{myadvertisements[zone_1]}
موضوع مغلق 
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
حسان المعرى ... حين يكون الكاتب اكبر من كل الكتابات
حسان المعري غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 3,291
الانضمام: Jul 2002
مشاركة: #105
حسان المعرى ... حين يكون الكاتب اكبر من كل الكتابات
قبل سنوات دعاني الأصدقاء لـ " السجن " .. كانوا يودون الإحتفاء بعودتي بعد طول غياب إلى المدينه ، فدعوني إلى السجن .
ذلك السجن لم يكن سجناً يدعى إليه الأصدقاء والخلان، بل كان مقهى في أكثر شوارع الرياض فخامة وبذخا .. وسط المراكز التجارية ذات الواجهات الزجاجية ككل شئ في تلك المدينة التي ظاهرها لا يشبه باطنها ، ووسط الماركات العالمية والسيارت الفارهة التي تضج لمعانا وعطرا نسائيا صارخا وقطط تلاحق شذى ذلك العطر ، كان يحتل مقهى السجن ركنا بارزا لا تخطئه العين مكانا ولا غرابة في تصميم مدخله الذي يفاجئك بجرأته وخروجه عن المألوف ، وخروج مقدمة سيارة شرطة من زجاج واجهته بشكل يوحي بأنك على أعتاب السجن .
داخل المقهى لا يختلف عن العنوان الذي يتقاطر لأجله الشباب والفتيات معا يفصل بينهما سقف ودرج وحرس غلاظ شداد ، فللوهلة الأولى وأنت تضع قدمك داخله .. سيجنح بك الخيال مباشرة إلى أنك في سجن حقيقي أو داخل ديكورات فيلم ألكاتراز بأحسن الأحوال .. لا شئ مختلف ، النادلون يرتدون ملابس السجناء بخطوطها البيضاء والسوداء ، والسقف تخترقه مواسير معدنية كتلك التي أدمنت مآقي السجناء التعلق بها كمنفذ للهواء القادم وللأحلام المتصاعدة ، والجدران مليئة بخربشات لسجناء افتراضيين كتبوا جزءا من أحلامهم وذكرياتهم فوق برودة الإسمنت .
كل هذا كان ممكنا أن يخرجك من مألوف المقاهي " الدلع " إلى لا مألوف مقهى خرج بشكل صارخ عن المألوف ، إلا بتقصيلات ما استطعت أن اتعايش معها رغم ارتفاع أسعار المشروبات التي تدغدغ أحلامك وتقنعك بسذاجة بشرية نحبها أحيانا وندعيها بأنك في مكان فخم بالفعل .
الشئ الأكثر ازعاجا .. بل الشيئين الأكثر ازعاجا للنظر والنفس معا هو لباس رؤساء الجارسونات الذين اختار لهم " الكفيل " أن تكون حمراء تماما ككبار المجرمين المحكوم عليهم بالإعدام دون أي مراعاة لإنسانيتهم كعمال ، ولا لمشاعر " خفاف القلوب " والعقول كالعبد لله .
الأكثر إيلاما ووقعا سيئا في النفس أنك كنت مضطرا للجلوس إلى نصف سجين وأن تتناول المشروبات فوق هامته .
طاولات المقهى كانت عبارة عن نصف سفلي لرجل يرتدي بنطال جينز أزرق – مثلي تماما - وحذاء عريض – أيضا مثلي تماما – وساقاه موثقتان ببعضهما بجنزير ينتهي بكره حديدية .. أيضا مثلي تماما .
فوق هذا النصف المتجذر في الإنتظار ، المنتهي الى مالا نهاية ، كان السجين النادي يضع المشروبات الغالية الثمن لنشربها نحن ، وفوق نصف هذا الذي فقد جزأه الأعلى والذي لولا وجودي في ذات اللحظة بجانبه ، لشككت أنه أنا .
شعور كئيب مقيت منعني من مجرد مشاركة الأصدقاء ضحكاتهم وكأنني لست متواجدا في المكان لا روحا ولا حتى جسدا ، وكيف وأنا أرى نصفي الأسفل موثق بالحديد من أسفله وبالزجاج ومنافض السجائر وأكواب الشراب من أعلاه ؟!
ما شربت ما قدم لي .. طلبت فنجانا من القهوة كشريك لأكثر لحظات الحاجة للسجائر .. وانتهت السهرة التي كانت على شرفي قبل حتى أشرفها ، فقد رفضت البقاء رغم اصرار الزملاء ونهضت مهددا بالعودة إلى المنزل وسط احتقان حقيقي للجو الذي كان كئيبا أساسا ، وانصاع الزملاء غير راضين لصمتي وعدم اندماجي معهم حتى بدا الأمر بالنسبة لمن لا يعرف مع أي ( محترف اكتئاب ) مثلي أنني أرد عليهم دعوتهم وأبصق في شواربهم ، ثم لإصراري على ترك المكان !!.

كاد الأمر أن يفسد " الود " بين بعضنا وأن يفسد أجواء السهرة بالمعية لولا أن أنقذ أحدهم الموقف واقتادنا إلى مقهى رومانسي هادئ " سيعجب حسان بالتأكيد " :
- اتركوه علي .. دواه عندي ، أنا أعرف ما الذي يعجبه ..

حتى اللحظة لست أدري ما الذي أخرجني عن طوري في تلك السهرة الغير مأسوف على فسادها رغم أن الأمر لم يكن يشبه أكثر من الدخول إلى ديكورات فيلم في أحد استيدوهات التصوير الأمريكية والتي كنت سأكتب هنا متبجحا بأنني دخلتها .. إلا أنه دائما ما نجد المبرر : فلكل مقام مقال .

فيما بعد .. وفي لحظة نادرة من سماع الله إلي دون حتى أن أدعوه .. فقد حدث عراك بين شذى العطور النسائية والقطط التي تلاحقه في المقهى وتدخلت الشرطة ورجال الهيئة وأقفل المكان تماما كما علمت ..
فرحت .. ومن كان بحاجة لأن يدفع من جيبه مبلغا طائلا ليحتسي كأس عصير مع نصف سجين صلب الإنتظار ساقاه وأفقده نصفه الأعلى ؟!


ساعات .. لحظات .. أيام نفرح بدون سبب .. نحزن بدون سبب
نحب بدون سبب .. نكره بدون سبب ..
نلتقي .. نفترق بدون سبب
نكتئب .. ننتشي بدون سبب ..
أو ربما تراكمات خفية لأسباب قديمة تكفي قشة صغيرة لأن تقصم ظهرها ..

لست أدري سادتي المحتفين لماذا ما عدت راغبا في مواصلة الجلوس إليكم ..
وليس لأنكم أقل حبا .. بل ربما لأنني أكثر كراهة وتبجحا .
كان الزميل ابن حزم قد أصر في السابق على إجراء هذا اللقاء معتبرا اياه " ضربة معلم " ورفضته .. ثم عدت للموافقة إكراما للمعلم الذي يريد أن يضرب ضربته .. ثم من جديد ، خذلته .

ربما هي لحظات تواكب الإنتقال من حال إلى حال ..
من " المعرية إلى الحمدانية " ..
من " هذا جناه أبي علي " .. إلى " إن مت ظمآنا فلا نزل القطر "
لحظة أنانية .. لحظة نرجسية .. لحظاتهما معا وبقسوة ..
إلا أنه يبدو أنه كان لا بد لي أن أمر بآلاف الأطوار قبل أن أكتشف أنه حان الوقت لأن أعطي ظهري للجدار ..
ربما قليلا ، ربما كثيرا ..قبل أن أقرر إن كنت سأعود للجدار من جديد .. أو أمحي ظلالي من فوق برودته ..
وإلى الأبد .


محبتي لكم جميعا
أنا بخير ، طمنونا عنكم


(f)

07-13-2005, 04:50 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو
{myadvertisements[zone_3]}
موضوع مغلق 


الردود في هذا الموضوع
حسان المعرى ... حين يكون الكاتب اكبر من كل الكتابات - بواسطة حسان المعري - 07-13-2005, 04:50 AM

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 2 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS