اقتباس: بهجت كتب/كتبت
1.ما هو مستقبل الدين في مجتمع العولمة كوظيفة أو عقيدة ؟.
أحب أن أقسم السؤال لقسمين قد تتباعد إجاباتها:
(أ) ما هو مستقبل دين ما في مجتمع العولمة؟
(ب) ما هو مستقبل الدين ككل - أو الأديان ككل بإختلافاتها - في مجتمع العولمة كوظيفة أو عقيدة؟
فمحاولة إستشفاف الوظيفة التي سيتمتع بها دين ما في مجتمع العولمة الجديد - تفترض وجود هذا الدين في هذا المجتمع العالمي أصلا. وهو ما سيختلف طبقا لطبيعة كل دين على حدة - بما لا يمكن به جمع الأديان بسلة واحدة.
(أ) ما هو مستقبل دين ما في مجتمع العولمة؟
مستقبل وجود دين ما في مجتمع العولمة الجديد يتوقف على طبيعة هذا الدين و قابليته للتواؤم مع قيم و قوانين هذا المجتمع و كذا على التأقلم مع الدور الذي سيفرض عليه - أو الحد الأقصى من النفوذ - من قبل هذا المجتمع. و بسرعة غير مسبوقة تتناسب مع سرعة (بل عجلة التسارع القهرية) التي يتجه بها العالم نحو تفعيل هذا المجتمع العالمي.
و تتوقف قابلية الدين لهذا التواؤم على عدة عوامل منها ما هو خاص بها في ذاتها و منها ما يعول على المجتمعات التي تدين بها و منها:
- مدى إصطدام الدين مع الخلفية المعرفية العلمية التي سيتخذها العالم مرجعية بالضرورة. و القياس هنا بمدى الإصطدام و كميته لأن كل الأديان مصطدمة مع المرجعية العلمية بالطبيعة و هذا كونها مرجعيات ميتافيزيقية نصية مخالفة للمرجعيات العقلية التجريبية للعلم. بعض الأديان ذات مرونة تسمح لها بأن تتعايش سلميا مع العلم بعد أن تنسحب من كافة مجالات العلوم - كبداية - مكتفية بدور روحاني أخلاقي يتواءم بدوره مع الأخلاقيات الجديدة للمجتمعات الليبرالية بينما البعض الآخر لن تسمح له طبيعته بهذا التعايش أو الإنسحاب السلمي و تتحكم كثير من الخواص في ما نعنيه بمرونة دين ما مثل: كون هذا الدين ذو نصوص سماوية مقدسة أو مجرد تعاليم أخلاقية - ثم بالتالي طبيعة هذه النصوص من حيث كثرة إصطدام تفاسير و تعاليم كتابها مع تفاسير العلم ثم النتائج السلوكية و الأخلاقية لتلك التفاسير.
- على مستوى تالي للسابق كم النصوص التي تحدد سلوكيات المجتمع (الشرائع) ثم مدى إصطدامها مع القيم و القوانين الجديدة و التي ولدت حتما لتتبناها المجتمعات الليبرالية - و الأهم مدى العنف المقابل من هذا الدين لمحاولة مخالفة هذه الشرائع (الجمود).
- ثم مدى تقييم هذه الأديان للآخر و حقه في الحياة - أو مدى عدوانية هذه الأديان تجاه المخالفين.
و بالنسبة للمجتمعات التي تدين بهذا الدين:
- المستوى الحالي لإنفتاح هذه المجتمعات.
- الظروف الإقتصادية و التركيبة الإجتماعية لها.
و الأهم من كل هذا هو وجود الإمكانية و الإرادة لدى تلك المجتمعات للتغيير و في وقت هو قصير حقا بعمر الأمم. فما كان مسموح به من الوقت لمجتمعات مثل المجتمعات الغربية لعملية التطور الطبيعي و البطئ نسبيا - لم يعد مسموحا به لعوامل سرعة التطور من جهة - و وجود المجتمعات الغربية كعامل خارجي ضاغط و مضاد من جهة أخرى - و هو مالم يكن في الإعتبار إبان عصور النهضة الأولى.
فنحن لدينا أديان ستندثر (قد تندثر تاركة خلفها مجتمعاتها تتجه نحو المستقبل أو آخذة مجتمعاتها معها لكتب التاريخ و الشرائط الثقافية) و أخرى ستبقى - و هذا مكتفية بمكان ما - في المجتمعات العالمية الجديدة.
(ب) ما هو مستقبل الدين ككل - أو الأديان ككل بإختلافاتها - في مجتمع العولمة كوظيفة أو عقيدة؟
ليس من الصعب استشراف مستقبل الأديان الباقية لتتواءم مع الأطر الجديدة المعرفية و الأخلاقية للمجتمعات المستقبلية و هذا لوجود هذه المجتمعات بالفعل بعد طور المخاض - فعلى المستقبل القريب ستتولد حركة إنسحاب منتظمة من الأديان من كافة مرجعيات المجتمعات الجديدة - معرفيا و علميا - أخلاقيا و قانونيا ..إلخ مكتفية بدور روحاني بسيط و هذا جنبا لجنب مع بعض المصادر الأخرى التي بدأت تشاركها هذا الدور مثل الفنون و الآداب و حتى أنساق جديدة من الأديان.
أما على المستقبل البعيد نسبيا - فستصبح هذه الأديان مجرد مرحلة من تطور العقل البشري للتدريس بالمعاهد و الجامعات أو للمتعة في المتاحف.
و هذا كله في المجتمعات التي تمكنت من مواكبة قطار التطور شديد السرعة - أما على الجانب المظلم من الأرض - فعلى المستوى القريب فربما تكون هذه الأديان هي الآداة التي ستقضي على مجتمعاتها ماديا (أو تستخدم كآداة بواسطة الغير لنفس الغرض) أو معنويا تاركة إياها لتواجه أسوأ فترات تاريخها.