{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
رواية صوفية عن حياة الفيلسوف اليوناني ( فيتاغورس )
Georgioss غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,434
الانضمام: Jan 2005
مشاركة: #12
رواية صوفية عن حياة الفيلسوف اليوناني ( فيتاغورس )
وهذا الفصل الرابع لعيونك يا Gadeer يا أدمي ... ولك هذه (f)وخصوصا ً أنني علمت مؤخرا ً انك شاركت في موضوع من مواضيع الأميرة

وللزملاء نتمنى حسن المتابعة (f)

****

الفصل الرابع


ألغاز مصر


ظهرت ممفيس كحقيقة جوهرية لحلم طالما آمل بيثاغور بتحققيقه، وأخذته الدهشة عندما شاهدت عيناه جمالها.
وتحت نور أشعة الشمس المصرية الأولى، راح بيثاغور يمشي متذكراً السنوات الست التي أمضاها في معابد وطنه كنعان – فينيقيا، متلقياً المسارة.
إنها السنة 541 ق.م، وبيثاغور بلغ من العمر عامه أل 29. فدخل المدينة عبر غابة من المسلات: Obelisk. وظهرت أمامه التماثيل الواقفة في كل مكان مرحبة به في مملكة الألغاز.
وكان بيثاغور مدركاً، بأنه وفي داخل المعابد المصرية كان العلماء بالأسرار الباطنية مقيمين. أؤلئك العلماء المالكين العلوم الباطنية، أي المعرفة الإلهية. فأرتجف من الداخل لشعوره بأن أسرار الآلهة لم تعد بعيدة عن متناوله.

من بعيد، وعلى درجات الهيكل، كان يبدو ظاهراً ما هو أشبه بإنسان في حلة بيضاء مراقباً بيثاغور السالك عبر درجة الحكمة والأستذة. أما بيثاغور، فلم يلحظ بأن هناك ثمة شخص ما يقوم بمراقبته. إنه المعلم الأكبر، الذي لاحظ في بيثاغور طاقة حقيقية للبحث عن الحقائق.
وقد شاهد بيثاغور أثناء سيره لنهاية الغابة، البعض من خدام الهيكل الذين كانوا بإنتظار وصوله إليهم. ومن دون أي كلمة، ساروا به إلى القاعة الداخلية المحاطة بأعمدة اللوتس الكبيرة – " عرائس النيل "، التي كانت حاملة بكل نقاوتها وجبروتها العقد الشمسي، معبد أوزيريس.
ودنى المعلم الكبير من بيثاغور، وهو مرتدي رداءً من الكتان الأبيض، وفي رجله حذاءٌ من ورق نبات البابيروس، وكان أصلع الرأس. وراحا ينظران ببعضهما، فأعجب بيثاغور بنظراته الهادئة والمعبّرة عن ما في مصر من ألغاز. ولاحظ بيثاغور أيضاً نوراً داخلياً يلمع في عينيّ كاهن أوزيريس. أما الكاهن، فقد وجد في بيثاغور روحاً أصيلة لتجسد المقدس، ذلك أن بيثاغور لم يكن بإستطاعته إخفاء ذلك، لأن ذاته الحقيقية كانت سالكة على درب التنوّر.
- وسأله الكاهن بصوت خافت:" أعتقد بأنك كنعاني – فينيقي، وأستطيع الجزم بذلك من خلال لباسك الأرجواني.
فما هو إسمك؟
ومن أية مدينة أنت؟
ومن هم أهلك"؟
- فأجابه:" أنا بيثاغور من صيدون. أما أبي فقد كان تاجراً جاب كل أرجاء المتوسط، وأمي هي ربة منزل عادية".
- الكاهن:" في أي معبد تلقيت دروسك في المسارة"؟
- بيثاغور:" لقد تتلمذت في كل معابد كنعان – فينيقيا، من صور إلى جبيل فصيدون.
حتى أنه مؤخراً، كان أن قُبِلَ بي في معبد جبل الكرمل حيث أصبحت أخاً في " الأخوية البيضاء ". وهذه رسالة توصية بي ( 1 ) لك من الكاهن الأعلى لذاك المعبد".
- وأدرك الكاهن بأن بيثاغور كان يقول الحقيقة، فقال له:" إحتفظ بالرسالة معك يا بيثاغور، فأنا أصدقك. أنا هو سونخيس وسأظل مراقباً إياك، هلا تبعتني من فضلك"؟
وسار الإثنان معاً عابرين القاعة بخطوات ثابتة.

لقد كان المصريون إلى جانب كونهم مهندسين بارعين، فنانين كبار أيضاً. إذ أن رسوماتهم على الجدران والأعمدة جذبت إليها عينا بيثاغور. إنهم ذواقين في مزجهم للألوان مع بعضها. وكان اللون الذهبي الأصفر، كما الأحمر، والفيروزي، والأبيض، السمات البارزة في رسوماتهم لآلهتهم ، وللبشر، وللحيوانات، ولأشياء أخرى على خلفية رملية، معطية الشعور الدائم بالغرابة حيالها، والإعجاب بها.
وعبرا الأبواب الكبرى إلى الخارج، ليدخلا رواقاً حجرياً شاقاً الصخور، تحيط به ألواح مزدانة بالنقوش، هذا فضلاً عن عدة تماثيل لأبي الهول. وعند ذاك أحس بيثاغور بحضور غريب، والسماء فوقهما صافية. ووصلوا إلى معبد صغير، واقف أمام باب مدخله تمثال ملوكي لإحدى الآلهة الأنثوية، وهي جالسة على عرشها، متوجةٍ بقرص الشمس المحاط بقرنين. وفي يدها المستندة على خضنها كانت تحمل الصليب المصري Ankh. أما في يدها الأخرى فكانت ممسكة بكتاب مُغلَق، أما وجهها فلم يكن ظاهراً لأنه مغطىً. وكانت هناك كتابة تحت التمثال، فقراءَها بيثاغور:
" ما من إنسان مائت إستطاع أن يرفع الحجاب".
- وقال له كاهن أوزيريس بهدؤ:" إنها إيزيس حاملة الأسرار الباطنية ".
وظل بيثاغور محافظاً على صمته.
- وأضاف الكاهن:" وراء هذا الباب تجد المكان الحاوي للأسرار الباطنية، أنظر يا بيثاغور إلى العامودان أمامك. فالأحمر يرمز لصعود الروح بإتجاه أنوار أوزيريس، أما الأسود فهو يرمز إلى حبسها في عالم المادة".
ولدى سماع بيثاغور لكلمات الكاهن، راح ينظر بعمق إليها، متذكراً العامودان اللذان كان قد سبق له أن رآهما في رحلته الروحية على مدخل معبد بعل – ملقارت في صور، فتعجب بصمت.
- وتابع الكاهن الكلام:" إن مطلق أي إنسان يغامر بدخوله إلى كنه علومنا وعقائدنا السرية الباطنية، يكون بمثابة المتلاعب بحياته والعابث بها. إذ أن الضعيف والشرير سيلاقي الفشل الحتمي. أما القوي والخيّر، فبإمكانه الولوج إلى الحكمة وخلود النفس. على أي حال، لقد تجاوز الكثيرون هذا الباب، وقليلون هم الذين خرجوا منه مسارون حقيقيون. ففكر ملياً وبحذر شديد يا بيثاغور بالأخطار التي من المحتمل أن تواجهك في إختبارك. وإذا ما وجدت أنك غير قادر على المتابعة فإنسحب الآن فوراً، لأن ما إن يتم فتح الباب وتدخل منه فإنه لا يعود بإستطاعتك التراجع".
وبهذا، ختم الكاهن الأعلى في ممفيس كلامه المحدد للقواعد الأساسية لتلك المغامرة بجدية تامة.
وبعد كل هذا، بات بيثاغور مدركاً بأن كل المسارة التي قام بها لغاية الآن كانت هي الأساس الكامل لحياته. ففكر بأنه إذا تراجع سيخر كل شيء. فالقوة التي كانت لديه، هي التي كانت تميزه عن الآخرين. ولم يكن يوجد لديه أي مكان للشك، لأنه كان مالكاً الإرادة والإيمان.
- وقال بثقة كبيرة:" سأتابع حتماً، إنه خياري".
- وتبسّم كاهن أوزيريس سائراً به إلى خدام الهيكل الذين كانوا بإنتظاره، وقال له:" إنني أنصحك بالبقاء معهم لمدة عشرة أيام وليالٍ مانعاً نفسك عن تناول اللحوم وشرب الخمرة. وبصمتٍ كامل عليك سماع التراتيل المقدسة والقيام بطقوس الطهارة".
وبعد ذلك، إختفى الكاهن في القاعة الكبرى للمعبد.
* * *


لقد أمضى بيثاغور الأيام العشرة ولياليها ملتزمماً بما طلبه منه الكاهن، وكان بفارغ الصبر منتظراً مجيء الليلة الكبيرة، والتي أخيراً حلّت. فذهب بيثاغور مع المساعدين بإتجاه بوابة الألغاز. ومن ثم دخلوا إلى غرفة النور فيها خافت، إذ كان البعض من جوانبها مضاءاً بالمشاعل المعلقة على الجدران.
وفي صمت عميق، مر بيثاغور بالقرب من تماثيل لأجسام بشرية ذات رؤوس حيوانات، كرؤوس الأسود، والأفاعي، والثيران. . . وفي آخر تلك الغرفة كانت هناك مومياء، وهيكلٌ عظميٌ. حيث أن الأولى كانت تمثل خلود النفس، أما الثاني فكان ممثلاً للموت.
ومن ثم أشار المساعدين بأصابعهم إلى ثغرة في الحائط، بالتمام واقعة أمام بيثاغور. إنها المدخل للنفق الذي لا يمكن عبوره إلا زحفاً على البطن.
- وقال له أحد المساعدين بصوت أجش:" لا تزال أمامك فرصةٌ للتراجع، إذ أن الباب لم يقفل بعد".
- فأجابه من دون تردد، وبكل ثقة بالنفس:" سأبقى، عليّ المتابعة".
- رد عليه:" إذن، يجب عليك المتابعة لوحدك الآن".
ومن ثم ناوله مشعلاً مضاءاً، وتركه المساعدين ليتابع وحده مغلقين الباب خلفهم.
وبات عليه الآن بمفرده مواجهة المجهول الحتمي الذي لا مجال للفرار منه.
وراح يزحف في النفق الذي كان يتسع تدريجياً كلما أمعن في التوغل فيه. وبدأ يشعر بالرطوبة المحيطة بجسده ويديه، ليجد نفسه بعدها، زاحفاً عبر الأوحال التي كانت تزداد كثافتها شيئاً فشيئاً كلما تقدم للأمام.
ولم يكن هناك أمامه من مخرج، وعليه المثابرة في الإكمال. وكان لا يزال ممسكاً بيده المشعل لإنارة الطريق أمامه. وبعد مضي ساعة من الوقت، تمكن من إجتياز النفق بأكمله، متغلباً بذلك على عنصر الأرض.
وكانت لا تزال أمامه عدة إختبارات عليه ولوجها وإتمامها. فوصل إلى رواق ضيّق وطويل. وبعد تجاوزه إياه، رآى في آخره ناراً مشتعلة يزداد وهجها. فأدرك أن عليه إجتيازها، ولكن كيف؟ سأل نفسه.
- عندها، سمع صوته الداخلي، المحدث الصدى في مملكته الداخلية مخاطباً إياه:" لا تشعر بالخوف، بل على العكس عليك المحاولة للتغلب عليه".
وببطء، دنى من النار، فأخذته الحيرة، إذ لم تكن تلك النار سوى وهمٌ بصري مكوّن من خدعة أعدها بإتقان المعلمون المصريون الكبار. وتجاوزها بيثاغور عابراً إياها ومتغلباً عليها.
ودخل إلى غرفة ثانية، حيث فجاءة راحت الأرض تنزلق من تحت قدميه، فإنحدر سريعاً إلى منحدر حاد جداً، ليجد نفسه أمام حفرة كبيرة توصل إلى الفراغ، إلى هوة سحيقة،
و. . . الموت. ولم يكن هناك أمامه أي طريق للعودة صعوداً.
وبسرعة، جمّع كل قواه الجسدية، مستعملاً يداه ورجلاه ليخلص نفسه من السقوط في تلك الهاوية. وفي تلك اللحظات الحرجة، رأى فتحة عن يساره، بفضل نور المشعل الذي كان حاملاً إياه بيده. فقفز إليها؛ لقد نجى. متغلباً بذلك على عنصر الهواء.
ولكن سعادته لم تطل، فسقط مجدداً من الناحية الأخرى في قلب بحيرة ظهرت أمامه فيها التماسيح وهي تطفوا على وجه مياهها. ولكنه بشجاعة فائقة، راح يسبح مسرعاً، مستخدماً رجليه، ويداً واحدة من يديه، لأن يده الأخرى كان متشبثاً من خلالها بالمشعل، الذي مكنه نوره من رؤية ما هو شبيه بشكل درجات في آخر تلك البحيرة. وهكذا، وبمثابرة كبرى وصل إليها مدركاً إياها، متغلباً بذلك على عنصر المياه.
وأرتاح بيثاغور على ضفاف تلك البحيرة. لأن التعب كان منهكاً إياه، وردائه بات ممزقاً كلياً. غير أنه كان سعيداً وراضياً، إذ أنه نجح في إحكام سيطرته على العناصر الأربعة السلبية والإيجابية منها.

لاحقاً، مشى صعوداً على درج لولبي محفورٌ في الصخر، فوصل إلى قاعة كبرى مليئة بأجمل التماثيل الحاملة المشاعل بآياديها. وكان نور تلك المشاعل، يظهر له البعض من الصوّر الرمزية المرسومة على الجدران فيما بين تلك التماثيل.
وفجاءة، ظهر أمامه واحدٌ من العلماء بالأسرار الباطنية، فرحب به في القاعة، مقدماً له التهاني الحارة على نجاحه في تخطيه للإختبارات الأربع بنجاح. وراح يريه كل تلك الرسومات، بصفته " حارس الرموز المقدسة ". وكان تحت كل رسمة من تلك الرسومات يظهر حرفٌ، ورقمٌ. أما عددها فكان إثنان وعشرون رسماً، وحرفاً، ورقماً.
- وقال له العالم هامساً بأذنيه:" إن كل تلك الرسومات التي شاهدتها لتوّك، تمثل أبجدية العقيدة الباطنية. إنها المبادئ الكاملة والمفاتيح السرية للكون. وإذا ما تمكنّت من معرفة كيفية إستخدامها بإرادتك، تستطيع عند ذاك أن تملك القوة والحكمة. وهي مقسّمة كالتالي:
أول ثلاثة أحرف منها تمثل العناصر الثلاثة =
- الأرض.
- الماء.
- النار.
- أما الرابع، فهو يمثل الهواء، وهو الرابط المحرك لتلك العناصر.
وعلاوة على ذلك، توجد الكواكب السبعة التي تؤثر على الأرض وعلى ساكنيها، وهي:
- الشمس.
- القمر.
- زحل.
- المشتري.
- الزهرة.
- عطارد.
- المريخ.
وجميعها ممثلة بسبعة أحرف.
أما الأحرف الإثنتي عشرة الأخرى الباقية، فهي للأبراج الإثنى عشر".
وللحال، تذكر بيثاغور ما كان قد تعلمه عن الأبجدية المقدسة من معلميه الكبار في جبيل، أما هنا في ممفيس فقد باتت معرفته تلك متبلورة بشكلها العملي.
- وتابع حارس الرموز:" إن كل حرف من تلك الحروف مع رقمه في اللغة المقدسة، له تأثيره على الأبعاد الثلاثة لعوالم الروح، والفكر، والمادة".
وقد أدرك بيثاغور ما كان يقوله الحارس بالتمام، لتذكره موسيقاه التي كان يعزفها على قيثارته التي ولكل وترٍ من أوتارها ما أنعش نغمة تردد صداها بين السماء والأرض، مستحضرة أمامه تناغم الدوائر.

ومن بين تلك اللوحات، كانت أوَلَها ممثلة عالِماً بردائه الأبيض وفي يده صولجانٌ وهو متوّجٌ على رأسه بتاجٍ ذهبيّ.
- وراح العالم الحارس يشرح:" إن الرداء الأبيض يعني الطهارة، والصولجان يظهر الأستذة، أما التاج الذهبي، فهو يعني النور الكوني. إذ أن كل إرادة تتحد مع الله لتجسيد الحقيقة والعدالة، تكون في علاقة مباشرة بالإشتراك مع القوة الألوهية على الحياة الوجودية، وهي موهبة أبدية لدى الأحرار في نفوسهم".
وكان بيثاغور مصغياً بإنتباه لافت.
- وأنهى العالم الحارس كلامه:" إن الحرف { أ } والرقم [ 1 ] يرمزان للوحدة والتوازن في الحياة. أما على المستوى الجسدي، فهما يرمزان للإنسان الكوني الذي وعندما تتوسع طاقاته الباطنية، يصبح بإمكانه رفع نفسه إلى دوائر الكون الكبير أللامتناهية".
وكان بيثاغور شديد الإعجاب، بهذا الأسلوب الجديد في تلقي المسارة. وعندما كان الحارس مكملاً شروحاته لمعاني كل لوحة من اللوحات ، كان بيثاغور يتفهّم ما لها من معانٍ راقية وصوّر مجسدة إياها.
ومن ثم فتح العالم الحارس الباب المؤدي إلى مغارة كان ينيرها بخجل قنديل معلّق في سقفها. وراح ينتظر المساعدين ليأخذوا بيثاغور بعيداً إلى غرفة أخرى ليغسلوه، وليحلقوا له شعره، وليبدّلوا ردائه بآخر جديد من الكتان الفاخر.

وحيداً، كان بيثاغور مرتاحاً على أريكة كبيرة، منتظراً وصول المعلم الكبير بحسب ما أعلمه به مساعدوه، وهو منهك من التعب، مظهراً شعوره بالسرور بكل ما هو محاط به من سكينة، كان يتخللها صوت موسيقى خفيفة مالئة المكان، آخذةً إياه في رحلة ممتعة من الأحلام، وعيناه مغمضتان وهو مستلقٍ.
ولاحقاً، عندما فتح عينيه. رأى أمامه خلف ستارة بيضاء شفافة، ما هو أشبه بشكل إمرأة وهي تحرك جسدها على أنغام الموسيقى الهادئة، وكأنها أفعى. إنها إمرأةٌ من نوبى ، Nubian، مرتديةً فستاناً أرجوانياً شفافاً، مظهراً مفاتنها. تلك المرأة، ذات الشفتين الكبيرتين الحمراوتين، والوجنتان الناعمتان الجميلتان، دنت منه، وهي حاملة بيدها كأساً مملؤاً بالورود تفوح منها رائحة قوية. فذهل بيثاغور بما لها من قوة جاذبية، فوقف ووضع يديه على نهديها، فدنت منه أكثر، وعيناه الكبيرتان السوداويتان المشعتان محدقتان به في محاولة منها لإستثارته غرائزياً.
- وسألته بصوت خفيف وناعم:" هل أنت خائفٌ مني يا ايها الرجل الجميل"؟
وإضطربت مشاعر بيثاغور .
- وهمست بأذنه:" إنني مُحضِرة لك جائزة المنتصرين، ونسيان الآلم وكأس السعادة".
ولدى سماعه لكلماتها، أيقن بأن ما هو حاصلٌ معه الآن، ليس إلا تجربةً وإختباراً. فتردد، وشعرت منه بذلك. فجلست بجانبه على الأريكة وهي ترمقه بنظرات توّسلية.
- وبما له من إرادة قوية رفض الخضوع لملذات الجسد. ووقف بسرعة، مبتعداً عن الأريكة، ومن ثم نظر في عينيها، وقال:" لا تلمسيني، لأنني ما وصلت بعد إلى نفسي العليا! وأنت بذلك تعيقينني في ذلك، وتعرفين أنك واقفة بطريقي. . فإبتعدي".
فإستاءت من تصرفه معها، مخفضة عينيها صامتة. وشعرت بالخدر في كل انحاء جسدها، مدركة أنه عليها الخضوع لمشيئته. وذلك بعد أن بائت محاولاتها لإثارته بالفشل.
فجاءة، ظهر في تلك الغرفة إثنا عشر مساعداً وهم يحملون بأيديهم المشاعل، وراحوا يلتفّون من حواليه. وساروا به منتصراً، إلى ملاذ إيزيس، حيث كان بإنتظاره مجموعة من العلماء بالأسرار الباطنية وهم مصطفّين في شكل نصف دائري‘ حيث كان تمثال إيزيس واقفاً وقفته الملوكية في قلب المعبد، وهي تبدو فيه مزدانة بوردة ذهبية على صدرها، ويعلوا رأسها تاجٌ مُشَكّلٌ من سبع إشعاعات، وإبنها هوريس Horus مرتاحاً بسلام بين ذراعيها.
وبرز سنخوس الكاهن الأعلى متشحاً بوشاحه الأبيض فوق ردائه الأرجواني، وإستقبل بيثاغور الذي كان أن أقسم بأن يظل محافظاً على صمته، وإلتزامه بالعقيدة الباطنية. فرحب به الكاهن الأعلى قابلاً به بإسم الجمعية كأخٍ مساريّ.
وغمر بيثاغور فرحٌ عظيم، إذ بات تلميذاً لإيزيس. وبحضور كل اؤلئك العلماء بالأسرار الباطنية، شعر بحضور إلهيّ قوي متجسد. وبأن دائرة الحقيقة قد رسمت أمامه الطريق التي عليه واجب السير عليها، فاتحة أمامه الباب لولوجها.
* * *


تحت أشعة الشمس المصرية مشى بيثاغور عابراً الصحراء، تاركاً ممفيس وقاصداً الأهرام.
وكانت الرمال الذهبية الناعمة تحت قدميه، ومشاهدته للتلال الصغيرة المنتشرة من حوله قد أضافت إلى تأملاته مزيداً من التساؤلات عن عالمٍ ذو معانٍ وأبعاد صوفية.
فالصحراء كانت المكان الأفضل لكل الأنبياء الذين كانوا يبحثون عن الحكمة وتنقية الأفكار. إذ أن السفر فيها خلق عند بيثاغور حالة وجودية لا توصف.

لاحقاً، هبط الليل مرخياً سدوله على الصحراء، وراحت الأوهام تحيك بخيوطها في ذهنه. إذ، سمع أصواتاً محدثة الصدى في البرية المحيطة. إنها أصوات الجن، والأرواح، والملائكة، والشياطين. . .
لم يكن متأكداً!
وفكر.
لا إنتظر لحظة. . .
وسار مبتعداً بضع خطوات.
فبدت له تلك الأصوات على حقيقتها.
إنها لم تكن سوى صوت الليل الصامت، ولم يكن هناك من شيء ليس بعادياً لما كان قد تناهى لمسمعيه.
إنه فقط صدى صوت وحدته التي شوهتها اكثر الظواهر طبيعية. . .
إنها الطبيعة بحد ذاتها!
وبات الآن واضحاً أمامه بصورة جلية ما كان السبب في إعتقاد البعض من الناس بأن الصحاري هي مسكونة.

من بعيد، بان أمامه أبو الهول والأهرامات منتصبين بكل عظمتهم، وهم ثابتون بوجه الزمان. فإرتجف بيثاغور لشعوره بما لهم من هيبة وطاقة جذابة مريداً معرفة ما في كنهها من ألغاز.
- وراح يتسآل:"
إلى ما ترمز؟
كيف تم بناء ذلك الهرم الكبير؟
لماذا؟
ماذا يخبئ يا ترى خلف جدرانه في الداخل؟
هل هي الأرقام؟
خلود النفس؟
الحقيقة؟
ما كل هذا؟
وعندما إقترب منها أكثر، دنى منه مساعدان، فرحبا بقدومه، وأرشاداه إلى مبنى صغير قائم بين تمثال أبي الهول والهرم الكبير تحت الأرض.
هذا المكان، ليس بإستطاعة من هو جاهلٌ أن يدخل إليه.
ودخله بيثاغور.
- وقال له واحدٌ من المساعدان بصوت أجش:" إنه، الهات – خا Hat - Kha . منزل الأجساد".
وفي الهات – خا، بدأ بيثاغور دربه الطويل داخلاً إلى الدرجة الأولى ليدرس لسنين عدة التركيب العضوي للجسد البشري كما الحيواني، وللنبات أيضاً، وخصائص المعادن. وراح منكباً على التعمق بما لها من وظائف، وأنظمة تنفسية، وعضلية، وأوعية دموية. ولقد كان ذلك بالنسبة له برنامجاً لتطوير ما كان درسه في صيدون عن علوم التشريح. فصار طبيباً، مدركاً للملكات الأربع في الحياة الدنوية، مكتشفاً من خلالها سحر الطبيعة.
وكان يمضي البعض من أوقاته داخل صومعته متاملاً في التكوين، ومتعلماً عنه، وعن الهندسة، هذا فضلاً عن دراسته للأبجدية الهيروغلافية في قاعات المعابد التي تمكن فيها من الإضطلاع على مسيرة الإنسان الحياتية، وقصة الحضارة.

لاحقاً، في الهات – بيو Hat – Biou، منزل النفوس. في داخل المعبد الخارجي لهرم خفرع، درس بيثاغور علم وظائف الأعضاء الباطنية. ( 2 )
وإنتقل خلال السنين التي توالت إلى الدرجة الثانية التي فيها يتم التعرّف على المستوى الأثيري، فتعلم كيفية تطوير وتوجيه طاقاته الكامنة الحية التي أعطته قوىٍ عظمى، رافعةً إياه إلى الأستذة على المستويات الجسدية والأثيرية.
إن تلك الدراسات التي قام بها، والتي كانت تعرف آنذاك بالسحر الأثيري، مكنته من الحصول على القدرات الشفائية العجائبية بما قد أصبح لديه من هالة مغنطيسية.
- وقال له المعلم الأكبر سنخوس:" إن كل تلك القوى التي حصلت عليها يا بيثاغور هي جد خطرة. وعليك توخي الحذر في إستخدامك لها، إذ أنها قد تؤذي بالمقدار الذي فيه قد تنفع. وأعلم، أن النبل والوعي من الواجب عليك دوماً المحافظة عليهما لدى محاولتك القيام يالمعجزات".
فهز بيثاغور برأسه مدركاً يقيناً بأن تلك الأسرار التي باتت الآن بحوزته من شأنها أن تنعكس عليه سلباً في إستعماله لها بما هو مخالف لمبادئها الخّيرة.
وتابع بيثاغور المضيّ قُدُماً في مسارته، ودخل إلى الدرجة الثالثة التي فيها يُعَلّم التنجيم، المعروف بالسحر السماوي بظاهرتيه الخارجية والخفية. وكانت الناحية الخارجية منه متجلاة بتموضع الكواكب وحركاتها التناغمية في نظامنا الشمسي. أما الناحية الأخرى له والخفية، فكانت تظهر القوى الحيوية المختلفة المنبثقة عن الكواكب التي هي وراء توازنها الكامل في وجودها الفضائي. وهنا، تذكر بيثاغور " تناغم الدوائر " عندما كان باحثاً في جبيل، ذلك أن الأرقام والموسيقى عادت للمثول أمامه من جديد في مصر.
وفي خلال كل تلك السنوات التي أمضاها في " قاعة الألغاز الكبرى "، وجد نفسه أمام الإله أوزيريس، وشفيعة الهيكل الإلاهة إيزيس الحاملة الأسرار الباطنية.
ولدى دخوله الدرجة الرابعة وتعلمه السحر الكوني الحقيقي على مدى ثلاث سنوات، تمكن من الحصول على القوى التي جعلت منه قادراً على إتمام الطقوس على الأحياء كما الأموات لمساعدة أرواحهم في رحلتها من موتها المادي إلى قيامتها الروحية في دائرة الوعي المطلق.
وفي مكان التطهير، كان هناك جسد ميت لأحد كهنة الهيكل وهو مسجّى على خشبة الأموات المحاطة من ناحيتيها بمجسمات لأسود ترمز لحراسته. وكان هناك نور خفيف منبعث من عامود اللوتس ينير المكان، في وقت كان فيه الكاهن الأصلع المختص بالتحنيط عاملاً على الجسد تحت إشراف المشرف الأعلى على الأسرار. وكان دخان البخور مرتفعاً من مبخرة طويلة مالئاً المكان بعبير شذاه. وبان خلف المبخرة نقش على الحائط لصورة " أنوبيس Anubis " برأس إبن آوى، وهو إله المُحَنِطين.
ومن ثم بدأو بغسل جسد الميت بمياه النيل، وإنتزعوا منه الكبد، والرئتين، والأمعاء، والدماغ، ووضعوهم في جرة. أما القلب، فقد أبقوا عليه لإعتقادهم أنه " مركز الذكاء ". ولاحقاً، دهنوا الجسد بالزيت المقدس، ومن ثم كفنوه بالكتان الأبيض الفاخر. وبعدها، حضّر الكهنة البعض من التعاويذ لوضعها على الجسد، ووضعوا على جبين الميت " الصليب المصري " الذي كان يرمز لخلود النفس. أما على قلبه، فقد وضعوا مجسماً " لخنفساء " لإعتقادهم بأنها تحرك الولادة الأبدية. وأخيراً، فقد عمدوا إلى تغطية وجهه بقناع ذهبي.
وبعد إنقضاء أربعين يوماً على موت الكاهن، حمل الكهنة المومياء العائدة له على أكتافهم سائرين بها في رواق طويل مودٍ إلى " غرفة الجنازة ". على مقربة من نهر النيل، حيث القرص الشمسي " رع " من سقف تلك الغرفة كان مرسلاً أشعته على المومياء مانحاً إياها بشكل رمزي حرارة الحياة.
وكان على بيثاغور، الذي بات مالكاً للعلم الباطني الكوني الحقيقي أن يتم الطقس الباطني على تلك المومياء لإرشادها في رحلتها الأخيرة إلى العالم الآخر.
فوقف بحلته البيضاء ككاهن لأوزيريس، محاطاً بعدد من الكهنة الآخرين في جو كانت فيه رائحة البخور فواحة في كل أرجاء تلك الغرفة.
- وأفتتح بيثاغور الطقس المقدس الرامي لإقامة الميت في العالم الاخر، وقال:"
بقوة " رع " سنقودك في رحلتك! إن روحك و نفسك منفصلتان. وإن أنوبيس حارس الموتى هو بالإنتظار، وإنك سوف تلاقيه وهو الذي سيقوم بإرشادك. هذا هو إسمه، وبمعرفتك للكلمات السحرية ستناديه ليفتح البوابة أمامك ويسير معك. أما الإلاهة إيزيس فستكون حاميتك من البداية، وطوال رحلتك".
وكان الصمت التام مرخياً بظلاله على القاعة.
- وتابع بيثاغور:" عند الجبال الغربية حيث تختفي الشمس، تقف بوابة العالم الآخر، وها أنت الآن قد بلغتها. فأدخلها، لتجد خلفها النهر المظلم في " قاعة الليل " التي هي مملكة " شيت Seth " العدو اللدود لأوزيريس. فتابع رحلتك ولا تخف من الأشرار المنتظرين وصولك والذين سيحاولون تحطيم مركبك بغية إغراقه".
- وأخذ بيثاغور نفساً عميقاً ليتابع:" يجب ان تكون لديك الإرادة والقوة لكي تتغلب على الأفعى أبوفيس Apophis التي ستحاول أن تسد بوجهك الطريق المؤدي إلى مملكة الحرية. فكن على إستعداد الآن لتخوض تجارب البوابات السبع، ولدى نجاحك في تخطيها، عليك تحضير نفسك للدخول في إختبارات الأعمدة العشر التي تتيح مجال الدخول. أنت هناك الآن، فأمشِ صعوداً على " درجات العدالة " التي امامك، وأنظر إلى آلهة الخلق، إنهم هناك للترحاب بوصولك إليهم. وسوف يقوم أنوبيس بأخذك بيدك ليدخلك إلى " قاعة العدالة الكبرى " حيث أوزيريس منتظراً إياك، وهو جالسٌ على عرشه بفارغ الصبر، ليشهد محاكمتك الأخيرة، فكن حاضرأ لمواجهة قدرك".
- وراح بيثاغور متابعاً بحماسة:" إن توت – تاوتوس الإله الحارس سوف يقوم بتدوين النتيجة التي ستظهر بعد وزن قلبك بميزان الحق تحت مراقبة أنوبيس. وإن آموت Ammut الوحش هو الآخر مراقباً إياك عن كثب. فإذا أظهر قلبك أعمالاً سيئة، فإن آموت الشيطان سوف يقوم بإبتلاعه، فتوخى الحذر. وأنا أتمنى أن تكون أعمالك الخيّرة في الحياة مخلّصة إياك ومساعدة لك في التخلص من دائرة الضرورة الحتمية للوجود المادي".
وحل صمت كبير.

لقد تم وزن قلب الميت، وتبين للآلهة أنه خيّرٌ.
فتابعت نفسه طريقها إلى " بحيرة اللوتس " لتتطهّر للأبد.
وفي " حقول اليالو Yalu "، فإن نفسه التي إطّهرَت باتت مباركة، وحائزة الحياة الأبدية في الفردوس حيث تابعت حياتها عاملة في " النيل السماوي ".
- وعند ذاك، أنهى بيثاغور الطقس الجنائزي بدقة، وقال:" الآن، إنتهت رحلتك بإتحاد ذاتك مع الروح الأبدية محدداً إياها بالكاهن الأسمى رع".
- وهمست نفس الميت بنغمة روحية محققة ذاتها في مملكة الحقيقة المطلقة، قائلة:" أنا البداية والنهاية، أنا رع والكائن الأسمى فيّ، وبات هو ذاتي!
- وشرع بيثاغور مرنماً ترنيمة الحياة والقيامة التي علمه إياها علماء الهيكل:"
إنها الحقيقة.
أوزيريس يحيا.
الميت يحيا.
أقم نفسك.
أنت المالك النفس.
أنت الذي تم إحياءه.
تعال أيها الإله.
إن إيزيس تكلمك".

وبعد كل ذلك، وضع الكهنة المومياء في تابوت حجريّ ودفنوها في المقبرة واضعين معها كل الحاجيات التي سوف تسخدمها في الحياة الأخرى.

وكان بإستطاعة بيثاغور رؤية الآلهة ومخاطبتها، ليس بإستخدامه لقواه الذاتية الحيوية فحسب، بل بالعمل من خلال دائرة الفكر، مرتكزاً على عقله الواعي. ذلك أنه كان عالماً بالأسرار الباطنية، ومدركاً القوى الكونية الحقيقية.

على أي حال، لم تكن تلك هي الدرجة الأعلى للمسارة، إذ كانت هناك ما تزال أمامه درجة أخرى وأخيرة، تظهر الحقيقة الأسمى.
* * *


بيثاغور، وهو الآن عالمٌ بالأسرار الباطنية. ظل، ولعدة سنوات متأملاً ومفكراً لوحده بصمت. وفي لحظات الشك والألم والتساؤلات التي مر بها، كان المعلمون يشيرون عليه بأن يتابع عمله متجملاً بالصبر.
وفي أحيان كثيرة، كانت الشكوك تنتاب بيثاغور أحيانا بما له من قدرات ذاتية، وراحت الكوابيس تقلق نومه. إذ أن الدخول إلى الأعماق ليس بالأمر السهل، تلك الأعماق التي كانت بادية له كحقيقة راقية وسامية أساسها الكامن أهم بكثير من تلك الدراسات التي حصّلَها في غضون السنوات الأخيرة الطويلة.
- وصرخ بيثاغور بصوت عالٍ تردد صداه في صومعته:" ما هي الحقيقة؟

وكان الحكماء القدماء يعتقدون بأن الإنسان ليس بإستطاعته معرفة الحقيقة وإدراكها، إلا إذا أصبحت جزءاً أساسياً في كيانه. وكان بيثاغور مدركاً ذلك تماما الإدراك، وميقناً بأن كل الذي تعلمه لغاية الآن لا يُمَكِنَهُ من التواصل مع الحقيقة، إلا إذا أصبح موازياً لصيرورته.
لذلك فهو لم يستسلم، وشيئاً فشيئاً، وبالإرادة والإيمان شرع بإختبار مملكته الداخلية، فاصلاً ذاته عن العالم المحسوس، عندها بدأت الحقيقة رحلتها في داخله مشرقة فيها كأشعة شمس الصباح الأولى التي تظهر ببطء لتنير وجه الأرض.
- وسأل بيثاغور بقلق المعلم الأكبر، عندما كان ماشياً وإياه في قاعة المعبد، متأملاً بزهرة اللوتس المرسومة على الحائط:"
متى ستعلن الحقيقة؟
هل سأدركها؟
- فأجابه المعلم سنخوس:" إن الحقيقة لا تعطى، فنحن غالباً ما نجدها في داخلنا أو لانجدها على الإطلاق. وبالتالي، فإنه ليس بمقدورنا أن نريك أياها، لأنها كامنة في أعماقك وعليك العثور عليها بمفردك. أما زهرة اللوتس التي أنت الآن ناظرٌ إليها، فهي قد نمت في المياه منذ فترة طويلة قبل أن تفتحت أوراقها على وجه المياه نفسها. فلا تكن متسرعاً ولا مستعجلاً تَفَتُّح الحقيقة في داخلك، لأن ذلك مرهون لوقته المناسب.
إن زهرة اللوتس هي مثلك تماماً كونها حاملة في ذاتها العناصر الأربعة. أما الإختبارات التي خضتها كشرط أساسي لولوجك إلى العالَم الباطني، ليست لها أية معانٍ سوى ما لك أنت من رغبات وإنفعالات حادة وشكوك ومخاوف مكوّنةٍ الحواجز والموانع القاطعة الطريق أمامك الموصل إلى ما ستصبح ما أنت عليه حقيقة".
- وإنقضت سنة أخرى، وبيثاغور يقاوم أوهامه فتغلب عليها. عندها رآى المعلم الكبير بأن الطاقة المحيطة ببيثاغور هي إشارة تسمح بإعلان الحقيقة له. فتكلم بطريقة أدخلت الطمأنينة لقلب تلميذه:" . . . لأنك شعرت بالحقيقة في داخل قلبك النقي التواق لها، فسندخلك الآن إلى مجموعة المساريين الكبار. وليكن معلوماً لديك بأن ما من أحد عبر عتبة أوزيريس دون مروره بالموت والقيامة".

أمام أبي الهول، ها هو بيثاغور بصحبة المعلم الكبير، يراقبان سوية كوكبة الأسد.
- وتكلم الكاهن الأكبر:" إن أبا الهول هو المدخل للمسارة الأخيرة. إذ أنه يمثل الحالة البدائية للإنسان بإطلاعه إيانا على مبادئ التطور والأسرار المتجسدة في اللاهوت الكامل.
فأبا الهول الذي أنت واقف أمامه الآن، والمكوّن من جسد أسد، وله مخالب ثور، وأجنحة نسر، ووجه إنسان. هو صورة عن العناصر الأربعة:
فجسم الأسد، يمثل عنصر،
الأرض.
البداية.
الصمت.
أما مخالب الثور فهي ترمز،
لعنصر النار.
القوى الحيوية.
الجرأة.
وأجنحة النسر تشير إلى،
مفتاح العقل.
المعرفة.
وأخيراً وجه الإنسان يدل على،
الماء.
الوحدة.
الإرادة.
وإن الباب للمسارة الأخيرة هو تحت رأس أبي الهول، وما بين ذراعيه.
وفُتِحَ الباب على مصراعيه، ودخلاه.
وكانت المشاعل المعلقة على الجدران في الداخل تنير الرواق الطويل المتواجد في آخره تمثال غريب، يده اليمنى مرتفعة فوق رأسه، أما الأخرى، فكانت تشير إلى الأرض.
- وسأل المعلم الأكبر بيثاغور بجدية:" ما هو اللغز في هذا التمثال حسب رأيك"؟
- وبعد أن فكر بيثاغور لبرهة من الوقت، أجابه بثقة كبيرة:"
كما في السماء، كذلك على الأرض".

وتابعا سوية صعودهما على درج يوصل إلى الطابق الأساسي تحت الهرم الكبير. فعبرا داخل ممرات أخرى حتى وصلوا في النهاية إلى غرفة الملك في الهرم الكبير.
هناك، في قلب الهرم، كان بإنتظارهما ثلاثة معلمين كبار بحللهم البيضاء، وهم متشحون فوقها بأردية أرجوانية. وكان أحدهم مغطياً رأسه بتاج ذو قرنين تتوسطهما كرة ممثلة للقمر.
أما الثاني، فكان يعلوا رأسه تاجٌ عليه أفعى رمزاً للطاقة المحركة التي كان على بيثاغور واجب إستنهاضها في داخله.
إنها، حللهم التقدليدة في طقوسهم المسارية.
وكان هناك تابوت حجري توّزعوا في الإتجاهات الثلاث المحيطة به، وهم حاملين بآياديهم المشاعل التي كانت تنير الغرفة الفائحة فيها روائح البخور.
- وتفوّه الكاهن الأكبر:" ليس بإستطاعة أحد يا بيثاغور الهروب من الموت، ولكن كل روح مصيرها القيامة. وأنت، ستنام في التابوت الحجري لمدة ثلاثة أيام وليالٍ منتظراً نور أوزيريس".
وتممد بيثاغور لتوّه في ذاك التابوت، مشابكاً يديه على صدره. وبعد أن رتل الكهنة الثلاثة البعض من التراتيل كلٌ بدوره، باركوه بأيديهم ومن ثم تركوا الغرفة برفقة الكاهن الأكبر.
هناك، وفي ظلمة حالكة وفي صمت كبير، إنسلت نسمة باردة إلى الغرفة ملامسة جسده الممدد في التابوت. وشيئاً فشيئاً بدأ جسده بالإرتجاج بسرعة وقلبه يخفق بقوة. عندها راح يفقد وعيه لجسده المادي شاعراً بالخفة، فإرتفع بجسده الأثيري إلى بوابات الخلود. وكانت روحه تحلق كطائر الفينيق في الدوائر الروحية حيث ادرك بأن الحياة نابضة في كل مكان، والتطور هو القانون الأبدي. وبانت له الأشكال والأرقام، وشاهد حيواته السابقة كلها.
وفي اليوم الثالث في ذاك الفضاء الصوفي العميق الذي دخله، كان هناك شيء ما محهول يشع نوراً. فإقترب بيثاغور منه في الوقت الذي راح فيه ذاك الشيء بالإقتراب منه أيضاً. إنها النجمة الخماسية الأبعاد، وإتحدا معاً. وعندها إنتشر نور عظيم جذاب في مملكة الظلمة.
عند ذاك أدرك بيثاغور بأنه قد أصبح الكون Microcosm في الكون الكبير Macrocosm إلهاً في قلب الله. وفجأة، توقفت الرؤيا وراح يشعر مجدداً بجسده الذي عاد إليه ثانية، وشعر بأنه مثقلٌ، ففتح عينيه ليجد المعلمين من حوله منتظرينه. فناولوه القليل من الشراب عندما كان يقوم من التابوت.
- وقال الكاهن الأكبر سنخوس بسعادة:" ها أنت الآن قائم من الموت مختبراً اللغز الكبير، إذ أنك قد تغلبت على الموت محققاً بذلك الخلود لنفسك".
ونظر إليه بيثاغور بعينيه المشعتان حكمة.
- وأضاف الكاهن:" تعال معنا الآن لنحتفل سوية بإتمامك المسارة بنجاح. إذ أنك قد أصبحت كواحد منا مولوداً من جديد".
- وذهب الجميع إلى مدخل القاعة، وأنتظروا. وفي الوقت المناسب الذي فيه ضربت أشعة الشمس وجه بيثاغور، أعلنه المعلم الكبير مسارياًوقال:" سوف تدرك من الآن وصاعداً بأن الله فيك مثلما أنت فيه. وبأنك قد أصبحت كل ما هو حاصل، وكل ما قد حصل ماضياً، وكل ما سيحصل مستقبلاً. وبتّ كل ما هو أنت".

***

يتبع ....... مع الشكر لكم أولا ً وأخيرا ً .....
07-23-2005, 09:49 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
رواية صوفية عن حياة الفيلسوف اليوناني ( فيتاغورس ) - بواسطة Georgioss - 07-23-2005, 09:49 PM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  برنامج حمية السبيل-لوريل ميلين. السلوك السوي - كتاب يلبي رغبة الساعين إلى حياة أفضل ali alik 0 972 01-25-2012, 06:27 AM
آخر رد: ali alik
  رواية عالم صوفي/ عرض للدكتور محمد الرميحي بسام الخوري 1 2,587 06-15-2011, 08:50 AM
آخر رد: بسام الخوري
  رواية اسمها سورية - 40 كاتب ومؤلف في 1585 صفحة ، ملف واحد بحجم 25 ميجا مع الفهرسة ali alik 10 4,849 04-09-2011, 11:21 PM
آخر رد: kafafes
  رواية فنسنت فان جوخ - رائعة ايرفنج ستون في 772 صفحة .. لأول مرة ali alik 2 4,212 12-25-2010, 02:04 PM
آخر رد: kafafes
  مغامرة الكائن الحي _ جويل دو روزناي - و رواية يوم في حياة ايفان - الكسندر سولجينيتسين ali alik 1 1,881 10-26-2010, 04:48 AM
آخر رد: إبراهيم

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS