ذات يوم ، وجدت الباب الذي اعتدت أن أراه مفتوحاً، موصدا،.. استغربت و انتابني حالة من الريبة .. ريبة مراهق في السابعة عشر من عمره ، ظن أنهن يتبادلن الحديث عنه .. و تعزز شعور الريبة هذا بعد أن قمت بفتح الباب الموصد على غفلة ، و أحسست أن الحوار الصباحي قد توقف ، مع شيء من الذهول. :?:

"شبكن ، ليش سكتوا؟ كملوا حكي... ولا عم تحكوا عليي؟"

هذا ما قلته لعماتي آنذاك ..

صمتن ... و بعد صمت قصير قالت لي إحداهن : "العمى شو عقلك0 قليل!":lol:

فاشتعلت في داخلي حشرية المراهق ، و رحت أستدر عطفهن ، و هن اللواتي ما أحببن أكثر مني ، فأنا الكبير ابن الكبير ، و حامل اسم الجد الأكبر ..:saint:

للصراحة، مارست الكثير من الابتزاز العاطفي عليهن... فقالت إحداهن للأخرى "قولوله .. شو فيها" .. و ارتسمت على محياي ابتسامة النصر العريضة (كهذه:D)

بدأت الاعترافات تتوالى ، قالت إحداهن "كنا عم نحضّر أرواح.." ، و أعقبت الأخرى لتقول: "حكينا مع جدك" ، و عادت الأولى لتقول "عمتك مشتاقتلك" ، و أنا في عجب مما يقلن.

قلت أنا ، و يا لي من أنا هيهيهي:saint:"شو عم تحكوا ، انتو متعلمين ، لساتكن بتآمنوا بهالخرافات" ، فابتسمت احداهن ابتسامة خبيثة و قالت "خرافات ؟؟!! طيب بكرا بتشوف!".

مر علي أسبوع ملؤه الانتظار .. تعطلت جميع أفكاري ، و بت لا أفكر إلا بالأرواح ، و ما قلنه لي عماتي في ذاك اليوم.

ما أثار اهتمامي هو أن السيدة التي ستقوم بتحضير الأرواح ليست مشعوذة أو وسيطة محترفة ، بل هي سيدة عادية جداً و معروفة لدي و أثق بها ثقة كاملة.

جاء اليوم المشهود، و حانت اللحظة الحاسمة .. كان علي أن أتوضئ ، فهذا شرط من شروط نجاح عملية التحضير على الطريقة البثينية (بثينة ، جارتنا المصون).

"أطفئوا التلفاز ، هل توضأتم ؟؟ ، ائتوني بفنجان قهوة صغير.." هذه كانت كلمات بثينة الأولى.

جلسنا أنا و عماتي و بثينة حول طاولة طعام عادية ، و أخرجت بثينة من كيسها كرتونة دائرية الشكل، كتب على أطرافها الأحرف الأبجدية ، و كلمتي "نعم" و "لا".

وضعت بثينة فنجان القهوة في منتصف الكرتونة ، و طلبت منا أن نقرأ آية الكرسي و "الصمدية" بالتتالي.. و لا أخفيكم بأن فرائصي بدأت ترتعد حينئذ.:o

بعد مرور حوالي الربع ساعة من قراءة القرآن ، بدأ فنجان القهوة الصغير يرتعد ، و كأنما سرى فيه تيار كهربائي.. لقد كانت حركة اهتزاز سريعة .. شاهدتها بأم عيني ، و لا مجال للخديعة أبداً، فلا بثينة ساحرة أو مشعوذة، و لا أنا ممن يمكن لبثينة أن تخدعني بألعاب الخفة.:D

"أهلا و سهلا... أهلا و سهلاً... قولوا أهلا و سهلا" هكذا قالت بثينة.

بثينة (مخاطبة الروح): "من أنت .. هل تعرفنا ، أو نعرفك"

توجه الفنجان بمفرده و بحركة سريعة نحو كلمة "لا" الموجودة على الكرتونة

بثينة (للروح) : "طيب، لوسمحت نادي لفلان (جدي) و رح نقرالك الفاتحة"

بدا الفنجان يتحرك بسرعة نحو الأحرف ليكتب كلمات كانت في غاية الوضوح لمن يتابعها ، لأن الفنجان يعود إلى منتصف الكرتونة عندما ينتهي من كتابة كل كلمة ، و هكذا.
قالت الروح : "لا أريد أن أذهب .."
بثينة : "لماذا"
الروح: :إنني أتعذب .."
بثينة : "لماذا"
الروح: " أنا امرأة .. كنت أصافح الرجال في الحياة"
استطاعت بثينة أن تقنع الروح بالرحيل، بعد محاولات عديدة ، و بعد أن قرأنا لها الفاتحة مرات عديدة.

كانت تلك المرأة (الروح) لطيفة، إذ أنها أخبرت الأرواح التي نعرفها بطلبنا و رغبتنا بمحادثتهم.

جاءت الأرواح ، و دام الحديث لأكثر من 3 ساعات متتالية. و ترسخت في ذهني الملاحظات التالية:

- لم أشك مطلقا بأن حركة الفنجان كانت بفعل تأثير خارجي، غير بشري على الأقل.

- حاولت أن أتأكد من أن الأرواح هي بالفعل من تكتب الكلمات و ليست بثينة ، و اختبرتها في أكثر من موقف. فلقد سألتها عن أشياء خاصة ، لا تعرفها بثينة. و من أحد الأسئلة التي حسمت الأمر بشكل مطلق بالنسبة لي ، و جعلتني أتأكد بأن الأمر غير بشري ، عندما سألت روح عمتي المتوفاة عن منام كنت قد رأيتها فيه قبل يومين و لم أخبر أحداً عنه. فسردت لي المنام بتفاصيله ، لا بل ذكرتني بتفاصيل أنا كنت قد نسيتها !!!:?:

- امتنعت الأرواح عن الإجابة على أي سؤال ذو طابع مستقبلي قدري ، و كانت تكتفي بالقول "اتقوا الله ..".

- قراءة الفاتحة كانت أكبر هدية ممكن أن تكافئ بها روحا ما!.

خرجت من هذه التجربة مذهولا ، خائفا .. تائها عن ذاتي..

لم أستطع النوم بمفردي لمدة طويلة ، و كنت أشارك جدتي السرير نفسه كي أشعر ببعض من الطمأنينة.

يا جماعة ، لا أدري إن كانت تلك أرواح أو جن أو أو .. و لكنها حقيقة واقعة، ليس عندي أدنى شك بوجودها. لا بل و أشهد على صحة ما رأيت أنا العلماني التوجه.

أعزائي... اليوم ، و بعد حوالي الست سنوات من تاريخ هذه القصة ، ما زلت غير قادر على تفسير ما حدث و أن كنت متأكد من حدوثه بشكل مطلق ... فهل لديكم من تفسير دام فضلكم !؟ :?: