فتح شحرور عينيه فرأى العجب العُجاب
رأى نفسه مُمدداً فى ساحة مسجد كبير بدا له مألوفاً نوعاً ما!
حاول أن يتذكر أين رأى هذه الزخارف الإسلامية القديمة ...وهذه العواميد الكبيرة
أين رأى هذا البُساط الأخضر الجميل؟!
ثُم رأى بطرف عينه شيخاً كبيراً يجلس يقرأ القُرآن بصوتٍ عذب مُستنداً على عمود فى الجانب الآخر من المسجد فشعر أنه يُريد أن يقترب من مصدر التلاوة..
فقام من مكانه وأخذ يسير ببُطئ ناحية الشيخ حتى توقف عند الناحية الأخرى من العمود وجلس يرى ظهر الشيخ والشيخ لا يراه
كان فقط يُريد أن يستمع للقُرآن ولكنه فى شعر بحنين شديد للجلوس أمام هذا الرجُل الذى يجلس وحده يتلو آيات الله ولكن حيائه منعه من اقتحام خُلوة الرجُل.
كان الشيخ قد أنهى سورة وبدأ فى سورةٍ أُخرى
بسم الله الرحمن الرحيم.....
طه{1} مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى{2} إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى{3} تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى{4} الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى{5} لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى{6} وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى{7} اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى
كانت تلاوة خاشعة جميلة رقيقة فال تُخاطب العقل والفكر والقلب الحى فسالت الدموع على وجنتى شحرور لا يقدر على حبسها..
كان شحرور مكسوراً حزيناً..حتى انه حين اقترب من الشيخ لم يفكر كثيرا فى كيفية وصوله لهذا المكان ولكنه جلس دافناً وجهه بين يديه يستمع وعينه تُغرغر بالدموع قى صمت..
إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى{40} وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي{41} اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي{42} اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى{43} فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى{44} قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى{45} قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى{46} فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى{47} إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى{48} قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى{49} قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى
ظل شحرور جالساً يستمع ويكتم صوت دموعه بصعوبة بالغة
قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى{65} قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى{66} فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى{67} قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى{68} وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى{69} فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى{70} قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى{71} قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا{72} إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى{73} إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى{74} وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى.......................................... ..
واستمرت الآيات تنساب من فم الشيخ فى رقة حتى وصل ل...
وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً{111} وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْماً وَلَا هَضْماً{112} وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً{113} فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً..
هنا انتهت قدرة شحرور على المقاومة فعلا صوت نهنهته اشتد وارتفع صوت البكائ حتى أن الشيخ توقف عن القراءة والتف لينظر فى أمر هذا الذى يجلس يبكى خلفه!
اقترب الشيخ بجسده من شحرور فربت بحنان على رأسه فكأن صاحبنا كان ينتظر هذه اللحظة فدفن رأسه فى صدر الشيخ وأخذ يبكى بغزارة والشيخ يربت على ظهره ويحتضنه فى حنانٍ جارف وبدأ يبكى لبُكاء شحرور
كان موقفاً شديد الرقة لشاب صغير وشيخ كبير متعانقان يبكيان وحدهًما فى مسجد!
وبعد أن هدأ بطلنا قليلاً قام الشيخ وذهب لمكان قريب فيه جُرة ماء وملأ كوباً عاد به لشحرور وسقاه منه فى حنان وعاد لجلسته وشحرور أمامه يمسح دموعه
تطلع شحرور لوجه الشيخ للمرة الأولى فعرفه على الفور......سُلطان العُلماء العِز بن عبد السلام!
وكالعادة حين تُذهله المُفاجأة لم يقدر شحرور على الكلام وظل يتطلع لوجه الشيخ فى إبهار!