من تحت انوفنا تحدث في الشرق الاوسط دراما سياسية جوهرية يمكن اعتبارها بالتأكيد فرصة تاريخية ولكننا نحن كعادتنا قد نضيع ذلك
مصر واسرائيل والغرب في مواجهة ايران
اليكس فيشمان
حتى في حماس يدركون من خلال غريزة البقاء التي يتمتع بها مقاتلو العصابات الذين ينظرون للعالم من خلال الاعتقاد بان شيئا دراماتيكيا يحدث في المشهد المعماري الشرق اوسطي. وان هناك زحزحة بين المعسكرات العربية والاسلامية. وانها التنظيم الصغير قد تسقط بين الكراسي.
وهذا يؤثر على سلوكهم. في الاسابيع الاخيرة تسير حماس على اطراف اصابعها. كل ذلك بهدف عدم احداث ضجة واثارة العصبية: ليس عصبيتنا نحن وليس مصر. لو قالوا لنا قبل عدة اشهر ان هناك امكانية بان تبذل حماس جهودا من اجل منع اطلاق الصواريخ نحو اسرائيل لاعتقدنا ان هذا مبالغ فيه. اليوم هذا هو الواقع. في الاسابيع الاخيرة شددت حماس من تحركاتها من اجل منع كل عملية عسكرية من داخل القطاع يمكنها ان تفسر سواء في اسرائيل او مصر كاستفزاز من جانبها.
في حماس ايضا يدركون انه ليس بامكانهم في هذه الآونة السماح لحزب الله لمواصلة التسلي واللهو بتحريك الفلسطينيين من قطاع غزة داخل اراضي مصر وفي مواجهة اسرائيل. ليست حماس وحدها التي تمنع اطلاق صواريخ القسام. هي تنظر للطوفان المقترب وتصلي من اجل اجتيازه بسلام. ان لم تستغل اسرائيل هذه اللحظة السانحة فستعود حماس للعربدة بعد عدة اشهر ونكون قد ضيعنا الفرصة مرة اخرى.
من تحت انوفنا تحدث في الشرق الاوسط دراما سياسية جوهرية يمكن اعتبارها بالتأكيد 'فرصة تاريخية' في عدة مسارات ومواجهة حماس هي واحدة منها فقط. ولكننا نحن كعادتنا قد نضيع ذلك.
هكذا هو حال الامور عندنا. عندما تكون هناك لحظتان من الهدوء يبدو لنا مباشرة ان هذا يعود لعبقريتنا العسكرية والسياسية ولذلك لا يتوجب القيام بأي شيء. ولكن الدراما التي تحدث الان هي دراما واسعة وما نحن الا ممثل واحد فيها فقط. المنطقة من حولنا ـ من القرن الافريقي حتى طهران ومن اليمن مرورا ببغداد حتى دمشق ـ قد تضطرم وتدور فيها حروب سرية بين اجهزة الاستخبارات في المنطقة ونظرائها في الدول الغربية الكبيرة. قوافل تزول عن وجه الارض وسفن تغرق وارساليات سلاح تختفي. حتى المغرب دخل الحكاية. فجأة اكتشفت السلطات المغربية ان جبهة البوليزاريو المناهضة للنظام المغربي تتلقى ارساليات السلاح من ايران.
مجموعة من الدول العربية في الشرق الاوسط تجد نفسها فجأة في مسار عدواني يسعى لكبح التغلغل الايراني في بيوتها. هذه حرب وليست دبلوماسية فقط. هذه حروب وجود الانظمة في هذه الدول في مواجهة ايران وذيولها. العملاء الايرانيون ـ اللبنانيون يتجولون في دولهم ويحرضون اطراف المعارضة.
ايران ليست تهديدا وجوديا لاسرائيل فقط. ايران اصبحت تهديدا علويا من الدرجة الاولى للنظام المصري والسعودي والاردني ودول الخليج وشمال افريقيا ودول اسلامية اخرى. اليمن على سبيل المثال تحول الى محطة مركزية لارساليات السلاح الايرانية لتنظيمات المعارضة السرية باشكالها المختلفة بدءا من الاخوان المسلمين في مصر وانتهاء بحماس في غزة. اليمن يلعب اليوم دور 'المركز اللوجيستي' الايراني تماما مثل سيناء ودمشق.
دمشق التي تعتبر منذ سنوات مركزا لوجيستيا لمركز سلاح حزب الله ، تحولت الان الى محور مركزي لإمدادات السلاح لافريقيا.
سيناء ستستخدم منذ سنوات كثيرة كمحطة لوجيستية متقدمة لامداد حماس بالعتاد، الا ان المصريين اكتشفوا ذلك في العام الاخير فقط عندما بدأ التهديد يلوح بنظامهم المحلي ايضا.
الاردنيون ينظرون الى الخطر من زاوية خروج الجيش الامريكي من العراق: التهديد النووي يقلقهم بدرجة اثقل من التغلغل الايراني المحتمل للعراق الامر الذي يؤثر مباشرة على الاردن ومن التغلغل الايراني الجاري الان لدى الفلسطينيين وفي الاردن والمناطق.
المخاوف تتواصل: دول الخليج الفارسي مصابة بالفزع من التطلع الايراني للزعامة الاقليمية. ربما كانت هذه الدول هي التي ضغطت على الروس بعدم بيع ايران انواعا معينة من السلاح. عندما طلبت اسرائيل وامريكا ذلك من الروس تلاعبوا. اما عندما طلب العرب الاغنياء من الخليج ذلك تعاملت روسيا مع الامر بصورة جدية.
كل هذه الدول ومصر على رأسها ادركت فجأة ان هذا الصراع يستوجب التعاون فيما بينها وهذا يتضمن وربما لأول مرة في التاريخ اسرائيل ايضا. بامكان اسرائيل ان تسهم ليس فقط في الجانب العسكري الردعي وانما في الجانب الاستخباري المقتدر حيث يتوجب التعامل مع الامر بصورة وثيقة من اجل تحقيق نتائج فعالة.
من الناحية تعتبر اسرائيل ايضا طرفا قادرا على زعزعة الاستقرار الاقليمي وحل الائتلاف الجديد الناشىء.
الاحتكاك المتواصل مع الفلسطينيين يمكنه ان يفجر هذه الوحدة ويوفر لايران نقاط تفوق وتميز. لذلك يتوجب التعاون من قبل اسرائيل وهذا ما يفعله المصريون اليوم: يحاولون تقريب اسرائيل وادخالها تحت المظلة المشتركة. وهكذا جاءت للعالم فرصة تاريخية هي هدية استراتيجية لحكومة اسرائيل الجديدة. على شرط طبعا، ان تعرف كيف تشخصها وتستغلها.
تهديدات صريحة
ربما وللمرة الاولى منذ توقيع اتفاق السلام بين مصر واسرائيل تجد هاتان الدولتان نفسيهما في نفس الجانب من الخندق في مواجهة عدو مشترك وتهديد استراتيجي يزيح جانبا ـ لفترة زمنية معينة ـ كل النقاط الخلافية الاخرى. اذا من الصحيح القول ان مصر لم تغير مطالبها من اسرائيل في المسألة الفلسطينية كما ان الجيش المصري لن يتوقف عن زيادة قوته والتدرب على دخول سيناء مجددا والمبعوثون المصريون سيواصلون المطالبة في اللقاءات الدولية بنزع سلاح اسرائيل النووي. كل هذا سيبقى على حاله ولكنه سيزاح مؤقتا الى اماكن اكثر انخفاضا في سلم الاولويات المصري.
عملية تقارب المصالح بين اسرائيل ومصر تتواصل منذ اشهر طويلة. المصريون لم يكتشفوا التنظيم السري التابع لحزب الله في مصر وسيناء قبل شهر كما يعتقد. الاعتقالات الكبيرة نفذت قبل نصف عام وملاحقة شبكة حزب الله بدأت قبل عشرة اشهر من الان. ولكن عملية التقارب هذه جرت في قنوات غير علنية حتى الآونة الاخيرة.
عاموس جلعاد رئيس القسم السياسي الامني في وزارة الدفاع كان في زيارات متواصلة لمصر الا ان قرر اولمرت انه لا يريد خدماتهم. وزير الاستخبارات المصري عمر سليمان يزور اسرائيل بصورة متواصلة والعلاقات بين الاطراف السياسية ـ الامنية في الجانبين تجري على المسار السري.
ولكن في الاسبوع الماضي ارتفعت وحدة المصالح الاسرائيلية ـ المصرية درجة. هي انتقلت من المسار العلني. في مقابلة هجومية بصورة مميزة مع صحيفة 'الشرق الاوسط' اللندنية ذكر وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط التهديد الايراني لمصر بالتهديد الايراني لاسرائيل والغرب ووضعهم في سلة واحدة. الرئيس مبارك خرج في الاسبوع الماضي بخطاب في ذكرى عودة سيناء لمصر وتحدث بصورة هجومية ضد ايران ووجه لها تهديدات واضحة ان واصلت سلوكها التآمري.
المصريون يعدون الرأي العام في بلادهم وفي العالم العربي للصراع ضد دولة اسلامية اخرى. الرسالة التي تطلقها السلطات للجمهور تقول: مصر تنوي مكافحة 'محور المقاومة' المكون من ايران التي هي المحرك الممول للحركات التآمرية في العالم العربي من سورية التي تنشر وسائل القتال والايديولوجيا ومن حزب الله وحماس والجهاد الاسلامي وغيرهم من الاطراف التنفيذية ومن قطر ومحطة الجزيرة التي تعمل فيها والتي تنشر الدعاية وتوفر الغلاف الاعلامي لمحور الشرق.
عندما وصل وزير الاستخبارات عمر سليمان الى اسرائيل في الاسبوع الماضي حدث ذلك بعد الخطابات العلنية وبعد ان خرج المصريون 'من الخزانة'. القيادة السياسية في اسرائيل سمعت منه رسائل فطنة وبراغماتية جدا. على سبيل المثال فهم الاسرائيليون من كلمات سليمان ان مصر لا تعتقد فعلا بان حكومة الوحدة الفلسطينية ستتشكل. بامكان محادثات القاهرة ان تقود ربما لمؤتمر مشترك لحماس وفتح يتيح تمرير الاموال لاعمار غزة حيث يكون سلام فياض مسؤولا عن الصنبور. ولكن ليس اكثر من ذلك.
اسرائيل كما اوضح سليمان ملزمة بالاسهام بنصيبها في تدعيم السلطة واضعاف حماس كجزء من المساعي الهادفة لابعاد 'المقاومة' من المنطقة. يتوجب ان تنشىء ظروفاً تؤدي الى عدم خسارة السلطة امام حماس في الضفة ان جرت الانتخابات في عام 2010.
مصر ليست مصابة بالاوهام . من الواضح لها ان التسوية الدائمة بين اسرائيل والفلسطينيين لن تحدث في الفترة القريبة. ولكنها تتوقع خطوات اسرائيلية صغيرة توفر الهواء للسلطة مثل الالتزام بازالة المستوطنات بعد عام او عامين. هذا الهواء كما يقول المصريون ضروري للحفاظ على الاستقرار وتعزيز الائتلاف الجديد المتبلور.
هذا ما قصدته هيلاري كلينتون ايضا عندما اشارت في الاسبوع الماضي في الكونغرس الى علاقة مباشرة بين نجاح الصراع في مواجهة ايران وبين خطوات اسرائيلية ضرورية في مواجهة الفلسطينيين. الامريكيون ايضا لا يطالبون اسرائيل بشيء دراماتيكي . هم يريدون خطوات رمزية ـ حتى 'ضجيج الحراك' ـ مثل معالجة قضية المستوطنات غير القانونية ومساعدة الجنرال دايتون المسؤول عن بناء قوة الشرطة التابعة للسلطة الفلسطينية وازالة الحواجز. الامريكيون والمصريون مستعدون حتى لتبني 'السلام الاقتصادي' الذي يطرحه نتنياهو بدفء. المهم ان يسود شعور بتسهيل الاوضاع في المناطق وتعزيز مكانة السلطة والحفاظ على الهدوء في الضفة وفي غزة ايضا الذي يعتبر شرطا ضرورياً لاستمرار التحالف العربي ضد ايران.
زيارة عمر سليمان عبرت عن تغير ايضا في مستوى اللافتات والرموز الصغيرة. خلافا للزيارات السابقة لم يتوجه سليمان في هذه المرة الى رام الله. عدا عن : ديوان رئيس الوزراء طلب وضغط واوضح لمصر الى اي مدى من المهم ان يلتقي سليمان بليبرمان.
المصريون تحملوا ذلك والتقى الاثنان. صحيح انه حدث في غرفة اجتماعات رئيس الوزراء وان اللقاء كان قصيرا من دون مضمون جوهري ووسائل اعلام. وصحيح انه من اللحظة التي سرب فيها بان ليبرمان قد دعي لمصر، سارع الرئيس المصري شخصيا لنفي ذلك. ولكن في الماضي ولاعتبارات الكرامة الوطنية المصرية، لم يكن مثل هذا اللقاء ليأتي بالحسبان.
في هذه المرة اشار سليمان: ان كان هذا هاماً لكم الى هذا الحد فسنلتقي به من قبل ان يعتذر علنيا. المصريون يعتبرون ليبرمان في اخر المطاف 'ميكيافيليا' صرفا. ليس كل ما يقوله علانية يعكس ما يفكر به او ينوي تنفيذه كما يعتقدون. هو سيدرك بعد حين انه اخطأ في المسألة المصرية وسيعتذر في الوقت المناسب. العاب الكرامة مع ليبرمان يمكنها ان تعرقل التوجهات فقط.
ما لم يكن ذلك كافيا فالمصريون مستعدون للتحرك حتى تحصل اسرائيل من الان سلفاً على حساب خطة السلام العربية الاقليمية. اعتراف دبلوماسي من قبل دول عربية معينة مثلا او تسهيلات في العلاقات الاقتصادية مع دول عربية. امتيازات يمكنها ان تأتي فقط في المرحلة الاخيرة من التسوية السلمية الاقليمية. كل هذا ان اسهمت اسرائيل بنصيبها في الحفاظ على المعسكر الناشىء في مواجهة ايران.
هناك ثمن
يتوجب الاعتراف: المصريون والامريكيون ايضا يطرحون افكارا مبلبلة لا تخلو من التناقضات. هم يسعون الى اعمار غزة للحفاظ على الهدوء مثلا ولكنهم ليسوا مستعدين لتوضيح كيفية تسبب ادخال مليارات الدولارات للقطاع باضعاف حماس. وهذا فقط مثل واحد من امثلة كثيرة. ولكن كل ذلك يتقزم في مواجهة المصلحة العليا: ابعاد الايرانيين من هنا.
رغم التناقضات، ومن اجل تجسيد الفرص النادرة السانحة امام اسرائيل، يتوجب عليها ان تدفع وان تسهم بنصيبها.
الان يتوجب على حكومة اسرائيل ان تقرر ان كانت مستعدة لان تكون جزءا من المشهد المعماري الاقليمي الجديد. اجل هناك ثمن لذلك وهذا يتضمن ازالة البؤر الاستيطانية الغير قانونية وضبط النفس في مواجهة غزة والمرونة في المعابر وتعزيز مكانة السلطة الفلسطينية. هذه ليست اثماناً باهظة.
ولكن تجربة الماضي تتيح لنا الاعتقاد بان هذه الحكومة مثل سابقاتها لن تكون قادرة على معالجة ثلة مجرمي العقارات اليهود في المناطق.
ولكن المشكلة الحقيقية هي ان هذه الحكومة ايضا مثل سابقاتها ـ على قناعة بوجوب تسجيل الهدوء الحالي في رصيد الخطوات العبقرية التي اقدم عليها قادتها وقوة الردع العسكرية الاسرائيلية. هناك احتمالية بان تضيع فرصة تاريخية اخرى من بين اصابعنا.