زميل استشهادي،

عندما تلاحظ شيئا أو ظاهرة غريبة - أو على الأقل هكذا بدت لك - فمن حقك أن تسأل. لكن ليس من حقك أن تتعسف على الحقيقة التي ربما لا أنت ولا أنا نعرفها لكي تقدم جوابا فقط من أجل أن تحصل على الراحة النفسية والعقلية التي ترضي بها غرور عقلك الانساني الذي لا يرضى أن يبقى مبهورا حائرا أمام الملغز من الأمور.

أنا لا أتحدث عن الجنين بالذات أو الزهرة أو أي شيء معين لكن المشكلة عامة. إن الاجابات الغيبية التي يقدمها الانسان على الاسئلة المادية لا يمكن أن تقدم إلا راحة نفسية. لكن الاجابة الحقيقة يجب أن تكون من نفس طبيعة السؤال أي إجابة مادية. والأهم أن نحسن السؤال لأن سؤال "لماذا؟" يقودنا لعالم الغيب. علينا أن نكتفي بسؤال "كيف؟": "كيف يتكون الجنين؟ يخرج من الرحم؟، تتشبه الزهرة بالنحلة؟، الخ. أما لماذا كل ذلك فهي تلك الأسئلة التي لن تقودك إلا لمزيد التشبث بالعوالم الأخرى بعيدا عن العالم الذي تحيا فيه.

حاول - عندما تسأل مثل هذه الأسئلة في المستقبل - أن تقنع نفسك أن الجهل ليس عيبا (رغم أن غرورك المعرفي سيحاول أن يقنعك الجهل عيب على إنسان عاقل واع) وأن ما نجهله اليوم يمكن أن نعلمه غدا. والأهم لا تدع لشيطان غرور عقلك أن يسألك أسئلة من المستحيل الاجابة عنها علميا. ليس لأن العلم عاجز بل لأن العلم لا يواجه إلا التحديات والأسئلة السليمة المادية.

وشخصيا رأيت في هذا المنتدى أن الكثيرون من المتدينين (وأنت منهم زميل استشهادي) هم متدينون لأن ألغاز الكون والوجود أبهرتهم ولأنهم لم يجدوا إجابات من عالمهم المادي عن تلك التساؤلات في حين أن الدين يجيب إجابات كاملة ومقنعة عليها فتبنوا التفاسير والحلول التي يقدمها الدين والتي خلاصتها أن كل ألغاز الكون وأعاجيبه من صنع وإرادة الله.

زميل استشهادي،
من العيب فعلا أن نختار الراحة النفسية وإرضاء الغرور المعرفي على البحث الحقيقي عن الاسئلة في العالم الذي نعيش فيه. وحتى لو لم نجد الاجابة عن الاسئلة الوجودية والميتافيزيقية التي تلح علينا في بعض اللحظات فلنكن صادقين مع الحقيقة الموضوعية على الاقل والتي مفادها أن الأحاسيس والحيرة والتأويل لا يمكن أن تقود للحقيقة وأن الحقيقة الحقيقية الوحيدة في العالم الذي نعيش فيه ونعيه بفضل حواسنا أي عالم المادة لا يمكن أن تكون إلا حقيقة مادية.

وأخيرا فعدم الاجابة على الأسئلة الميتافيزيقية ليس سبة في جبين العلم إن كان جوابه الصمت. لأن العلم لا يجيب إلا على الاسئلة العلمية المادية لكن ربما كان سبة في جبين من سأل تلك الأسئلة التي لم يكن دافعا البحث عن الحقيقة بقدر ما هو الهروب من الحيرة والجهل.

مع تحياتي(f)