جمعتني به الأقدار في مؤتمر بالرابطة عام 1990، وكان لي أحد الأيام شرف مرافقته للحرم المكي..
كان جم التواضع، مهذبا غاية التهذيب، يعاملني وأنا الذي وقتها حول العشرين من العمر وأقراني كأننا ند له!
ولا أخفي أنني كنت مأخوذا به، وبأسلوبه الذي شهدناه جميعا في تلك المناظرات المشهورة..
استنصحته في أن يدلني على مرجع جامع لأنهل منه هذا العلم، وطلبت منه أن يؤسس مدرسة للدعاة تمضي على سننه...

تململ الرجل الذي جاوز السبعين يومها، ونظر إلي بعيون تبرق، ولا أدي أكانت تبرق من دمع كامن في هذه الرحاب الطاهرة، أم من ذكاء ونورانية تأسرك وأنت تجلس إلى جانبه، وتفيض عليك ابتسامته الوديعة حللا من الطمأنينة والأنس.
قال لي بعجماوية محببة: بين يديك كتاب: (إظهار الحق) يكفيك كل ما عندي! -ولم تكن له كتب مطبوعة آنئذ-، ولا كنت قرأت كتاب إظهار الحق من قبل، وحين فعلت رأيت أن الشيخ رحمه الله كان ناصحا وأي ناصح...

لكن الكتاب تربى عليه كثيرون، بل ربما تربوا على إنتاج الشيخ بعد أن ترجم إلى العربية في السنوات التي تلتها، ثم رأيتهم بعد عقد من الزمان في المنتديات وغرف البالتوك، فلم أجد فيهم من الشيخ ديدات إلا تلك المادة المجردة التي لا تصنع داعية كما صنعت ديدات الإنسان!

ذلك أن أدب الشيخ ينقص الكثيرين من الوعاظ والدعاة!
ليرحمك الله يا ديدات...

اللهم آجر أمتنا فيما أصابها بفقده، واخلفنا خيرا منه.
إنا لله وإنا إليه راجعون
(f)