مخاوف الزعماء من الاغتيالات مع اقتراب تقرير ميليس تفرض عليهم نمط حياة على غرار نصر الله... الحريري على سفر وبري يمشي في البهو لا الحديقة وجنبلاط يعيد قراءة كتب وعون لا يلبي الدعوات
بيروت – محمد شقير الحياة - 21/08/05//

بدأت جهات سياسية متعددة الانتماءات والاتجاهات تتخوف من احتمال عودة مسلسل الاغتيالات والتفجيرات كلما اقترب الموعد الذي حدده المحقق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري القاضي الألماني ديتليف ميليس لإصدار تقريره الاجرائي قبل النهائي عن الجريمة.

واعتبرت اوساط سياسية ومن بينها مصادر مقربة من الغالبية النيابية في البرلمان، ان المخاوف من عودة هذا المسلسل تنطلق من معلومات وصلتها من جهات محلية وعربية ودولية تقاطعت حول تحذير أبرز القيادات والوجوه السياسية من انها قد تكون مستهدفة وبالتالي يتوجب عليها أخذ الحيطة والحذر وعدم التنقل لقطع الطريق على امكان نجاح المسلسل.

وقالت لـ «الحياة» ان المتضررين من نتائج التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الحريري قد يلجأون الى تهديد الاستقرار العام عبر استهداف شخصية سياسية بارزة ومرموقة يمكن ان تغطي على النتائج وتسحبها من التداول المحلي للالتفات الى ما هو اخطر على البلاد على رغم الاهمية العربية والدولية والمحلية الملقاة على عاتق ميليس لجلاء الحقيقة في جريمة اغتيال الحريري.

وفي رأي هذه الأوساط ان «هناك من سارع مع تكليف ميليس من مجلس الامن الدولي لاجراء التحقيق، الى النيل من صدقيته على المستوى الشخصي قبل ان ينتقل الى التشويش منذ الآن على سير التحقيقات التي يتولاها، لكن هذه المحاولات لم تتمكن من الاساءة الى صدقية المحقق الالماني على المستويين الشخصي والمهني». أضافت: «هناك من بدأ يبحث عن خطة اخرى، قد تكون عودة مسلسل التفجيرات والاغتيالات من أجل افتعال ما يطغى على نتائج التحقيق مع ان المحقق الدولي لن يوجه اتهاماته بصورة عشوائية، بمقدار ما انه يحرص على ان تكون مقرونة بالأدلة والقرائن».

وأكدت ان ميليس «سيلجأ في حال عدم التوصل الى القرائن التي تجيز له توجيه التهمة لجهة معينة الى تضمين تقريره المعطيات والمعلومات ملمحاً الى ان كل ما توافر لديه لا يسمح له بادانة طرف ما، فميليس لن يفرط بسهولة بصدقيته الدولية، اضافة الى ان الدولة التي ينتمي اليها، أي ألمانيا ليست في وارد تعريض هيبتها الى الاهتزاز امام الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي وبالتالي لن تسمح بالتفريط فيها».

وأكدت الاوساط نفسها المعلومات المحلية والدولية والعربية التي كانت تقاطعت حول توقع عودة مسلسل التفجيرات والاغتيالات. وهذا ما يفسر مبادرة القيادات المعتبرة على رأس اللائحة، الى ترتيب أوضاعها الامنية لحماية نفسها من أي استهداف.

وقالت ان الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله، وان كان هدفاً أمنياً دائماً لاسرائيل لما ألحقه بها الحزب من هزائم عسكرية توجت باضطرارها للانسحاب من دون أي قيد او شرط من جنوب لبنان في ايار (مايو) من العام 2000، من بين الأهداف، فإن آخرين يمكن ان ينضموا الى لائحة المستهدفين لأغراض يراد منها ضرب الاستقرار وجر البلد الى الفوضى على كل المستويات».

ورأت ان من بين المستهدفين رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط ورئيس «كتلة المستقبل» النيابية سعد الحريري ورئيس «تكتل الإصلاح والتغيير» العماد ميشال عون، مشيرة الى ان الخطة تقوم على استهداف من يسهل اصطياده أمنياً واستخباراتياً.

وتتوقف الاوساط السياسية امام حركة النشاط اليومي لجميع المستهدفين وقالت ان بقاء الحريري خارج البلاد حتى إشعار آخر وربما الى ما بعد صدور التقرير الاجرائي للتحقيق في جريمة اغتيال والده لم يكن لتمضية اجازته العائلية او للراحة، او النقاهة بعيداً من هموم البلد ومشكلاته بل نتيجة المعلومات التي وصلت اليه والى غيره من كبار الشخصيات والقيادات اللبنانية.

وتشير مصادر في «كتلة المستقبل» الى ان الحريري «لم يقرر المغادرة إلا بناء لإلحاح مباشر من جهات عربية ودولية، وان غيابه لا يعني انعدام تواصله مع قاعدته الشعبية وكتلته النيابية والقوى الحليفة له». ودعت مصادر الكتلة الى عدم التعاطي مع غيابه من زاوية شخصية ولأسباب خاصة، خصوصاً أن هناك من يسعى الى استفزازه لأهداف سياسية او للضغط عليه كي يعود الى بيروت متجاوزاً التحذيرات الدولية والعربية ليكون على مرمى حجر ممن يمكن ان يستهدفه». ويدفع اضطرار الحريري للبقاء خارج البلاد، زعيم تيار «المستقبل» الى متابعة الشأن السياسي عبر الموفدين وعلى الهاتف في شكل يومي.

وحذرت المصادر من «استباق التحقيق والإيحاء بطريقة أو بأخرى بأنه قد يشير الى ضلوع فريق محلي من طائفة معينة بتقديم تسهيلات تقنية لتسهيل تنفيذ الجريمة»، معتبرة ان «الترويج لمثل هذه المعلومات المفبركة لن يحقق الغرض منه نظراً الى عدم صحته، ولأن اتباع مثل هذا الاسلوب في الوقت الضائع، الى حين تبيان النتائج على حقيقتها، سيرتد على الذين يطلقون الشائعات، هذا فضلاً عن وعي القيادات الاسلامية وعدم انجرارها الى المنزلق الذي يخطط له من يريد توتير الأجواء بافتعال فتنة مذهبية». وقد ذهب بعض هذه الاشاعات الى الايحاء بأن عناصر من «حزب الله» متورطة. والهدف من فبركة اشاعات كهذه هو استدراج الوسط السياسي المعني الى سجال للتغطية على مجريات التحقيق ليس الا. وهذا ما يدركه الحزب والساعون الى معرفة الحقيقة في جريمة اغتيال الحريري.

وذكرت ان الوضع الحالي للقيادات المقيمة في لبنان ليس أحسن حالاً من وضع الحريري. فبري صامد في المقر الخاص برئيس المجلس في عين التينة ولم يغادره منذ شهر إلا لمرة واحدة، كانت الثلثاء الماضي، الى ساحة النجمة ليترأس الجلسة التشريعية للبرلمان، وهو يتنقل في مقر الرئاسة الثانية من بيته العائلي الكائن في الطبقة الثالثة الى مكتبه في الطبقة الأولى، حتى انه استعاض عن رياضة المشي التي يقوم بها يومياً في الحديقة، بممارستها في البهو الكبير للمقر حيث الديوانية التي يستقبل فيها الزوار. كما ان اضطرار بري للبقاء في عين التينة «سجيناً» بملء ارادته وبناء لمخاوف جدية، أتاح له الفرصة للإشراف شخصياً على التحضيرات الجارية لعقد المؤتمر العام لحركة «أمل» في النصف الثاني من ايلول (سبتمبر) المقبل.

ويُخضع السيد حسن نصر الله تحركاته خارج مقر اقامته الدائمة لتعليمات الجهاز الامني المولج بحمايته، علماً انه الوحيد من القيادات الذي اعتاد على الاقامة طويلاً في المكان نفسه نظراً الى انه الهدف الدائم للاستخبارات الاسرائيلية (الموساد) بخلاف الآخرين الذين بدأوا باتباع اسلوبه بعد اتساع دائرة الاغتيالات والتفجيرات.

أما جنبلاط المقيم باستمرار منذ 27 شباط (فبراير) في قصره في المختارة فهو لم يغادره الى خارج منطقة الشوف الا مرتين، الاولى لتعزية النائب باسم السبع بوفاة شقيقه الراحل الزميل حسن السبع، والثانية عندما توجه الى المملكة العربية السعودية لتعزية القيادة السعودية والملك عبدالله بن عبدالعزيز بوفاة خادم الحرمين الشريفين الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز.

ويمضي جنبلاط نهاره في مكتبته، يطالع ما لديه من كتب وأحياناً يضطر للعودة الى كتب كان قرأها، ووجد من الضرورة ان يعيد تسليط الاضواء عليها لارتباطها بالأحداث في المنطقة ولدور المحافظين الجدد في ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش، وقد يضطر أحياناً تحت تأثير الملل الى مغادرة القصر الى منطقة الشاوي القريبة منه، والتي كان يرتادها والده الشهيد كمال جنبلاط. كما انه يخصص كل يوم ثلثاء، للمواطنين الذين يراجعونه في مشكلاتهم الاجتماعية ويطلبون منه توفير الحلول لها. خصوصاً انهم يعتقدون بأن في وسعه مساعدتهم بعدما ربحت المعارضة الانتخابات النيابية ووصلت الى السلطة، على ان يتفرغ كل سبت للاستقبالات ليقوم بعدها بجولات على قرى وبلدات الشوف لتأدية واجبات اجتماعية.

ولا يغادر عون مقر اقامته في الرابية، ممتنعاً عن تلبية الدعوات للمهرجانات او المآدب التي تقام على شرفه، فيوفد من ينوب عنه اليها، خصوصاً انه كان حذر في حديث صحافي أخير من وجود مخطط لاغتيال أربع شخصيات لبنانية ثلاث منها مسلمة، والرابع مسيحي من دون ان يسمي الشخصيات التي يقصدها. وعُززت التدابير حول منزله أخيراً في شكل لافت. وهو يمارس المشي احياناً في قسم صغير من حديقة منزله...

وهكذا يواكب هؤلاء بسبب المخاوف الجدية الخارجة عن ارادتهم، التطورات الراهنة على الساحة اللبنانية بـ «المراسلة» من منافيهم القسرية، على أمل ان تساعد نتائج التحقيق فور نشرها، على تحضير الاجواء للانتقال الى مرحلة جديدة يمكن ان تساعد على ضبط الأمن لعل خيارات الذين يراهنون على اللعب بالأمن وتهديد الاستقرار العام، تضيق.