وهذا مقال هاني حبيب الذي أشار إليه د. نادر سعيد
قلقيلية.. لم تكن البداية!!
هاني حبيب
قد تبدأ حرب فتاوى جديدة في فلسطين، على خلفية الآراء المتعارضة التي افتى بها رجال الدين حول "الفن الشعبي"، على خلفية رفض بلدية قلقيلية التي سيطرت عليها حركة حماس بنتيجة الانتخابات البلدية لفعاليات مهرجان فلسطين الدولي، حكومة قريع اعتبرت ذلك تزمتاً، بينما افتى الشيخ عكرمة صبري، مفتي القدس بتحريم هذه الفنون باعتبارها من "الرذائل"، في حين لم ير قاضي القضاة الشيخ تيسير التميمي اي تعارض بين هذه الفنون التي هي من صلب عاداتنا وتقاليدنا وبين الشريعة الاسلامية، حالة من فلتان تشهدها الساحة الفلسطينية هي ابعد ما تكون عن الفتاوى والدين الحنيف، بل هي برأينا، جزء من اجندة تتوازى مع الاجندة السياسية للتيار الاسلامي الفلسطيني الذي تقوده حركة حماس، يتوارى حيناً خلف فتاوى من هنا ومن هناك، وحينا يتوارى خلف مقولات يختلط فيها السياسي بالمجتمعي.
اننا بطبيعة الحال، لن نجاري أصحاب الفتاوى في رصد الآيات والاحاديث التي تحلل، او تحرم الفنون، او غيرها من مجالات الحياة، خاصة وأن هذا الامر، مثل كافة الامور المشابهة، هو في اطار الخلافات الفقهية والاجتهادات المتباينة، والاهم من ذلك، اننا نحرص على ان لا يتعلق الامر بفتوى، بقدر ما يتعلق بسياسات ومناهج واجندات.
في رده على سؤال حول اسباب عدم اطلاق المفتي، مثل هذه الفتوى، التي حسبما يقول تنطبق على جميع المهرجانات والاحتفالات التي تشتمل على فرق مختلطة، قبل سنوات، اجاب المفتي: لم يسألني احد، وبقول آخر، فإن تبرع هذه المرة بهذه الفتوى فقط عندما طلبت منه حركة حماس من خلال مجلس بلدية قلقيلية ان يتدخل بفتواه لمنع اقامة فعاليات مهرجان فلسطين الدولي، وباعتقادنا ان مهمة المفتي هي أن يجيب عن أسئلة الآخرين، والتدخل عندما يرى "اعوجاجاً" لينهى عنه وفقاً للشريعة، إلا أن المفتي يعترف ضمناً انه على علم بجميع المهرجانات والاحتفالات المشابهة، إلا أنه لم يسبق له ان تدخل وفقاً لصلاحياته ومهماته كمفتٍ، الا عندما طلب منه ذلك، والفهم المتداول لدى العامة، ونحن منهم ان دور المفتي يتجاوز التدخل "عند الطلب" بل عندما تقتضي الحاجة الى التقويم والاصلاح بالمفهوم الديني... المفتي لم يهاجم الفنون الشعبية فحسب، بل هاجم "مركز الفن الشعبي" وجميع العاملين في المهرجان، والاعلاميين الذين روجوا له، وهاجموا بلدية حماس وقال: "هناك علمانيون وإعلاميون مواقفهم معروفة ولا اريد الخوض بها" مع انه خاض في جوهر المسألة، اذ ان الفتوى لا تتعلق بالفنون، بقدر ما تتعلق بآخرين، تتخذ منهم حماس سبباً كافياً لوصم هذا الفن "بالرذيلة"، وهذا يكشف طبيعة الدور الاستخدامي الذي مارسته حركة حماس على المفتي الذي كان برأينا قد انضم الى طرف له اجندته وخطابه الاجتماعي والسياسي، بدلاً من ان يكون حكماً وراعياً.
وتحدثنا في مجالات عديدة سابقة، عن الطريقة التي تعاملت بها "بذكاء وابداع" حركة حماس مع كافة الرموز الوطنية الفلسطينية، بدءاً بالعلم الوطني الذي مارست عليه تعتيماً ممنهجاً، بحيث من الصعوبة ان يتذكر الطلاب الصغار علم بلادهم، واعتقادهم المحزن، أن علم فلسطين هو العلم الذي ترفعه حركة حماس فوق كل عمود كهرباء وأسطح البنايات والطرقات والازقة والجامعات، ما انجرت خلفه باقي الفصائل - دون قصد- ما اهدر العلم الوطني لصالح اعلام عديدة يبرز من بينها علم حماس، الذي سيوزع بالملايين قبيل وأثناء تنفيذ شارون لخطته احادية الجانب وإخلاء قطاع غزة.
وبعد العلم، يأتي الرمز الوطني والشعبي المتمثل بالكوفية الفلسطينية، التي لم تعد موجودة، ولم يعد المقاتل الفلسطيني يضعها لتغطي رأسه، وربما عينيه، واستعيض عنها، بشكل مدروس وممنهج بأغطية سوداء، وهكذا التحقت الفصائل بهذا النهج الواعي المدروس، دون درس او وعي، لتصادر هي الاخرى، احد اهم رموز التراث الشعبي الفلسطيني، والتي يحملها المتظاهرون في كل العالم للتضامن مع شعبنا الذي لم يعد يتمسك بها، بفضل البرنامج الواعي والمدروس، والمبدع، لحركة حماس، لتجاوز كل الرموز الشعبية والوطنية، وفقاً لاجندتها الخاصة التي جندت لها، كافة الفصائل الاخرى، للعمل "لديها" لدعم هذه الاجندة.
ويقال الشيء ذاته عندما نتحدث عن استبدال السلام الوطني، بالسلام الاسلامي وعدم وقوف بعض قادة وأعضاء حركة حماس، عندما تعزف موسيقى ونشيد "بلادي" النشيد الوطني الفلسطيني.
واليوم، يأتي موقف حماس من فعاليات مهرجان فلسطين الدولي، ليتجاوز الفتاوى والتحريم والتحليل، الى اجندتها الخاصة، والتي توظف بشأنها "علماء الدين" ممن ارتضوا ان يكونوا الى جانب اجندتها، بعلم او دون علم، الامر يتجاوز المسائل الدينية الى الاجندة السياسية - الاجتماعية، وهو يأتي في اطار متصل مع الجهود المركزة والحثيثة، لكي تصبح هذه الاجندة، ذات طابع شعبي وطني، من خلال توظيف القوى والفصائل والآن رجال الدين، لخدمة هذه الاجندة وتعميمها.
وبوسعنا ان نتمثل وصول حركة حماس الى السلطة، والانقلاب الذي "يجب" ان يحدث في التعليم على كافة مستوياته، وبوسعنا ان نتمثل حركة "مطاوعة" كتلك التي كانت ولا تزال بقاياها تسري في السعودية، بعملية اجبار وإكراه قسرية،، لكي يمتثل كل مواطن للدين من وجهة نظر هؤلاء المطاوعة.
اننا ندعو مركز الفن الشعبي، المسؤول عن تنظيم مهرجان فلسطين الدولي، الى رفع دعوى قضائية ضد بلدية قلقيلية، باعتبار ان ما اقدمت عليه البلدية، وفقاً لفقهاء القانون، مخالف للقوانين الفلسطينية، بما في ذلك قانون الانتخابات الذي اتى بحركة حماس الى قيادة مجلس بلدية قلقيلية، لكن الأهم من ذلك كله ضرورة التحرك على المستويات الوطنية والشعبية في مواجهة اصولية متزمتة، تمنع اليوم الفنون، والموسيقى وكل أشكال الابداع والتراث تمهيداً لتعميم أصولية متزمتة، وفي هذا المجال، فاننا نرى بضرورة عدم الارتهان الى الفتاوى في هذا الحقل، نتيجة لاختلافها فيما بينها من جهة، وبالنظر الى ان الامر يتجاوزها الى ما هو ابعد، وهو تدمير البنية الفكرية للانتماء الفلسطيني، القومي العربي، لصالح انتماء اوسع لكنه لا يمنح الوطن الفلسطيني العربي خصوصيته وملامحه التراثية الاصيلة!!
http://www.al-ayyam.ps/znews/site/template...&Date=7/13/2005