لبنان – سوريا: 'ميني عراق'؟


من حيث المبدأ، يزور الرئيس فؤاد السنيورة دمشق غدا الاحد من اجل انقاذ العلاقات الثنائية بين البلدين والتي تحتاج الى الجهد الكثير، لا بل اكثر من ذلك، انها تحتاج الى رغبة صادقة من ناحية السلطات السورية التي تتحكم في مصير العلاقات بعدما انتقل التصعيد من الساحة اللبنانية الى الساحة السورية، مع اليقين ان ثمة فارقا جوهريا بين التصعيدين هو ان اللبنانيين صعدوا اللهجة ضد سوريا في لبنان وسياساتها والاخطاء الكبيرة التي ارتكبها النظام، الى ان اشتعلت الارض. اما التصعيد السوري فهو يأتي كرد فعل على استقلال لبنان وتخلصه من ربقة النظام المافيوي المخابراتي الذي حكم البلاد سنوات طويلة. اما قضية العمال السوريين والضحايا الذين سقطوا والارقام المبالغ فيها الى حد بعيد، فتشكل الذريعة الدعائية التي يستخدمها النظام من اجل اثارة الشارع السوري ضد اللبنانيين لحرف الانتباه عن الاخطاء التي ارتكبها النظام في لبنان، وربما كان في حاجة الى محاسبة داخلية تحول دون العودة الى سياسات مماثلة في المستقبل.

ورب قائل انه لو كانت في سوريا محاسبة ديموقراطية، اقله لسلوك النظام خارج الحدود، لما وصلت الامور الى ما وصلت اليه مع لبنان.

لا نقول هذا الكلام من اجل تسعير الخلاف بين البلدين، فنحن ضنينون بتلك العلاقات، على ان تكون سوية ومتوازنة تعكس رغبة مشتركة في بناء صرح متين يقدم العام على الخاص، على اساس اعتراف سوري صريح بان لبنان بلد يحق له ان يتمتع باستقلاله وان يرفض كل تدخل او محاولة فرض وصاية او هيمنة عليه، اكانت اجنبية (اميركية او فرنسية) ام عربية (سوريا). فاذا كان لبنان يرفض اعاد البيان الوزاري تأكيد ذلك ان يكون ممرا او مستقرا لاي تهديد او تآمر على سوريا، فانه في المقابل يحق لنا في لبنان ان نطلب من الاخوة السوريين التزاما عمليا لمنع التآمر على بلادنا انطلاقا من سوريا او برعاية من جهات سورية. هذا معناه عمليا وقف تهديد الامن اللبناني وسلامة الناس، والتوقف عن تهديد الاستقرار، والاهم من ذلك كله ان تلغي الجهات المعنية لائحة الاغتيالات لشخصيات لبنانية تشمل كما بات معروفا سياسيين واعلاميين ورجال اعمال. ومن دون قطع سوريا كل انواع التعامل مع جهات تنتمي الى النظام الامني السابق (امنيون ومدنيون وحزبيون) ستظل العلاقات على تأزمها، بفعل استمرار احد طرفين في التعامل مع الطرف الآخر على انه ساحة سائبة ومفتوحة على تصفية الحسابات والانتقامات. من هنا املنا من رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة الذي نعرف كم هو صادق في رغبته في اعادة بناء علاقات اكثر من مميزة مع الاخوة السوريين املنا ان يكون حديثه مع نظرائه صريحا كل الصراحة، وخصوصا على المستوى الامني الذي لا يختلف لبنانيان على صلة جهة ما في سوريا (او مرتبطة بسوريا) باللااستقرار الذي تعيشه البلاد. هذه هي المهمة الاولى للسنيورة، ان يعمل على رفع "حالة الطوارئ" السورية في لبنان!

ان للنظام السوري مصلحة في تبريد الازمة مع لبنان، وذلك على عكس التحليل الذي يقال انه سائد في دمشق. فمحاولة تحويل لبنان "ميني عراق" تجربة قد لا يتكرر نجاحها مرة اخرى، وخصوصا ان سوريا تحت مجهر المجتمع الدولي الذي يرى في تقاطع فرنسي اميركي مستمر انها تقف وراء كل الاحداث الامنية التي حصلت منذ محاولة اغتيال مروان حماده حتى محاولة اغتيال الياس المر. ثمة اقناع في باريس كما في واشنطن وفق مصادر ديبلوماسية اوروبية في باريس بأن النظام السوري لم يتوقف عن محاولاته لزعزعة الاستقرار في لبنان، وانه يعمل بلا كلل لتحويل هذا البلد "ميني عراق". ومن هنا تضيف هذه المصادر ان فرنسا والولايات المتحدة مستعدتان لاتخاذ تدابير ردعية في وجه هذه المحاولات التي لا تتوقف عند الامن وانما تتعداه الى الحصار الاقتصادي الذي تقوم به دمشق والذي يمكن ان ينتج منه في مدى منظور تحرك للمجتمع الدولي (اوروبا الولايات المتحدة) من اجل البدء بفرض عقوبات على دمشق، مع العلم ان باريس لا تحبذ سياسة العقوبات. ولكن التحليل السائد على المحور الثنائي الفرنسي الاميركي هو ان النظرة الى النظام في سوريا تتحدد في ما تتحدد، في ضوء سياساته في لبنان.

بناء على ما تقدم، يمكن القول ان للبنان وسوريا مصلحة في انقاذ العلاقات المشتركة، وبسرعة. ونحن من ناحيتنا نعرف ان اللبنانيين يجمعون على ذلك لكنهم يريدون من النظام السوري سلوكا جديدا نابعا من تغيير فعلي في النظرة الى كل من لبنان والشعب اللبناني على انهما لم يعودا جزءا من ارث في جمهورية وراثية عربية تحكمها معادلة، "اما ان يبقى لبنان ملكنا واما ان نحوله ميني عراق".

اما بعد، فبالتوفيق يا دولة الرئيس فؤاد السنيورة في مساعيك الطيبة في دمشق الحبيبة، رغم كل كل شيء!


علي حماده - باريس