يقول جبران:

"
وَالعَدل في الأَرض يُبكي الجنّ لَو سَمِعوا ***** بِهِ وَيستَضحكُ الأَموات لَو نَظَروا
فَالسّجنُ وَالمَوتُ لِلجانينَ إِن صَغرُوا ***** وَالمَجدُ وَالفَخر وَالإِثراء إِن كبرُوا
فَسارق الزَّهرِ مَذمومٌ وَمُحتَقَرٌ ***** وَسارِقُ الحَقل يُدعى الباسِلُ الخطرُ
وَقاتلُ الجسمِ مَقتولٌ بِفعلَتِهِ ***** وَقاتلُ الرُّوحِ لا تَدري بِهِ البَشَرُ
"

رأيي مختلف عن رأيي طرفة وإيبلا. مع اتفاقي بوجود جدلية بين المجتمع والفئة الحاكمة، ولكن لا بد من تحديد المسؤوليات لنحدد كيفية الخروج من الحلقة المفرغة التي قد نقع فيها عندما نقع بفخ المقارنة بين طبقة حاكمة وإذاً فاعلة، وبين طبقة غير معرفة بشكل معين ونطلق عليها جزافاً اسم "الشعب".
فنحن نعرف ماهو النظام ونعرف أن نتحدث بشكل واضح نسبياً عن النخب المثقفة (صحفيين، كوادر، كتاب .. الخ)
ولكن كيف نعرف الشعب، وهل نحن منهم أم لا؟
المجتمع هو مفهوم نظري أكثر منه عملي واقعي .. هو لفظ يجمع بين طيات معناه الغامض الضبابي جماعات وطبقات قد تتناقض حد الجنون.

لذا هنا لكي نعرف عماذا نتحدث علينا أن نفصل بين ماهو فاعل وبين ماهو ضبابي.
نعم مجتمعنا متخلف، وانفعالي وغير قادر على شيء . ولكن ما هو السبب وهل هذا يعفي الطبقة الحاكمة الفاعلة من مسؤولياتها؟

إن اللوم الأول باستمرار مشاكل المجتمع يكون على الفاعلين فيه، من نظام ولكن أيضاً من معارضة وطبقات مثقفة تتميز بالجبن وقلة الممارسة. فمن يستطيع تغيير المجتمع هم هؤلاء. هكذا كان حال التاريخ دوماً .. فلا يوجد مجتمع يغير نفسه بنفسه، لأنه ليس كتلة معرفة بشكل جيد لكي تستطيع هذا الفعل.
لا بد من مؤسسات ومن ظروف تاريخية ونساء ورجال نزيهين للقيام بهكذا مهمة تاريخية.
والسؤال هنا: هل هذه الطبقة الحاكمة الأكثر فعالية في سوريا لديها من النزاهة ما يمكنها من هذا التغيير؟
الجواب برأيي: هو أن هذه الطبقة لم تغير شيئاً بل شهدنا خلال حكمها للمجتمع وقيادتها "التاريخية" له تقهقراً على كل الأصعدة.
وإذا كان حاميها حراميها، فماذا تتصور وتنتظر من الإنسان البسيط المحكوم من مافيات فاسدة تسرق الشعب وقوت الشعب ومقدرات الوطن؟
كيف سيتطور مجتمع وطبقته الحاكمة التي قضت أربعين سنة وهمها الوحيد هو قمع هذا الشعب وإرضاحه والتجسس عليه وعلى كل تحركاته وتململاته .. بحيث نسيت في رفوف القانون ما سمح لقاضي منذ سنة أو أكثر بالحكم على شخص فطر برمضان.

بالنسبة للدور للمثقف بتغيير المجتمع، بأن يكون قدوة له .. فهذا لي عودة له لتعقيده.
ولكن المثقف قد يكون قدوة بشجاعته أمام الحاكم الفاسد أيضاً كما فعل فيكتور هيجو، عندما اختار النفي بإرادته لمدة 17 سنة لدى استيلاء نابليون الثالث على الحكم بفرنسا ولم يعد إلا بعد عودة الديمقراطية.

(f)