اقتباس:  إبراهيم   كتب/كتبت  

الأستاذ خالد:

كما قلت لحضرتك، الاعتراض ليس على الكلام بذاتها كلفظة و لكن على استخدامها و طريقة مدلولها. لو قلت لك إني أفضل أن تعرفني بأني مسيحي، أما كان من اللائق احترام مشاعري و مناداتي و معاملتي بالصيغة التي أحب؟ و لو قلت لك أني أرى لفظ ما بذي، أما كان من الأحرى بك الابتعاد عن مناداتي بما لا أحب؟

الزميل العزيز إبراهيم،
لا يليق بي أن أغير إسما تواضعت العرب عليه، ونحن هنا نعني الإسم العلم وليس الصفة. ونحن لا نتحدث عن مصطلحات العوام بل اللغة الجادة الرصينة.
أنا لا أجد بأسا حين أتحدث العامية أن أقول مسيحيين أو كريستيانز أو كغتين من باب اللوثة التي أصابتنا فجعلتنا نطعم لساننا بلسان غيرنا، إلا أنني لا أستسيغ حين أستعمل اللغة الفصيحة أن ألوثها بمولد الكلام.
الموضوع ليس إسما شخصيا لك، بل كيفية لفظ العرب لهذا الإسم، وهو يدخل في باب الوضع أو التعريب.
قد يكون لشخص ما إسم رودريك أو ألفونسو أو آرنولد أو أبراهام أو مايكل أو جبرائيل، إلا أنني حين أناديه بالعربية فلن أقول إلا لذريق والأذفونش وأرناط وإبراهيم وميكال وجبريل.
ويصنع الفرنسيون بالمثل حين يسمون محمد مهومت، والإنكليز يسمون خالد بكالد، ويسمون المسلمين بالمزلمين.
نحن لا نستطيع أن نضبط بالفعل أصل كلمة النصارى، أهل كلمة تواضع عليها العرب أم أنهم نقلوها معربة عن غيرهم، إلا أننا نضبط أن اللغة هي اصطلاحات يضعها أصحابها، ولسنا نحن إلا مولدي لسان ليس لأحدنا أن يشكل على أهل اللغة لغتهم.

لا يهمني معنى اللفظة و تاريخها و لكن ما يهمني هو ما يطرق بال السامع حين تناديه بها و احترام مشاعره. فلو كنت أعيش أيام تغلب و غسان و مضر هذه القبائل و قلت لي: و الله العظيم، إنك لرجل خول يا إبراهيم، لانشرح صدري و تهللت أساريري لأنها قد تفيد الكرم مثلا و لكن اليوم تعني شيء بذيء يمجه السمع و لا يستطيبه السامع، أقله في مسقط رأسي مصر. و كما ترى، فاللغة تتطور و تنمو مع الإنسان و ليست قاصرة على زمن هؤلاء القبائل الذين ذكرت بل كثيرا ما ضمرت ألفاظ رغم وجودها بالقاموس و لا مجال لنا اليوم لنستخدمها مع أنها عربية صحيحة.

اللغة التي نعنيها هي لسان العرب الفصيح وليس الألسنة المولدة الناشئة في الأقاليم العربية. ونحن حين نمحوا إسما علما من قاموس لغتنا كإسم النصارى، عندها قد يأتينا مستشرق أو تلميذه زاعمين أن إسم النصارى المذكور في القرآن إنما يقع على أقوام لا علاقة دينية بينهم وبين نصارى اليوم.
والأصل أن لا يعتاب إنسان من إسمه، وواضع الإسم هو من نفس القوم ولم يعبه هذا الإسم، فلا يليق بإنسان لا يعرف من اللسان إلا ما تعلمه في مدرسة وجامعة، وأعني نفسي هنا كما أعنيكم، لا يليق به أن يشكل على إسم لو بحث في فقه لغته لوجده خير له وأحب من صفة لا ترقى أن تكون إسم علم.

ما أعيب عليه ليس لفظة نصراني و لكن طريقة استخدامها و إقحامها على جمهور لم يرى نفسه نصراني من أساسه. يجب احترام المشاعر.

الجمهور عايز كده أو مش عايز، لا نعبأ هنا برأي الجمهور، فهي ليست لغتهم. يستطيع الجمهور هذا أن يسمي نفسه ما يريد بلسانه هو، إلا أن هذا الجمهور حين يتحدث الإنكليزية فعليه أن يستخدم قواعد أصاحبها، وحين يتحدث الفرنسية فليصنع بالمثل، وحين يتحدث العربية يستعمل قواعدها هي ولا يقحم قواعد من تأليفه عليها.