{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود
داعية السلام مع الله غير متصل
وما كنا غائبين ..
*****

المشاركات: 2,222
الانضمام: May 2005
مشاركة: #11
من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود


[CENTER]بعض التواضع

نحن في عصر العلم ما في ذلك شك. صواريخ.. طائرات.. أقمار صناعية.. أدمغة إليكترونية..

و نحن في عصر الجهل ما في ذلك شك. فكل هذه الوسائل و الاختراعات العلمية نستخدمها في قتل أنفسنا و في التجسس على أنفسنا.

و الذي لا يقتل يقول في غرور. أنا الذي سوف أسبق إلى القمر.. أنا شعب الله المختار.. أنا على حق و الآخر على باطل.. أنا أبيض.. أنا جنس آري.. أنا جنس سامي..

و بين الغرور و الاستعلاء و الكبرياء و العدوان يضيع العلم، و يفتضح العلم، فإذا هو تفاخر الجهلاء بما يصنعون من لعب أطفال.

و أجهل الجهل أن نجهل أمرا جوهريا واضحا كالنهار.
أن يجهل العالم العظيم و المخترع العبقري أنه مخلوق.. و أنه يعيش على سلفة.. على قرض.. السنوات القليلة التي يعيشها هي قرض و سلفة بأجل محدود.. و أنه لا يملك هذا القرض و لا يستطيع أن يمد في أجله.

كل (( نبضة قلب))، و كل خفقة أنفاس، و كل خاطر، و كل فكرة، و كل خطوة، هي قرض.. سلفة.. هي قرش ينفق من الرصيد.
و هو رصيد لا نملكه و لم نبذل فيه جهدا.. و إنما هو عطاء مطلق أعطي لنا منذ لحظة الميلاد.

المخترع لا يخترع و إنما يجيئه الخاطر كما ينزل ندى الفجر على الزهر.
و الشاعر لا يؤلف من عدم، و إنما يهبط عليه إلهام الشعر فيورق عقله كما يورق الشجر في الربيع.
فهل يمتلك الشجر أزهاره أو أنها هبة الربيع؟

و العلم ذاته هبة.
الكهرباء موجودة منذ الأزل من قبل أن تكتشف بملايين السنين، و هي التي كانت تضيء السماء بالبروق و الصواعق.

نحن لم نخترع الكهرباء و لم نأت بها، فهي موجودة. و كذلك إشعاع الراديو و طاقة الذرة و مغناطيسية الحديد.
كل هذه كنوز موجودة تحت أيدينا..
و هي بعض الهبات التي وهبناها دون أن نطلبها.

نحن العلماء لا ندرك هذا و إنما نقول: اخترعنا. ابتكرنا، صنعنا، ألفنا، صنفنا.
ثم لا ندرك ما هو أخطر و أكثر وضوحا و بداهة.. إن العمر الذي نعيشه هو أيضا هبة لم نطلبها و لم نجتهد فيها.

الجميلة لم تجتهد لتولد جميلة.
و القوي لم يجتهد ليولد قويا.
و الحاد البصر لم يجتهد ليولد حاد البصر.
و نحن لا نقوم بصيانة هذا الشيء المعقد الملغز المعجز الذي اسمه الجسد الحي.. و إنما هو الذي يقوم بصيانة نفسه بنفسه بأساليب محيرة.

نحن ننفق من شيك لا نملكه.. و مع ذلك نتبجح طول الوقت.. و نقول.. نحن اخترعنا نحن صنعنا.. نحن عباقرة.. نحن عظماء.. نحن على حق و الآخرون على خطأ.. نحن بيض و هم حيوانات.. نحن جنس سامي و هم جنس منحط، ثم نقتتل على ثروات لا نملكها و لا فضل لنا فيها جميعا.
و لا فضل لنا حتى في تكويننا الجسماني.

نحن مجرد مخلوقات تولد و تموت و تعيش على هبة محدودة من الخالق الذي أوجدها، و لو كنا نملك أنفسنا حقيقة لما كان هناك موت.

و لكن الموت هو الذي يفضح القصة.
هو الذي يكشف لنا أن ما كنا نملكه لم نكن نملكه.
الشيخوخة هي التي تفضح جمال الجميلة فإذا بجمالها هبة زائرة لا حقيقة باقية.

و لكننا نحن العلماء نجهل هذه الحقيقة الأولية الشاخصة ملء العين كشمس النهار.
و لو أدركنا هذه الحقيقة البسيطة لانتهت الحروب و حل السلام و ملأت المحبة القلوب و أشرق التواضع ليجمع العالم في أسرة واحدة.

لو أدركنا هذه الحقيقة لالتففتنا إلتفاتة شكر إلى الوهاب الذي وهب.

هل أخطئ إذا اعتبرت هذا العصر أظلم عصور الجاهلية؟


(f)

08-22-2006, 02:21 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
داعية السلام مع الله غير متصل
وما كنا غائبين ..
*****

المشاركات: 2,222
الانضمام: May 2005
مشاركة: #12
من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود




[CENTER]من أين تنبع السعادة

منذ ألف سنة كان السفر إلى اليمن على الأقدام يحتاج إلى أعوام. يحمل المسافر خيمته و زاده و زواده و زكائب التمر و البلح و الخبز المكسر و يتوكل على الله.

و بين الفيافي و الجبال و الوهاد و الأحراش يطل عليه الموت من أنياب ذئب جوعان، أو قاطع طريق متربص، أو حر لافح يقصم الظهر، أو برد قارص يثلج العظام.. فإذا وصل سالما فهو قد ولد من جديد، و هي الفرحة التي لا تدانيها فرحة.

و المليونير على أيامها لم يكن يمتاز على الصعلوك إلا في الخيول المطهمة.
كان الفرس هو السيارة التي تختصر الأعوام في شهور، و كانت هذه هي سرعة البرق زمان.

و عرفنا السفن الشراعية لننتقل من أهوال البر إلى أهوال البحر.
يقلع المسافر فيمسك بأنفاسه و قد أدرك أنه أسلم نفسه إلى غول لا يعرف الرحمة. فإذا وصل إلى بر الأمان دقت له الطبول و المزامير، و استقبلته الأحضان، و سجد لله شكرا من فرحة الوصول.

أما اليوم فنحن نقطع المسافة بين القاهرة و أسوان في ساعات بالقطار، و نشعر طول الوقت بالملل و الضجر و البطء، و ننظر إلى ساعاتنا، حتى إذا وصلنا سالمين بدأنا نسب و نلعن لأننا تأخرنا نصف ساعة.

و نركب الطائرة النفاثة لنصل إلى بيروت في دقائق، و نشكو مر الشكوى لأن الضباب و العواصف أخرت وصولنا عشر دقائق.
و حينما نسافر غدا بالصواريخ إلى المريخ سوف نكون أكثر مللا و تعجلا و سنقول: ما هذه الصواريخ اللكع؟ ألا يعرفون في مصلحة الصواريخ قيمة الوقت؟

و سوف تتضاعف قيمة الوقت بالفعل.
ستكون الساعة كافية للدوران حول العالم، و سيكون الشهر مهلة عظيمة لجولة في المجموعة الشمسية.
و سوف تزداد الإمكانيات، و لكن سوف تتضاءل السعادة.
و كلما ازدادت الإمكانيات ازداد الطمع.
و كلما ازدادت السرعة ازدادت العجلة.
و كلما ازداد الترف ازدادت الشكوى.
تماما مثل حكاية الغني الذي يزداد طمعا كلما ازداد ثراء.
و هذا شأن المكاسب المادية، كلما ازدادت ازداد الافتقار إليها و إلى المزيد منها، و بالتالي ازدادت التعاسة..

لأن السعادة موطنها القلب و ليس الجيب، و لا عبرة فيها بازدياد الإمكانيات المادية.
السعادة تنبع من الضمير. و من علاقة الإنسان بنفسه و علاقته بالله و هي في أصلها شعور ديني و ليست شعورا ماديا.
و هي تنبع من إحساس الإنسان بأنه ليس وحده و أن الله معه، و أن العناية تحوطه و الإلهام الخير يسعفه، و أنه يقوم بكل واجباته.

و لهذا يمكن أن ينتحر مليونير يملك باخرة و طائرة و عدة ملايين من الدولارات في حين تجد الراهب الذي يعيش على الكفاف يضيء وجهه بسكينة داخلية لا حد لها، و يسارع إلى نجدة الآخرين في محبة و سعادة، لأنه يؤمن بأن للحياة معنى و حكمة، و أنها لم تخلق عبثا، و إنما خلقها العادل الرحيم.


:redrose:




08-22-2006, 02:33 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
داعية السلام مع الله غير متصل
وما كنا غائبين ..
*****

المشاركات: 2,222
الانضمام: May 2005
مشاركة: #13
من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود
اقتباس:  إسماعيل أحمد   كتب/كتبت  
بصراحة كنت أشعر بحياة القلب وسلام الروح بالفعل وأنا أصغي إلى أحاديثه في الثمانينات، بخلاف آخرين يتحدثون في موضوع (الإعجاز) ولا يشدني حديثهم برغم توسعهم وتبحرهم في هذا الفن!!


شكرا لانتقائك الجميل:redrose:

أهلا ومرحبا بك حبيبي اسماعيل (f)

سعيد بقرائتك للمقالات دي ...

أتمنى وقت سعيد ومتعة لنا كلنا (f)(f)
08-22-2006, 02:38 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
داعية السلام مع الله غير متصل
وما كنا غائبين ..
*****

المشاركات: 2,222
الانضمام: May 2005
مشاركة: #14
من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود

[CENTER]
قطار اللذة


منذ ألف سنة كان أقصى ما يطمح فيه إنسان قطعة أرض و بضعة رؤوس من الماشية.. كان هذا هو الثري الأمثل في ذلك العصر.. و كان أقصى ما يحلم به ذلك الثري هي عربة مطهمة يجرها حصان ليدخل بها مجتمع الوجهاء و أهل الشياكة.

و اليوم نقول عن من يملك العربة و الحصان إنه (( عربجي)) و هو في اعتبارنا من الناس الدون.
أما أهل الشياكة و الوجاهة فقد استبدلوا بالأرض العمارات.. ثم استبدلوا بالعمارات الشركات.. ثم استبدلوا بالشركات مجرد دفتر سندات أو دفتر شيكات بحجم الجيب.. مجرد رأس مال يتوالد من تلقاء ذاته بالإسهام في أي مشروع.

و انتهى إسطبل المواشي ليحل محله كراج عربات مرسيدس.. ثم انتهى أمر الكراج و تركه الأغنياء للسوقة و الناس الدون.. و صار الواحد منهم يمتلك طائرة خاصة أو مرسى لليخوت أو باخرة.

و غدا تصبح الطائرات من أملاك الفقراء و يظهر الأغنياء الوجهاء الذين يملكون الصواريخ و السفن الفضائية و الأقمار الصناعية، و تصبح رحلة (( الويك إند)) عشاء ساهرا في المريخ.

الزمن استدار و انتقل الناس من حال إلى حال بسرعة غريبة، و أحلام زمان أصبحت الآن متاحة للكل.
و الفلفل و الحبهان الذي كانت تحمله السفن من الهند عبر رأس الرجاء الصالح في رحلات مهلكة محفوفة بالأخطار ليوزن بالذهب و يوضع في الخزائن مع المجوهرات و لا يظهر إلا على موائد أصحاب الملايين.. و مثله مناديل الحرير الهندي التي كنا نقرأ عنها في بيوت اللوردات في روايات زولا و بلزاك.. كل هذا نزل ليصبح في متناول السوقة.

و الفلفل و الحبان الآن عطارة الفقراء.
و الحرير طرده النيلون و الداكرون و التريلين من السوق فهبط إلى نصف ليرة للمنديل، و أصبح زينة متاحة للخدم و عاملات (( المحلات)). أي إنسان من مستويات الدخل البسيطة يستطيع الآن أن يحصل على كثير من وسائل الترف التي كانت تحلم بها جدتي و جدي و يسيل لها اللعاب.

و مع ذلك فالبؤس موجود و التعاسة مازالت هي القاعدة و الشكوى مستمرة على جميع المستويات.. تشهد بذلك أعمدة الصحف و الأغاني و الكتب و أخبار الإذاعات و وجوه الناس المربدة المتجهمة في الشارع و مشاكساتهم الدائمة و صدورهم الضيقة بكل شيء.

لا شيء مما تصور الإنسان أنه سوف يسعده قد أسعده و هو ما كاد يمتلك ما كان يحلم به حتى زهد فيه و طلب غيره.. و هو دائما متطلع إلى ما في أيدي الآخرين غافل تماما عما في يده.. ينسى زوجته و يرغب في زوجة جاره مع أن زوجته أحلى و أجمل.. و لكنها الرغبة التي لا تشبع، و التي يتجدد نهمها دائما و تتفتح شهيتها على كل ممنوع و مجهول.

و لهذا أقام بوذا ديانته على قتل الرغبة و الخلاص منها باعتبارها سبب الشقاء، و لا خلاص من الشقاء إلا بالخلاص من الرغبة و قتلها و الوصول إلى حالة من السكينة الداخلية الزاهدة في كل شيء و العازفة عن جميع الرغبات.

و الله يكشف لنا الحقيقة بشكل أعمق في القرآن فيقول إنه خلق الدنيا و لها هذه الطبيعة و الخاصية فهي (( متاع)).
(( إنما هذه الحياة الدنيا متاع)).
و (( المتاع)) هو اللذة المستهلكة التي تنفذ.. من خصائص الدنيا كما أرادها خالقها أن جميع لذاتها مستهلكة تنفذ و تموت لحظة ميلادها.

في كل لذة جرثومة فنائها..
الملل و الضجر و العادة ما تلبث أن تقتلها..
هي الطبيعة التي أرادها الله للدنيا، لأنه أرادها دار انتقال لا دار قرار.. و لهذا جعل كل لذة بلا قرار و لا استقرار.. لأنه لم يرد لهذه اللذات أن تكون لذات حقيقية و إنما أرادها مجرد امتحان لمعادن النفوس.. مجرد إثارة تختبر بها الشهامة و النبل و العفة و صدق الصادقين و إخلاص المخلصين.

و الذي يدرك هذا سوف يستريح تماما و يكف عن هذه الهستيريا التي تخرجه من شهوة لتلقي به في شهوة، و تقوده من رغبة لتلقي به في أتون رغبة، و تجره من جنون لترمي به في جنون.
سوف يريح و يستريح و يحاول أن يروض نفسه و يستصفي روحه و يطهر قلبه و يعمل للعالم الآخر الذي وعد به الله جميع أنبيائه بأنه سيكون العالم الذي تكون فيه اللذة حقيقة.. و الألم حقيقيا.

و هو لن يندم على ما سوف يفوته من لذات هذه الدنيا، لأنه علم تماما و بالتجربة و الممارسة أنها لذات خادعة تتفلت من الأصابع كالسراب.. و هو قد قرأ التاريخ و عرف أن مال قارون لا يزيد الآن بالحساب الحالي عن عدة مئات من الجنيهات بالعملة النحاسية.. و هكذا قدرت جميع خزائنه بالاسترليني.. و ما أكثر من يملك مئات الجنيهات الآن و يشكو الفقر، و يلعن اليوم الذي ولد فيه.. مع أنه بحساب التاريخ أغنى من قارون.

إنها الخدعة الأزلية..
تحلم بامتلاك الأرض فإذا بالأرض هي التي تمتلكك و هي التي تكرسك لخدمتها..
تتصور أن المال سوف يحررك من الحاجة فإذا بالمال يفتح لك أبواب مطالب أكثر و بالتالي يلقى إلى احتياج أكثر.. و كلما احرزت مليونا.. احتجت إلى ثلاثة ملايين لحراسة هذا المليون و ضمانه..

و تدور الحلقة المفرغة و لا نهاية.
و هذه طبيعة عالمنا الكذاب الذي نمتحن فيه.
كلنا نعلم هذا.. و مع ذلك لا نتعلم أبدا.


(f)


08-22-2006, 02:02 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
داعية السلام مع الله غير متصل
وما كنا غائبين ..
*****

المشاركات: 2,222
الانضمام: May 2005
مشاركة: #15
من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود


[CENTER]الذي شنق نفسه بسلك الكهرباء


روسيا و أمريكا التقتا و تصافحتا في الفضاء و لم تستطيعا أن تلتقيا على الأرض.
الإنسان قطع ربع مليون ميل إلى القمر و لم يستطع أن يقطع بضع خطوات لينقذ جارا له يموت في فيتنام و كمبوديا و القدس.
المسافات بين قلوب الناس أصبحت أكبر من المسافات بين الكواكب، و كل يوم يزداد الأخ عن أخيه تجافيا و بعدا.

إنسان اليوم بدل أن يشغل نفسه بقتل الميكروبات أصبح يزرعها و يسمنها و يربيها ثم يصنع منها قنبلة ميكروبية ليلقيها على جاره.
و يجاوب عليه جاره بنفس أسلوبه ضاحكا في جنون.
- قنبلة ميكروبية.. و ما جدواها؟ لقد سبقتك لقد اكتشفت غازا للشلل أرميه عليك فترقد مشلولا مثل صرصور قلبوه على ظهره، فيصفق الآخر و يهلل كالمعتوه.
- قديمة.. أنا عندي صواريخ مدارية تدور الآن في فلك حولك و أستطيع بضغطة واحدة على زر أن أنزل عليك الموت كالمطر.
فيخرج الآخر لسانه ساخرا.
- هذه لعبة فات أوانها، فقد اخترعت صواريخ مضادة تصطاد صواريخك و تفجرها في الهواء.
فيهتف الآخر:
- لن تستطيع، فقد بنيت شبكة مضادة ضد الصواريخ المضادة.
فيقهقه صاحبنا:
- نسيت يا أبله أنني بنيت شبكة ضد الشبكة.
فيصرخ الأول:
- هاها.. أنت حمار تذكر أن عندي مخزونا من القنابل الذرية يكفي لتمزيق القارة التي تسكنها.
فيصرخ الثاني:
فلتذكر أنت أيضا أن عندي مخزونا من القنابل الأيدروجينية يكفي لشطر الكرة الأرضية كلها نصفين.

و أعجب ما في هذا الحوار الهستيري أنه يجرى بالعلم و العقل، و المخترعات و المبتكرات، و الأفخاخ الإلكترونية و أنه حوار ينزف ذهبا و دولارات و ماركات و روبلات و فرنكات بلا نهاية
و رجل الشارع البسيط يمشي وسط هذه المظاهرة جائعا و عريانا قليل الحيلة لا يعرف بماذا يطلع عليه الغد.

هل هذا عصر العلم؟
أو عصر الجهل؟
أو أنه جهل العلم.

الله يعطينا الكهرباء.. فماذا نفعل بهذه الكهرباء؟!
إننا لا نفكر كيف نحولها إلى نور.
و لكننا مشغولون طول الوقت في المعامل و المختبرات نفكر كيف نحول هذه الطاقة الكهربائية إلى ظلام.
العالم يفكر في أذكى طريقة يلف بها سلك الكهرباء على عنقه لينتحر.
إنه علم الجهل!
إنه العلم الأسود.
و مثله مثل السحر الأسود الذي كان يحول به سحرة فرعون العصي إلى ثعابين.
لأنه علم بلا دين!
و عقل بلا قلب.
لقد طالت مخالبنا فأصبحت مخالب نووية.
و نمت أنيابنا فأصبحت أنيابا ذرية.
و ظل قلبنا على حاله. قلب حيوان الغاب.
تطور الإنسان إلى تنين.
و النهاية الآن مرهونة بمن يبدأ الحماقة. من يضغط على الزناد قبل الآخر!
أو من يفطن إلى الكارثة فيقود التطور إلى الاتجاه المضاد إلى تجاه التسامي بقلب الإنسان و روحه. بدون اعتبار لقوة يديه و متانة عضلاته.





08-22-2006, 07:29 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
داعية السلام مع الله غير متصل
وما كنا غائبين ..
*****

المشاركات: 2,222
الانضمام: May 2005
مشاركة: #16
من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود
(f)

[CENTER]الواقع الكذاب

ما نراه في الواقع ليس دائما هو الحقيقة..
حتى ما نراه رأي العين و نلمسه لمس اليد..
فنحن نرى الشمس بأعيننا تدور كل يوم حول الأرض، و مع ذلك فالحقيقة أن العكس هو الصحيح، و الأرض هي التي تدور حول الشمس.
و نحن نرى القمر في السماء أكبر الكواكب حجما، مع أنه أصغرها حجما.
و نحن نلمس الحديد فنشعر بأنه صلب متدامج، مع أنه في الحقيقة عبارة عن ذرات منثورة في فراغ مخلخل، و بين الذرة و الذرة كما بين نجوم السماء بعدا.. و ما يخيل لنا باللمس أنه صلابة و تدامج هو في الحقيقة قوى الجذب المغناطيسي الكهربائي بين الذرة و الذرة.. نحن نلمس القوانين بأصابعنا و ليس الحديد.

و نحن ننظر إلى السماء على أنها فوق، و الأرض على أنها تحت، مع أنه لا يوجد فوق و لا تحت.. و السماء تحيط بالأرض من كل جوانبها.
و الهرم بالنسبة لنا شيء لا يمكن اختراقه، مع أنه بالنسبة للأشعة الكونية شفاف كلوح الزجاج، ترى من خلاله و تنفذ من خلاله.
و صقيع القطبين الذي نظن أنه غاية في البرودة هو بالنسبة لبرودة أعماق الفضاء جحيم ملتهب.

و في الحقائق الإنسانية تكذب علينا العين و اللسان و الأذن أكثر و أكثر.. فالقبلة التي تصورناها في البداية مشروع حب نكتشف في النهاية أنها كانت مشروع سرقة.
و جريمة القتل التي أحس الجميع بأنها ذروة الكراهية يكتشف الجميع أنها ذروة الحب.
و ما قد يبدو للزوج أنه خيانة من زوجته لفرط إحساسها بجمالها قد يكون الدافع الحقيقي له هو إحساس الزوجة بقبحها و شعورها بالنقص، تحاول الخلاص منه باستدراج إعجاب الرجال، و الانتقال من خيانة إلى أخرى.
و ما تكتب عنه الجرائد بالإجماع على أنه بطولة قد يعلم البطل نفسه أنه كان انتحارا.

و في الحقائق الاجتماعية تتعقد الأمور أكثر، و يغرق الحق في شبكة من التزييف تشترك فيها كل الإرادات، و يصبح الحكم على الأمور بظاهرها سذاجة لا حد لها.

و في الحقائق التاريخية يكتب المؤرخون في كل عصر و من ورائهم السلطة، و تكتب أقلامهم ما يريد الأقوياء أن يقولوا.

و ما أصعب الوصول إلى الحقيقة..
إن الوصول إلى المريخ أسهل من الوصول إلى حقيقة أكيدة عن حياة وردة تتفتح كل يوم عند نافذتك.. بل إن الوصول إلى أبعد نجم في متاهات الفضاء أسهل من الوصول إلى حقيقة ما يهمس في قلب امرأة على بعد شبر منك.
بل إن عقولنا تزين علينا حتى عواطفنا نفسها، فنظن أن حب المجد يدفعنا و الحقيقة أنه الغرور و حب الذات.. و نظن أن العدالة هي التي تدفعنا إلى القسوة في حين أن الذي يدفعنا هو الحسد و الحقد.

من الذي يستطيع أن يقول.. لقد أدركت الحقيقة؟
من الذي يجرؤ أن يدعي أنه عرف نفسه؟
ليس من باب التواضع أن نقول.. الله أعلم.
و إنما هي الحقيقة الوحيدة الأكيدة في الدنيا.. إننا نجهل كل الجهل حتى ما يجري تحت أسماعنا و أبصارنا.
و برغم جهلنا يتعصب كل فريق لرأي.. و قد تصور كل واحد أنه امتلك الحق، فراح ينصب المشانق و المحارق للآخرين.
و لو أدركنا جهلنا و قدرنا لانفتح باب الرحمة و الحب في قلوبنا، و لأصبحت الحياة على الأرض جديرة بأن نحياها.

متى نعرف أنا لا نعرف؟!





08-23-2006, 02:22 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
داعية السلام مع الله غير متصل
وما كنا غائبين ..
*****

المشاركات: 2,222
الانضمام: May 2005
مشاركة: #17
من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود


[CENTER]راعي شرج الملك !!


من أطرف ما في كتاب الدكتور بول غاليونجي عن طب الفراعنة هذه الفقرة عن الطبيب (( خوي)).
و قد وجد اسمه مدونا على جدران معابد سقارة و أمامه هذه الألقاب: طبيب القصر الملكي، عميد أطباء القصر الملكي.. المسيطر على سم العقرب.. المبجل لدى إله الطب.. المقرب لدى أنونيس.. كبير أطباء الوجهين البحري و القبلي.. راعي الشرج.

كان الطبيب (( خوي)) هو راعي شرج الملك تيتي، و هذا يعني أن البواسير و الناسور مشكلة قديمة قدم التاريخ، و أنها كانت من أمراض الملوك، و أنها كانت من الأهمية لدرجة أن يلقب كبار الأطباء بأن الواحد منهم راعي شرج الملك.

لم أكن وحدي إذن الذي أصرخ من آلام البواسير، فقبل ذلك بثلاثة آلاف سنة كان هناك فرعون عظيم يصرخ مثلي من البواسير اسمه تيتي.
كانت هذه الحقيقة التاريخية فيها بعض السلوى لي.. و الذين جربوا آلام جراحة البواسير يعرفون قيمة لحظة سلوى في زوبعة العذاب التي تثيرها تلك الجراحة.

وضعت الكتاب جانبي على سرير المستشفى و قد أسعدني أن حالي هو حال الملك تيتي.
و أعطيت ذراعي في لهفة إلى الممرضة لتغرس فيه حقنة المورفين و قد تصورت أني الملك تيتي فعلا.
و ماذا تعني ثلاثة آلاف سنة في عمر الأبدية.
إنها لا شيء.. لا أكثر من ثلاث لحظات.. كل ما تغير في الأمر أن الطبيب (( خوي)) هو الآن المبجل سليل الآلهة الدكتور عبدالله صبيح.. و المكان مستشفى الشبراويشي.. و الزمان يناير 69 بعد ساعات من إجراء الجراحة.
و الألم الآن يذكرني بنفسه.
و كل ما فعله المورفين أني أصبحت أحلم بالألم بدلا من معاناته بعينين مفتوحتين.. و قد كان حلما بطول الليل كله.
و في الحلم كنت أرى أني الفرعون تيتي الكافر الذي ألقي في جهنم.
و في نار جهنم اجتمع حولي الزبانية يضعونني على خوازيق من نار..
و السماء فوقي حمراء كنحاس منصهر.
و الزبانية لا يرحمون.
و العذاب سوف يكون بطول الأبد.
و في الحلم نسيت تماما أنها جراحة.
و كان هذا بتأثير المورفين الذي صور لي من الألم المؤقت دراما لا نهائية من العذاب.

و كانت أسعد مفاجأة أن يطلع علي الصبح و يتبخر ضباب المورفين و اكتشف أني أتألم من جراح سوف تشفى.
و حمدت الإله الرحيم.

ما أجمل أن يهبنا الله الزمن الذي لا يدوم فيه شيء.
كل شيء يمضي ثم يصبح ذكرى.
أشد الآلام تتحول إلى مقالة طريفة تروى و أحاديث حول فنجان شاي.

أليست حياتنا معجزة.
و أليست معجزة أكبر أن تشفى و تلتئم جراح مفتوحة في مجرى الشرج تتلوث كل لحظة بما يلفظه الجسم من فضلات.. تشفى و تلتئم تلقائيا بدون بنسلين و بدون صبغة يود.. بالقدرة الإلهية التي وضعها الخالق في الأنسجة.

و من عجب أن الله حشد كل جنده عند مدخل الجسم و عند مخرجه.. عند الفم و الحلق و اللوزتين تشفى الجراح المفتوحة و تلتئم و هي في مجرى اللعاب الملوث و الأنفاس المحملة بالأتربة و الجراثيم.. و تقطع اللوزتان فيلتئم مكانهما بلمسة ساحر.

و عند الشرج حيث تخرج الفضلات تموج بالميكروبات القتالة تلتئم الجراح المفتوحة بقدرة القادر الذي سلحنا بأمضى أسلحته.
و لعل هذا هو السبب في الآلام حول منطقة الشرج حيث وضع الخالق أقوى شبكة من الأعصاب و نشر قنوات و أنهارا من الدم و الليمف و رصد الملايين من الكرات البيض و الخلايا الحارسة التي تلتهم كل ميكروب وافد فلا تبقي عليه.

و بعد هذا يشك شاك في العناية و الرحمة.

و يقول مفكر سطحي مثل سارتر إننا قد ألقي بنا في العالم بدون عون، و قذفنا إلى الوجود لنترك بلا عناية و بلا رعاية.

و لو أن سارتر تعلم الطب كما تعلم الأدب و درس الإنسان كما درس الوجود لعرف حقيقة نفسه و لقال كلاما آخر.

و لهذا تخطر لي أحيانا فكرة إلحاق كلية الآداب بكلية الطب.. فالإنسان و الوجود حقيقة واحدة. و لا يمكن إدراك الأول. دون إدراك الآخر. و ملامح الروح مكتوبة على الخلايا و ليست في كتب أرسطو.

و شفرة العناية الإلهية مكتوبة على أوراق الشجر و على مناقير الحمام و بتلات الورد..

الدودة التي يجعلها الله خضراء بلون الغصن الأخضر ليجعلها أقدر على الاختفاء عن عدوها..

و الفراشة الملونة بلون الوردة..

و السلحفاة الصفراء بلون الصحراء.

بشرة الزنجي التي تتلون في الشمس الاستوائية فتصبح سوداء كمظلة منصوبة عليه طول الوقت لتقيه لفح الشمس.

و البشرة البيضاء البلورية الشفافة لأهل الشمال حيث تختفي الشمس طول الوقت خلف الضباب، و حيث يشح الضوء لدرجة تجعل الجسد في حاجة إلى كل شعاعة عن أي طريق مثل تلك البشرة الشفافة الزجاجية.

أجسام الحيتان التي صاغتها العناية تلك الصياغات الإنسيابية كغواصات.. و كل سمكة و قد منحتها الطبيعة كيسا يفرغ و يمتلئ بالهواء لتطفو و تغوص كما تريد.

أفواه الحشرات و قد شكلتها العناية على ألف صورة و صورة حسب وظائفها.. الحشرة التي تمتص كالذبابة تشكل فمها على صورة خرطوم. و الحشرة التي تلدغ كالبعوضة تشكل فمها على صورة إبرة.. و الحشرة التي تقرص كالصرصور زودتها الطبيعة بمناشير و مبارد.

و الدودة التي تتطفل على الأمعاء زودتها الطبيعة بخطاطيف و كلابات حتى لا تقع في تجويف الأمعاء و تجرفها الفضلات.

و كلما تكاثر الأعداء على مخلوق أكثر الخالق من نسله، فدودة الإسكارس تبيض أكثر من مليون بيضة في الشهر، و تنجب أكثر من مليون دودة.

و في متاهات الصحاري حيث يشح الماء و تندر العيون خلق الله للأشجار بذورا مجنحة لتطير مع الرياح في الجهات الأربع و تحط في ألف شبر و شبر من الأرض، و ترحل مسافات شاسعة و كأنها بعثات استكشاف تذرع الصحاري.

و الخفاش الأعمى الذي لا يطير إلا في الليل زودته الطبيعة بأمواج ألتراسونيك يستكشف بها طريقه.
و الكتكوت الوليد ترشده الغريزة إلى أضعف مكان في البيضة فينقرها ليخرج إلى الوجود.

و الزنبور يعرف مكان المراكز العصبية عند فريسته فيحقنها بالسم و يشلها و كأنه جراح ماهر درس التشريح.

و النمل الذي قادته فطرته إلى اكتشاف الزراعة و تخزين المحصولات قبل أن يكتشفها الإنسان بملايين السنين.

و حشرة الترميت التي عرفت تكييف الهواء في بيوتها قبل أن يعرف الإنسان الأبواب و الشبابيك.

إن كل خطوة تخطوها في الطبيعة حولك تجد فيها أثر الرحمة و العناية و الرعاية.

لم يقذف بنا إلى الدنيا لنعاني بلا معين كما يقول سارتر.

إن كل ذرة في الكون تشير بإصبعها إلى رحمة الرحيم.
حتى الألم لم يخلقه الله لنا عبثا.. و إنما هو مؤشر و بوصلة تشير إلى مكان الداء و تلفت النظر إليه.
ألم الجسد يضع يدك على موضع المرض.
و ألم النفس يدفعك للبحث عن نفسك.

و ألم الروح يلهمك و يفتح آفاقك إلى إدراك شامل، فالدنيا ليست كل شيء، و لا يمكن أن تكون كل شيء و فيها كل هذه الآلام و المظالم. و إنما لابد أن يكون وراءها عالم آخر سماوي ترد فيه الحقوق إلى أصحابها، و يجد كل ظالم عقابه.

و بالألم و مغالبته و الصبر عليه و مجاهدته تنمو الشخصية و تزداد الإرادة صلابة و إصرا، و يصبح الإنسان شيئا آخر غير الحيوان والنبات.

ما أكثر ما تعلمت على سرير المستشفى.

و شكرا لأيام المرض و آلامه.


(f)




08-23-2006, 08:31 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
داعية السلام مع الله غير متصل
وما كنا غائبين ..
*****

المشاركات: 2,222
الانضمام: May 2005
مشاركة: #18
من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود


[CENTER]أفيون هذا الزمان


تتبارى أجهزة التليفزيون و الإذاعة و السينما و صفحات المجلات و الجرائد على شيء واحد خطير هو سرقة الإنسان من نفسه. شد عينيه و أذنيه و أعصابه و أحشائه ليجلس متسمرا كالمشدوه أمام التليفزيون أو الراديو أو السينما، و قد تخدرت أعصابه تماما، كأنه أخذ بنجا كليا و راح يسبح بعينيه مع المسلسلة، و يكد ذهنه متسائلا: من القاتل، و من الهارب. و بين قاهر الجواسيس، و ريتشارد كامبل، و الأفيشات العارية في المجلات، و العناوين الصارخة في الجرائد ينتهي اليوم و الليلة، و يعود الواحد إلى فراشه و هو في حالة خواء و فراغ و توتر داخلي مجهول السبب، و حزن دفين كأنه لم يعش ذلك اليوم قط.

و الحقيقة أنه لم يعش بالفعل، و أن حق الحياة سلب منه، و أنه سلب من نفسه، و أخرج عنوة و ألقي به في مغامرات عجيبة مضحكة، و تساؤلات لا تهمه على الإطلاق. من الذي قتل شهيرة هانم! و لماذا تخون كلوديا كاردينالي زوجها في رواية (( الذئب في فراشي )) ؟ و أين الكنز في مسلسلة عبيد الذهب؟ و أين الحقيقة في رواية ارحمني يا حبيبي؟

و يمر اليوم تلو اليوم. و تظل هذه الأجهزة تقوم بما يشبه العادة السرية للمتفرجين، و تغرقهم في نشوات مفتعلة إلى درجة التعب، ثم تلقي بهم إلى الفراش آخر الليل منهوكي الأحاسيس، لا يدري الواحد منهم ماذا به بالضبط. لماذا يشعر بأنه مجوف تماما. و أنه لا يعيش أبدا، و أنه لا يقول ما يريد أن يقوله، و لا يسمع ما يريد ان يسمعه، و إنما هو يربط في أرجوحة تظل تدور به دورانا محموما حتى يغمى عليه تماما و ينسى ما كان يفكر فيه، و ما كان يريد أن يقوله، و ما كان يريد أن يسمعه، و ما كان يملأ منه القلب و العقل. و يتحول إلى حيوان أعجم مربوط العقل و الإحساس إلى هذه الأجهزة الغريبة التي تفتعل له حياة كلها كذب في كذب.

و هذه الظاهرة ظاهرة عالمية، بل هي من سمات هذا العصر المادي الميكانيكي الذي تحولت فيه أجهزة الإعلام إلى أدوات للقتل الجماعي.
و هو نوع من القتل الجميل الرائع. تخنق فيه العقول بحبال من حرير، و تخنق الخيالات بالعطور الفواحة. و تخاط فيه الشفاه بجدائل من شعر بريجيت باردو، و أرسولا انرس.
و كلما زادت مقاومة المتفرج لهذا الأفيون زاد المخرجون من المساحة العارية المسموح بها من صدر الممثلة و من ساقيها، و سكبوا كمية من الدم أكثر في رواياتهم، و كمية من البترول المشتعل أكثر على أعصاب الناس.

و حينما تنفجر الأعصاب في ظواهر متشابهة مثل ظاهرة الخنافس و الهيبز، و رقصات الجرك المجنونة، و أدب الساخطين و الغاضبين و اللاعنين، فهي دائما نتائج ذلك البخار المضغوط في جماهير الشباب التي قضي عليها بأن تعيش أسيرة عنكبوت الإعلام، و الأخطبوط ذي الألف اسم. الإذاعة و السينما و الجرائد. ذلك السجن ذي القضبان الجميلة من الأذرع العارية في المجلات و الروايات لتعيش معزولة عن معركة المصير و عن الإدلاء برأي في مأساة الحياة و الموت التي تجري على مساحة العالم كل يوم.

و حينما يدور الكلام عن عقار الهلوسة و الماريجوانا، و الحشيش، و الهيروين، و الكوكايين، و العصابات التي تروجه، فإنهم ينسون دائما مخدرات أكثر انتشارا و أخطر أثرا.
مخدرات تدخل كل بيت من تحت عقب الباب، و تقتحم على كل واحد غرفة نومه، و تزاحم إفطار الصباح إلى معدته و فنجان الشاي إلى شفتيه. تلك هي وسائل الإعلام التي تكاتفت فيما بينها – بتعاقد غير مكتوب – على أن تقتل الناس بقتل وقتهم، و تميتهم بالضحك و الإثارة و النكتة البذيئة، و تلك الكلمة الغامضة اللذيذة التي اسمها التسلية.
و تحت شعار قتل الوقت يقتل الإنسان، و يراق دم اللحظات، و يسفك العمر، فما العمر في النهاية إلا وقت محدود. و ما الإنسان إلا فسحة زمنية عابرة إذا قتلت لم يبقى من الإنسان أي شيء.

و مسئولية كل مفكر و كاتب أن يخرج على الخط، و يتمرد على هذا الإتفاق غير المكتوب بقتل الوقت في محاولة شريفة لإحياء وقت الناس بتثقيفهم و تعليمهم و البحث عن الحق، لا عن التسلية و إشراك الناس في مأساة مصيرهم، و إعادة كل واحد إلى نفسه و قد ازداد ثراء و وعيا لا سلبه من نفسه و سرقته من حياته، و رفع شعارات الحرية لتفسح الروح الإنسانية عن مكنونها.

على وسائل الإعلام أن تتحول من أفيون إلى منبه يفتح العيون و الأحاسيس على الحقيقة، و يدعو كل قارئ إلى وليمة الرأي و يدعو كل عقل معطل إلى مائدة الفكر، فتكون كرحلة تحشد الحماس عند كل محطة تقف عندها لا كخيمة للغاز المسيل الدموع مضروبة على الناس أو قنابل دخان تطلق للتعمية.

إن حضارة الإنسان و تاريخه و مستقبله رهن كلمة صدق و صحيفة صدق و شعار صدق. فبالحق نعيش، و ليس بالخبز وحده أبدا.
و إذا كان السؤال المطروح الآن:
ما هي صحافة اليوم؟
فهأنذا أقول لكم الجواب:
أن نقول الحق.
و أن نقول الجد.
و أن نقول المفيد و النافع و الصحيح.
و أن نحيي وقت القارئ لا أن نقتل وقته.


(f)






08-24-2006, 06:30 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
AL3BASY غير متصل
عضو فعّال
***

المشاركات: 166
الانضمام: Dec 2005
مشاركة: #19
من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود
أخي الكريم داعية السلام مع الله

هل توجد حلقات برنامج العلم والإيمان "مرئية" على شبكة الإنترنت ؟؟

علماً أني بحثت عنها بحث شاق ولكن دون أي نتيجة..

عدا هذا الموقع ولكنه يبيعها بــ$$

http://www.highfilm.com/Mostafa.htm

(f)
08-25-2006, 04:44 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
داعية السلام مع الله غير متصل
وما كنا غائبين ..
*****

المشاركات: 2,222
الانضمام: May 2005
مشاركة: #20
من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود

أخي الكريم العباسي ..

أنا كنت بحثت عنها على النت ووجدت حلقتين تقريبا على موقغ إسلام أون لاين ...ولكن لم يعمل معي الرابط ..

لكن للعلم حلقات مصطفى محمود تعرض على قناة إقرأ أسبوعيا صباح الخميس , بعد الثانية عشر يوم الاربعاء ..

يمكنك مشاهدتها (f)
08-25-2006, 09:03 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  من سلبيات الخطاب الإسلامي المعاصر/ الدكتور عصام البشير فارس اللواء 0 1,194 01-03-2012, 09:16 PM
آخر رد: فارس اللواء
  انتفاضة البحرين وآفاق الحوار/ بقلم محمود إسماعيل فارس اللواء 0 1,127 09-13-2011, 12:27 PM
آخر رد: فارس اللواء
  رد الدكتور سليم العوا علي الشيخ حازم شومان بشأن أفكاره عن الليبرالية فارس اللواء 5 3,052 08-03-2011, 09:05 PM
آخر رد: فارس اللواء
  مؤمن مصلح يسأل هل سمعتم عن الدكتور داهش؟ مؤمن مصلح 20 6,974 06-24-2011, 07:42 AM
آخر رد: Rfik_kamel
  الدكتور مهاتير محمد نجاح بلا حدود السيد الحسيسى 0 1,453 01-14-2011, 01:25 AM
آخر رد: السيد الحسيسى

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 2 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS