مرحبا مرة اخرى،
بالنسبة لاعتراض العاقل، أقول أن العاقل يفسر وجود النظام (الكون) بنظام اخر(ارادة سابقة) و هو بذلك ألصق صفة "الارادة" في النقاش حول "هل للكون خالق؟" و عندما بينت له المشكلة المتعلقة بزعم وجود "ارادة"، قال العاقل بأنه غير ملزم بالرد على هذا الكلام، لأننا نناقش الخلق و زعمه بوجود ارادة سابقة، و ليس صفات الارادة نفسها. أرجو من الحكم جقل تسجيل هذا التهرب للسبب التالي: إن مفهوم "الارادة" هو صفة ألصقها العاقل بأصل النظام و ليس أنا. و هذا يعطيني الحق بالاعتراض على هذه الصفة و تبيين المشاكل المنطقية بها، و لا يحق للعاقل أن يعتبر اعتراضي خارجا عن الموضوع لأنه هو الذي أدخل صفة "الارادة" في الموضوع و ليس أنا. فإن أراد العاقل عدم مناقشة صفة "الارادة" التي ألصقها هو بالنقاش، فعليه هو شطب دليله بالكامل المبني على أن وراء النظام "ارادة"، و ليأتني بدليل آخر لنبدأ من جديد. أما إذا أصر على ابقاء زعمه بوجود ارادة وراء كل نظام، فعليه أن يرد على اعتراضي المبيِّن بأن افتراض وجود الارادة يفرض مشكلة منطقية تعيدنا الى نقطة الصفر و لا تجيب عن السؤال موضوع الحوار، أو يعلن عجزه عن الرد. يستدل العاقل على وجود الارادة بالقياس و بنفي الاحتمالات الاخرى، حيث أنه يزعم أن وجود الارادة هو أحد هذه الاحتمالات. فكيف يحق له هو أن ينفي الاحتمالات الاخرى، و يرفض أن أقوم أنا بنفي احتماله هو؟
يقول العاقل،
اقتباس:أتمنى أن ينحصر كلامنا في هذا " الكون " فقط . وأن يتم رفض استدلالي على وجود تلك الإرادة , من هذا الكون ، لا من تلك الارادة .
هذا كلام مرفوض. يمكن للعاقل أن يزعم مثلا بأن وجود النظام يدل على مثلث ذي اربع اضلاع وراء هذا النظام، فإذا اعترضنا و قلنا بأن هذا التفسير غير منطقي لأن المثلث له ثلاثة اضلاع فقط، سيقول لنا بأنه غير معني بصفات المثلث ذات الاربع اضلاع بل هو يتحدث فقط عن الكون. و هكذا سيتهرب العاقل من الرد على كل المزاعم اللامنطقية التي سيرميها شمالا و يمينا. الصحيح بأنه اذا زعم العاقل وجود ارادة سابقة للكون، او زعمت أنا ان الصدفة سببت الكون، او زعم شخص ما بأن هناك فيلا زهري اللون يحمل الكون على ظهره، فمن حقنا مساءلة هذه المزاعم و مناقشتها و تبيان المشاكل بها، و ليس من حق أحد الادعاء بأنها خارجة عن الموضوع بعد أن أدخلها هو في الموضوع!
و أذكر العاقل بأن اعتراضي الوحيد على "الارادة" التي زعمها هو صفة النظام بها، و التي تنفي زعمه الأصلي بأن كل نظام له ارادة توجده، و هذا يجعل اعتراضي في صلب الموضوع و ليس خارجه اذ ان اعتراضي ينفي وجود الارادة اصلا و لا يناقش صفاتها، و هذا هو الادعاء الذي جاءنا به العاقل. يعني اذا أثبت أنا بأن زعم وجود الارادة هو زعم خاطئ، فعلى العاقل حينها أن يأتينا بتفسيرات اخرى لوجود النظام بدل الزعم بأنه غير معني بصفات الارادة! كان من الممكن لي اثارة مشاكل اخرى في فرض وجود الارادة، اهمها هو ان الارادة مرتبطة بالعقل و لا دليل على وجود ارادة بلا عقل مادي، و فرض انه هناك ارادة تعلو عن المادة يناقض كل ما يعرفه العلماء اليوم عن مفهوم الارادة.
===========================
الان نعود لموضوع الحوار:
يسأل العاقل،
اقتباس: ألا يعني ازدياد الفوضى تناقص النظام ، والا يعني هذا كله وجود النظام ؟
بغض النظر عن دقة المعلومات ، هل استدلالي باطل ؟
كما قلت في مداخلتي، فإن وجود الانظمة المحلية أمر ممكن و لا يتعارض مع قوانين الديناميكا الحرارية بل يتماشى معها. إذن نتفق على وجود الانظمة.
يقول العاقل،
اقتباس:الخلق لا يستلزم الإيجاد من العدم. والقرآن ، إذا أخذناه كمثال تطبيقي لاستخادم الألفاظ العربية ، يستخدم لفظ " الخلق " في غير معنى : الإيجاد من العدم : يخلق النطفة من المني ، ويخلق الانسان من طين ، ويخلق السماوات من دخان . ففي استخدامات القرآن لمعنى الخلق لا يذكر أبدا معنى الخلق من عدم .
هل أفهم من هذا الكلام أن العاقل لا يزعم بوجود خالق للكون أوجد الكون من العدم؟ أعتقد أن هذه نقطة مهمة. اذن العاقل يزعم بوجود "مشكـّل" للكون بمعنى التشكيل و التغيير و ليس خالق بمعنى الايجاد من العدم.
و بهذا فموضوع "أصل المادة" هو خارج عن النقاش، بل النقاش كله يدور حول تشكيل المادة. و اذا اصر العاقل على موقفه هذا، فعليّ أن أذكره بأنه من الثابت لدى العلماء اليوم أن المادة تتشكل و تتحول بطبيعتها لوحدها، و لا يوجد أي أثر لتأثير خارجي عليها، مما يعني انعدام الدليل المادي على وجود "الارادة" المزعومة. يعني مثلا لننظر الى الكلور و الصوديوم، اذا جمعناهما بطريقة معينة، يتكون الملح بسبب طبيعة المادتين، و لم يتم أبدا رصد ارادة فاعلة فيهما او قانون خارج عن طبيعتهما. طبعا أقول قولي هذا على فرض أن العاقل لا يريد الزعم بوجود ارادة خالقة للمادة من العدم، بل مشكـّلة لها فحسب. قد أكون مخطئ بفرضي هذا.
============================
نعود الان الى القضيتين اللتين استعملهما العاقل في زعمه بأن النظام وراءه ارادة. الاولى هي
القياس، .
القضية الاولى:
بالنسبة للقياس، قلت للعاقل أن وجود جزء يسير من الاشياء المصنوعة في الكون (مثل السيارة و الراديو) لا يعني أن كل شيء في الكون هو مصنوع بارادة. القياس هنا لا ينطبق. و اتيته بمثال رجل محايد اراد البحث في الموضوع بأن يبحث عن صانع الاشياء لكي يتحقق من زعم العاقل، فماذا كان رد العاقل؟ قال بأن كون الرجل يبحث عن الصانع دليل على وجود الصانع! يا عزيزي العاقل، الرجل يبحث عن الصانع ليس لأنه يؤمن بوجود الصانع، بل لأنه يريد البحث في زعمك بوجود الصانع! أرجوك لا تقلب الامور بهذا الشكل.
أعود لأكرر: عدد الاشياء التي صنعها الانسان بالنسبة للاشياء الموجودة في الكون هو جزء تافه لا يستحق العد. هناك في الكون بلايين البلايين من الكائنات الحية و النباتات و النجوم و المجرات. و من الغريب جدا أن يستدل العاقل على أن بلايين البلايين من الامور هي مصنوعة، اعتمادا على أن عددا تافها من الامور التي اخترعها الانسان هي مصنوعة. العاقل هو كرجل سأل عشرة امريكيين يقطنون في مدينة واحدة عن رأيهم في الحرب على العراق، فقال اغلبهم بأنهم ضد الحرب، فاستنتج الرجل بأن غالبية سكان اميركا كلها ضد الحرب على العراق اعتمادا على تلك العيّنة البسيطة الصغيرة التي لا تمثل شيئا يُذكر! ايها العاقل، نحن بحاجة لعينة أكبر بكثير (ألف رجل و امرأة مثلا) و اكثر انتشارا (من كافة الولايات و المدن و ليس من مدينة واحدة). هذا اذا اردت اتباع المبادئ الصحيحة لعلم الاحتمالات.
و الاغرب و الاكثر لامنطقية من ذلك، هو عودة العاقل للقول بأنه طالما أن غالبية البشر يبحثون عن ارادة صانعة خلف كل شيء، فهذا يدل على وجود هذه الارادة. و أنا أستغرب اعتماد العاقل على هذا الزعم في دليله، و اذكـّره أن غالبية البشر اعتقدوا في الماضي ان الارض ثابتة و الشمس تدور حولها. كلنا نعرف أن اجماع الناس على أمر ما لا يمكن اعتباره دليلا على صحته. فهذا الدليل مرفوض جملة و تفصيلا، فالكثير من الاشياء ليست كما تبدو. الارض هي التي تدور!
اذن تلخيصا لما سبق، أقول أن دليل القياس الذي جاء به العاقل مرفوض لأن العينة التي يستعملها صغيرة جدا و محصورة جدا فعدد الاختراعات البشرية بالنسبة للاشياء في الكون عينة صغيرة و تافة و محصورة في زاوية صغيرة جدا حيث ان الارض هي ذرة في هذا الكون الفسيح. و في علم الاحتمال، هذه العينة مرفوضة تماما.
و أقول أيضا أن دليل الاجماع البشري أيضا مرفوض، فمن المعروف أن البشر أجمعوا على الكثير من الاشياء في السابق و ثبت خطأهم.
القضية الثانية:
يقول العاقل،
اقتباس:أنا وضعت هذه الاحتمالات لوجود الكون : إما ان يكون وجوده أزلي لا بداية له ولا نهاية ، أو ان يكون وجد صدفة ، او ان يكون وجد بإرادة. نفيت ان الاحتمالات الأخرى ، الازلية بما توصل اليه العلم ، والصدفة بوجود النظام . لوجيكال سائلني عن الدراسة العلمية التي قمت بها في افتراض هذه الاحتمالات . هنا أقول : هذه احتمالات فرضها عقلي ، إن كانت ليس بكافية .. يستطيع لوجيكال الإدلاء باحتمال آخر غيره يفسر وجود هذا الكون .
انا اقول انه لا يخرج عن تلك الاحتمالات .
ذكر العاقل بعض الاحتمالات قائلا أن الكون إما أزلي، أو وُجد بالصدفة، أو وُجد بإرادة. و أنا رفضت هذا التقسيم للاحتمالات، طالبا منه ذكر السبب الذي جعله يضعها، حيث أن العاقل على حد علمي ليس خبيرا بالأكوان و مخارجها و أصولها. يعني حتى أكبر علماء هذا الزمان يقولون أنهم حتى الان يجهلون كل شيء يسبق لحظة الانفجار العظيم الاولى، و هنا نجد أن العاقل قد أتانا بثلاثة احتمالات لا رابع لها. و هذه المزاعم لا دليل لها و لا أساس. قد ننتفع أكثر بدليل موضوعي بدل الدليل العقلي الذي يذكره العاقل لأن عقلنا حتى الان قاصر عن فهم هذه الاشياء التي لم نعاينها قط بالاساليب العلمية المتاحة. و لست أظن أن العاقل قد سبق علماء هذا الزمان و اكتشف جميع الاحتمالات و حصرها في ثلاثة.
و لكن مع ذلك، سأرد على طلب العاقل باعطائه الاحتمالات التي أتصورها أنا: إما أن الكون أزلي، أو أنه وجد صدفة من لاشيء، أو أنه وُجد بفعل ارادة ما، أو أنه وُجد بفعل قوة صماء لا ارادة لها، أو أنه كون نابض يتمدد الى أمد معين، ثم يموت و يبدأ مرة اخرى، أو أنه كون واحد في مجموعة لانهائية من الاكوان. و أكرر هنا أن هذه الاحتمالات ليست هي كل ما يمكننا تصوره، فقد تعجز تصوراتنا عن التفكير باحتمالات اخرى ممكنة. يعني حتى لو ازال العاقل كل احتمالاتي و ابقى على احتمال وجود الارادة، يبقى هناك مشكلة امكانية وجود الملايين من الاحتمالات الاخرى التي لا نتصورها الان بسبب نقص المعلومات العلمية باعتراف العلماء. و هكذا فاستنتاج العاقل مثير للشك و ليس حتميا كما يزعم.
يقول العاقل بأن العلم أثبت أن للكون بداية فهو غير ازلي، و رَفَضَ كونه موجود صدفة (و هو أمر سأرد عليه)، و زعم العاقل ببقاء احتمال واحد هو وجود ارادة خلف الكون، و لم يحسب حساب الاحتمال الاخر بأن الكون موجود بفعل قوة صماء غير مريدة. و حتى يرد العاقل على ذلك الاحتمال، نعتبر دليله بالاعتماد على الاحتمالات غير ملزم و غير مثبت.
تلخيصا لما قلت: العاقل وضع احتمالات جزافية و لم يحسب حسابا لاحتمال وجود قوة صماء غير مريدة اوجدت الكون، و لم يحسب حسابا لحقيقة انه قد تكون هناك احتمالات اخرى لم يجدها العلم بعد و نعجز الان عن تصورها، حيث أن العاقل لم يجرِ دراسة يعاين من خلالها طبيعة الاكوان و اصولها و اسباب وجودها و ظواهرها و نحن جميعا غير مؤهلين لحصر الاحتمالات فيما يمكننا تصوره فقط، و لا يوجد عالم اليوم يزعم اكثر من ذلك، و زعم العاقل لا دليل عليه، لا عقلي و لا مادي. و يبقى مجرد اقتراح.
============================
بقي لي أن أرد على ملاحظات العاقل بخصوص:
- مثال اليانصيب و الارقام العشوائية: رفض العاقل امثلتي قائلا،
اقتباس:اقتباس قد ارمي مكعب نرد بكل ارادتي لكن وقوعها على الرقم ستة ، امر لم اقصده .. بل بالصدفة. هذا بالنسبة لكون المثال ضد ما اراد لوجيكال .
استطيع ان اغمض عيني واكتب هذه الارقام 2547254348 – انا اغمضت عيني وكتبتها فعلا . ساتاملها من جديد ، قد استطيع ان اجد نظاما فيها كتكرار " 254 " ، ولكن هذا النظام غير مقصود ، حدث صدفة.
و هو هنا يفترض امكانية وجود ارادة قد خلقت النظام بالصدفة و بدون قصد مسبق. هذا في الحقيقة كلام اغرب من كل ما سبق! اذا كنت تعترف بامكانية حدوث النظام في الكون بدون قصد بل بالصدفة، فلماذا تفترض وجود الارادة أصلا حيث أنها باتت ارادة سلبية غير فاعلة بل تنتج الانظمة هباءا؟ يعني اذا كان وجود النظام لا يستلزم قصدا و نية مبيتة لايجاده، فلا حاجة بنا اذن لفرضية الارادة من الاساس، فأهم صفة للإرادة نستدل بها على استلزام وجودها هو النية وراء ايجاد النظام. يعني يمكننا الافتراض اذن ان ريحا هبت على النرد فاوقعته و نتج لدينا رقم معين بدون نية و لا قصد و لا ارادة بل بفعل الريح.
- احتمال تعدد الاكوان. يقول العاقل،
اقتباس: أن هذه الفرضية تفترض وجود أكوان أخرى بقوانين مختلفة عن قوانين كوننا ، ولم اقرأ عن وجود اكوان عشوائية ، فهل يمدنا لوجيكال بمصدر هذه الفرضية " العلمية " . وعموما : وجود هذه الاكوان لا ينفي وجود خالق لها
يا عزيزي هذه الفرضية تقول بأنه هناك عدد كبير جدا او لانهائي لجميع الاكوان الممكن وجودها، بما فيها الاكوان التي تخلو من اي نظام بل هي فوضى تامة. و هذا يلغي عن كوننا هذا صفة الندرة و هي الصفة التي تتذرع بها أنت لتلغي عن الكون عامل الصدفة، و اذا ثبتت هذه الفرضية، فهذا الكون كما قلت لك هو مجرد نظام محلي في بحر من الفوضى أو سلسلة ارقام متناسقة في منتصف سلسلة لانهائية من الارقام العشوائية.
اما المصدر فأنا قرأت عن هذه الامور في كتاب اسمه "Mind of God" للعالِم Paul Davies الذي يقول فيه أن هذه الاحتمال الغير مثبت حاليا قد يكون هو القنبلة الناسفة لكل مزاعم المؤمنين بارادة خلف الكون. هذا العالِم غير ملحد على فكرة بل يؤمن بأن الكون خلاَق بطبيعته البحتة و لا ارادة وراءه.
و هاك مصدر يتحدث عن الاكوان العدة:
المصدر
- احتمال الكون النابض. يقول العاقل أن هذا الاحتمال لا يلغي امكانية وجود الارادة. و انا اقول أنه أيضا لا يثبتها بل يدحضها. يا عزيزي، هذا الاحتمال قائم على أساس أن الكون يتمدد و يتقلص منذ الازل و الى الازل. و في كل مرة، ينتج عنه كون ذات طبيعة مختلفة، و في معظم الاحيان طبيعته فوضوية و غير مفيدة، و لكن في بعض المرات النادرة، تنتج بالاحتمال البحت اكوان ذات انظمة مناسبة. و هذا يلغي عن كوننا هذا صفة الانفراد التي بنيت عليها حجتك الاحتمالية بلزوم وجود الارادة.
و تلخيصا لكل ما سبق، تبقى مزاعم العاقل غير مدروسة بل جزافية و مبنية على فرضيات خاطئة بخصوص تحديد الاحتمالات الممكنة، و على استعمال عينة مرفوضة في علم الاحتمالات اصلا نظرا لصغرها و عدم تمثيلها للشيء المفروض انها جزء منه بسبب محدوديتها المكانية، و ايضا اعتماده على الاجماع البشري الذي طالما ثبت خطأه في الماضي.
و لا يوجد و لا شيء واحد في كلام العاقل يلزم أحدا بالاعتقاد بحتمية او لزوم وجود ارادة وراء النظام.