التحقيق: لبنان مع القرار 1595


بداية، هذه الحاشية برسم الاستاذ سليمان فرنجيه العائد بأفكار "ثورية": ان المسلمين في الشمال لم يبادلوا "وطنيته" ودفاعه عن "الخط القومي" وعن وحدة البلد بالتصويت لمن عاداهم بسبب عدائهم كما يدعي للمسلمين وللخط الوطني الوحدوي. لكن المسلمين الذين لم يصوتوا له شأنهم في ذلك شأن 49 في المئة من مقترعي قضاء البترون و51 في المئة من مقترعي قضاء الكورة و34 في المئة من مقترعي قضاء زغرتا وجلهم مسيحيون - انما صوتوا ضد المافيا المخابراتية اللبنانية السورية، والاستغلال، والتبعية، والوصاية، والهيمنة، والارهاب، والاغتيال، والجهل، والوقاحة، والاحتلال المقنع. في اختصار، صوتوا ضد كل من تحالف مع المشتبه فيهم في جريمة اغتيال رفيق الحريري. اما التزوير ففي الحديث المسموم عن التقسيم عقابا للمسلمين وللمسيحيين على السواء، والذين لولا اصواتهم (المسيحيون) بعشرات الالاف في اقضية الدائرة الثانية من الشمال لما انتصرت لوائح الرابع عشر من آذار على لوائح تحالف المخابرات السورية اللبنانية مع قيادات محلية ضيقة الافق منفوخة بـ"سيليكون" سوري. من هنا فان انتصار الشمال من اقصاه الى اقصاه كان اسلاميا مسيحيا، والارقام تشهد لذلك.

بعد هذه الحاشية، نعود الى تناول قضية العلاقات اللبنانية السورية في ضوء اقتراب موعد صدور التقرير الخاص بالتحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الحريري. فعلى الرغم من الحملة الكبيرة المبرمجة والمعيبة التي يبدو انها تدار بالريموت كونترول من خلف الحدود للايحاء ان نتيجة التحقيق سترتكز على استنتاجات في السياسة، يفيدنا الواقع ان ثمة من لم يعد يذوق طعم النوم ليلا، لعلمه ان التحقيق في الجريمة الارهابية لا بد من ان يصل الى ما كان يخشاه هؤلاء وهم يلمسون لمس اليد كم كان حدس الناس العاديين من كل لبنان في محله!

لقد طرح العماد ميشال عون سؤالا لافتا: "اذا تبين ان السوريين قتلوا رفيق الحريري فماذا نفعل؟ هل نشن حربا عليهم؟". السؤال مهم بصرف النظر عن وظيفة طرحه التعجيزية او التصالحية، او التحالفية المفترضة. بالطبع لن يشن لبنان حربا على السوريين، فهو اولا اعجز من ذلك، وثانيا ثمة انقسامات حيال الموقف من النظام السوري لا بد من ان تطفو على السطح عند صدور نتائج التحقيق. وثالثا المسألة ليست مطروحة في هذا الشكل، فاللبنانيون اليوم يميزون بين النظام والشعب الشقيق. ولا بد من ان يتوضح التمييز اكثر فأكثر اذا خرج التحقيق باتهامات موجهة الى مسؤولين في النظام.

اذا ثبت في التحقيق الدولي ان في النظام السوري من هو ضالع في جريمة قتل الرئيس رفيق الحريري، فان الموقف اللبناني يلتصق بالشرعية الدولية في هذا المجال. والقرار 1595 الصادر عن مجلس الامن واضح لجهة اعتبار الجريمة عملا ارهابيا (التشديد خمس مرات على صفة الارهاب). فمن تستطيع المحاكم اللبنانية ان تحضره للمحاكمة من اللبنانيين والمقيمين على الارض اللبنانية، يجب ان يمثلوا لينالوا جزاءهم، ومن يستطيع القضاء اللبناني ان يسترده من دول تربطه به اتفاقات في هذا المجال، يجب طلب استرداده. وكل من لا تمكن ملاحقته في لبنان يجب العمل على تأليف محكمة دولية خاصة بالجريمة لتلاحقه، فتحاكم المسؤولين او الشخصيات او اي جهة غير لبنانية يثبت ضلوعها، وهذا ما يجب ان يصر عليه لبنان، اكانت المسألة تطول مسؤولين في النظام القائم في سوريا ام لا. فالتساهل في المطالبة بالملاحقات الدولية سيتسبب بافلات القتلة من دون محاسبة، الامر الذي يبعث برسالة الى كل الانظمة في هذا الشرق بأن الديكتاتور يستطيع قتل الناس الى ما لا نهاية من دون حساب. وهنا وجه الخطورة على شخصيات لبنانية كبيرة مثل وليد جنبلاط و ميشال عون وسمير جعجع ونبيه بري وحسن نصرالله وآخرين يمكن اغتيالهم من دون ان يخشى القاتل ملاحقة او عقابا. انها لمسألة شديدة الخطورة، ان يتساهل اي كان في لبنان، بصرف النظر عن اي خلفيات سياسية او علاقات اقليمية، في موضوع الاصرار على ملاحقة المسؤولين عن اغتيال رفيق الحريري. انها الوسيلة الوحيدة التي يملكها لبنان لوقف مسلسل الاغتيالات، ورفع التهديدات بالتفجير التي لم تتوقف يوما منذ ثار اللبنانيون ضد الارهاب.

نعم، ان سؤال العماد مهم. ولكن لبنان لن يشن حربا على سوريا. لبنان ينبغي ان يحاكم من يستطيع بلوغهم، وان يقف بجانب الشرعية الدولية، اي القرار 1595 وبجانب المحكمة الدولية الخاصة، من اجل محاكمة المسؤولين خارج لبنان، ووقف هذا المسلسل الارهابي الذي لم ينته فصولا.


علي حماده