اخ طريف
اعتذر عن الاسلوب الذي لم يخل من بعض الانفعال في ردي الاخير, و الذي كان نتيجة لافتراضي المسبق بان المجال للحوار مفتوح, بينما وجدت من قبلك نوعا من قلة التدقيق فيما كنتُ قد كتبتُه, و كأن مجال الحوار لم يكن حقيقيا, حيث انني ارى ان من واجب كل طرف من طرفي الحوار ان ينتبه تمام الانتباه لما يريد الطرف الآخر قوله.
انا لا اريد ان افرض عليك حوارا لا ترغب بالقيام به, و لك مطلق الحرية طبعا في التجاوب معه و في عدمه, و إن كنت سأفترض انك تريده..
يبدو لي بداية ان ما جعلك تظن انني لم استوعب الموضوع هو محاولتي ان استبدل مصطلح "خاصية الاستبعاد" بشيء آخر و هو "خاصية الاستحواذ". و ربما لكون هذا المصطلح الجديد له استخدام آخر في مجال تخصصك, فقد افترضتَ بالتالي انني لم استوعب الامر بالشكل المطلوب, رغم ان فكرتي, ببساطة, كانت بالذات لتسهيل فهم فكرة "خاصية الاستبعاد" تلك. ثم قرأتَ, بعد ذلك, عبارتي التالية:
اقتباس:, فإن "خاصية الاستبعاد" تتعلق بمدى استحواذ الموضوع على المرء او استحواذه هو على الموضوع, ففي حالة الاستبعاد القوي فإن الموضوع هو الذي يستحوذ علينا و العكس بالعكس.
و انا ارى ان النظر الى هذه الخاصية على انها "استحواذ لشيء على شيء آخر" تجعل نتائج الدراسة السابقة اقرب الى الفهم. فمن الطبيعي و المنطقي ان يكون العبقري او المبدع مسيطرا على موضوعه لا العكس
مما جعلك تتيقن اكثر من انني لم استوعب الامر, و خاصة تلك الجملة الاخيرة( بالاحمر).
على اية حال, فإن كنتَ ترغب فعلا بمتابعة الحوار, فإنني أدعوك للتركيز على شرحي التالي لوجهة نظري في العلاقة بين "الاستبعاد" و "الاستحواذ" .... فهل انت معي ؟ ..... آملُ ذلك ...
سأعود الى النص الاساسي لاقتبس منه المقطع التالي :
[quote] طريف سردست كتب/كتبت
الدماغ يركز على الجوهر
العالم المحيط بنا، معقد للغاية، ومن خلال حواسنا، يستقبل الدماغ كمية هائلة من المعلومات الى درجة انه من المستحيل الإحاطة بها وإستيعابها. إذا اخذنا مثالا على ذلك المتفرجين في ساحة كرة القدم، نجد انهم يركزون انتباههم على اللعبة فقط لكون الدماغ قادر على إستبعاد الكثير من المعطيات التي تأتي عبر الحواس والاحاسيس، ليبقى المرء قادرا على متابعة الكرة واللاعبين المعنيين، ولايتشوش الانتباه ببقية اللاعبين او الدعاية واصياح البائعين والمتفرجين او حتى المشاكل العائلية.
إذا كانت " خاصية الاستبعاد" قوية، يتمكن المرء من تصفية كل التشويشات والتركيز على اللعبة، اما إذا كانت الخاصية ضعيفة، يغرق الدماغ بالعلومات.
و لننظر للامر على النحو التالي :
"الموضوع" هو "اللعبة" .... اظنك تتفق معي على امكانية وجهة النظر هذه !!
"تركيز انتباه شديد على اللعبة, و استبعاد لباقي معطيات الحواس" هذا القول يكافئ الى حد كبير القول بأن "اللعبة
تستحوذ بقوة على الانتباه" .... ألست معي؟
و بالتالي :
"
فالموضوع يستحوذ بقوة على الجمهور" .... هل ثمة من خطأ في هذه المحاكمات ؟
إذن, النتيجة : "
الاستبعاد القوي عليه" .... أليست نتيجة بسيطة و منطقية ؟؟ .. هذا ما يبدو لي على الاقل.
لنلخص الامر كالتالي :
انت تقول :
" خاصية الاستبعاد القوي لدى الجمهور جعلته غافلا عن كل ما عدا اللعبة من معطيات"
بينما اقول انا بعبارة تبدو لي مكافئة للعبارة السابقة :
"استحواذ اللعبة "الموضوع" على الجمهور جعله غافلا عما عداها من معطيات"
هكذا إذن ربطتُ أنا ببساطة بين الامرين.
فإن وافقتني على هذه النقطة, و سأفترض جدلا انك قد وافقتني عليها, فعند ذلك يمكنك ان ترى بوضوح و بساطة ان مفهوم "استحواذ الموضوع" قد يكون اقرب الى
الفهم العام من مفهوم "الاستبعاد", حيث انه بحسب مصطلح "خاصية الاستبعاد" فثمة ربط بين "الضعف" الموجود في عبارة "الاستبعاد الضعيف" و بين "العبقرية" التي ترتبط في الاذهان بنوع من انواع "القوة", بينما إن عبرنا, الآن, عن ذات الفكرة بعبارة ان "العبقري لا يستحوذ عليه الموضوع بقوة" فستجد ذلك اقرب الى التقبل العام من القول بان "العبقري ذو خاصية استحواذ ضعيف" ... هذا ما قصدتُهُ فحسب.
فإن افترضنا جدلا انك قد وافقتني على هذه النقطة ايضا, فيمكننا القول بأن "العبقري يسيطر على موضوعه و لا يسيطر موضوعه عليه"
و لكن دون ان يعني ذلك ان الامر خاضع لإرادة العبقري, او ان ذلك لا يعتمد على آليات ذات طبيعة بيولوجية خاصة في دماغه.
و رغم ان مجال تخصصي بعيد عن هذا المجال, الا انني افترضتُ انك قد ترحبُ بفكرة من شخص خارج هذا المجال, مثلما كان حريا بي ان اتقبل مناقشة فكرة في مجال تخصصي يطرحها لي شخص آخر, و ان كان هذا الشخص بعيدا عن مجال تخصصي, فمن يعلم, فقد أجد في فكرته شيئا يستحق التفكير ...... و على هذا الاساس فقد "تماديتُ" في طرح فكرتي في محاولة لفك الارتباط, الظاهري حسب رأيي, بين "العبقرية" و "الجنون" او ما شابه ذلك, و ذلك من خلال النظرا لى ِ"الموضوع" بحسب نوع" المعطيات" التي يتلقاها الدماغ عنه.
و بما ان " المعطيات" تلك قد تكون "حسية" او "عاطفية" او "فكرية", فقد يمكننا عندئذ اعادة النظر في الامر من خلال نوعية "الاستحواذ" ــ او "الاستبعاد" إن أردتَ ــ من حيث الشدة و الضعف, و ارتباطها بنوعية " المعطيات" من حسية او فكرية او غير ذلك. بمعنى, ان "خاصية الاستبعاد الضعيف لدى العبقري" قد لا تكون مرتبطة بكل انواع "المعطيات الممكنة", و ذات الشيء يمكن قوله عن ارتباط تلك الخاصية بالجنون.
و كمثال غاية في الوضوح, لنعد الى مثالك السابق عن جمهور المتفرجين, و لنجعلهم يحضرون "لعبة الكرة الطائرة" عوضا عن "لعبة كرة القدم التي بعشقونها", فهل تتوقع في هذه الحالة الثانية ان تكون "شدة انتباههم" مثلما كانت عليه عند مشاهدتهم للعبة الاولى التي يعشقونها ؟؟ و هل تتوقع لأدمغتهم ان تستبعد "باقي معطيات الحواس" و "أصوات الباعة" مثلما كان عليه الامر في اللعبة الاولى ؟؟؟ بالتأكيد, فإن الجواب في كلتي الحالتين هو بالنفي, رغم "طبيعة الموضوع" المتقاربة بين اللعبتين, فما بالك ان اختلفت "طبيعة الموضوع" جذريا ؟!!!
هكذا نظرتُ الى الامر. ... و ارجو ان اكون قد وفقتُ هذه المرة في شرح وجهة نظري.
ملاحظة اخيرة :
ارجو منك, ان رغبت في الحوار, ان يكون ردك متضمِنا بالتحديد المغالطات التي وقعت انا فيها.
و شكرا لتفهمك على اية حال.