[CENTER]-II-
~~~
كان "وي" في زنزانة أبعادها [1.2×2.8] متر مربع. حرصت السلطات على إبقائها مضاءة طوال الوقت. لم يُسمح له حتى بالحديث مع الحراس. ومُنِع من القراءة والكتابة. وتم تجاهل طلبه المتكرر للحصول على ورق وقلم.
~~~
[/CENTER]
لكي أفهم تطور الكتابة، قمت بزيارة "سرابيط الخادم" "Sarabit el Khadim"، وهو جبل يقع في جنوب غربي شبه جزيرة سيناء في مصر. يكتون هذا الجبل من الحجر الرملي الأحمر وله قمة مسطحة منبسطة وتبدو عليه تأثيرات عوامل التعرية. في هذا الجبل، يوجد منجم تركوازي حفره المصريون منذ 3500 سنة. يحتوي هذا المنجم على أقدم نماذج معروفة لحروف هجائية. يقودني في هذا الطريق الوعر ذي الحواف الضيقة والحفر المؤدية إلى صخور أسف الجبل، عالم الآثار الإسرائيلي، "آفنر جورين" "Avner Goren"،الذي يشرف على أعمال
التقنيب الأثرية في سيناء منذ 15 سنة. قرب قمة الجبل، انحنينا لندخل كهفا ً مظلما ً.
"ما رأيك؟"، سألني "جورين" مشيرا ً إلى جدار على بعد مترين منا. كان يشير إلى رسومات بدائية لسمكة ورأس ثور ومربع منقوشة بشكل بدائي على الأحجار. كانت هذ النقوش تختلف عن النقوش المصرية الأخرى المنتشرة في هذا المكان.
بساطة هذه الرموز تزيف أهميتها للوهلة الأولى. اقتربت منها أملا ً في الكشف عن سرها. من نقش هذه الرموز كانوا من أوائل من وضع لكل صوت رمزا ً مميزا ً، أي من أوائل مستخدمي حروف الهجاء. هذا يعني أن لهذه الحروف وظيفة "آكروفونية" "Achrophnic Value". معنى ذلك، أن الصورة المرسومة كانت ترمز للصوت الأول لاسم هذه الصورة. فمثلا ً صورة المربع كانت تعبر عن حرف الباء، أول صوت في كلمة "بيت" التي تمثلها الصورة.
إن لم يكن ناقشوا هذه الرموز مصريين فمن كانوا؟ في عام 1905م، بعد أن استكشف علماء آثار بريطانيون الموقع ذاته، زعم بعض الباحثين أنهم إسرائيليون هاربون من مصر مع موسى (عليه السلام) عام 1250 ق.م. إلا أن معظم الباحثين اليوم عدلوا عن هذا الرأي على ضوء اكتشاف رموز مماثلة أقدم بكثير منها في (فلسطين) عام 1930م. فهم اليوم يميلون إلى الاعتقاد بأن هذه الحروف الهجائية استحدثت في ارض كنعان الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط. ومن المحتمل جدا ً أن ناقشو الرموز الموجودة في سيناء عمال كنعانيون جُلَبو إلى مصر ليعملوا في المناجم.
كان على الكتاب في مصر القديمة Scribes التمرس على كتابة الكثير من الرموز. اشرت أثناء حديثي مع "جورين" إلى أنهم ربما انجذبوا للحروف الهجائية. "على الأرجع أنهم لم يكونوا كذلك،" قال جورين ردا ً على رأيي، "تحتوى اللغة المصرية الهيروغلافية على حوالي 30 رمزا ً يمثل كل واحد منها صوتا ً معينا ً، تماما ً كحروف الهجاء. لذلك كانت اللغات السامية تبدو للمصريين غير جديرة بالاهتمام لشدة بدائيتها بالنسبة لهم."
في تلك الليلة، حين استلقينا بجانب قاعدة الجبل استعدادا ً للنوم، حذرني "جورين" من تفضيل حروف الهجاء على الكتابة الصورية. "لو أنك أتيتنا من الفضاء الخارجي وكتبت تقريرا ً عن كوكبنا، لنلات حروف الهجاء إعجابك،" قال موضحا ً، "إنها مرنة وسهلة الاستخدام. إلا أن هذا لم يكن له أي تأثير يذكر إلا بعد ظهور الطباعة في أواسط القرن الخامس الميلادي، الذي أدى لظهور الجماهير القارئة Mass Literacy"
إلا أن حروف الهجاء، كما يبدو لي، كان لها تأثيرا ً عظيما ً على الإنسان. فنجد أن أمورا ً مثل العلوم النظرية، والمنطق الصوري، وتصور الزمن مخط مستقيم يمتد من الماضي نحو المستقبل، أتتنا من شعوب استخدمت حروف الهجاء وليس غيرها.
من بقعة صغيرة في الشرق الأوسط، انتشرت فكرة تخصيص رمز خاص لأصوات معينة حول العالم. فتجذرت عند اليونانيين، الذين عدلوا الفكرة بوضع رموز تدل على حروف العلة الخاصة بهم. وانبثقت لدى الرومان الحروف اللاتينية من اليونانية في القرن السادس قبل الميلاد. وبحلول القرن التاسع الميلادي، كان اليابانيون قد استحدثوا عناصر صوتية فوية في لغتهم المكتوبة؛ ولحقهم في ذلك الكوريون في القرن الخامس عشر الميلادي. ولم تبق أي لغة مكتوبة تعتمد على رموز محددة لتمثيل كلمات محددة سوى اللغة الصينية. إذ أن كل رمز يدل على كلمة معينة، وتجميع هذه الرموز مع بعضها قد يدل على كلمات أخرى. فمثلا ً، كلمة "الصدق" يرمز لها برمز كلمة "رجل" وإلى جانبها كلمة "كلمة". أي، رجل يقف بجانب كلمته أو تصرفاته تدل على كلماته.
يتبع......بإذن الله