الحريري لا يعود قبل ت1 والسياسي يتجاذب القضائي في ملف التحقيق
أمن الزعماء ينتظر التقرير النهائي لميليس


بات التقرير النهائي لرئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس المتوقع صدوره في تشرين الاول المقبل هو الحدث حتى اشعار آخر. ولم تعد هذه حال تقريره الاجرائي الذي أعلنت الامم المتحدة انه سيصدره في 25 آب على وفرة ما قيل فيه في الايام الاخيرة. وبات التقرير النهائي ايضاً خشبة خلاص لزعماء وسياسيين لبنانيين يساورهم قلق على حياتهم من اعتداءات محتملة من جراء ما يُتوقع من التقرير أو للحؤول دون صدوره، وفي غياب مناخ سياسي داخلي يحول دون اسباب هذا القلق على هؤلاء كما على اللبنانيين ايضا.

وهي الحال الامنية التي تلقي بثقلها، بتفاوت، على الاجراءات الاحترازية التي اتخذها الرئيسان نبيه بري وميشال عون، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، والامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، ورئيس الغالبية النيابية النائب سعد الحريري. وجميعهم تلقوا معلومات وتقارير ونصائح من جهات عدة بالتحوط في تحركاتهم واتخاذ جانب الحذر وتقليل تنقلاتهم العلنية والمنتظمة. فلزم اربعة منهم بيوتهم.

اما الخامس، اي الحريري، فلا يبدو انه سيعود الى بيروت قبل صدور التقرير النهائي للمحقق الدولي في تشرين الاول وكشف الحقائق التي ينطوي عليها على ما تؤكد اوساط وثيقة الصلة به. وهو كان تلقى قبل اكثر من اسبوعين، غداة عودته من السعودية حيث شارك في تشييع عاهلها السابق الملك فهد، تقريراً تضمن معلومات امنية لبنانية واجنبية (رفيعة المستوى) حذّرته من احتمال تعرضه لاخطار جدية منها محاولة اغتيال، فغادر لبنان وهو يتنقل بين باريس ولندن والرياض.

[SIZE=6]فحوى هذه التحذيرات لسياسيي الصف الاول ان تقرير ميليس قد ينطوي على اتهامات ربما دفعت جهات متضررة الى اغراق لبنان في جريمة كبرى اخرى توجّه التحقيق الدولي في منحى اخر، او على الاقل تؤخّر صدوره وتصرف الانتباه نحو مشاغل وهموم مختلفة واضطرابات لا تقل خطراً عما آل اليه الوضع بعد اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري.

تتقاطع هذه المعطيات مع معلومات ديبلوماسية كانت بلغت في وقت واحد تقريباً الى الرئيس اميل لحود وجنبلاط و"حزب الله" انطوت على تفاصيل خطيرة لمح اليها جنبلاط قبل ايام عندما شدد على ضرورة كشف الجهة التي امرت باغتيال الحريري، وحملت "حزب الله" على مقاربة الموضوع بمزيد من التأني تفادياً لتأويل خاطىء لرد فعله.

اما مضمون هذه المعلومات فيشير الى ان الاهتمام الاستثنائي الذي يوليه التحقيق الدولي لكشف الحقيقة في اغتيال الرئيس السابق للحكومة يسلك منحى خاصاً في الوقت نفسه لا يخلو من التسييس حيال الموقف الاميركي من كل من سوريا و"حزب الله".

وتستند هذه المعلومات الى الآتي:

1 - وجود اهتمام اميركي مباشر باعمال لجنة التحقيق الدولية من خلال دور يضطلع به كصلة وصل موفد الامين العام للامم المتحدة المكلف مراقبة تطبيق القرار 1559 تيري رود - لارسن مع مجلس الامن القومي. وتالياً تبدو واشنطن معنية، في جانب من مهمة اللجنة التي شكلت دعماً قوياً لها، بترتيب الوضع الداخلي في لبنان استكمالاً لما كان تحقق منذ مرحلة ما بعد 14 شباط، بدءاً بخروج الجيش السوري من لبنان وانتهاء بتسلم المعارضة السلطة.

2 - تسعى واشنطن الى تدجين كل من "حزب الله" باضعاف فاعلية سلاحه في الجنوب، وسوريا بحملها على احد أمرين: تقديم نظام الرئيس بشار الأسد تنازلات كبيرة في علاقات بلاده مع جوارها ومع الاميركيين خصوصا، او الدفع نحو اسقاط هذا النظام. [SIZE=5]وتشير المعلومات الديبلوماسية الى ان تقرير لجنة التحقيق الدولية سيوجه، على الاقل، اصابع الاتهام الى سوريا. الا انه سيوجه بطريقة ما اصابع اتهام ايضاً الى "حزب الله". وقد فوتح مسؤولو الحزب بالمعلومات تلك، وكانوا على علم مسبق بجانب منها، ولكن لم يكن في وسعهم استباق التقرير حيال هذه المسألة لئلا يبدو الحزب كأنه يبرىء ساحة ليس معنياً بها اساساً، ولا كان بالتأكيد طرفاً في ذلك.

على هذا النحو كان الانذار الذي اطلقه الزعيم الدرزي اذ حذّر من فتنة سنية- شيعية من جراء وجود محاولة تريد ان تتعرض للحزب من بوابة القرار 1559. وفي اي حال، لا يزال جنبلاط اكثر السياسيين اللبنانيين اندفاعاً في طرح علامة استفهام علنية ومباشرة بتوجيه اتهام سياسي الى دمشق في اغتيال الحريري، فقرن التسوية المحتملة معها بما قد يفضي اليه التقرير النهائي لميليس.

3 تبدو واشنطن متيقنة تماماً من استحالة تجريد "حزب الله" من سلاحه من دون ان يتسبب ذلك بفتنة داخلية في لبنان، ومتيقنة ايضاً مما سمعته من مسؤولين لبنانيين كثيرين من ان الجيش اللبناني ليس في وسعه نزع سلاح حزب عجز الجيش الاسرائيلي عن مواجهته ولا هو ينوي الخوض في مواجهة مع مقاومة وطنية.

وتبعاً لذلك تبدو واشنطن مهتمة بالانتقال من هدف تجريد الحزب من سلاحه على ما ينصّ عليه القرار 1559، الى شلّ فاعلية هذا السلاح وتعطيل دوره في الجنوب ضد اسرائيل. ولذا يبدو الهدف المباشر جعل سلاح الحزب في الجنوب مطابقاً لحاله في الداخل اللبناني من خلال القرار 1614 بنشر الجيش اللبناني في الجنوب وسحب دوريات الحزب من "الخط الازرق". وقد باتت المواقف الاميركية الاخيرة تنحو اكثر من اي وقت مضى الى القبول بمهل محددة والبحث عن حل مناسب لتحديد مصير سلاح الحزب، على ان يفضي ذلك في النتيجة الى ما تريده واشنطن، وهو تطبيق القرار 1559.

بذلك يقارب الاميركيون تقرير لجنة التحقيق الدولية في منحى لا يكتفي بكشف قتلة الحريري، وانما ايجاد فرصة لتحويل تطورات الاشهر الاخيرة في لبنان نجاحا سياسيا يجعل من هذا البلد خاليا نم النفوذ السوري ومن سلاح "حزب الله" ويعيد الاستقرار الى حدوده مع اسرائيل ويترك كذلك للبنانيين ان يختبروا ديموقراطيتهم بلا تدخل خارجي مباشر او بالواسطة.

4 على وفرة الاشارات التي تحدثت عنها المعلومات الديبلوماسية اياها، فان الانطباعات التي كونها المسؤولون اللبنانيون عن ميليس عكست نزاهته وجديته في التعامل مع اغتيال الرئيس الراحل والاصرار على جمع الحقائق. وفي واقع الامر يبدو ميليس في تعامله مع الملف على طرف نقيض من سلفه رئيس هيئة تقصي الحقائق بيتر فيتزجيرالد. اذ فيما خلص الأخير الى "حقائق سياسية" في جريمة الاغتيال، يسعى الأول الى تحقيق عدلي يقود ليس الى منفذي اغتيال الرئيس السابق للحكومة قحسب، وانما ايضاً الى المخططين وصاحبي الامر بتنفيذها.


نقولا ناصيف