مازلت أردد زواج عتريس من فؤاده باااااااااااااااااااااااااااااااااااااااطل



عائلة الرئيس كسبت التمديد والتوريث ومصر خسرت الديمقراطية
2005/09/10
محمد عبدالحكم دياب
السؤال المطروح علي المصريين بعد يوم 7 سبتمبر (أيلول)، هل انفض مولد الانتخابات فعلا، أم سيستمر منصوبا، حتي نهاية الانتخابات التشريعية، المقرر إجراؤها في نوفمبر (تشرين الثاني) القادم، أي خلال شهرين من الآن؟ أم أن ما جري ينطبق عليه المثل الشعبي الذي يقول العروسة للعريس والجري للمتاعيس ؟ وفي رأينا أن المولد سيظل منصوبا حتي فيما بعد الانتخابات التشريعية، وأن العروس، أي السلطة، الموجودة، فعلا لا تجد إلا عريسا شاخ ومات سياسيا، ومثل هذا العرس الكاذب، لا تتوفر له شروط الزواج الشرعية، وهو ما أكده الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، في حديثه إلي الزميل محمد كريشان، علي قناة الجزيرة مساء الأربعاء الماضي، فأهم شروط الزواج السياسي الحقيقية هي التوافق والرضا، بالضبط مثل الزواج الشرعي، وقيامه علي القبول والإشهار، فلا القبول حدث، ولا الإشهار كان ممكنا، وما جري صدرت عليه أحكام بالبطلان مقدما، وحتي إن تأفف البعض من وصفة الاغتصاب علي ما ارتكبته عائلة مبارك للحكم فنكتفي بوصفه بالزواج الباطل، لأنه قام علي الإكراه والغصب.
ومع ذلك، ولأننا نخط هذه السطور قبل إعلان النتائج الرسمية للانتخابات، لن نتناول الأمر بالشكل الذي يتوقعه منا القارئ الكريم.. لن نصدر أحكاما نهائية بانتظار المعلومات الدقيقة والأقوال الصحيحة، ولن نعتمد إلا علي مؤشرات، قد تتغير، بين لحظة وأخري، حتي تعلن النتيجة الرسمية، ويتم الاطلاع علي التقارير والمعلومات من مصادر محايدة وموضوعية. سوف نجد سيلا من الأسئلة لا تجد الجواب العاجل، وأهمها ما يتعلق بالحراك السياسي في الشارع المصري، وعلاقة ذلك بما جري علي جبهة الرئيس الموازي جمال مبارك، الذي أدار الحملة الانتخابية كاملة لحسابه، والأسئلة تتعلق بمستوي الفرح البالغ بين رجاله ومواليه، فهل هذا الفرح سببه عدم وصول الحراك السياسي في الشارع المصري، علي مدي عام كامل، منذ انطلاقة حركة كفاية . إلي المدي الذي يرجح ميزان القوي لصالح الجموع الشعبية، التي أعلنت رفضها للتمديد والتوريث؟ أم أن الكثرة الرسمية والأمنية غلبت الشجاعة الشعبية؟ وهل نجاح أجهزة الأمن في حشد الموظفين والعاملين في الإدارات الحكومية، ونجاح رجال الأعمال في شراء أصوات الفقراء، وهو السيناريو الذي عرضنا له من أسابيع. وهل هذه النجاحات هي سر السعادة والحبور، بالشكل الطفولي الذي بدا علي وجه أسامة سرايا، رئيس تحرير الأهرام ، وهو يتحدث عما أسماه فائض الأصوات، التي كانت لدي مرشح الحزب الحاكم، والتي كان ممكنا منحها للمرشحين المنافسين؟ وهذه النجاحات المفترضة تنفي، في ذاتها، قاعدة المنافسة من أصله. وهل الشعب لم ينضج بعد، كما يدعي ويصرح ويعلن رجال الرئيس الموازي ومواليه وطاقمه المؤمرك ، الذي أشرف علي الحملة الانتخابية؟ أسئلة لا أول لها ولا آخر، فرضها المشهد الذي تابعناه طوال يوم الأربعاء الماضي وليلة ونهار الخميس، أول أمس.
وهذه، في النهاية، أسئلة مشروعة، لا يمكن أن تصادر علي حقيقة الإجماع الوطني علي رفض التمديد والتوريث، ولا يمكنها أن تخفي مظاهر الاحتقان الزائدة، ولا تداري الأزمة المستحكمة بين المصريين وعائلة مبارك، وهذه، في نفس الوقت، لن تقلل من قيمة التحول الذي جري في مصر مواكبا لانبثاق حركة كفاية ، ونراه علي أرض الواقع، فرغم الحملة الضارية عليها، وظهورها وحيدة، بفعل غياب الاخوان المسلمين وقوي أخري عن مشهد ذلك اليوم، تظاهرت واستمرت في تحدي السلطات، ورفض الطريقة التي أديرت بها الانتخابات، واستمرت في إصرارها علي رفض وجود عائلة مبارك في الحكم. والتحول الذي أحدثته حركة كفاية تمثل في كسر حاجز الخوف، وحتي لو تمكنت منها الأجهزة الأمنية ومليشيات الرئيس الموازي ، ونالت منها في أثناء عملية الانتقام الوحشية المتوقعة، بعد انفضاض المولد الإنتخابي ، فقد سُجل لها هذا الدور تاريخيا، ولم يقتصر التحول علي هذا فقط، بل تعداه إلي إحياء دور الطبقة الوسطي المغيب، وإلي المواجهة من الشارع.. ولم تتركه للفراغ يأكله أو لجماعة بعينها تحتكره، فضلا عن قيامها بتخصيب هذا الشارع. فقضت علي حالة الإخصاء التي نجح فيها حسني مبارك، ببطشه وتجبره، وخففت من حدة العقم الذي عانت منها مصر بفعل هذا الإخصاء.
وتكشف المؤشرات الأولي أن المقاطعين كانوا هم الأكثر نجاحا، في هذه الجولة، وبدا أن نظرهم هو الأبعد، وأثبتوا أن ما جري من هذه الدولة البوليسية المتمرسة لم يكن إلا تحصيل حاصل، فلم يتورطوا، في صفقات أو مساومات رخيصة، خاصة حركة كفاية ، ولم يمنحوا تلك الكوميديا السوداء، الفاسدة والخادعة أي مشروعية ليست لها، تسجل عليهم أمام جمهورهم، وعلي الحزبين الديمقراطي الناصري و التجمع ، اللذين قاطعا الانتخابات أن يستغلا وضعهما الجديد، ويوحدا من جهودهما مع جهود كفاية وأخواتها، لبناء جبهة تتصدي بفعالية لهذا الزواج الباطل بين السلطة وعائلة الرئيس، هذا مع أننا نعلم أنها، أي العائلة الحاكمة، مع مواليها ومليشياتها ستنتقم منهما انتقاما مرا، أبسطه حرمانهما من أي مقاعد في الانتخابات التشريعية القادمة، وليس أمامهما إلا الرهان علي الشعب في انتخابات تختلف في طبيعتها وآلياتها عن انتخابات الرئاسة، وعدم الرضوخ لأي مغريات أو رشاوي انتخابية من أي نوع. فالفقراء الآن والطبقة الوسطي في حاجة ماسة إلي من ينطق باسمهم ويتبني مطالبهم، وثمرة التغيير الناضجة تنتظر القطاف، ولن يحول دون ذلك انتقام مرحلي، أو بطش وحشي، أو كعكة سياسية تعفنت وحط عليها الذباب، وهو ما يجعل النفس الوطنية والشريفة تعفها وتبتعد عنها.
ومؤشرات أخري تكشف حجم الخسارة البالغة التي منيت بها الديمقراطية، بعد أن فتح المولد الانتخابي الباب واسعا أمام التوريث المؤكد، بعد أن تحقق التمديد، وكان من أهم أشكال هذه الخسارة ما نجح فيه الرئيس الموازي ، جمال مبارك، من ضم رئيس اللجنة العامة للانتخابات، الذي هو في نفس الوقت رئيس المحكمة الدستورية، ممدوح مرعي، إلي رجاله ومواليه، فكان الأكثر حماسا لترتيبات المولد الانتخابي ، واستجاب لمخطط الرئيس الموازي في هز مكانة وهيبة القضاء المصري، ونجح في كسر استقلالية المحكمة الدستورية العليا، وبعد أن كانت ملاذا للشعب في التصدي لدستورية كثير من القوانين الاستبدادية، ومنها المادة 76 المعدلة، أصبح رئيس هذه المحكمة منافسا لفتحي سرور، رئيس مجلس الشعب، الذي اخترع قاعدة المجلس سيد قراره ، لمنع تنفيذ أحكام القضاء بشأن تزوير الانتخابات في عدد كبير من الدوائر. هذا وضع علي عاتق نادي قضاة مصر، مهمة جديدة وشاقة، وهي استعادة المحكمة الدستورية إلي حضن القانون والدستور والشعب.
وعزاؤنا أن من أقاموا المولد الانتخابي لا يمثلون إلا شريحة محدودة للغاية، لكنها عالية الصوت، مكنتها ثرواتها، التي نهبتها، من استخدام وسائل الترغيب والترهيب، ويسعدها أن تري مصر تحترق ما دامت مصالحها مؤمنة، و المولد الذي نصبوه كان في حقيقته مأتما وليس عرسا. فأن تصبح الديمقراطية تحت ضغط وهوي شريحة، مصابة بسعار المال، وشبق السلطة، وعبادة الذات، ونرجسية السلوك، فهذا مقتلها الحقيقي، وهذا يضعنا أمام احتمالات تبدو مفزعة، فغلق الأبواب أمام التغيير الديمقراطي والتداول السلمي للحكم، يفتح أبواب العنف والتطرف بديلا وبعيدا عن صندوق الانتخاب والاختيار الحر. والديمقراطية التي خسرت جمهورا مصريا واسعا كان قد تعلق بها ليواجه بها حياته التي أصبحت مستحيلة، شهدت خسارة أخري مترتبة علي اختيار النسق الأمريكي في التعامل مع الناخب المصري، وهذا الأسلوب أضاع هيبة الرئيس، ومع قناعتنا بأن الرئيس مات سياسيا وشبع موتا، فإنه كان في حاجة إلي سرادق عزاء يليق به، ويحافظ علي هيبة الدولة، كما حدث مع الملك فاروق، بدلا من ذلك خسر الرئيس وقارا توفر له بوزن الدولة وتأثيرها وعراقتها.. لم يتركوه لطبيعته، واستسلم هو الآخر لمبضع خبراء وأخصائي التجميل والأزياء، فكشطوا من علي وجهه بقايا وقار ما كان يجب أن يذهب.. وألبسوه ثوب الشباب وهو الشيخ الهرم، فخسر وقار الشيخ وحكمة الكبار المفتقدة، ولم يكتسب حيوية الشباب ولا نشاطهم المعتاد، ولم يكن العبور إلي المستقبل إلا عبورا لجسد محنط إلي المجهول، وتعبير العبور هنا مرادف لمعني التوريث ، وهو موت سياسي محقق. والوريث يتخذ من كلمة المستقبل رمزا له، تابعنا ذلك عندما انتوي تأسيس حزب، في نهاية التسعينات، حمّله اسم المستقبل، والجمعية التي تعد رجاله وكوادره ومليشياته سماها جمعية جيل المستقبل، وهكذا، ويذكرنا هذا النوع من العبور بالمراحل الأخيرة في حياة الاتحاد السوفييتي، فلما ماتت السياسة علي يد بريجنيف وطاقمه.. جاء موته الجسدي، مقدمة طبيعية انهارت بعدها تلك الإمبراطورية العملاقة، وإنقاذ مصر من هذا المصير يستوجب اليقظة، وتفادي إدخالها إلي النفق السوفييتي، ولا بد أن يقابل موت السياسة لدي عائلة مبارك بإحياء دور الشعب وقواه الحية.
وإذا أخذنا بمبدأ التقليل من أهمية المولد الانتخابي ، الذي ورد علي لسان شيخ القضاة المصريين، يحيي الرفاعي، بإشارته إلي أن الإنتخابات لم تكن ذات قيمة، فقد كشفت مؤشرات عديدة أن بطلان زواج عائلة مبارك من حكم مصر لا يغطيه وجود رئيس المحكمة الدستورية علي رأس لجنة الانتخابات، فهو، حتي لو حمل المحكمة الدستورية علي رأسه، ساهم في زيادة الموقف تعقيدا، وزاد من مستوي الخسران الذي أصاب الديمقراطة، وأضاع علي مصر فرصة ثمينة. بعدما التحق بمنظومة السيطرة الفاشية، التي أقامها الرئيس الموازي ورجاله ومواليه. وقَبِل تغطية عوار انتخابات أجريت تحت إشراف حكومة عينها جمال مبارك بنفسه، ومكنه من شق صفوف القضاء، وقد يكون في هذا فائدة علي المدي الطويل. فما حدث في أوساط القضاة أفرز وحدد الفروق بين الغث والثمين، وفصل بين أغلبية شريفة تقف مع حق الشعب في انتخابات نظيفة ونزيهة وغير مزيفة، وقلة انحازت لمصالح شريحة أثبتت أنها أشد عداء للديمقراطية ودولة القانون والمساواة من الأعداء التقليديين...