عمال الضفة والقطاع الذين كانوا يعملون في اسرائيل لم يكونوا مرفهين. طبعاً، هناك قسم منهم كان مرتاحاً، ولكن غالبيتهم كانت تعاني كثيراً. فظروف العمل في اسرائيل ليست مريحة بالضرورة، فالعامل يأخذ أجراً منخفضاً وحقوقه ليست مصونة...

سوف أعطيك مثالاً: لو مررت - آنذاك - في ساحة في مدينة "حيفا" إسمها "ساحة الحناطير"(يسمونها اليهود "ساحة باريس) لعلمت ما أقول. فلقد كانت هذه الساحة مجمعاً يومياً لمئات، بل ربما لآلاف، العمال الذين يأتون من "الضفة الغربية" ومن مدينة "جنين" وضواحيها بالذات. هم أرباب أسر كبيرة يتركونها صباحاً ويتجمعون في "ساحة الحناطير" تلك على أمل أن يأتي من يريد عاملاً ليوم أو يومين و"أنت وحظك". كنت يومها أسكن في "حيفا المدينة"، وكنت آخذ "المترو" يومياً (يسمونه اليهود "كارمليت") من هذه الساحة حتى أعلى جبل الكرمل كي أذهب إلى الجامعة. وكنت أرى بعيني مقدار الاحباط الذي يكمن في وجوه بعض هؤلاء العمال عندما يمضي عليه أسبوع أو أسبوعين بدون عمل "لقلة حظه". أما عندما كنت أحدثهم فلقد كنت أستشعر درجة "القرف" الذي يعتور نفوسهم من هذا "الوضع" الذي لا يكفل استقراراً ولا عيشاً كريما.

هل تعلم بعد ذلك أن حرية التنقل لم تكن مكفولة لهم؟
بالطبع، كانوا يستطيعون أن يدخلوا إلى اسرائيل، ولكنهم يدخلونها عادة بسيارة ذات لوحة "زرقاء"، ومحظور عليهم أن يناموا في اسرائيل إلا بتصريح خاص. ناهيك عن التعامل معهم على أساس من الاشتباه في كل ما يأتونه.

طبعاً، هذه بضعة عوامل غبن صغيرة لا تشعل "انتفاضة"، ولكنها تزيد عدد القش اليابس في الغابة.

واسلم لي
العلماني