العشاء راح القبطان هملكون يروي لهم القصص الغريبة عن البحر، محدثاً إياهم عن الأراضي التي كان قد زارها، وهو البارع في سرده القصص. فحركات جسده، وملامح وجهه هذا فضلاً عن حدة صوته جعلت منه ذو حضور رهيب. وإن كل واحد من الجالسين معه على المائدة، إنتابه الشعور بالإنجذاب نحوه، والإحساس بأنه قد قام بزيارة تلك الأراضي التي حدثهم عن زيارته لها، وكأنه كان مشاركاً إياه في إختباراته البحرية. فسفينته هي واحدة في الأسطول الذي أبحر ذات مرة متجاوزاً " أعمدة ملقارت هرقليس"، قاصداً بر التنك ( 3 )، أي ارض التنك. وكان هملكون في رحلاته المتعددة، قد نزل الأرض التي كانت تقيم فيها الشعوب ذات البشرة السوداء، كما أن سفينته كانت قد رست في مرفئ" مرسى إيل" ( 4 ) في أوروبا.
لقد كان العشاء مع القبطان مليئاً بالمرح، ومثيراً للإهتمام، وهو الرجل الشريف والمغامر. وبعد إنتهاء العشاء، عاد منيساركوس وزوجته إلى غرفتهما، لأن الليل قد مال، والوقت حان ليخلدا سوية للنوم.

وبزغ الفجر بقوة في النهار التالي، فأفاق التجار والبحارة من نومهم متحركين ذهاباً وإياباً على ظهر تلك السفينة. وجلس المجذفون كلٌ في مكانه، وساروا بالسفينة بسرعة تحت أشعة الشمس. وبعد دقائق معدودة، تركوا الشراع ليقودها بفعل الرياح الخفيفة.
لقد مر النهار بهدؤ في ذهن كل الذين على متن السفينة، وفي الليل وقفت بارتينيس ثانية على حد السفينة، وهي تنظر إلى القمر المكتمل نوره في قبة السماء، في الوقت الذي كانت فيه تلك السفينة تطفوا بإستسلام للمياه المتلألئة، في وقت كانت الرياح فيه تطلق نغماً معزوفاً في ذاك الجو الباهر فوق البحر اللامتناهي. ومع أن بارتينيس إنتابها الشعور بالخوف من كل ماهو محيط بها، فقد كانت تشعر بالأمان.
- وتناهى لمسمعها صوت وقع خطوات على ظهر السفينة يرتفع شيئاً فشيئاً، إلى أن بات على مقربة منها. فإلتفتت لترى من هو القادم نحوها، وإذ بها ترى هملكون القبطان نازعاً قبعته عن رأسه، ملقياً عليها التحية بقوله:" هل أنت مستمتعة بهذا المنظر الليلي يا ايتها السيدة"؟
- فأجابته والإبتسامة على وجهها:" نعم، بالتأكيد. إن الجو هنا مريحٌ للغاية، وهادءٌ جداً، غير أنه وفي الوقت نفسه لا يخلوا من الغرابة أبداً".
- وتقدم هملكون للأمام ووقف بجانبها وقال:" إن البحر كان دوماً مكاناً غريباً ومخيفاً في أذهان القدماء الذين كانوا يظنون بأن وحوشاً كبيرةً كانت تسكنه، وهي ستظهر لهم من وراء الأفق. وظنونهم هذه دامت لعقود كثيرة حتى جاء اجدادنا من الكنعانيين الفينيقين، فضحضوا تلك الترهات، وغامروا بمداه الأقصى، حتى تبيّن لهم لاحقاً بأنه توجد حياة خلف أفقه".
- هملكون تنفس بعمق، محاولاً متابعة الكلام، إلا أن بارتينيس قاطعته بقولها:" إنه لشرف عظيم أن يكون المرء منتمياً إلى هذا العرق من البشر".
وظلت تساؤلتها عن البحر قائمة بذهنها، ذلك أنها لم تجد بعد السبل التي توصلها لفهمها إياه. ولكن ذلك لم يكن ليتسبب لها بالمشاكل، فشعورها الغريب نحوه هو من طبيعة مسالمة.
- ونظرت إلى هملكون، وسألته بلطف:" هلا أخبرتني كيف أصبحت بحاراً"؟ ثم أجالت الطرف ناحية البحر.
- أجابها:" إنه لتقليد عندنا في العائلة يا سيدتي. فأنا وعندما كنت صغيراً، كان جدي يروي لي القصص الغريبة عن البحر، محدّثاً إياي عن شعوره الغريب الذي إنتابه عندما قام بأولى رحلاته فيه".
فإبتسمت بارتينيس مطمئنة، بأن شعورها تجاه البحر لم يكن خاصاً بها وحسب، بل كان ينتاب كل الذين سافروا فيه للمرة الأولى. إن هذا الشعور، هو حالة أخرى من حالات الوعي الذي تحفزه الطبيعة.
- وقال لها هملكون:" لقد قال لي جدي، بأن الناس قديماً كانوا يعتقدون بأن نهاية العالم هي هناك في هذا الإتجاه خلف " أعمدة ملقارت". وأمام تلك المعتقدات، فقد قرر جدي أن يقوم بمغامرة ليرى كيف هي تلك النهاية، ولدى عبوره بسفينته الأعمدة لم يجد هناك أية نهاية، وهو البحار الجديد في مهنته. وعندها راح البحارة الآخرون يضحكون لا هازئين منه بل سعيدين به وفخورين بما إكتشفه. وللحال تقدم منه القبطان وقال له كاشفاً السر الذي كان مخفياً عن السواد الأعظم من الناس:" إنها شائعات أطلقها أجدادنا لكي لا تتجرأ بقية الشعوب على الإبحار هناك". في الحقيقة لم تكن هناك من نهاية للعالم، بل بدايةً لعالم جديد".
- فنظرت إليه، لتجده ناظراً إليها بدوره، وأدركت في قرارة نفسها بأنه مدركٌ لشعورها الغريب تجاه البحر، وقال لها:" إننا نعرف الرياح جيدا والتيارات البحرية".
- ومن ثم، إلتفت صوب السماء. فحذت حذوه، وقال:" لكن هذا ليس كل شيء، فنحق كبحارة نعتمد كثيراً على النجوم التي تساعدنا على الإبحار. فإذا أردتِ الوصول إلى هدفكِ يا سيدتي فما عليك إلا أن تتبعّيها".
وتتبعّت بارتينيس لها.
* * *
لاحقاً، بعد ظهيرة النهار الثالث، رست السفينة على المرفأ في اليونان. والزوجان فرحان كثيراً وهما يخطوان معاً خطواتهما الأولى على هذه الأرض. وكانت بارتينيس منتظرة تلك اللحظة بفارغ الصبر، بغية أن تختبر العالم من منظار مختلف، متنشقة هواءً جديداً ومدركة بأنها ستفرح كثيراً.

" أهلاً وسهلاً بكما في اليونان، يا أيها السيد ويا أيتها السيدة". بهذه العبارات، رحب بهما رجلٌ كهلُ ذو رأس أصلع ولحية بيضاء. فتوّجه صوبهما، مدركاً من ثيابهما بأنهما من فينيقيا.
فألقا عليه التحية، ومن ثم عرض عليهما أن يقلهما بعربته، وللحال وضعا أمتعتهما في العربة وأنطلوا نحو أثينا.
من بعيد، وهم يقتربون رويداً رويداً من أثينا، برزت لهما جبال شاهقة وصغيرة محاطة بسهول مليئة بأشجار الزيتون والكرمه. فعبروا البوابة الكبيرة في حائط المدينة، موّجهين أنظارهم إلى أثينا. تلك المدينة التي تأسست أصلاً على صخرة الأكروبوليس المرتفعة حوالي أل 270 متراً، والمتسعة عند أسفل القلعة القديمة التي كانت القبائل اليونانية الأثينية تعيش فيها. فأثينا كانت واحدة من أعظم مدن اليونان، والنحاتون فيها كانوا في كل مكان منها منشغلين بنحتهم الحجارة جاعلين منها تماثيلاً فائقة الروعة والجمال. وعلاوة على ذلك، كان هناك البعض من الشعراء يتنزهون في ساحة المدينة تحت المدخل الشمالي الغربي للأكروبوليس حيث كانوا يلقون القصائد النثرية، ويتلون التراتيل شمالاً ويميناً. وكانت سافو قد تلت منها ما هو أشد تأثبراً على المشاعر والأحاسيس. وأشار الكهل بأصبعه إليها قائلاً للزوجين، بأن سافو هي من أهم وأشهر الشعراء في كل أثينا، هذا إذا لم يكن في اليونان كلها.

بارتينيس بدت عليها علائم الدهشة والذهول لكل ما كانت تشاهده من حولها. إنه بالفعل عالمٌ مختلفٌ تماماً بالنسبة إليها، وربما أيضاً بالنسبة لكل إنسان قدم إلى هذا المكان للمرة الأولى. لقد كانت مأخوذة جداً بكل هذه الطاقات والمواهب المحيطة بها، وبدى لها أن الفن هو ما كان أهل أثينا يعيشون له ومن أجله، كاسبين رزقهم بواسطته، وهو بالنسبة إليهم مصدراً للحياة وللسعادة.
وشد الكهل رسن الحصانين ليخفف من سرعة العربة تمهيداً لإيقافها، فتوقفت ونزل منها الزوجان وأخرجا أمتعتهما. وبالنقد الأثيني دفع له منيساركوس بدل نقله وزوجته. وبعد ذلك، مشى عابراً " الأغورا " أي ساحة المدينة وقلبها النابض بالحياة.
أما بارتينيس، فلفت نظرها جمعاً غفيراً محتشداً في إحدى نواحي تلك الساحة، فتعجبت.
- فشرح لها زوجها مبتسماً وقال:" هذا هو صولون Solon ، كبير حكماء أثينا وهو يتبادل الأراء السياسية والقانونية والدينية والإقتصادية مع الناس، وهو برفقة طاليس ( 5 )، وفيريسيد ( 6 ) من فينيقيا".
وللحال، تبدلت ملامح بارتينيس عندما رأت أخاها فيريسيد صديقاً لذاك الحكيم، متعجبة وفخورة، لأن صولون هذا القاضي الكبير قد إختار فينيقيين مستشاران له، هذا فضلاً عن كونهما صديقان حميمان له، ومساعدان في إدارة سياسات تلك المدينة العظيمة. مدركة في قرارة نفسها بأن كل شيء في هذه الأرض الجديدة بالنسبة لها هو حاملٌ في أسسه المدنية بصمات الفلسفة الكنعانية الفينيقية، وروح الفن الكنعاني العميق، وإبتسمت.

بالبداية، وقبل ذلك الوقت، كانت العائلات الأرستقراطية حاكمة لأثينا. لاحقاً، إنتقل الحكم ليد صولون وذلك كان منذ عشرين عاماً. وصولون هذا، هو إبن إكزيسيس تيداس الذي إعتقد نفسه بأنه سليل الملوك الأثينيين القدماء.

من حولها وعلى حدود تلك الساحة، برزت أمامها أبنيةٌ مختلفة ومزارات، ومن بينها البازيليك الملوكي، ودار مجلس الشورى، وأيضاً واحدة من أكبر قاعات المحاكم. وعندما كانت بارتينيس ملتفتة ناحية تلك الأبنية الفائقة الجمال، والمحلات والأسواق. إنطلق مجدداً صوت صولون محدثاً الصدى، فقال:" إن الطبقة الأرستقراطية المسيطرة على الحكم، تلك الطبقة المالكة لأخصب الأراضي الزراعية، قامت بإستغلال الفقراء الذين إضطرتهم أحوالهم السيئة للإستدانة. . . هذا الحكم يجب أن ينتهي، وهذه هي مهمتنا. فالفلاحون الفقراء كانوا في أغلب الأحيان عاجزين عن دفع الضرائب لأولئك الحكام، فأجبروهم على القيام بالأعمال الشاقة في أراضيهم كعبيد لهم. وأمام هذا الواقع المرير، سنكون مضطرين لسن مجموعة من القوانين الجديدة تكون أكثر عدالة وإنسانية".
وكانت الناس بمختلف طبقاتها، تنصت لما كان يقوله صولون بإهتمام كبير، إذ كانت كلماته تحرك فيهم روح التغيير، مظهرين الرضى، آملين بحل مشاكلهم.
- وتابع صولون:" سوف نفك رهن الأراضي التي صادرها أولئك الطغاة، وسنحرر كل العبيد، وسيكون لدينا مرسوم قانوني ينظّم تلك المسائل، وللحال سنباشر بإعداده".
وإرتفعت الهتافات في كل مكان، ورفعت الجموع اليافطات المؤيدة لصولون، معبيرين عن مشاعرهم نحوه كمحرر لهم.
وكان منيبساركوس وبارتينيس، يشهدان إصلاحاً شاملاً وقوياً يحدث داخل الأغورا في أثينا. وبما أن طاليس كان رجلاً حكيماً، فقد أعتبر أيضاً كمحرر.
- وأضاف صولون:" سوف نؤَ مّن أعمالاً إضافية، كالتجارة إلى جانب مهن أخرى لأولئك الذين لا يمكنهم أن يكونوا فلاحين. وكما لاحظتم مؤخراً، فقد كنا نقوم منذ فترة بتوزيع عملة نقدية جديدة مسبوكة في أثينا شاملة كل الفئات النقدية. وبالإضافة إلى ذلك، سيكون علينا تحديد مكاييل ومقاييس عديدة لإستعمالنا التجاري. لذلك فسنشجع الإتجار بما لنا من منتجات، كالحبوب وزيت الزيتون، والنبيذ، والفخاريات، في كل الأسواق التجارية في العالم".
وكانت الناس تنظر إلى حكيمها وأصدقائه الحكماء وهم بلابسهم الأبيض مع شيء من الزرقة على اطراف تلك الملابس بإعجاب وتعجب! إذ كانوا بادين كالملائكة أمام أعيُن الجموع، التي راحت تسأل مستفسرة عن المزيد من التفاصيل.
- ورد عليهم صولون بدقة:" أيها المواطنون، إن الأغنياء منكم سيحلون محل الطبقة الأرستقراطية. وسوف نقوم بمعاينة الأرباح السنوية، مرتكزين على ما لدينا من منتوجات أساسية، وللغاية سوف نقسّمكم إلى أربعة أقسام. وبموجب ذلك سوف تحصلون على الإمتيازات السياسية، كلٌ حسب قدراته، إذ أن كل فرد منكم سيكون مخولاً له حق حضور الجمعية العامة التي منها ستتشكل الطبقة الحاكمة، بغية أن يكون متاح لكل فرد منكم حق المشاركة في سن القوانين والمراسيم، وتعيين الموظفين الرسميين، وحضور جلسات المحاكم، وسماعكم لما يصدر عنها من أحكام".
منيساركوس وبارتينيس، وبعد كل الذي سمعاه. نظرا لصولون بإحترام شديد، لأن كل ما قاله، كان أساساً لواحدٍ من أهم الدساتير والقوانين للحياة الإنسانية وتطوير المجتمع.
- وتابع صولون الكلام:" إن من هم أكثر فقراً فيما بينكم، سيكون بإمكانهم العمل على إنشاء مجلس مكوّن من 400 شخص بهدف التحضير للأعمال التجارية للجمعية العمومية. إذ أن المراكز العليا في الحكومة، سوف تكون مخصصة للذين لديهم أعلى مرتبتين في الدخل المادي".
- وبدى أن صولون قد انهى خطبته بكلامه الأخير هذا، غير أنه أخذ نفساً عميقاً، وأغمض عينيه للحظات، ثم فتحهما محدقاً بالجموع المحتشدة أمامه، ليضيف بنغمة قوية وثابتة:" إننا الآن، نضع بين أيديكم أسس الديموقراطية المستقبلية".
ومن ثم إبتسم، منهياً خطبته.
إن القانون الذي سنه صولون، هذا السياسي والشاعر والمشرع الأثيني، كان عادلاً، ومحرّماً السرقة، منزلاً عقاباً قاسياً بحق كل من كان يقترفها، ألا وهو الموت.

لقد خاطب صولون الجموع عن مجتمع فائق التنظيم، على قاعدة ثابتة، أساسها، الرجل المناسب في المكان المناسب. مقترحاً الحلول التي ما كانت مرتكزة على أسس ثورية، بقدر ما كانت مرتكزة على إصلاح شامل إقتصادي وسياسي.

هناك في الأغورا، بمحاذاة الرواق الملوكي ذو الأعمدة. كان صولون جالساً، وعلى مقربة منه كان هناك بقربه محورٌ دوار مرتفع، وضعت عليه الألواح الخشبية التي كتبت عليها القوانين.
* * *


عندما أنهى الحكماء مخاطبتهم الناس في الأغورا، كان الليل قد حل. إنها الليلة الثالثة من البدر.
بارتينيس أرادت أن تكلم أخيها فيريسيد، ولكنه لم يكن قد إنتبه إليها بين تلك الجموع، فتوارى بعيداً عن الأنظار.
وإقتربت بارتينيس من تلك الألواح الخشبية المكتوبة عليها القوانينن وقرأت الآتي:"
- قدم الإحترام للآلهة.
- إقنع نفسك بأن الفضيلة وعزة النفس هما خير من القَسَم.
- إحترم أبويك.
- أشغل نفسك بالأمور الجدية في الحياة.
- إعرف كيف تخضع لنفسك، لكي يكون بإستطاعتك النجاح في القيادة.
- لا تشتشر ما يجذبك، بل إستشر دوماً ما هو جميلٌ.
- خذ المنطق الذي يهديك إلى حسن الأمور.
- لا تكذب.
- لا تسر مع الشرير.
إنها القوانين التي جذبت عينا بارتينيس، ولاحقاً ذهب الزوجان إلى النُزُل للمبيت.
وفي اليوم التالي، سارت بارتينيس في ساحة المدينة، وهي لابسة رداءً بني اللون مربوطاً على خصرها بحزام أصفر، وعلى كتفيها معطف أرجواني، عاقدة شريطة زرقاء على جبينها، وسوار ذهبي في معصمها وخطواتها ثابتة، وهي بادية كملكة متوجهة إلى عرشها. أما منيساركوس، فكان سائراً بجنبها، وهو فخورٌ كثيراً وفي غاية السعادة
" بالأرجوان الملوكي " الذي كان يحمله بين ذراعيه، متوجهان سوية للقاء الرجل الغني الذي كان قد طلب من منيساركوس أن يحضر له ذلك الأرجوان. وهناك على الطريق، إلتقت بارتينيس بأخيها فيريسيد، فضما بعضهما بمحبة.
- ثم قالت له أخته:" أوَه، يا فيريسيد، لم أكن أدرك بأنك قد أصبحت رجلاً حكيماً، وصديقاً حميماً لأعظم حكماء أثينا. إنه لشرف عظيم لعائلتنا".
- فأجابها:" بارتينيس، يا أيتها الأخت الطيبة، شكراً على إطرائك". . .
- وسألها:" كيف هي حال إبن المستقبل؟
- فردت عليه متعجبة:" وكيف علمت"؟!
- فإبتسم فيريسيد، وأيضا منيساركوس، ثم قال:" كم إشتقت إليك يا أختي العزيزة".
إن هذه الجَمعة العائلية أضفت مزيداً من الإطمئنان لبارتينيس المتشوقة للبحث عن كل ما هو غريب وفريد من نوعه في تلك البلاد، وشعرت بالثقة والحماية.
لاحقاً، في ذلك النهار مشى الثلاثة عابرين المدينة قاصدين الأكروبوليس. وتوجهوا صعوداً على درج طويل، حتى وصلوا إلى أمام تمثال ضخم للآلهة اثينا ( بروماكوس ) منتصباً في الوسط. فتنفست بارتينيس الصعداء، وكانت تحيط بها أثناء سيرها أبنية جميلة ومهيبة، مالئة المكان بطاقة هائلة. وعلى يسارها كان البارتينون مرتفعاً، وإلى جانبه كان مذبح أثينا قائماً، حيث كان المؤمنون يحرقون البخور والخراف كأضاحي للآلهة. أما في الخلف فكان مزار زوس رابضاً.
وبعد ذلك، إلتقوا بطاليس، فعرّفها زوجها عليه. وراحوا يتحدثون وكأنهم كانوا يعرفون بعضهم منذ ردح طويل من الزمن.
- وسألته بارتينيس عن العرافة فأجابها قائلاً:" لقد قمت بزيارتها مرة واحدة، وكانت لدي شكوك حولها. وفي الداخل تبيّن لي بأنها كانت تقول أشياءً جميلة معتقداً بأنها ربما كانت تتخيّل. عندها قلت في قرارة نفسي، إن الوقت لخير دليل. بعدها، رأيت الأحداث تحصل متطابقة تماماً لما كانت قد تنبأت به. نعم، إنني أؤمن الآن بأن الآلهة تملئ كل الأشياء".
وإن ما قاله طاليس أخيراً، كان كافياً لإقناع بارتينيس بشرعية الكاهنة، فكلماته كلمات رجلٍ حكيمٍ، لا يمكن إلا أن تكون معبرة خير تعبير عن الحقيقة.
* * *

إنه النهار السابع من الشهر الدلفي، وهو يوم عيد أبولو. فترك الزوجان أثينا في الصباح الباكر مع أوائل الفجر قبل بزوغ أشعة الشمس. وكان ذاك النهار بالنسبة إليهما، النهار الأمثل لإستشارة جيدة.
لقد كانا يسافران بعربة، يصحبهما فيريسيد وطاليس، ذلك أن السفر برفقة الأصدقاء الحميمين هو هام بالرغم من أن الشخص السائر نحو قدره، يجب عليه أن يسير لوحده، أو بصحبة الأشخاص الذين يشاركونه المصير نفسه. إنه مصير فينيقيّ المستقبل.
وعلى الطريق، ولدى مرورهم بجانب طيبة Thebes ، أعلمهم طاليس بأن قدموس هو الذي أسس هذه المدينة، وذلك عندما كان في مهمته بإنشاء المدن وتحضير الأمم. وهو الذي أعطى اليونان الأبجدية المحكية، وهذا كان بحد ذاته تطوراً فائق الأهمية.
وبعد ذلك كله، برز أمامهم جبل، وما هي إلا بضعة أمتار حتى يصلونه. هناك على منحدر جبل بارناسوس Mt Parnassus كان المعبد قائماً بعظمة، مطلاً على الوادي الذي كانت تجري فيه مياه نهر بليستوس Plistus . وإن هذا المكان، وبكل تأكيد كان من أقدس الأماكن في اليونان، وكان يعرف وقتئذ ببوابة العالم المفتوحة.
هناك، خارج المعبد، مقابل مدخله الشرقي، كان يرتفع مذبح قائمٌ تحت أشعة الشمس المشرقة. وللحال، قدمت بارتينيس التقادم للكاهن من الحلوى والبخور المستخرج من أشجار الأرز، مُحضِرَةً إياه معها من لبنان، ليحرق أمام أبولو إله الشمس.
وتطوّع طاليس بأن يكون الراعي لتلك الإستشارة كونه حكيماً.
بيتيا Pythia الكاهنة العرافة، التي إختيرَت أولاً من بين أشد العائلات فقراً، كانت صبية طاهرة، وكانت تعيش كالراهبة ملتصقة بالمعبد في غرفة منعزلة بتقشف عميق. وكانت لابسة لباس البتولية، وهي بادية وكأنها في الخمسينيات من العمر. ولتوّها، دعت إليها بارتينيس طالبةً منها أن تغتسل بمياه نبع كاستاليان Castalian لإتمام الطقس. ومن ثم شربت من مياه نبع كاسوتيس Cassotis المقدس.
- وبعد ذلك، سار الكل نحو مدخل المعبد الذي كان معلقاً فوقه صحفةٌ مكتوبٌ عليه بلغات متتعددة:" أيها الإنسان إعرف نفسك" . . .
وها هم الأن في الداخل، فنزلت بيتيا مسرعةً إلى غرفة صغيرة بشكل صومعة، وجلست على مثلث مقدس كانت زواياه موازية لدرجات رياضية روحانية صوفية غامضة. وكان المثلث قائماً فوق فتحة في الأرض يخرج منها البخار النبوي.
وراحت بيتيا تمضغ أوراق الشجرة المقدسة لأبولو، وهي شجرة الغار.
هناك في الأسفل، وفي ظلمة حالكة وبسكون تام حيث كانت تحيط بها غمامة من الدخان الأبيض، وقعت مغشاة في غيبوبة داخل مستوى آخر روحي، وهي التي لديها الموهبة الكاملة لفعل ذلك بملئ إرادتها، فكانت تبدو وكأنها على إتصال وثيق بالإله أبولو محدثةً إياه بلسان بايتون Python – أفعى الحكمة بطريقة لا ترابط بين كلماتها، ولا وضوح فيها، بل إبهامٌ وغموض.
- وكان الكهنة لاحقاً يتولون التفسير لما كانت تردده، وبعد ذلك دوّنوا لبارتينيس التفاسير، وقالوا لها:" سوف ترزقين بإبن، وهو سيكون عظيماً لتطوّر الجنس البشري. وسيوّلد في صيدون، ولدى بلوغه من العمر عامه الأول، عليك أخّذه إلى جبيل بغية أن يصار إلى عماده على يد كهنة " إيل " في نهر أدونيس".
وبعد سماعها لتلك النبؤة، ولتفاسير الكهنة لها، أيقنت بارتينيس بأن تلك الكاهنة، كانت تتكلم بلسان إيل العلي، إله النور، وإبتسمت.
ثم توجّهت بارتينيس بشكرها الكاهنة، والكهنة الآخرين الذين كانوا معها، وخرجت من المعبد.
- هنالك، وعند المخرج. كانت هناك صحفة أخرى، كتلك التي كانت معلقة فوق المدخل، مكتوب عليهه بلغات متعددة، ما يكمّل الكتابة السابقة وهي:" . . . وستعرف أسرار الكون والآلهة".
وتحرك الجنين في أحشاءِها.

( يتبع )








07-07-2005, 02:35 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
رواية صوفية عن حياة الفيلسوف اليوناني ( فيتاغورس ) - بواسطة Georgioss - 07-07-2005, 02:35 AM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  برنامج حمية السبيل-لوريل ميلين. السلوك السوي - كتاب يلبي رغبة الساعين إلى حياة أفضل ali alik 0 970 01-25-2012, 06:27 AM
آخر رد: ali alik
  رواية عالم صوفي/ عرض للدكتور محمد الرميحي بسام الخوري 1 2,585 06-15-2011, 08:50 AM
آخر رد: بسام الخوري
  رواية اسمها سورية - 40 كاتب ومؤلف في 1585 صفحة ، ملف واحد بحجم 25 ميجا مع الفهرسة ali alik 10 4,846 04-09-2011, 11:21 PM
آخر رد: kafafes
  رواية فنسنت فان جوخ - رائعة ايرفنج ستون في 772 صفحة .. لأول مرة ali alik 2 4,211 12-25-2010, 02:04 PM
آخر رد: kafafes
  مغامرة الكائن الحي _ جويل دو روزناي - و رواية يوم في حياة ايفان - الكسندر سولجينيتسين ali alik 1 1,878 10-26-2010, 04:48 AM
آخر رد: إبراهيم

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 2 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS