المشهد التاسع : بعدَ أنْ تَشُقَ الفأسْ الرأسْ ويكبرُ الألمْ لن ينفَعَ النَّدمْ
المشهد التاسع
(كان أبو منشار قد دخل إلى الساحة قبل نهاية الرقص والغناء الحزين، وسمع بعضاً من الكلام. وها هو بحقيبته الجلدية يفاجئ الناس بقوةٍ مظهراً غضبه)
أبو منشار : الله.. الله.. الله..
الدنيا مقلوَبةْ
وأنا لا أعلمْ
أبو منشارْ
آخرُ مَنْ يَعْلمْ
هذي فوضى
وتمرّدْ
ماذا يجري ضِدَّ السيَّدْ؟!
قولوا(!!)
(صمت، لا يرد أحد. يدخل العجوز فيرى الأحوال، ويرى أبا منشار...)
العجوز : خيرْ..!؟
مالكَ تصرخُ وتهدِّدْ؟!
مرّوش : منْ هذا لا يأتي خيرْ
أبو منشارْ
وَجْهُ الشرْ
أبو منشار : إهْ..
لا بأسْ
لكن حينَ الفأسْ
تشقُ الرأسْ
نَنْدمْ
العجوز : (بقوة) قلنا خيرْ؟!
أبو منشارْ (مرتبك) آ.. طبعاً خيرْ!!
جئتُ أجمعُ الديونْ
هل تمانعونْ؟!
(يفاجأ الجميع بالخبر)
أبو دعاس : الآنْ؟!
جاسم : كيفْ؟!
مرّوش : مفهومةْ!!
جَمْعُ الدَّينْ
فَرْكَةُ أذنٍ لتطيعوا
ثم تجوعوا.
هذا كسرٌ للراسْ
وكتْمٌ للأنفاسْ
أبو منشار : بالعكسْ
جمْعُ الدَّينْ
حقٌ لي
هلْ يزَعلُ أحدٌ مِنْ حقْ؟!
قولوا
(يفتح حقيبته الجلدية، ويخرج دفتراً وقلماً. يفتح الدفتر ويقرأ)
زهرانَ العايدْ
أبا ناهدْ
الملقبّ بالطحانْ
الطحان : (بصوتص ضعيف) حاضرْ
أبو منشار : دَيْنُكَ عَنْ سهرةِ عيدِ الجوزةْ
الطحان : أعرفْ.. أعرفْ
(ويهرع سريعاً نحو أبي منشار...)
خَمْسُمائةْ
أبو منشار : (بدهشة) ماذا؟!
خَمْسُمائةْ؟!!
لا، لا، أكثرْ.. أكثرْ
الطحان : كيفْ؟!
أُقسمُ
أبو منشار : لاتُقسمْ..
وفوائِدُها يا منظومْ؟!
الطحان : يعني؟!!
أبو منشار : مفهومةْ!!
صارتْ ألفاً يا شاطِرْ
الطحان : (بفزع) ألفْ؟!
أبو منشار : تدفَعُ أَمْ نحجزُ طاحُونَكْ؟1
الطحان : لكنْ
مرّوش : (تقلد أبا منشار)
تدفعُ أم نكسِرُ رأسَكْ
الطحان : آه.. يا ويلي
(وينزوي الطحان بعيداً عن العيون)
أبو منشار : أما السيدُ أبو حسان
مرّوش : جاسم؟!
جاسم : (بخوف) ماذا، ماذا؟!
أبو منشار : تلفزيونكَ والغسالةُ والبرادْ
صارتْ حالتُهم حالةْ
لم تدفعْ قسطاً
(يقرأ في الدفتر ويعدد)
مِنْ شهرٍ
مِنْ شهرينْ
مِنْ خمسةِ..
جاسم : (يقاطعه) خذهُمْ
لن أحتاجَ إليهمْ
أبو منشار : أما السهرةْ!!
جاسم : أيةُ سهرةْ؟!!
أبو منشار (يضحك بمكرٍ ودهاء..)
سهَرةُ عيدِ الكُرّةْ!!
مرّوش : (لأبي منشار).. عيدُ الكرَّةِ بنتِ الجحْشِ؟!!
إنكَ تمزحْ
أبو منشار : أنا لا أمزحْ
مرّوش : يا عيني يا عينْ
واحدْ
في عيدِ الجوزةْ
والثاني في عيدِ الكرَّةْ!!
جاسم : يا سيدْ
عَنْ سهرةِ عيدِ الكرَّةْ
أعطيتُكَ شجرةْ!!
أبو منشار : يا حبّابْ..
الشَّجَرَةْ
عربونٌ للذكرى
هذا عيبٌ يا جاسم
هاتِ الدّينَ يا نصابْ
جاسم : ارحمني يا أبا منشارْ
ليسَ لدي نقودْ
أنا في عِرْضِكْ
أبو منشار : إهْ..
نأخذُ أرضَكْ
جاسم : يعني تحجزُها؟!
أبو منشار : حتى توفي دينَكْ
جاسم : وإذا..
(يتلكأ جاسم ولا يعرف ما يقول)
أبو منشار : نتملَّكُها
جاسم : (باكياً مرعوباً متوسلاً)
وأنا
ماذا أفعلْ؟!
يعني ماذا أصنعْ؟!
مرّوش : تهربُ كالفأرةْ
تقفزُ كالضِّفدَعْ
جاسم : آهْ.. آهْ
(وينزوي لاطماً على خديه قرب الطحان- في اللحظة نفسها كان أبو دعاس يحاول الهرب، لكن أبا منشار أبصره فنادى عليه)
أبو منشار : أمّا أبو دعاسْ
(يتوقف أبو دعاس عن هربه ويستدير نحو أبي منشار..)
أبو دعاس : استُرْني لا تفْضَحْني
أبو منشار : أيضاً نحجزُ بُسْتانَكْ..
لا، لا، لا
بستانُكَ لا يكفي
لِتُسدِّدِ لي دينَكْ
أبو دعاس : (مرعوباً) يعني؟1
أبو منشار : نحجزُ دكانكْ
أبو دعاس : ونجوعْ؟!
أبو منشار : تَدفعُ أو تُحبَسْ!!
أبو دعاس : دبِّرْها
الطحان : (ومعه جاسم)
دبِّرْها واسْتُرْنا
أبو منشار : طيبْ،
حاضرْ
الواحدُ منكُمْ
يدفعُ لي في كل صباحٍ شجرَةْ،
وكلّ مساءٍ شَجَرةْ
فنؤجلُ دفّعَ الدينْ
شهراً
أو شهرينْ
حتى تُفرَجْ
ماذا قلتمْ؟!
مرّوش : قولوا شكراً يا سيدَنا
(وهي تدفع الثلاثة بسخرية..)
هيا..
قوموا بوسوا وجهاً وقَفا
وادعوا بالتوفيقْ
(وهي تشير نحو أبي منشار لكنها تتمايل بشكل ساخر)
لهذا السيّدِ الصديقْ
أبو دعاس : (للعجوز)
ساعِدْنا يا جَدّي
هلْ نقبلُ بالشرطْ؟!
العجوز : الآنَ تسألونَ بعدَ أنْ أهانكُمْ،
وبعدَ أنْ أذلَّ كبرياءَكُمْ؟!!
الآنْ؟!
لن ينفعَ السؤالُ رغم قَسْوةِ الألمْ
لن ينفعَ الندمْ
ستقبلونَ بالشروطِ كلِّها
حتى ولو كانَ الثمنْ
أرواحَكُمْ
(يدخل أبو فلوس مسرعاً لاهثاً ويتقدم من أبي منشار، ويهمس له)
أبو فلوس : طمْئنّي
ما الأخبارْ؟!
(أبو منشار يختلي بأبي فلوس جانباً ويهمس له)
أبو منشار : ممتازةْ!!
أبو فلوس : يعني؟!!
أقصدُ فهمّني
أبو منشار : أكلوا أكبرَ خبطَةْ
حَسْبَ الخطّةْ..
فتعالَ وسايرْهمْ
لا يِنْهُمْ.
أنتَ تسايرُهُمْ
وأنا أخبُطهَمْ
كي نشفطَ كلَّ أراضيهمْ
أبو فلوس : طيبْ، طيبْ
(يلتفت نحو الفلاحين ويحادثُهم بهدوء)
يا أهلي، يا ناسي ما يجري لا يرضيني
أقسِمُ بضميري وعيوني
فالبنكُ الدولي أزعجني
صدّعَ رأسي
يشفطُ، يبلعْ
لا يشبعْ
وأنا.. آخ
أموالي في أيديكُمْ
قولوا لي: ماذا أصنعْ؟!
وعليَّ ديونٌ للشركاتْ؟!
البنكُ الدولي يحبِسُني
يخبطني بالمِخْباطِ
إنْ لمْ أَدفَعْ
في الميعادْ
أقساطي
ولذا جاءَ أبو منِشارْ
يجمعُ دَيْني منكُمْ .
أرجوكُمْ
أرجوكُمْ
أبو منشار : يا طيّبْ
يا خيّرْ
أجَّلْناهُمْ شهراً
أو شهرينْ
أبو فلوس : (مرعوباً كاذباً، وهو ينفذ خطته الذكية)
يا ويلي
والبنكُ الدولي؟!
أبو منشار : أنتَ تُدبّرُ نفسَكْ
أما الفلاحونْ
فمساكينْ
أبو فلوس : حاضرْ
كُرمى لكْ
أخرِبُ بيتي بيدي
مِنْ أجلِ عيونِ الفلاحينْ
أنَسى الدَّيْن
أبو منشار : (يهتف ويصفق بيديه)
"يحيا أبو فلوسْ
يحيا
أبو بَنْكِ الناموسْ
يحيا.."
(يضطر أبو دعاس والطحان وجاسم للرد على أبي منشار ليشكروا أبا فلوس- لكن أبا منشار يدور بين الفلاحين وهو يهتف ويصفق -يشارك الجميع في التصفيق والهتاف، عدا الرجل العجوز ومرَّوش)
الجميع : يحيا أبو فلوسْ
يحيا
أبو بَنْكِ الناموسْ
يحيا.
المشهد العاشر : مَهما كانْ مَهما صارْ بعدَ الليلِ يجيءُ نهارْ
المشهد العاشر
(يدخل منصور وعرفان والأطفال وآخرون، يبدو أنهم أقوياء)
منصور : الناموسْ
والفلوسْ
دوماً في خِصامْ
الطحان : (يندفع نحو منصور، يتوسل إليه)
اسمعني يا منصورْ
-الله يرضى عليكْ-
أبو فلوسْ
أكرَمَنَا،
يعني، أجَّلَ دفْعَ الدينْ
شهراً،
أو شهريَنْ.
عرفان :وأنتمْ صدَّقتُمْ؟!
(صمت، ثم) طبعاً صدَّقتُمْ!!
أبو فلوس : أنا لا أكذبْ
أبو منشار : (يصرخ) أبو فلوسْ
لا يكذبْ
عرفان : (بهدوء) هلْ حدَّثكُمْ عَنْ أقساطِ البنكِ الدولي؟!
أبو دعاس : (تفلت منه الكلمات، وبدهشة)
إي والله(!!!)
عرفان : هلْ حدَّثكُمْ عَنْ خَبْطِ المخباطْ
لتسديدِ الأقساطْ؟!
(يندفع أبو منشار نحو عرفان محاولاً أن يجعله يبدل الموضوع...)
أبو منشار : يا عرفانْ..
يا عرفانْ..
(ويسحبه بعيداً عن الناس ويهمس له..)
أبو فلوسْ
"محسوبُكْ"
وأنا أيضاً
"محسوبُكْ"
أطلبْ ماترغبْ
فيكونْ
بين يديكْ
ملكَ يديكْ
هل تسكتْ؟!!
(عرفان وهو يداعب رأس أبي منشار، يكلم الناس، ويفضحه)
عرفان : أبو منشارْ
يرشوني
يعطيني ما أرغبْ،
قلْ لي يا طحانْ
ماذا أطلبْ؟!
الطحان : (يرتبك) أنا لا أعرفْ
عرفان : (بثقة) لكني أعرفْ
ما يجهلُ أكبرُ رجلٍ فيكمْ
(يندفع نحو أبي فلوس ويمسك به من يده ويدور بهِ بين الناس بسرعهَ وهو يتكلم، وأبو فلوس يتأرجح مذعوراً)
هلْ أخبرَكُمْ عَنْ شركاتِ الأموالِ؟!
يعني، هلْ أخبرَكُمْ عَنْ حالِهْ،
عَنْ إفلاسِهْ؟!!
(ويدفعه بعيداً فيصطدم بأبي منشار)
جاسم : إي والله..
أخبرنا بلسانِهْ
أبو دعاس : صدّقناهْ
منصور : أبو فلوسْ
يخدعُكُمْ حتى ينهبَكُمْ
الطحان : (حائراً) يا عرفانْ
ما هذي الأخبارْ،
من أخبرَكَ بها،
كيفَ حصلتَ عليها؟!!
أخبرَنا كيْ نرتاحْ!!
أبو دعاس : معكَ شهودْ؟!!
عرفان : طبعاً..
(همهمات بين الناس، وهم بين مندهشين ومصدقين ومكذبين)
ومعي رشاشٌ للدّودْ
حتى لا ينخَرَكُمْ،
للآفاتْ
حتى لا تبلعَكُمْ
أبو فلوس : (حانقاً) أتحداكْ
(للجميع) أتحداكُمْ
ناهد : نقبَلْ
أبو دعاس : ناهدْ!!
ناهد : ما نفعَلُه كرمى لكْ،
كرمى لأبي،
كرمى للضيعةْ،
ولمرّوشْ
للآباءِ وللأبناءْ
هيا يا منصورْ
أخْبِرْهُمْ بالقصَّهْ
منصور : أولُ كلّ الأشياءْ
سَرِقةُ نبعِ الماءْ
جاسم : ماذا؟
أبو فلوس : كذبهْ!!
الطحان : كيفْ؟!!
عرفان : الصورةُ أصدقُ شاهِدْ
دعاس : معنا صُوَرٌ بالألوانْ
صَوَّرَها منصورْ
مَعَ عميّ عرفانْ
(وهو يشير إلى أبي منشار..)
عَنْ هذا اللصّ المكّارْ
(ويشير إلى أبي فلوس)
عَنْ هذا القُرصانْ
أبو دعاس : (غير مصدق) إني أحْلُمْ
أُقرُصْني يا جاسمْ
حتى أفهمْ
دعاس : بابا.. إنكَ لا تحلُمْ
إنكَ تسمعُني،
تفهمْ
انظرْ..
(ويعطيه صورة، بينما يتوزع الأطفال الآخرون ليوزعوا على الفلاحين بعض الصور. مروش تشاهد صورة فتضحك)
مرّوش : اهْ...
هذا أبو فلوسْ
وهذا أبو منشار
(تنادي) دعاسْ..
(تشير إلى الصورة) ما هذا؟!
دعاس : حفّارَهْ!!
مرّوش : حفّارَةُ كوسا؟!
(يضحك عرفان ومنصور وبعض الأطفال والعجوز)
دعاس : حفارَةُ آبارْ
حسان : تلكَ الصورهْ
تدشينٌ للتنينِ الجبّارْ
مرّوش : (ساخرة) عيني، يا عيني يا عين
ما أحلى هذي الأخبارْ!!
أبو دعاس (حائراً) لا يُعْقَلْ،
لا يُعْقَلْ
جاسم : (مستسلماً) أنا أهبلْ
إنَ الصورةَ لا تكذبْ
أبو منشار : (وهو يندفع نحو جاسم)
صورةُ ماذا؟!
آ...
صورةُ ماذا؟!
( ويخطف الصورة من يد جاسم ويمزقها)
هذي صوَرٌ مغشوشهْ
منصور : مغشوشَهْ!!
(يخاطب الناس جميعاً بحماس وحيوية)
هو مَنْ حفرَ الآبارَ الموجودةَ في بطنِ النبعِ
وهوَ المسؤول عَنِ الآلاتِ الهدّارهْ
ومضخّاتِ الشفطِ
مرّوش : (لأبي دعاس)
افتحْ عينَكَ يا شفّاطْ
واهربْ مِنْ خبطِ المخباطْ
(لأبي فلوس) شفَطَ الماءَ فجفَّ النبعُ
(للجميع) قلتُ لكمْ:
شَرِبَتْهُ الضَبعُ
ما صدَّقَتمْ
عرفان : أبو فلوسْ
ضبْعُ الماءْ
وأبو منشارْ
الحرباءْ
أبو منشار : تكذبُ، تكذبْ
عرفان : (للأطفال) أعطوهُمْ صوراً أخرى!!
(يقوم الأطفال بتوزيع صور جديدة على الفلاحين..)
الطحان : (وهو ينظر في صورة)
ما هذا؟!!
(لعرفان) قلْ لي يا عرفانْ
(يريه الصورة) قلْ لي
ريّحْني
عرفان : هذي حفاراتٌ تحفرْ
وأنابيبٌ تُطمَرُ تحتَ الأرضْ
تصبحُ نهراً تحتَ الأرضْ
حسان : تحويلٌ لمجاري الماءْ
ناهد : نحوَ حقولِ أبي فلوسْ
وبساتينهْ
أبو دعاس : وأراضينا؟1
جاسم : ومزارعُنا؟1
الطحان : شيء مُدْهِشْ
أبو منشارْ
كانَ يقول:
ما تحفُرُهُ الحفّاراتْ،
ما يبنيهِ البناؤونْ
هوَ مصنَعْ
هومعملْ
عرفان : (بعد صمت قصير) مصنعُ ماذا؟!
الطحان : لا أعرفْ!!
عرفان : معملُ ماذا يا جاسمْ؟!
جاسم : (محرجاً) لا أعرفْ!!
عرفان : هل عملَ أحدٌ منّا
-أعني مِنْ قريتنِا-
في هذا المعملْ
أو في ذاكَ المصنَعْ؟!
أبو دعاس : كلاّ
عرفان : هل يعرفُ أحدٌ منكُمْ
ماذا ينتجُ هذا المصنعْ؟!
(صمت قصير) أبا دعاسْ
أَمْسِكْ نفْسَكَ واسمعْ
هذا المصنعُ يُنْتجُ ماءً
أبو دعاس : (غير مصدق) ماذا؟!
عرفان : (يمط الكلمة) مـ.........ـاءْ!!
هلْ تَسْتَغْرِبْ؟!!
يُنتجُ ماءَ الصحةْ
يملأهُ في عُبُواتٍ حُلوهْ
وأنيقهْ
هل يعرفُ أحدٌ منكُمْ
ماءَ الجنّهْ؟!!
جاسم : نعرفهُ؟!
طبعاً نعرفهُ
موجودٌ في السوبرْ ماركتْ،
في دكانِ
أبي دعاسْ
كلُ القريةِ تشربُ منهُ
حتى في الكازينو نشربُ منْهُ
عرفان : ما تَشرَبُهُ سيَد جاسمْ
في بيتِكْ،
في الكازينو،
هوَ مِنْ ماءِ الضيعَهْ
هوَ مِنْ ماءِ النبعهْ
جاسم : (وقد انزعج كثيراً...)
يا خيبتَنَا، يا خيبَتَنَا...
(ثم يندفع نحو أبي منشار ويقبض على رقبته بكلتا يديه يخنقه ويهزه)
كيفَ سرقتُمْ ماءَ الناسْ
كيفْ؟!
أبو منشار : (يحاول تخليص رقبته من يدَيْ جاسم)
دعْني يا أجرَبْ
دْعني
إنكَ تخنقُني
جاسم : أنتَ الأجربْ
يا أرنبْ
أبو منشار : آخ.. آخ..
(ويجأر كالثور ويقاوم فيتخلص من يَدَيْ جاسم ويهرب ليختبيء خلف العجوز)
دعني، لا تلْمِسْني
العجوز : جاسمْ،
مَهْلاً
حتى نفهمَ باقي القصةْ
أبو فلوس : (يدافع عن نفسه)
أيةُ قصةْ؟!
أنتمْ تخترعون حكايا
وإشاعاتْ
وقضايا
لا أعرفُها،
أبداً لم أسمعْ عنها.
منصور : لنْ تخدعَنَا بعدَ اليومْ
(للناس) معظمكُمْ
يعرفُ ممتلكاتِ أبي فلوسْ
لكنْ
سَأُذكرُكُمْ
أبو فلوس : (يرتجف) "عينُ الحاسدِ تُبلى بالعمى"
ناهد : أشجارُ التفّاحِ الأحمرِ بالآلافْ،
دعاس : والتفاحُ الأصفرْ
أكثرْ
حسان : والرُّمانْ،
منهُ الحامضُ واللفّانْ
أبو دعاس : صحْ!!
الطحان : (يتذكر) قولوا: جنّهْ(!!)
جاسم : (يتذكر) أحلى. أغنى (!!)
الطحان : (يتحسر) يا أللهْ
نحنُ مجانينُ بلا حَدِّ
نسْهَرُ عندَ أبي فلوسْ
بينَ الشجرِ وبينَ الوردِ
ولانكتشفُ الفارقَ بينَ أراضيهِ الخِصْبَهْ
وأراضينا
أ إلى هذا الحدّ عَمينا(؟!!)
(ثم ينفجرُ في وجه أبي فلوس)
يا ظالمْ
كلُّ بساتينكَ صارتْ جنّاتٍ خَضْرا
وأراضينا -بجهالتِنا- صارتْ صحرا
منصور : بَلْ بخداعِهْ
أبو فلوس : (وهو يشير إلى منصور)
صدَّقتُمْ هذا المنحوسْ؟!!
مَنْ سرقَ الماءَ هو التنينْ!!
مَنْ شفطَ النبعَ ونشّفَ كلَّ الأنهارِ
هو التنينْ!!
عرفان : لكنّ مياهَ حقولِكَ وبساتينِكْ
لمْ تنشفْ
وتجفْ
لمْ يَشفُطْها تِنّينُكْ
أبو فلوس : (يتباهى) طبعاً
بأيادي عمّالي المهَرَةْ
أرضي صارتْ مُزدَهِرَهْ
مرّوش : دونَ مياهْ؟!
أبو فلوس : آباري أنهارٌ تجري تحتَ الأرضِ
تسْرَحُ بالطولِ وبالعَرْضِ
تسقي زرعي،
وبساتيني.
بفلوسي حوَّلتُ الأرضَ العطشانَةْ
ذهَبَا
رَنَّتُهُ أحلى رَنَّةْ
أَنسيتُمْ ذهبي؟!
ليرْاتي؟!!
سهراتي الحلوةَ بالدَّينْ؟!
إنْ كنتُمْ أبطالاً حّقاً
روحوا لقتالِ التنينْ
الطحان : التنين؟!
جاسم : (خائفاً) لا يُمكِنُنَا
أبو دعاس : إنكَ تدفَعُنَا لِنموتْ
منصور : بلْ لقتالِ التنينِ
والتنينْ
أبو فلوسْ
عرفان : ومضخّاتُ الشفْط الضخمةْ،
آلاتُ الرعبِ الشيطانَهْ
تُطْلِقُ ناراً ودخانا
سَمَّيْناها -نحنُ المأخوذينَ-
بسَهَرِ الليلِ
وبالكازينو
مرّوش : "والهامبورْغَرْ"
حسان : "والسوبرْ ماركتْ"
مرّوش : "والبيتْزا"
عرفان : والسمِّ الهاري المسْكِرْ
سَمَّيْناها بجهالتِنَا
تنّيَنا
الطحان : (لأبي فلوس) يا غدّارْ!!
(ويهجم نحو أبي فلوس وإذا بصوت انفجار يدوّي فيرعب الناس، الذين ينبطحون فوق الأرض بشكل تلقائي، عدا منصوراً وعرفان والأطفال الذين يصرخون بفرح)
الأطفال : هيه.. هيه.. هيه.
الأطفال
(ويقبلون بعضهم بعضاً فرحين مهنئين)
ناهد : مبروكٌ يامنصورْ
مبروكٌ
عمي عرفانْ
منصور : مبروكٌ للضيعةِ
للأرضْ
(يبدأ الناس برفع رؤوسهم قليلاً، قليلاً..)
قوموا مرفوعي الرأسْ
أبا دعاسْ
بعد اليومْ
أبداً لن تنكسِرَ الفأسْ
مبروكٌ يا ناسْ
هذي اللحظةُ لحظتكُمْ
هذي الفرصةُ فرصَتُكُمْ
فخذوها بالقوهْ
العجوز : (دهشاً) نأخذُ ماذا؟
أبو فلوس : (وهو على الأرض يلطم ويبكي)
فعلوها.. فعلوها.
أبا منشارْ
فعلوها
أبو منشار : يا ويْلي
أبو فلوس : هدُّوا حيلي
(مروش وقد فهمت ما جرى، تنهض وهي تقلد أبا فلوس وأبا منشار ساخرة منهما، تفقش بأصابع يديها وتتراقص)
مرّوش : يا ويلي، يا ويلي.
وحْدَتُهمْ هدَّتْ حَيْلي
يا ويلي، يا ويلي
العجوز : هيه.. مهلاً يا مرّوشْ
حتى نفهمْ
فعلوا ماذا؟
(يتقدم من عرفان والدهشة ما زالت على وجهه)
ياعرفانْ
أخبرني
(لمنصور) يا ابني منصورْ
ناهد : خطتُنا نجحتْ يا جدي
خطتُنا نجحتْ
الأطفال : هيه، هيه.
العجوز : أيةُ خطهْ؟!
مرّوش : ظهرَ الحقْ
والظالمُ رغماً عنهُ
جُنَّ وطقْ
العجوز : لم أفهمْ
مرّوش : هوُ هو وووووو!!
منصور : (للعجوز) سوفَ تعودُ مياهُ النبع
وتجري في الأنهارْ
العجوز : كيفْ!!
حسان : بالأمطارْ
العجوز : (بإلحاح) كيفْ؟!
دعاس : دَّمرْنَا بيتَ التنينْ
أبو دعاس : ماذا؟!
الطحان : (بدهشه) أنتمْ؟!
دعاس : إي، نحنُ!!
أبو دعاس : ومعكُمْ منصورْ؟!
دعاس : ومعنا عمي عرفانْ
أبو دعاس : (بألم) آخْ..
يا خيبَتَنا يا جاسمْ
يا خيْبتَنَا
أبو فلوس : (يهجم على أبي دعاس يهزه صارخاً)
يا خيبَتكُمْ..
يا خيبتكُمْ..
خربُوا بيتي
ضاعَتْ شفاطاتُ الماءْ
طارَ المعملْ
طارَ الآخِرُ والأوَّلْ
يا ويلي، يا ويلي
(يدور في المكان كالمجنون وهو يلطم على خديه، وعلى صدره..)
أبا منشارْ
ضاعتْ شفاطاتُ الماءْ
(لمنصور) دمَّرْ تُمْ آلاتي
ومضخّاتي
(لعرفان) طارتْ ممتلكاتي
(كالمجنون) طارتْ، طارتْ..
فِسْتْ، فِسْتْ
طارتْ، طارتْ
مرّوش : (تقلده) فِسْتْ، فِسْتْ
(يدخل فلاحٌ مسرعاً صارخاً، فرحاً)
الفلاح : التنينُ ماتْ
وعادَ الماءْ
عادَ الماءْ
النبعةُ فاضتْ بالماءْ
جاسم : ماذا؟!
الطحان : (بفرح) يعني ستدورُ الطاحونَهْ؟!
(وبشكل عفوي يرقص ويدور ويغني فيُغنّي معه الأطفال ومروش، بينما ينسحب عرفان دون أن يراه أحد..)
دوري دوري يا طاحونَهْ
حتى أطحنَ قمحَ المونَهْ
(تنفرد مرّوش وتهتف فيردد الأطفال خلفها)
مرّوش : دمَّرْناها دمّرْناها
الأطفال : دمّرناها دمرناها
مرّوش : نحوَ جهنمَ أرسلناها
الأطفال : نحوَ جهنمَ أرسلناها
(في غمرةِ الفرح والسعادة تزغرد مرّوش ويرد عليها بعض الأطفال)
مرّوش : "ها.. ويا شافطاتِ الميْ(1).
ها.. انقلعي بدون خطيْ(2)
ها.. لا سقي وردْ جنيْنتِنا
ها.. وعطّرْ كلْ أهالي الحيْ"
"لي لي لي ليش.."
(وتملأ الزغاريد الأسماع من قبَلِ الفلاحات)
منصور : شكراً يا مرّوش
لكنْ..
حتى نسقي الوردَ
ويشربَ أهلُ الحيْ
سندمِّرُ نهرَ أبي فلوسْ
المحفورْ
تحتَ الأرضِ
حتى يجري الماءْ
في الطولِ وفي العرضِ،
يَسقينا،
يروي كلَّ أراضينا
العجوز : واللهِ يا أولادْ
ما يجري، كالعيدْ،
أحلى مِنْ كلِّ الأعيادْ
هذا حقاً عيدْ
مرّوش : إهْ.. سَمَّوا العيدْ
عيدَ التنينِ المنحوسْ
أبي فلوسْ
دعاس : أما مستشارُهُ أبو منشارْ
مرّوش : فيغدو عندَنا أجيراً
يزرَعُ الأشجارْ
يَسقيها،
يَحرُسُها ويداريها
منصور : لا
هذا رجلٌ غّدارْ
والأشجارْ
نزرَعُها بأيادينا
أما الآنْ
فخذوا منه المستنداتْ
إيصالاتِ الدَّينِ الكاذبْ
العجوز : شقّوها
ناهد : واحرقوها
حسان : ومع الرّيحْ
طيِّروها
مرّوش : أما أبو منشارْ
فأنا أنشُرُهُ نشْرَا
أفرُمُهُ مثلَ الهبْرهْ
(تكشّر مروش عن أسنانها وتجأر، وتهجم على أبي منشار الذي يخاف ويزحف على الأرض هارباً متوسلاً، وسط ضحك الجميع...)
أبو منشار : أرجوكُمْ
لا تدعوها تفْرُمني
كي أُعطيَكُمْ إيَصالاتِ الديْنِ الكاذبْ
والأوراقَ المطلوبَهْ
أبو فلوس : يا خائنَ الأمانَهْ
يا رجلاً بلا أخلاقْ
أبو منشار : روحي أغلى مِنْ روحكْ
مرّوش : (ما زالت تفزعُ أبا منشار بتكشيراتها)
هاتِ الأوراقَ بسرعَهْ
أبو منشار : بشروطْ!!
مرّوش : قلْ!!
أبو منشار : لا يضرِبُني أحدٌ منكُمْ
يعني.. أذهبُ بسلامَهْ
مرّوش : تذهبُ، أينْ؟!!
بل تبقى بين يدينا
تعملُ بأوامِرنا
أبو منشار : حاضرْ
مرّوش : ارفعْ رأسَكَ واسمعْ!!
(أبو منشار يرفع رأسه قليلاً، ومرّوش تشد جسدها كأنها قاض)
حكمتْ محكمةُ الشعبِ عليكْ
تعملُ سقّا ماءْ
تسقي زرعَ القريَهْ،
والأشجارا
شجَرَهْ
شجرَهْ،
زهرَهْ
زهرَهْ
(تَصرخ) هل تفهَمُني؟!!
أبو منشار : (بخوف) أفهمُ، حاضرْ
مرّوش: (تمد نحو أبي منشار يدَها بقوة فاردة كفّها)
هاتْ
(يهجم أبو فلوس على أبي منشار ليأخذ منه الحقيبة صارخاً)
أبو فلوس : لا تفَعَلْها،
لا تَفْعَلْ،
الأوراقْ
روحي فيها
أبا منشارْ
روحي بين يديكْ.
أبو منشار : بلْ أُعطيها
روحي أغلى منكْ
(أبو منشار يدفع أبا فلوس بعيداً فيتدحرجُ هذا على الأرض -أبو منشار يفتح الحقيبة ويخرج منها أوراقاً ويقذف بها في الهواء وهو يصرخ)
التقطوها..
وخذوها..
مرّوش : (وهي تدور بين الفلاحين تحمسهم)
خذوها، مزِّقُوها
خذوها، مزِّقُوها
(يهجم الفلاحون على الأوراق يلتقطونها في الهواء، وعلى الأرض، ونسمع أصوات الفلاحين..)
صوت1 : أرضي
صوت 2 : حقلي
صوت 3 : بُستاني
(يزحف أبو فلوس على الأرض بين الأرجل يلتقط الأوراق باكياً، صارخاً)
أبو فلوس : أموالي
ممتلكاتي
هاتْ
(يحاول أن يخطف ورقة من يد فلاح فيدفعه هذا -يتدحرج أبو فلوس على الأرض ويصرخ)
دعوها.
اتركوها..
آه.. آه..
(فجأة تدوي أصوات رعد، وتبرق الدنيا ثانية.. يتنبه الجميع وينظرون نحو السماء.. ذهول مشوب بالفرح)
منصور : (يصرخ) عرفانْ!!
أينَ عرفانْ؟!
(نسمع صوت جرار زراعي..)
هذا هو عرفانْ
فوقَ الجرارِ يشقُ الأرضَ العطشى
(يتساقط المطر..)
العجوز : عرفانْ
يعرفُ ما يفعلْ
الأرضُ تحنُّ إلى المِعْوَلْ
عرفانْ
مِعْوَلُها،
جرّارُ خصوبَتِها
يفلحُها،
يقلِبُها،
يُحْييها
(صوت الرعد.. صوت الجرار.. يتساقط المطر)
عرفانْ
يأتي ويروحْ
مثلَ نسيمٍ يُحيي الروح
الأطفال : (يصرخون) يا عرفانْ
العجوز : الأشياءُ تموتُ إذا انشقَّتْ شقيّنْ
إلا الأرضُ فتحَبلُ بالخيرَيْنْ
خيْرِ الزرعِ
وحبِّ الناسِ المتحِّدينْ
(صوت الجرار يملأ الأسماع والمطر ينهمر فيغسل الناس جميعاً..)
هل عرْفتُمْ قصةَ التنينْ؟!
والخضرِ الفارسْ
المارْجرِجِسْ؟!!
الخِضْرُ أياديكُمْ
تعملُ لا تيأسْ
ترعى زرْعَ الأرضِ الأخَضَرْ
حتى لا يَيْبَسْ
شكراً يا منصورْ
شكراً يا أولادْ
صارَ لدينا يا جاسمْ
أبطالٌ كالخضر الفارسْ
صار لدينا يا طحَانْ
أطفالٌ فرسانْ
مثلَ المارجِرجِسْ
يا مرّوشْ
"رنّي زغرودةْ"
(مرّوش تزغرد، وتشاركها الفلاحات)
منصور : يا ناسْ
عرفانُ يقولْ:
دونَ كللْ
هذي الأرضْ
مَنْ يزرَعُها
يأكلْ،
مَنْ يحرقُها
يُقْتَلْ
هيا نهتفْ للرجلِ الإنسانْ:
شكراً يا عرفانْ
الجميع : شكراً يا عرفانْ
(1) -الميْ: هو الماء، باللهجة العامية وهذا يتناسب مع الهنهونة.
(2) -خْطيْ: بدون رحمة.
ويتعالى صوت الجرار، وتصدح موسيقا أغنية الختام تحت المطر، ويغنون جميعاً ويرقصون، بينما ينسحب أبو فلوس مخذولاً دون أن يحسَ به أحد)
دادي دادي دادي(1)
ما أحلى وجْهَ بلادي
مزروعاً بالشجرِ سهولاً
صحرا، وجبالاً، وبواديِ
انهضْ واكبرْ
لَوْناً أخضرْ
حتى الغيماتُ الحلواتْ
تمطرُ أكثرَ بالأعيادِ
***
رُخّي رُخّي(2) يامطرَهْ
حتى لا تعطشَ شجرَهْ
رُخي فوقَ البستانِ
نهراً يجري بأمانِ
خليّ حجرَ الطاحونَهْ
يطحنُ للناسِ المونَهْ
يَبْرُمُ ويدورُ، يُنادي
مطراً، مطراً لبلادي
***
نزرعُ بالأيدي ما نأكلْ
نغرسُ شجراً للمستقبلْ
حتى يصبحَ غدُنا أحلى
ونشيداً لصباحٍ أجملْ
وقصائدَ للطيرِ الشادي
زهرَهْ
زهرَهْ
زيَّنَّاها
وردَهْ
وردهْ
علَّيْنَاها
وحفظناها شعراً أخضرْ
وأغانيَ للأعياد~
مطراً مطراً لبلادي
مطراً مطراً لبلادي
***
(1) -دادي: كلمة تشجيع تقال للأطفال في أول مشيتهم، وتعني خطوةً، خطوةً، بهدوء.
(2) رُخي: اهطلي يا أمطارُ بحنان.
النهاية