صديقي الفيلسوف
تحية

لا علاقة لما ذكرت بحزن الأغاني العراقية فاطمئن من ناح الأهل.

المطرب أولاً وأخيراً رهين جمهوره
وجمهورنا يأبى إلا أن يكون مازوشيا
وهذه هي الحقيقة المؤلمة

وأقصد ب (جمهورنا) كل ما له علاقة بالجهل. فالجاهل فقط هو من ينساق وراء متعة الإحساس بالألم وتحزين النفس كرها وطوعاً. 90% من الجمهور العربي يموتون هياماً عند سماع ناي يتباكى حزناً أو مطرب ينوح ألماً من الفراق والشعور بالهوان والمذلة. وهذا ما انتبه له كثير من الفنانين فاستلبوا جماهيرهم وأكبر مثال "فريد الأطرش" الذي فاق بنواحه عمك (ياس خضر).

لا
أعتذر
فهذا الأخير هو قمة النواح

ولكن المهم أن السبب الحقيقي هو المقولة الخالدة: (الجمهور عايز كده).

ولكن حالياً، بدأ الأمر يتغير قليلاً
لأنه
ما فيش حاجة تيجي كده


أما الجمهور الذي أحب أن أصفه بالوعي، فيستهجن هذا النوع، وألفغ حمد لله أن تطرقتم لذكر (ناظم الغزالي)، فأغلب أغنياته (مع قلتها) لا تتسم بتلك الصفة النواحية.

الجمهور الواعي يمكن أن يستشف متعة أخرى في أي لون موسيقي مخدوم بإخلاص. والدليل على ذلك هو محبة الناس لمطربين لم ينوِّحوا أبداً في طربهم مثل السيدة فيروز، أو لم يحترفوا النواح مثل صباح فخري، أو جربوه وندموا مثل وديع الصافي.

ولعل عنوان مقالتك بحد ذاته بحاجة إعادة النظر، فالطرب يا صديقي أمر نسبي، ولا يحق لي أو لك أن نقول عن فن ما أنه الطرب الحقيقي، فما يطربك لا يطرب غيرك والعكس صحيح.
وفي اللغة: الطرب هو العصب اللاإرادي الذي يحرك القلب، فكل ما يحرك قلب الإنسان من نغم هو طرب بالنسبة له، وليس من الضروري أن يحرك قلب غيره ليكون طرباً.

وعلى سيرة الفن الأصيل وفؤاد سالم والكلمات الرقيقة، أنا أعتقد أن أروع ما كتب في الغناء العراقي وأكثره رقة هو أغنية (لا خبر). فالفكرة ذات رفعة وسمو بالغين، وسبك القصيدة يدل على تمكن بالغ من قدرة التعبير بأقل كلمات ممكنة. والملاحظ أن موضوع الأغنية أدعى للنواح، ولكنها كتبت بأسلوب الرضى، وتم تلحينها باستبعاد النواح، وهذا برأيي ما يرفعها ويضعها في قمة الأغاني العراقية.

تتحدث الأغنية عن عتاب العاشق لمن يحب ليلة عرسها وزفافها إلى غيره، هل تخيلتم الموقف؟

أرجو من الزملاء العراقيين أن يصوبوا ما أخطأت بكتابته في المقطع التالي، وأن يتحفونا بالمقاطع الباقية فهي لعمري قصيدة جديرة بالاهتمام والحفظ:
لا خبر
لا كفية*، لا حامض، حلو، لا شربات
لا خبر قالو
وصوانيكم شموع انترست**
والتمت الحلوات
من كل بيت حلوة التمت
واترف أصابع ليلة الحنة
بعذابي اتحنت
وفدنوب***
فدنوب، ما مش وفا؟
لهنا وصلت؟

ودمت داعية للفن الأصيل.

* كفية = جفية = ضيافة العرس.
** العادة في الأعراس: ملء الصواني بالشموع.
*** الله أعلم :saint: