الزملاء .
مقدرا مداخلات ممتازة للزملاء من التيار التنويري .سيربكو و فارس و ذا سبيشيل ون .
اسمحوا لي بتعليق حول موقف الأجهزة الأمنية من المسيحيين .
لو قمنا بتعريف القضية في عبارة ، فيمكننا أن نقول أنها ..
موقف الدولة من الإسلام السياسي ،و الجماعات الإسلامية .
لا أريد أن أعقد المسألة ، رغم أنها متشابكة و معقدة بالفعل ،و لكني أشعر أن تفكيك المشهد السياسي و إعادة تركيبه ربما يكون مناسبا . أتوقف هنا لأقول أني ( اشتغلت ) على موضوع نموذج الدولة الحديثة في مصر بشكل مكثف في شريط طرحته في النادي بعنوان " صدمة الحداثة " ، هذا الشريط هو خلاصة قراءات و تأملات دؤوبة ، أيضا كان موضوعا لحوار طويل بيني و بين أحد كبار أساتذة علم الإجتماع في مصر ،و لكن هناك مداخلات بعينها تتناول موضوع نموذج الدولة ، هي مداخلات أرقام 76، 77، 80،85، 86 ( بشكل خاص) " تشوهات الحداثة في مصر 3. ثنائية البيروقراطي و الثيوقراطي".
1. المشهد على القمة في مصر شديد الغرابة ، ففي مصر يحتل قمة الهرم السياسي قوتان ،و لكنهما ليستا من طبيعة سياسية ، أي أن القوى التي تعمل بالسياسة في مصر ، هي قوى ليست سياسية في طبيعتها ، بل تمارس السياسة فقط تعبيرا عن تحصيلها لعناصر القوة المطلقة ، هناك البيرقراطي الذي يحتكر السلطة بالفعل ، و يقابله الثيوقراطي الذي ينفرد بتحدي سلطته المطلقة ،و يسعى إلى الإطاحة بقمة الهرم البيرقراطي ، ليس بهدف تغيير طبيعته ، بل بهدف الإستيلاء على الجهاز البيروقرطي و توظيفه لخدمة مشروع غيبي مفارق للحداثة ، و أخطر ما تمثله البيرقراطية المصرية المهيمنة تاريخيا ، هو أنها أداة فائقة التأثير ، و تمسك بكل مفاصل الحياة العامة ، هذه الإمكانيات الهائلة تنتقل تلقائيا إلى يد من يسيطر على منصب الرئاسة . فمصر إذا ليست مجتمعا مسيسا ، و نظم الحكم كلها التي مرت بمصر تجمعها خاصية واحدة أنها أنظمة بيروقراطية ، بما في ذلك نظام اشتراكي ناصري أو متأسلم ساداتي أو عديم الشخصية كنظامنا الحالي .
2. البيروقراطية الحاكمة ليست نسيجا متجانسا أو متماسكا ، و لكنها مهترئة أشبه بالمصاب بالشلل الرعاش ، أي كل عضو يعمل في إتجاه مختلف ، أيضا هناك عناصر ثيوقراطية قوية تتغلغل في النسيج البيرقراطي خاصة في القضاء المتأسلم بالفعل .
3. لأن النظام في مصر بيروقراطي فمن المهم قراءة نسبة المسيحيين في رأس الهرم البيروقراطي . يبلغ تعداد المسيحيين في مصر نحو ٩ ملايين قبطي يمثلون 12% من حجم السكان، وأن نسبتهم في تولي مناصب عليا في وظائف رؤساء الجامعات وعمداء الكليات وقادة في الشرطة والجيش ورؤساء تحرير الصحف والمجلات المملوكة للدولة صفر%. وقالت الإحصائية إن نسبة الأقباط في تولي مناصب المحافظين ٠.٥% وفي المناصب الوزارية ٦.٢٥% ومناصب السفراء ٠.٤٠% واعضاء مجلس الشعب ١.٣٠% في حين أن نسبة تولي الأقباط في المناصب القضائية العليا والالتحاق بكليات الشرطة والجيش ١% وفقا للإحصائية.
4. لأن النظام ليس له طبيعة سياسية بل أمنية ، لذلك فقوة النظام ليس في ديمقراطيته بل في سلطويته و شخصية الحاكم ،و أيضا في قدرته على توفير الحد الآمن من مستوى المعيشة .
5. كأي نظام بيروقراطي لا يستطيع النظام المصري أن يواجه تحديات ثقافية أو سياسية أو مخاطر كبيرة ، فاستجابة البيروقراطية تكون بطيئة و تقليدية و تفتقد الخيال و الإرادة و المبادأة .وهذا يفسر عدم قدرة المصريين على مواجهة أية مشكلة كبيرة أو حتى متوسطة .. لا مشكلة الإرهاب ، ولا الأصولية ، ولا الفتنة الطائفية ، ولا إنفلونزا الطيور ولا الخنازير ،ولا تراكم المخلفات في الشوارع ، ولا تهريب الأموال ، ولا تردي التعليم و الصحة ، ولا مياه النيل ، ولا التحدي الشيعي ،ولا حتى تداعيات مبارة كرة قدم مع الجزائر .
6. عندما ندقق في ملف الوحدة الوطنية ، سنجد أنه كان دائما على مكتب رئيس الدولة ، سواء في عهد عبد الناصر الذي أداره بحسمه المعتاد فلم تظهر مشكلة الطائفية ، أو في عهد السادات الذي عبث به بسلفيته و أسلوبه المغامر ، ففجر المشكلة و أطلق المارد المتأسلم المتعصب من محبسه . أما في عهد مبارك فلسبب ما (نفض يديه) من المسؤولية ، ووضع الملف بأكمله في يد الأجهزة الأمنية ، رغم أن المشكلة سيادية بإمتياز ،و ذات أبعاد ثقافية و حضارية و سياسية ودولية . هذا أدى إلى وضعها في ثلاجة كبيرة ككثير من مشكلات مصر ، بل كمصر ذاتها ،و عندما تعطلت الثلاجة بفعل التقادم خرجت الجثث كلها متعفنة تزكم الأنوف .
7. كيف يتعامل الأمن مع مشكلة الفتنة الطائفية ؟ . لا يجب أن نتصور أن يتعامل الأمن مع المشكلات خارج تقاليده الأمنية . هناك قواعد تحكم التعامل الأمني في مثل هذه الحالات . أولها القاعدة الشهيرة ، عند التعامل مع المصري هناك 3 أشياء لا تقترب منها ثم افعل بعد ذلك ما تشاء .. الدين ، الرزق ، و الأبناء . هناك قاعدة أخرى يعرفها حتى المبتدأ في الإدارة المصرية ، وهي ألا تترك مقود الدين من يدك أبدآ ،و إلا فسوف تمتد أيدي الآخرين للقبض عليه و تقود المجتمع إلى المجهول .
8. هكذا سنجد أن قواعد اللعبة الأمنية تتعقد باستمرار ،و تتداعى بقصورها الذاتي خارج أي سيطرة . يعني ببساطة الأمر ليس كما يعتقد البعض الذين يتحدثون عن البرادعي و أيمن نور أو حتى جمال مبارك ،و ليتها كانت كذلك . فكي تسيطر على مصر عليك أن تتركها تلهو بالدين ،و لكنها لو فعلت ذلك ستخرج خارج السيطرة .
9. الحل المنطقي بل و الحتمي للتناول الأمني لمشكلة ثقافية هو التخبط ،و في حالتنا كان السبيل الوحيد المتاح هو المناورة داخل الدين ، وهذا ما حدث تماما .. الفرز و التجنيد . هناك من لا يمكن تجيشه و بالتالي يجب إقصائه ، أما باقي القيادات الدينية فمن الواجب كسبها مهما كان الثمن ، هذا الثمن كثيرا ما يدفعه المسيحيون ،و تدفعه المرأة و تدفعه الحضارة . و لكن من يهتم بالحضارة و المرأة و المسيحيين ؟!. على الأقل لن يفعل الأمن ذلك فليس هذا واجب الأمن . هو واجب الدولة الغائبة . هذا الموقف الفريد و المشوه أدى إلى أن يقوم وزير داخلية مصر الأسبق محمد عبد الحليم موسى بالتفاوض باسم الدولة مع الجماعات الإرهابية ، بهدف تحقيق مطالبهم في مقابل توقفهم عن الجهاد !.هذه إذا العقلية التي تحمي بها الدولة مواطنيها الأقباط و تقاوم الإرهاب " الحلول الوسط ".
10. إن تقاعس الأجهزة الأمنية في حماية المسيحيين ، بل و تواطؤ بعضها في ترويعهم واضح للكافة خارج مصر قبل داخلها . النتيجة كما قال الكاتب الصحفي/سعد هجرس أنه هناك 160 عملية تمت ضد مسيحي مصر، ولم يحكم على أي شخص فيها. وهناك قضايا عديدة تم توجيه التحقيقات لتبرئة قتلة من المسلمين كما حدث في الكشح و غيرها .
11. هناك حديث مفتوح في الغرب حول تواطؤ قوات الشرطة بمصر مع المعتدين ضد الأقباط . ففي صحف بأهمية صحيفة وول ستريت جورنال ، و صحيفة كريستيان بوست الأمريكيتين هناك أحاديث مكررة عن هذا التواطؤ. وعلاوة على ذلك، يتهم الأقباط في المهجر جهاز أمن الدولة بعدم القيام بالقبض على المجرمين بعد الأحداث وبدلا من ذلك يكتفون بالتحقيق مع الأقباط حول ما حدث.
12. ليس الأمن المصري فقط هو المقصر نتيجة إختراقه إسلاميا ،و لكن جهاز القضاء في مصر متأسلم تماما ، فلم يدع أبدآ ضد أي من المحرضين على الفتن الطائفية ، كما أنه لم يبرأ أي مثقف قاده حظه العاثر أمام أي من قضاته الشوامخ !. و كلنا يذكر قضية د. نصر حامد أبو زيد ،و الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي ،و غيرهم كثيرون . كلنا يتذكر فضيحة العدالة المصرية في احكام قضية أحداث الكشح التي راح ضحيتها 20 مسيحيا. وكانت محكمة جنايات في سوهاج، أصدرت أحكاما بالسجن والاشغال الشاقة تتراوح مددها بين 12 عاما وسنة واحدة على أربعة متهمين وقضت في المقابل ببراءة 92 متهما آخر في إطار هذه القضية. المحكمة خالفت القانون وحكمت بالبراءة رغم ان عقوبة القتل العمد والخطأ وحيازة الأسلحة والتشاجر والتجمهر وتهديد الامن العام ثابتة". أما فضيحة قضية شهداء الكنيسة بنجع حمادي التي تتاجل منذ عام حتى الان و بلا نهاية فتزكم كل الأنوف ، بالطبع كلنا نعلم أن أنف المتأسلمين داخل و خارج السلطة لديها حساسية مفرطة من العدالة .
13. يلاحظ أحد كبار المحامين المسيحيين في مصر أنه منذ عام 1910 و حتى الآن ، لم يوجد حكم واحد سريع بارز ضد الجناة في القضايا التي كان الأقباط مجني عليهم فيها . و المستشار محمد سعيد العشماوي يتحدث في كتابه " على منصة القضاء" صراحة عن زملاء له كانوا يطلبون منه إصدار أحكام ضد مسيحيين لدينهم فقط !.