{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
مختارات من أدب عزيز نيسين
bassel غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 2,109
الانضمام: Jan 2005
مشاركة: #11
مختارات من أدب عزيز نيسين
عزيز نيسين جميل جدا ...

شكرا لك
:97:

مع تحياتي
02-01-2006, 10:58 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
قارع الأجراس غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 262
الانضمام: Dec 2005
مشاركة: #12
مختارات من أدب عزيز نيسين
مرحباً بالزملاء
مواطن عالمي ، الولد كاهون وباسل . هل أتممتم قراءة ما سبق ، لدي المزيد
02-01-2006, 11:41 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
قارع الأجراس غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 262
الانضمام: Dec 2005
مشاركة: #13
مختارات من أدب عزيز نيسين
[CENTER]الفئران تاكل بعضها





في احد الازمان واحد البلدان ... لا, الحكاية لا تصح هكذا , تصح اذا حددنا الزمان والمكان .
الزمان : بعد الميلاد .
المكان : مكان ما في هذا العالم .
هاقد صار الزمان والمكان معروفين .


لنات الى الحادثه , في المكان الذي ذكرناه , والزمان الذي حددناه , كان ثمة مخزن كبير . المخزن كان مملوءاّ بما يؤكل , يحرق , يلبس , ..يغسل . كل شيء مفصل مرتب.
الخضار اليابسة كالحمص والفاصولياء والفول ... في طرف , الحبوب كالذرة والارز والشعير ..في طرف ... والاحذية والالبسة في طرف آخر .

كان يدير المخزن المحدد المكان والزمان , مدير ناجح, في يوم لم يعد يعرف المدير الناجح ماذا يعمل , الفئران احتلت المخزن . الماكولات صارت تتناقص. الفئران قرضت الجبن والخبز المقمر .

المدير الناجح لا يجلس ويداه على خصره ابداَ, حارب الفئران بكل ما أوتي من بأس , لكنه وبالرغم من كل ما بذله , لم يكسب الحرب . الصابون وقطع الجبن تتناقص يوما بعد يوم , الملابس اصبحت مثقبه ومهبرة , أعشاش الفئران بنيت داخل اكياس الطحين ..
لم يبق اطمأنان على سلامة المخزن من الفئران التي أخذت تسمن وتسمن وتعجعج وتتكاثر كلما اكلت من الحبوب والاطعمة , غصّ المخزن بالفئران , واحتل جيش منها المخزن الكبير .. بدا انه حتى الوقوف بالمخزن مستحيل .. لم تكتفي الفئران بالتهام المأكولات وقرض الملبوسات وقضم الجبن والسجق , بل انها راحت تسن اسنانها واظافرها بالجلود والاحذية والخشب ..
اصبحت الفئران من وفرة الغذاء , بحجم القطط ,, ومع الزمن بحجم الكلاب , كانت لا تهجع ابدا تتراكض وتتلاعب وتنط في المخزن .. وفوق ذلك سدت اكثر اماكن التهوية والانارة والجمال فيه ..

المدير الناجح استمر في حربه مع الفئران دون هوادة .. وضع اكثر أنواع السموم مضاء كل جهة وكل صوب ... لم يستفد شيئا ... لا بل ان الفئران اعتادت على السم المقدم لها .. لانها كانت تنتشي بتناولها كما ينتشي الانسا ن المعتاد على سموم النشوة , وبدات مع مرور الزمن تطلب السم اكثر .. واذا لم يقدم لها هذا السم .. مع الزيادة عن اليوم السابق .. كانت تدب على الارض بارجلها فتكاد تهد المخزن .
جمع مدير المخزن أفضل أنواع القطط وفلتها في المخزن ليلا ..وفي الصباح وجد وبر القطط المسكينة وبقايا عظامها , لم تستطع القطط مجابهة الفئران , ولم يقتلها اقوى السموم .
بدا المدير الناجح بصلي افخاخ كبيرة .. وصار ... يحدث ان يقع بعض الفئران فيها في الفخ ... لكن اذا وقعت خمسة فارات في الفخ ليلا ... فانها تلد ما لايقل عن عشرين او ثلاثين فارا في النهار .

وفكر المدير ... اهتدى الى طريقة فريدة : صنع ثلاث اقفاص جديدة .. رمى في كل منها ما كان يقع من الفئران الحية في الفخ ..امتلا كل قفص من الاقفاص بالفئران .. لم يقدم للفئران طعاما او اي شيء.. اختارت الفئران التي باتت على الطوى ثلاث أيام , خمسة ايام , اختارت الفئران الاضعف بينها , قطعتها اكلتها اشبعت بطونها .. وبعد وقت جاعت ... بدات تتصارع ... وبنتيجة صراعها الدامي هذا ... سطت على واحدة منها .. حنقتها ,, قطعتها ... اكلتها ..وهكذا اخذ عدد الفئران يتناقص مع مرور الايام .. تبقى الفارة الاكبر , صاحبة العزم الاقوى , وتتقطع الفارات الضعيفات ويؤكلن .

تحولت الاقفاص المملوءة بالفئران الى ساحات حرب حقيقية ... بقي في كل قفص من الاقفاص الثلاث ثلاث الى خمس فئران ... الفارات الباقيات صرن يترامين على بعضهن ويتعاضضن ..قبل ان يشعرن بالجوع ..ذلك ان الواحدة منهّن اذا لم تفتك بلاخرى فان الاخرى ستقطعها تقطيعا ..
لذلك صارت كل فارة من الفئران من اجل حماية نفسها تستغل فترة نوم او سهو الفارة الاخرى لتنقض عليها وتخنقها وتقطعها ... واكثر من ذلك ... صارت تتحد فارتان او ثلاث في كل قفص ويهاجمن اخرى .. وتلك المتحدة في المطاف الاخير ... تتحاين الفرصة لياكل بعضها الاخر ...
اخيرا بقي في كل قفص فأرة واحدة : الاقوى , الاذكى , الاكبر , الاكثر صمودا ...
عندما بقي في كل قفص فارة واحدة ... فتح الرجل أبواب القفص وفلت الفئران الثلاثة داخل المخزن .. واحدة واحدة ...؟؟
بدات تلك الفئران الثلاث , الضخمة , المغذاة ... المتوحشة , المعتادة على اكل بنات جنسها , تنقض على فئران المخزن .. مهما بلغ عددها , تخنقها وتقطعها وتلتهمها .. ولكونها توحشت ... صارت تاكل ما ياكل من الفئران وتقتل الباقي من اجل حماية نفسها ... كيلا تخنقها وتلتهمها الفارات الاخريات ...
وهكذا , وحلال مدة قصيرة... تخلص المحزن الآنف الذكر من الفئران ...


الحكاية انتهت هنا ...:yes:
سؤال اوجهه لكم ايها القراء الاعزاء:







كيف خطر في بال المدير الناجح هذا المكر الذي لا يخطر ببال الشيطان ؟؟كيف اهتى الى اسلوب الخلاص من الفئران وذلك باطعامها بعضها البعض ؟؟؟


الجواب :
لان مدير المخزن كان الفأر الاقوى الذي بقي سالماَ بنتيجة تآكل ابناء جنسه . لقد اصبح مديرا لذلك المخزن عن طريق أكل وقتل اصدقائه ... طبق على الفئران اسوب حياته الخاص ... الناجح .

















النتيجة : الفئران تاكل بعضها .:10:
02-01-2006, 11:43 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
قارع الأجراس غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 262
الانضمام: Dec 2005
مشاركة: #14
مختارات من أدب عزيز نيسين
[CENTER]السيدة قردة





كان في القفص أكثر من عشرة قرود, وكن يقمن بحركات على العصي العرضانية, تشبه الحركات اتي يؤديها لاعبي الجمباز.كانت إحداها تجلس طرقة وكأنها (المفكر)لرودان. لم استطع تمييز القرد الكبير هذا عن الشمبانزي,تبادلت معه النظر فترة طويله : – هل تسمحون ؟
كنت سائرة قرب القفص ولامر ما عدت . – أقول لكم يا سيدي..هل تسمعوني دقيقة ..؟؟
كان المتكلم هو ذاته القرد الذي كان صافنا .. – هل انت من يتكلم ؟ – دخيلك بهدوء.. لءلا يسمعنا مربي القرود فيمنعني عن الكلام . – لكنم تحكون كالبشر.
-طبيعي فنحن بشر .
-كيف ؟ هل انتم بشر؟ مادام الامر كذلك , ماذا تفعلون بالقفص؟
-لست اول بشري يدخل القفص ياه..البعض يتزوج فيدخل القفص.. والبعض الآخر يدخل في قفص جدول الرواتب ... الم تدخلواالقفص قط ؟ – لا تنظري الي فانا كاتب ساخر وعندما نصل اليها , فسيقولون لي ( حتى السبع يدخل القفص) ويزقومني بالسجن. – السيد كاتب ساخر لي عندكم رجاْء. – تفضل يا سيد قرد .. – انا لست سيدا ... انا سيدة .. – اني اسمعك يا سيدة قردة.. – قلت لك اني لست قردة ... انا بشر ... – وما عملك هنا انا لست افهم ..؟؟؟ – هذا ما ساحكيه لك ..:انا احب السينما كثيرا . كنت في يوم من الايام معجبعه بجريتا جاربو.. بدأت بجياة عجيبة,مثلها . تركت شعري ملخبطا على كتفي . لو رايتموني في تلك الفترةبعدها جذبتني مارلينا ديتريش فرققت حاجبي بالملقط وتشبهت بها..دهنت وجهي ببودرة صفرة السل مثل مارلينا ديتريش , صرت اشد خدي من الداخل , مثلها تماما, ثم ظهرت زارة ليونارد , فرحت أقلدها , أسرح شعري مثلها , وأغني بصوت مخنوق مثلها. – ارجوك سيدتي ... لماذا اتيتم هنا ..؟؟ – ها انا احكي لك ... بعد زارة ليونارد تشبهت ب كلارابو....صبغت شعري بلاسود الغامق .ونحزمت بالكورصة حتى ألاقق خصري ..وعملت حاجبي رقييقين للغاية ..ولما ماتتجين هارلو – مع الاسف – بحادث طيرة ..ابحت فيرونيكا ليك موديلي المفضل صار شعري يغطي احدى عيني ..مثل فيرونيكا تماما ..وصرت أطلي شفتي الكبيرتين المكتنزتين بلاحمر الغامق مثلها ..؟؟ – ارجوك سيدتي ما الذي تريدينه مني ..؟
-لو تسمعون لي خمس دقائق فستعرفون ما اريد .. مرت موضة فيرونيكا بسرعة..لمعت اليزابيت تايلور, فأخذت اصبغ نفسي مثلها .. عملت شعري خصلا خصلا ... مثلها , صار من يراني يقول : اليزابيت محلية ..!! لكن ... عندما تزوجت ريتاهايورايث من آغا خان , صبغت شعري بلاحمر ..ورسمت على وجهي شامات ... مثلها بالضبط ..ولما تزايدت سرعة مارلين مونرو بالظهور ..بدلت هيئة وجهي وجسمي على موديلها فصار من يراني يقول (مارلين مونرو__نا (. – عن اذنكم انا مستعجل عندي شغل .. – قصتي على وشك الانتهاء ..؟؟ارجوك قدم لي معروفا ..؟ – بسرعة رجاءا.. – لو انكم شاهدتموني ايام ظهرت اوردي هيبيرون كل شيء في اصبح مثلها ...من شعري القصير كشعر الرجال ..حتى.. كل شيء..لكن جينا لولو بريجيدا غيرت كل شيء.. – فهمت اصبحت تشبهين جينا ثم قلدت صوفيا لورين .. – صح , كيف عرفت ذلك . وفي الاخر شبهنت نفسي بجريس كيلي صرت اصبغ نفسي على طرازها ..وارتدي قبعات ثقيلة كما تفعل وهكذا وفجاة قبضوا علي .. – لماذا قبض عليكم ...؟؟ – نعم في يوم كنت ماشية في الشارع . قبضوا علي وجاؤوا بي الى هنا ..صحت بهم انا بشر ... لكنهم لا يسمعونني.. – لو انكم راجعنم المحكمة .. – راجعنها . ارسلوني الى خبير معتمد ..الخبراء المعتمدون قدموا تقريرهم على اني قردة ..والان: رجائي منك : من هي آخر نجمة سنمائة مشهورة اليوم ..؟؟كيف تلبس؟كسف تصنع مكياجها ..؟؟كيف شعرها ؟ كيف تقف ؟ كيف تحكي ؟
وهنا مر بي مربي القرود وصاح بالقردة التي كانت تحادثني: – أنت جديد ؟ أمن جديد ؟ اما زلت تقولين لهذا وذاك انك لست قردة .؟؟
واخذ بضرب الحيوان المسكين بالعصا ..امسكت مربي الحيوانات وقلت له : ما تفعله مخالف للقانون .. كيف تضرب انسانا ؟؟؟
قال مربي الحيوانات : – يا سيدي وهل صدقتم كلام هذه القردة ؟ ارجوكم انظرو الى هذا الوجة ..الى تفاصيل وجهها .. هل فيها شيء لا يشبه القردة .؟؟ اليس هذا وجه قردة الخالق الناطق ؟ وهل بقيت بينها وبين الانسانية صلة ؟
نظرت في المرأة في القفص بتمعن .. ان المربي على حق قلت – نعم انها قردة . – طبعا قردة . لقد عاينها كل الاساتذة والاطباء والبيطريون وقدموا تقاريرهم على انها قردة ..
وبينما كنت ابتعد كانت السيدة قردة ترد: – آه ..من هي النجمة الاولى اليوم ...ارجوكم
02-01-2006, 11:45 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
قارع الأجراس غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 262
الانضمام: Dec 2005
مشاركة: #15
مختارات من أدب عزيز نيسين
وللذين لا يعرفون الكثير عن عزيز نيسين اليهم قصته كما كتبها


[CENTER]قصّتي



ولد أبي في إحدى قرى الأناضول ، رحل في سن الثالثة عشر من عمره إلى اسطنبول . أما
أمي فقد كانت من قرية اناضولية أخرى ، رحلت هي الثانية وفي سنٍ مبكرة جدا إلى اسطنبول أيضاً، ليلتقيا هناك فيتزوجا ، وأولد أنا .
لَم يكن لدي أدنى خيار عندما ولدت في أكثر الأيام ناريّة وربما أكثرها دموية . فالتوقيت كان غير مناسب أبدا ، حيث اندلعت الحرب العالمية الأولى في عام مولدي أي 1915. ولسخرية الأقدار أن جاءت ولادتي في مكانِ غير مناسب أيضا ، وذلك على جزيرةِ Heybeli التي تقبع بعيدة عن شاطئ اسطنبول التي كانت المصيف المميز لسكان تركيا الأثرياء .
وبطبيعة الحال الأغنياء لا يَستطيعونَ العيش بدون فقراء ، فكَان هذا الاحتياج سببا عظيماً كي أعيش وعائلتي على هذه الجزيرة.
أنا لا أَقْصد بهذه الدلالات أني كُنْت سيئ الحظ أبدا , بل العكس هو الصحيح ، حيث بقيت - طيلة حياتي – أَعتبر نفسي محظوظاً جداً في عدم المَجيء مِنْ عائلةٍِ مشهورةٍ ، نبيلةٍِ ، وغنية .
أطلقت عليّ عائلتي اسم نصرت "Nusret" بالتركية ، المستمدة من "نصر من اللهِ" بالعربية ، واختيار الاسم دلالته لدى معدمي وفقراء العائلة حيث كان بالنسبة لهم آخر أمل يرَبطَ كُل أمالهم باللهِ.

المتقشّفون القدماءُ كما كان معروفا، كانوا يقتلون وبأيديهم نسلهم الذي يولد ضعيفاً وضئيلاً، ويبقون فقط على القوي منهم، مع تعظيم شأنهم . هذا العرف كنا نمارسه بلا خيار نحن معشر الأتراك من خلال منطق الطبيعة والمجتمع. وقد اَكتْشفت أنّ إخوتي الأربعة قد ماتوا في مرحلة الطفولةِ بسبب عدم قدرتهم على تَحَمُّل بيئتِهم القاسية. أمّا أمّي وفي سن السادسة والعشرينِ من عمرها ، فهي الأخرى لم تحتمل الحياة، فماتت تاركة هذا العالمِ الجميلِ لمن يَستحقوه من هؤلاء الأقوياء. وربما تستطيعون إذن تفهم عنادي و تصميمي على ممارسة حق البَقاء.
* * *
الأجواء في الدول الرأسمالية تبدو ملائمة للتجار، أمّا في البلدان الاشتراكية الأمر يبدو مناسب أكثر لمعشر الكتّاب. و بذلك يستطيع الرجل أن يحدد إلى مَن وأين سينتمي، فمهنة الكتابة تعني الانتماء للحالة الاشتراكية. لهذا حددت منذ كان عمري عشر سنوات أي في طفولتي المبكرة موقفي في أن لا أصير تاجرا رأسماليا ففي تركيا ما يكفيها من كومه نفاياتٍ رأسمالية. فكان علي إذن أَنْ أصبح كاتبا حتى و إَنّ خلت عائلتي تماما من أي شخص يستطيع القراءة أو الكتابة ..
والدي ككلّ الآباء الجيدين إذ كان يعتقد بأنَّ نصائحه المستقبلية لابنه قد تثنية عن هذه الفكرةِ السخيفة للكتابة، وأن يختار مستقبلا أكثر استقامة لكسب العيش وكنت أحسن الاستماع إليه.
أما عنادي فقد كان الأقوى من من نصائح أبي، لأنني اتخذت القرار بأنْ أكُونَ كاتبا ..
دَخلتُ المدرسة بشغف، وحلم جارف لقلمِ يكون في متناول يدي . إلاّ أنني وجدتهم يَدْفعونَ ببندقيةَ في يَديَّ بدلا من القلم.
أثناء سنوات عمري الأولى ، لم أَستطع فعل ما أريد، وبالمقابل لم أحب ما أعْمل ، فقد أردتُ وحلمت بأَنْ أكون كاتبا ، إلاّ أنني وجدت نفسي جندياً. ففي ذَلِك الوَقت كان الأطفال تعساء سيئي الحظ ولا يمكن لهم دراسة معنى الحُريَّة في مدارس كانت عسكريةَ ، لذلك اضطررت الالتحاق بمدرسة داخليةَ عسكريةَ..!
في عام 1933 ظهر إلى الوجود قانون اللقب ، هذا القانون الذي يمنح كل تركي الحق في اختيار الاسم الأخير لنفسه كلقب. ومن خلال هذا القانون أتضح مكنون النفوس الوضيعة فأصبح أشد الناس بخلاً معروفا ب "الكريم", وأكثر الجبناء اتخذوا لقب "الشجعان" ، وأشد الناس كسلا منحوا أنفسهم لقب "دؤوب" . أمّا المثير للمرارة فقد كان في اختيار أحد معلمينا لقبَ "بارعِ " وهو بالكاد يستطيع توقيع اسمه تحت ذيل رسالته .
لقد أصبح هذا القانون هديةُ للتمييز العنصري الذي انتشر بين الناس من خلال خليط من الألقابِ ،التي فقط جعلت منهم أتراك.

دوما كنت أحل بالمرتبة الأخيرة في أيّ نوع من أنواع الصراعات, فكيف إذن بالألقاب .! فقد تخلفت أيضا في معركة الألقاب اللطيفة و لم يتبقى لي أي لقب يمكنني الزهو و الفخر به. لذا اتخذت اسمَ "Nesin" أي "هذا صحيح" ، ربما كان بدافع التأمل والتفكير في مسائلة ذاتي ما إذا كان هذا صحيح..!
في سنة 1937 أصبحتُ ضابطا، و بالطبع تعرفون من هو نابليون. حَسناً أنا كُنْتُ أيضاً أحد هؤلاء المصابين بالعاهة النابليونية Napoleons . فكل ضابط جديد كان يعتقد أنه نابليون. و البعض لم يستطيع أبداً أن يبرأ مِنْ هذا المرض طيلة حياته. والبعض قد تم علاجه بعد حين.
هوس النابليونية '' Napoleonitis '' هذا مرض خطير ومعد. من أعراضه التي تتبدى على ضحاياه أنهم لا ينفكون عن التفكير إلا بانتصاراته ، ولا يفكرون أبدا بهزائمه، هم عرضة للثنيةِ و الزهو بين أزرار السترةِ العسكرية ، تراهم دائماً يقفونَ أمام خريطةَ العالمِ، يرسمون سِهاما بطباشير حمراء اللون، يضعون خطة إخْضاع واِحْتِلال كامل العالم في غضون دقائقِ خمس.
كم أشعر بالأسى لضحايا هذا المرض، ويبدو أن تلك الحمَّى خطيرة جدا, حيث تتضح بذور المخاطر في المراحل التالية، فهم فيما بعد يرون في أنفسهم تيمورلنك و جنكيز خان و هنيبعل, بل يروا في أنفسهم هتلر ذاته.
كضابط مستجد لم يتعدى الاثنين والعشرين عاماً، فَتحتُ أنا أيضاً العالمَ لبضعة أوقات فوق الخريطةِ بطباشير ملونة بالأحمرِ. ودامَ داء عقدة نابليون سَنَةَ أَو اثنتان. على كل حال، حتى أثناء هذا الداءِ لم أكن ميالا إلى الفاشيةِ.
فأنا منذ طفولتي رَغبتُ أنْ أكونَ كاتبا مسرحيا . أما في الجيشِ حيث كنت أحد مشاةَ سلاحَ الفرسان ضمن كتيبة الدبابات والمدفعيةِ، تعين عليّ البحث عن مّخرج عسكري، فبدأت الكتابة المسرحية في سنة 1944.
بعض الجنرالاتَ والضبّاطِ كانوا يصابون بأوجاع في حويصلاتِهم من هؤلاء الّذين لديهم النزعة ليكونوا شعراءَ أَو كُتّابَ يكتبون القصائدَ أَو الرواياتَ، كان مفهوم هذا الأمر هزلياً بالنسبة لهم, فهم لا يتصورا أن شاعراً أو كاتباً بعمر خمسين سنة يُصبحَ يوماً ما قائداً لجيشِ.
بدأتُ كتابة القصة أثناء فترة خدمتي العسكريةِ. ومنذ ذلك الوقت نعمت بالحنق والاستياء مِنْ قبل رؤسائي كجندي يكتب للصحافة . لَمْ أَكْتبْ باسمِي الصريح إنما اسم أبي : عزيز نيسين، أما اسمي الحقيقي "نصرت نيسين" فقد حجب وأصبح طي النسيان.
في تلك الأوقات تم الإشارة لي ككاتب صغير. أما أبي فقد كان رجلا عجوزا ذا لحية رمادية يعمل كموظف حكومي. أنهك نفسه في المكاتبِ الرسمية المختلفة محاولا إثبات أسمه: عزيز نيسين إلى أن مات.
بعد سنوات عندما ذهبت لاستلام نقود حقوقَي المحفوظة عن ترجمة كتبي لغات أجنبية, اكتشفت بأنه يتعين عليّ المعاناة أيضا لإثْبات أنّني هو ذاته الكاتب عزيز نيسين، لأن أوراقي الرسمية و هويتي تقول بأنني "نصرت عزيز".
مثل العديد مِنْ الكتاب بدأت بكتابة الشعر . ناظم حكمت الذي بدأ إضرابه عن الطّعامَ، نَصحَني بترك الشعرِ بحجة أنني شاعر سيئ. وبالفعل حصرت كتابتي في القصصِ والرواياتِ. غير أنني أدركت فيما بعد بأن نصيحته كانت تخبئ في طياتها نوعاً من الغيرة. وصرحت لمن تساءلوا سبب عدم كتابتي الشعر مرة أخرى، بأن الشعر لا يجمع مال في بلد كتركيا، و لكن الحقيقة كانت تكمن في احترامي العظيمَ للشعر ذاك هو من جعلني أسقطُه في كتاباتي.
وفي أيامنا هذه، العديد ممن يحملون لقب شاعر، ما زالوا يُواصلونَ الكتابة معتقدين بأن الذي ينتجونه يسمى شعراً، إن هؤلاء لَيس لهم أدنى احترام للشعرِ. أعتقدُ أنّ الشعرِ فَنَّ عظيمَ و أقول هذا بضيق شديد لأني أتمنى لهؤلاء أن يكونوا كتابا و شعراء مشهورين و ناجحين.




كثير من المعجبين وجدوا في قصائدِي المَنْشُورةِ اهتماما كبيرا ليس بسبب روعتها و جمالها و لكن بسبب التوقيع باسم إمرأةِ أسفل القصائد. فقصائدي نُشِرتْ تحت اسم أنثى مستعارِ وأكوامِ الرسائل الغراميةِ كانت لهذا السبب فقط.

يوما أخذت قصة كنت قد كتبتها عن طفولتي ، كان حلمي دفع الناس للبكاء . ذهبت إلى رئيس تحرير إحدى المجلات, متوقعا أنه سينشج في البكاء بينما يقَرأَ قصّتَي، لكن هذا الرجل عديم الفهم تملكه الضحك بصوت عالي و راح يمسح دموعه قائلا: برافو، رائع جداً، أكتبْ المزيد مثل هذه ، واجلبْهم إلينا...
كانت هذه أولى نكسات الكتابة عندي، قرّائي يسخرون من أغلب المواضيع التي كَتبتها لإبْكائهم. لكني عندما أصبحتُ كاتب معروفاً، لم أعرف مكمن المرح في كتاباتي و لكني أستطيع القَول الآن أنني أَعْرفُ كيف أكون صانعاً للمرح. لم يكن هناك وصفةَ أَو صيغه جاهزة تفسر الأمر، لكن ما اكتشفته بنفسي أن المرح عمل جاد جداً.
في عام 1945 تظاهر ضدي عدّة آلاف من الرجعييّن و حطموا صحيفةَ تان حيث كنت أعمل، معتقدين بأني سوف أصبح عاطلا عن العملِ. فعلا بعدها لم يقبل أحد نشر أيّ كتابة تحمل أسمِي، لذلك شَرعتُ في الكتابة للصُحُفِ والمجلاتِ تحت أكثر مِنْ مائتي اسم مستعار. كَانتْ هذه الكتاباتَ تحمل كُلّ الأنواع كالإفتتاحيات والحكايات والتقارير والمقابلات والروايات والقصص البوليسية.
العديد مِنْ المفارقات والفوضى حدثت بسبب هذه الأسماء المستعارة. على سبيل المثال، نَشرتُ كتاب مناجاة الأطفال تحت اسمِ "Oya Atesh" و هو اسم ابنتيِ التي كانت غافلة عن كتابة هذه المناجاة، المفارقة أنه قد تم إدراجها تقريبا في كل مدرسة ابتدائية في تركيا، إضافة إلى جريدة مساء التسالي. "Oya Atesh "أدرجَ اسمها كمؤلّفة في Bibliographie ضمنِ الكاتباتِ التركياتِ الذي تم نشره لاحقا..
من المفارقات الأخرى تلك القصّةُ التي كتبتها وتمّ نشرها في مجلة تحت أسم فرنسي مستعارِ، أدرجت ضمن مختارات أدبية من المرح العالمي كمثال للأدب الساخر الفرنسي. واحده من قصصي الأخرى نشرتها باسم مبدع صيني, نشرتها مجلة على كونها ترجمة مِنْ الأدب الصيني .
أثناء هذا الوقت كنت لا أستطيع العمل ككاتب حر, رغم أن كتاباتي راحت لنقد العديد من أصحاب المهن و الوظائف مثل البقالِ والبائعِ والمحاسبِ وبائع الصحف المتجول و المصور و يبدو أني أخفقت كتاباتي عن هذه الشريحة من الناس، لأني سُجِنتُ خمس سَنَوات ونصف وستّة شهور، بسبب أن الملك فاروق عاهل مصر والشاه الإيراني رضا ادعيا بأنّني أهنتُهم عبر مقالاتي ، بالتالي ومن خلال سفارتيهما بأنقرة جَلباني للمحكمةِ، وكانت النتيجة سجني ستّة شهر حيث كان لدي طفلان من زوجتي الأولى و طفلان من زوجتي الثانية أي أربعة أطفالِ.

أثناء سجني الأول عام 1946 كان السؤال المتكرر من قبل الشرطة لمدّة ستّة أيام:'' مَنْ الكاتب الحقيقي لهذه المقالاتِ التي تنشر باسمِكِ؟ "
حتى الشرطة لم يصدقوا أنني كاتب هذه المقالات. و لكن لم يستمر الشك طويلاً حيت اتهمتني الشرطة بعد سنتين بأنّني كَتبتُ مقالات أخرى بأسماء مستعارة.
في المرة الأولى حاولت إثْبات أنّني كتبت ، وفي حال الثانيةَ بأنّني لَمْ أَكْتبْ. و بهذا شهد أحد الخبراء أنني كتبت مقالتي باسم مستعار لذا سجنتُ ستّة عشرَ شهرَ بسبب مقال لم أكتبه..!
تزوجت زوجتي الأولى ومن ثم الثانية و مشيت تحت سيوف أصدقائي الضباط، وعزفت الأوركسترا موسيقى التانجو حيث تبادلت خواتم الزواج من زوجتِي الثانيةِ خلف قضبان السجن و بالطبع لم تكن البداية مشرقة أبداً.
كنت نحيفاً و ضعيفاً و لكن تكرار السجن جعلني ازداد وزناً.
في سنة 1956 فزت بالمرتبة الأولى في مسابقةِ المرحِ الدولية، ورَبحتُ النخلةَ الذهبيةَ. الصُحُفُ والمجلاتُ التي لا تَنْشرَ كتاباتَي بتوقيعِي قبل فوزي بالنخلةِ الذهبيةِ، بادروا للنشر باسمي و لكن هذا لَمْ يَدُمْ طويل.
حيث منعت الصحف نشر اسمي ثانية فاضطرت دخول المسابقةِ ثانيةً في عام 1957 لرِبْح نخلةِ ذهبية أخرى . بعد ذلك ظهر اسمِي ثانية في الصُحُفِ والمجلاتِ.
في عام 1966، في مسابقةِ المرح الدولية في بلغاريا، حققت المرتبة الأولى ورَبحت القنفذَ الذهبي.
أثناء الثورةِ السياسيةِ في تركيا في 27 مايو/ِ 1960، خلال بهجتِي تَبرّعتُ بنخلتي الذهبيةَ لخزينةِ الدولة. و بعد بضعة شهور من هذا الحدث رميتُ ثانيةً في السجنِ. أنقذتني النخلةَ الذهبيةَ الثانيةَ والقنفذَ الذهبي و جعلتاني متفائل بأيامِ سعيدة و مستقبل أفضل. كنت أقول لنفسي بأن الناس تحتاجني لكي أدهشهم وأضحكهم .
منذ ذلك الحين كَتبتُ أكثر مِنْ ألفي قصّة. لا تندهشوا حيث لا شيء يدعو للاستغراب، فأنا ملتزم بدعم عائلتي و أجد أني ملتزم بكِتابَة أكثر مِنْ أربعة آلاف قصّة..!
أَنا في عمر ثلاثة وخمسين عاما ، لَي ثلاثة وخمسون كِتابُ، و ديوني أربعون ألف ليرةُ, و لي أربعة أطفالِ وحفيدِ واحد. كتاباتي تُرجمتْ إلى ثلاث وعشرين لغةِ، كتاباتي المسرحية التي بلغت سبعة عشرَ مسرحيّة تم عرضها في سبعة بلدانِ.
السببان الوحيدان اللذان يجعلاني أَختفي عن الآخرين: إعيائي، والآخر تقدمي في العمر. و باستثناء هذين السببين أعتقد أني منفتح و مكشوف و قد أبدو شابا بالنسبة لعمري، لكني منهمكاً في العمل طيلة عمري، وهذا ما تبقى لي من العمر.
لَستُ ذلك النوع من الرجال الذي يقول: " إذا ما كَانَ عِنْدَي الفرصةُ للمَجيء إلى هذا العالمِ ثانيةً، أن أقوم بنفس الأشياءِ ثانية من البداية " و لكن لو كتب لي المجيء لهذا العالم ثانية فأني أريد أن أعمل أكثر بكثير الكثير مِنْ أولا وأفضل بكثيرِ كثير.
إذا كان في كامل تاريخِ البشريةِ الخلود لواحد فقطَ، قد أكون بلا مثل نموذجي يوجهني و يلهمني لذلك حاولت الخلود أيضاً، و هذا لَيسَ خطأَي فأنا سَأَمُوتُ كالآخرين.
أَحب الإنسانيةَ كثيراً و بإفراط شديد، و عشت حياتي كلها غير ناقم أو حاقد عليها، فأنا لا أَستطيعُ ذلك.
تلك قصتي التي لم تنتهي لحد الآن.
اعلم بأنّ القرّاء غالباً ما يضجرون من المقالاتِ الطويلة، لذا أعتقد بأن الاستنتاج لن يطول لمدة أطول و هو الشيء الذي يجعلني متشوّق لمعرفة نهايةَ هذه القصّة.. فربما أكُونَ ما أزال قادرا على التَعَلّم .
02-01-2006, 11:49 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
قارع الأجراس غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 262
الانضمام: Dec 2005
مشاركة: #16
مختارات من أدب عزيز نيسين
مازال الكثير من روائع عزيز نيسن يمكن نقلها لكم ، المهم أن تقرأوها جيداً وتتعظوا منها .






[CENTER]مدين لك بسعادتي


- لقد تعرفت على فتاة رائعة الجمال يا صديقي.
- هل هي جميلة؟
- ماذا تقول!!... انظر إلى صورتها كم هي رائعة الجمال.
- حقاً إنها جميلة جداً.... ولكن حافظ عليها ولا تفرط بها.
- نعم ، نعم لن أفرط بها.
- وهل أظهرت لك مودتها؟.
- أحياناً...
- إذاً حاول أن تستحوذ على قلبها.
- حسناً سأحاول إظهار جلّ براعتي في هذا المجال.


[CENTER]***[/CENTER]

- ما هي أخبارك يا صديقي، وهل من جديد؟
- والله، كل شيء على ما يرام، فكما قلت لك سابقاً لقد تعرفت على فتاة رائعة الجمال.
- ايهـ ـههههيه ؟
- أحبها يا صاحبي، أحبها بجنون ولا أستطيع الابتعاد عنها، والعيش بدونها ضرب من المستحيل، تصور أن أوار حبها يتأجج في قلبي.
- وهل هي تحبك أيضاً؟
- لا أدري!....
- إذاً حاول أن تجد إلى قلبها سبيلاً.
- وكيف ذلك؟
- كما تعلم يا صديقي فإني أمتلك التجربة في هذه المضمار. وذلك، حاول أن تغرقها بالهدايا خاصة بالزهور، فالنساء كما تعلم يعشقن الزهور، خاصة القرنفل الأحمر، كذلك حدثها بشكل دائم عن ذكائك الرفيع.


[CENTER]***[/CENTER]

- لا أدري كيف أعبر لك عن شكري وامتناني.
- ماذا حصل؟
- كأنك يا عزيزي تعرف تماماً كل رغباتها، لقد نفذت وصفتك كاملة، ولذلك أخذت تنظر إليّ نظرة حب ومودة. بربك قل لي وماذا أفعل بعد ذلك؟.
- حاول أن تأخذها إلى دور السينما ولكن، إياك والأفلام الجادة، حاول أن تكون الأفلام تراجيدية أو كوميدية أو موسيقية... وعندما تخرجان من دار السينما عرّجا على بائع المرطبات، وحاول أن تدعيها لتناول البوظة بالكريمة. كذلك أن تقتني في جيبك قطعاً من الشوكولا.
- ذهبنا البارحة إلى دار السينما ، وهناك أعطيتها قطعة الشوكولا، لقد فرحت كثيراً وبعد انتهاء عرض الفيلم عرّجنا على بائع المرطبات وتناولنا البوظة بالكريمة ـ إنك ذو ذوق رفيع ـ سنحاول الذهاب في نهاية هذا الأسبوع إلى منطقة بعيدة وجميلة، لذلك ما هي نصيحتك بهذا الخصوص؟
- أستطيع القول، حسب تجربتي الشخصية.. أن أفضل منطقة هي "بويوك اذا" (الجزيرة الكبيرة) هناك حاولا التجوال على ظهور الحمير، إجلسا على الشاطئ، وارقصا، ولكن انتبه ، إياك ومراقصة الأخريات.
- آخ يا صاحبي!!.... لو أستطيع إستحواذ قلبها.
- ستنجح في ذلك لا محال. إذا نفذت كل ما أقوله لك.
- ولكن لا أعرف كيف أعبر لك عن شكري الجزيل.
- أستغفر الله، ما هذا الكلام يا صاحبي، أنا لم أفعل شيء سوى أنني أحاول نقل تجربتي الخاصة كي تستفيد منها.


[CENTER]***[/CENTER]

- قالت إنها متزوجة لذلك فإن جميع مشاويرنا كانت ناجحة.
- ولكن لم تقل لي... هل تحب زوجها؟
- لا... على العكس فهي تنعت زوجها بالأبله كالحمار، وبالجلف الذي لا يعرف التعامل معها.
- مسكينة هذه المرأة، ولكن لمَ لا تنفصل عنه؟
- لقد لمحت ذات مرة قائلة "لو أستطيع الاعتماد عليك لانفصلت عن زوجي" ولا أدري ما العمل؟.
- لا تتركها، حاول أن تكون صديقها الصدوق، والمعين الوفي.
- ماذا حصل، وما فعلتما؟
- لا تسألني يا صاحبي... إلى الآن لم أستطع الحصول على قبلة واحدة منها، إنها خجولة جداً، ولكني واثق من حبها لي.
- حاول أن تستمر بإغراقها في الهدايا، ولا تنسى العطور الفاخرة والنوع "سكاندال" (الفضيحة). كذلك يجب أن تهديها أقمشة ذات لون سماوي أو أزرق.
- وإذا عرف زوجها بالأمر فما العمل؟!...
- ومن أين سيعرف، أليست هي القائلة بأن زوجها رجل معتوه وأحمق؟ وإذا كنت ترغب في أن أذهب معك لشراء الأقمشة فلا مانع لدي.
- حسناً يا صديقي، وبأقصى سرعة إن أمكن.
- ما هي الأخبار؟.
- سارة جداً يا عزيزي.
- هل تعلم بأنها فرحت كثيراً عندما أهديتها زجاجة العطر، وقالت أنه عطرها المفضل، وعندما رأت القماش... تصوّر يا عزيزي بأنها كانت ستفقد صوابها من شدة الفرح، ولكن إلى الآن ما زلنا كالمراهقين.
- حاول أن تقرأ لها بعضاً من أشعار يحيى كمال. وقل لها بأنك راغب في الزواج فيما لو انفصلت عن زوجها.


[CENTER]***[/CENTER]

- ما بك يا صديقي، منذ فترة طويلة لم ألتق بك، أين أنت؟
- مشاغل الحياة يا صاحبي! إن تلك المرأة انفصلت عن زوجها.
- وهل ستتزوجها؟
- بالطبع ولم لا؟؟؟
- ولكن لا تضيع الفرصة، هيا أسرع بزواجك منها قبل أن يطرأ على علاقتكما أي جديد.


[CENTER]***[/CENTER]

- لا أعرف كيف أعبر لك عن شكري وامتناني؟.
- لقد تزوجنا البارحة وبذلك أكون مدين لك بسعادتي.
- وأنا بدوري لا أدري كيف أردّ لك جميلك، فأنا مدين لك بسعادتي لأنني انفصلت عن زوجتي.



[CENTER]**[/CENTER]




02-11-2006, 09:13 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
قارع الأجراس غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 262
الانضمام: Dec 2005
مشاركة: #17
مختارات من أدب عزيز نيسين
[CENTER]من يأكل الحصرم ومن يضرس؟


مرّ بجميع مكاتب التشغيل بلا استثناء، والرد الوحيد دائماً "دع عنوانك وسنخبرك عند اللزوم". عند عودته إلى البيت، وفي كل مرة كانت زوجته تقابله بسؤالها المعهود والممل: هل وجدت عملاً؟
ولكن، في هذه الأيام، أن تجد نقوداً في الطرقات أهون من أن تجد عملاً. وكثيراً ما كانت زوجته ترخي العنان لقنابلها الثقيلة:
- لم أر رجلاً مهملاً وأحمق، وعديم الثقة بنفسه مثلك.
- وعدني أحد الأصدقاء بأن يساعدني غداً.
- وبماذا سيساعدك؟ هاه!
- لإيجاد عمل يا حياتي.
لقد خلقت الزوجة من هذا الرجل الملاك أكبر كذاب.
- وأي عمل هذا؟
- عمل رائع، وعال العال.
- فهمنا، ولكن ما العمل؟
- العمل يقوم به المرء بقدميه وهو جالس في مكانه!
- وأيّ عمل هذا الذي تتفصح به؟!
- نعم.. العمل على مكنة الخياطة.
- وكم سيدفع لك؟
- ثلاث مائة ليرة.
استفساراتهم وحديثهم السفسطائي والخالي من الطعم كثيراً ما كان يستمر لساعات طويلة.
في اليوم التالي سألته زوجته:
هل بدأت العمل؟
- ذهبت .. ولكن لسوء الحظ فقد توفيت زوجته، الله يرحمها... وتأجل الموعد إلى يوم الأربعاء.
الأربعاء.... الخميس.... وتتتالى الألاعيب والأكاذيب لا تنتهي.
وذات يوم طفح الكيل، كما يقولون، فهددته زوجته:
- تعلمت على الكسل، لذلك إن لم تجد عملاً، فوالله العظيم لن أدخلك هذا البيت.
في ذات اليوم وضع عنوانه في أربعة خمسة مكاتب. وفي المساء عاد إلى المنزل فراح يطرق الباب بطرقات سريعة صائحاً بأعلى صوته..
- البشارة ... البشارة يا زوجتي؟ تهانينا، وجدت عملاً وبدأت به مباشرةً.
فتحت الزوجة الباب سعيدةً بزوجها وهو بدوره راح يحدثها عن هذا العمل بل أخذ يجمله بنظرها لدرجة بات يصدق ما يقول:
- هيا يا عزيزي نم باكراً، كي لا تتأخر صباح الغد.
وفي الصباح شيعت الزوجة بعلها متمنية له الخير والنجاح، أما هو فقد أخذ يتسكع باحثاً عن عمل في الشوارع والحدائق. وعند المساء عاد إلى البيت وراح يصرخ ويهدد مثل كل الرجال. استمرت هذه الحياة المليئة بالأمل لمدة خمسة وعشرين يوماً. ولكن المسكين راح يضطرب أكثر فأكثر مع دنو موعد قبض الراتب.
كان قد أبلغ زوجته بأنه سيقبض ثلاثمائة ليرة لذلك كانت تخطط في سبل صرف المبلغ المحترم.
قال لها:
- خذي الأولاد، واذهبي إلى أمك، وفي أول الشهر تعودين!
حملت المسكينة أولادها ميممة شطر أمها دون أن تنبس ببنت شفة.
أما الرجل النشيط فقد اتخذ قراره في السرقة، عاين الشقة التي سيدخلها.
في الليلة الأخيرة من الشهر.. أخذ يتجول حول البناء المذكور، لحظات وانطفأت الأنوار في الشقة المستهدفة، وفي الطابق الثاني كانت الأسرة صاحبة الشقة معتادة على الخروج من المنزل في مثل هذا الوقت، إما إلى السينما أو للسهر عند الجوار.
خطة رائعة، وحظ أروع، إذ كان يستطيع الدخول دون وجل، دار خلف البناء، لم يكن هناك من أحد، تسلق جدار الحديقة المنخفض ، تمسك بحديد النافذة السفلية. ثم تسلق ماسورة المياه، وبهذا الشكل لم يكن الصعود إلى الشرفة صعباً. ما هذا القدر حتى باب الشرفة كان مفتوحاً! دخل الشقة بجرأة وكأنه مالكها، أنارها! مسح أغراضها بعينيه مستطلعاً الموجودات، لم تكن الشقة تحوي أغراضاً غير صالحة للسرقة، ففي البوفيه وداخل العلب المذهبة كانت الفناجين النفيسة. وكانت الخزائن مليئة بالملابس الفاخرة. مدّ يده مباشرة إلى جيب الجاكيت وسحب حقيبة النقود المنتفخة والمليئة، وتجمدت عيناه عندما وجدها مليئة برزم من ذات الخمسين والمئة، لذلك لم يكن بحاجة للاستمرار باحثاً في غرفة النوم. سحب ثلاثمائة ليرة فقط وجلس إلى الطاولة كاتباً:

"سيدي العزيز:
دخلت شقتكم بقصد السرقة، كنت بأمس الحاجة إلى ثلاثمائة ليرة، صدقاً سأعيد المبلغ حال توفره لدي."

وضع القصاصة وخرج من الشقة بسهولة مثلما دخلها، وبذلك سيتخلص من لسان زوجته شهراً وسينام مرتاحاً لأول مرة منذ فترة طويلة.
إقترب من منزله فوجد الضوء مناراً، استغرب كثيراً فزوجته في بيت أهلها، ربما عادت! حسناً سيلقي المبلغ في وجهها ويصرخ كي يثبت رجولته. فتح الباب فجأة أشهر في وجهه المسدس:
- إرفع يديك!!!
بينما اقترب منه شخص آخر قائلاً:
- ولك ! أي إنسان أنت؟ أما فكرت أن لصاً سيدخل بيتك يوماً ما! نحن هنا منذ ساعتين ولم نعثر على شيء ألا تخجل!!!
فتشوه فوجدوا المبلغ في جيبه أخذوه وانصرفوا.
أشرقت الشمس والرجل يفكر بالأكاذيب التي يمكن أن تنطلي على زوجته، طرق الباب، قد يكون الطارق زوجته، فتح الباب وفرائصه ترتعد رعباً، لكن المفاجأة كانت كبيرة إذ برجلي شرطة ممسكين باللصين! إلتمعت عيناه من الفرح... سأله الشرطي:
- النقود لك؟
شيء ما تحرق في جوفه، كيف لا وهو السارق أيضاً.
- إن هذين الأحمقين إعترفا أنهما دخلا منزلك وأخذا النقود بالقوة.
إذاً هذه النقود أصبحت من نصيبه ونصيب زوجته.
- ولكن من أين حصلت على هذه النقود؟
صعق الرجل وتغيرت سحنته من هول ما سمع.
... إذاً عرفوا أنه سارق أيضاً.
- إن النقود التي بحوزتك مزيفة يا أفندي.
تهاوى الرجل في مكانه إثر قول الشرطي.
طلب منه الشرطي أن يرافقهم إلى المخفر.


02-11-2006, 09:20 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
قارع الأجراس غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 262
الانضمام: Dec 2005
مشاركة: #18
مختارات من أدب عزيز نيسين
[CENTER]تقبل الله


في السادسة صباحاً مثلما عليه الحال في كل مرة، راح صاحب عمارة الأمل حمزة بيك ينادي، وهو يسعل سعالاً جافاً، البواب أمين أفندي، القاطن في القبو.
- أمين أفندي، أمين أفندي.
- أمين أفندي هذا يعمل بواباً في تلك العمارة منذ أربعة عشر عاماً، وبالإضافة لعمله الأصلي هنا، فقد كان الناطق الرسمي وصديقه القريب مستوعب آلامه، مدير أعماله، حتى عرّافه ، باختصار كان كل شيء بالنسبة له.
- أمين أفندي، أمين أفندي.
إتجه أمين أفندي، وهو ينظف حلقومه، باتجاه النافذة الخلفية حيث مصدر الصوت.
- أتيت، أتيت.
عمارة الأمل هذه مؤلفة من ستة طوابق وكل طابق من شقتين سكنيتين عدا الطابق الأرضي الذي يقع فوق القبو كان مؤلفاً من مخزنين تجاريين أحدهما لتجارة الأجواخ والآخر لصنع الفطائر. أما القبو، بالإضافة لكونه مكان سكن البواب فقد كان مستودعاً لحرّاقات التدفئة.
- أمين أفندي، بينما كنت في حضرة الله أثناء صلاة الصبح.
- تقبل الله.
- هل تعلم ماذا تذكرت؟ فجأة تذكرت الشقة الرابعة، هل أخذت منهم أجرة هذا الشهر؟.
- نعم أخذتها وسلمتك إياها البارحة.
- نعم أعرف ذلك، ولكن أقصد الإجرة التي استلمتها هل كانت دون زيادة أم ماذا؟ تصور يا أمين أفندي أنني تذكرت ذلك فجأة عندما كنت أصلي، لقد طار صوابي، لا، لن أسمح بذلك. هيا يا أمين أفندي إلى المحامي وقل له... الله، الله... هل هؤلاء المستأجرين بلاء فوق رأسي؟ أستغفر الله!.. تصوّر أنهم يشغلون ذهني حتى أثناء الصلاة، اذهب إلى المحامي واطلب منه أن يخليهم من منزلي... إذهب حالاً وقل له أن يرفع دعوى مستعجلة عليهم.. عندما أخذت الأجرة منهم هل أعطيتهم وصلاً يشعر بذلك؟ حسناً قل للمحامي بأنهم لم يدفعوا إجرة البيت حتى لحظته. أوه ألا يستطيع المرء أن يجلس بين يدي ربه صافي البال، هيا يا أمين أفندي.
- ولكن يا بيك لا يمكن أن يكون المحامي في مكتبه.
- أيعقل هذا يا أمين أفندي؟ لقد انتصف النهار، عليه الحضور إلى مكتبه بعد صلاة الصبح مباشرةً... إذهب وانتظره هناك.
- حسناً يا بيك، ولكن لم لا تتصل به هاتفياً.
- ماذا تقول!... لا يجوز حل القضايا الجديّة والحساسة بالهاتف، هيا إذهب وقل له كل شيء هيا اذهب ولا تتكاسل، ما هؤلاء القوم لقد فقدوا دينهم وضميرهم، أستغفر الله يسكنون في شقة مكيّفة صيفاً شتاء وبألف وثمانمائة ليرة.
أمين أفندي كان يعرف تماماً أنه لن يستخدم الهاتف ولن يدفع ليرة واحدة إجرة المخابرة حتى لو دفع أمين أفندي إجرة الطريق من جيبه الخاص. حمزة بيك هذا كان من أصحاب الملايين، لديه معمل يديره إبنه وحصص في مصرفين إثنين حيث أن حصته في الأول عشرون مليون ليرة وفي الآخر ثلاثة ملايين ونصف المليون من الليرات. بالإضافة إلى مصنع لإنتاج الصابون يديره حفيده. هذا ما عدا الشقق الكثيرة، خاصةً العمارة التي بناها العام الماضي، عمارة مثل المدينة ذات ثمان وعشرين شقة. هذا عدا عن سوق تجاري كامل في الطابق الأول.
ذات يوم وبينما كان أمين أفندي يتناول طعام الغداء سمع طرقات متتالية على النافذة وبعدها سمع صوت يقول:
- أمين أفندي، أمين أفندي.
فتح الباب وإذ حمزة بيك هو الطارق:
- تفضل يا بيك.
- شكراً يا أمين أفندي، ولكن بينما كنت أصلي صلاة الظهر.
- تقبل الله يا بيك.
- هل تعلم ماذا خطر ببالي، تماماً وأنا في حالة السجود؟
- ماذا يا بيك؟
- في الصباح مررت بنيخو صاحب محل الفطائر تصوّر يا أمين أفندي أنه لا يستطيع تلبية طلبات الزبائن، مثل خلية النحل، تصوّر أن زوجته تساعده في المحل ولكن دون جدوى، كم إيراد المحل يومياً، أموال مثل الكشك، بالله عليك هل أنا على حق، أنا أحمق هاه؟ لا حول ولا قوة إلا بالله أستغفر الله، لا يجب أن أرفع الأجرة... هل إنتفت الأخلاق . إذهب وقل لنيخو، هذا الكافر، بأن أجرة المحل أصبحت واعتبارً من هذا الشهر ألفا ليرة، هل فهمت؟ قل له ذلك كي لا تدخل في متاهات المحاكم. كان سيفسد صلاتي هذا الكافر، لعنة الله عليك يا نيخو...
حمزة بيك، وحسب البطاقة الشخصية، في الثانية والسبعين إلا أنه كان يحاول إظهار نفسه أكبر من ذلك كثيراً. يقول أنه في الخامسة والثمانين، ومنذ أن بلغ الخمسين عاماً راح يردد عبارة إحدى قدماي في القبر لأنه كان يفكر أن إطالة العمر يعني الوقار والاحترام.
ذات يوم راح حمزة بيك، القاطن في الطابق السادس، يصرخ بأعلى صوته:
- أمين أفندي...
كان يصرخ على الرغم من وجود جرس كهربائي يصل ما بين شقته وبين أمين أفندي ولكن لم الجرس الكهربائي والتبذير؟.
أطلّ أمين أفندي من نافذة بيته قائلاً:
- أمرك يا بيك.
- هيا اصعد إليّ.
صعد أمين أفندي ستة طوابق مثل لمح البصر، بينما كان حمزة بيك في انتظاره.
- يهو: يا أمين أفندي بينما كنت أصلي صلاة العصر... الله يتقبل مني... هل تعلم ماذا تذكرت؟...
- يهو... ومن أين لي أن أعرف...؟
- الله، الله... ألم أقل لك.. صبرك يا أيوب. ألا يستطيع المرء الوقوف بين يديه مرتاح البال... ماذا قلت لك؟... ألم أخبرك ما جرى للخط الكهربائي الذي ينير الدرج... هيا إذهب إلى جميع القاطنين واجمع من كل واحد خمس عشرة ليرة كي أصلح الخط... آه يا أمين أفندي كم هو رائع أنني تذكرت ذلك.. هل جمعت المبلغ أم نسيت مثل كل مرة؟ هيا اذهب إليهم واجمع منهم المبلغ المطلوب، أو قل لهم أن يبحثوا عن الشخص الذي خرب خط الإنارة كي يصلحه على نفقته... البدو... يسكنون بشقق فخمة مكيفة.. والله لم يبق سوى أن أوزع عليهم مصاريفهم اليومية... أستغفرك يا رب... أنت الوحيد يا ربي العارف بعذابي... قل لهم أن حمزة بيك لن يصلح التيار ما لم تدفعوا ما عليكم، هيا إذهب وقل لهم ذلك... إن الله مع الصابرين.
ذات مرة أتى خادم حمزة بيك إلى بيت أمين يخبره بأن حمزة بيك بانتظاره، ولإنشغال أمين أفندي بحلاقة ذقنه، قل له أن البيك بانتظاره وعليك الصعود إليه بعد الانتهاء من حلاقة ذقنك.
صعد أمين أفندي من فوره يستطلع الأمر قائلاً:
- أمرك يا بيك لقد شغلت بالي.
- يهوه يا أمين أفندي الله يتقبل صلاتي وبينما كنت أصلي صلاة العشاء فجأة هل تدري ماذا تذكرت؟.
- ماذا يا بيك؟.
- بعد الغداء مررت بصاحبنا كامل بيك صاحب مخزن تجارة الأجواخ وسألته عن أحوال العمل، أجابني جامد السوق، واقف لا بيع ولا شراء!.. ولك هل شظن أنني أحمقاً أو معتوهاً، أليس لديه غير هذا الرد، أوف لقد فقد الانسان مصداقيته وأمانته تصور، مخزنه مليء بشتى أنواع المنسوجات والأجواخ والرجل يشكو من قلة البيع والشراء هل تعلم لماذا يا أمين أفندي؟ يقول ذلك حتى لا أرفع إجرة المخزن، لا والله لن أدعه يسرقني. تصوّر يا أمين أفندي مخزن كبير بألفي ليرة، لا والله لن أدعه يخدعني هل فهمت؟ تصور كل ما أدخل إليه يدعو ربه كي لا يأتي إليه أحد حتى لا أراه يعمل، ولو دخل أي زبون كان يعتذر عن بيعه لعدم توفر المطلوب. إنهم بلا ضمير يا أمين أفندي بلا إيمان، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. لقد ارتفع ضغط دمي ثانية.. آه يا أمين أفندي، ماذا أفعل مع هؤلاء المستأجرين، سيقتلوني.. تصور أنني أتذكرهم في حضرته عز وجل... هيا يا أمين أفندي. إذهب إليه وقل له: "طالما أنك تخسر في المخزن لمَ لا تخرج وتسلم المخزن ها؟" أنا لا أحب الضرر لأحد لأن إحدى قدماي في القبر... قل لعديم الضمير "كامل بيك" أن هناك من سيدفع 50 ألف ليرة فروغاً للمحل... وسلفة مقدمة عن عام بحدود خمسة آلاف ليرة، قل له أن يخلي المحل أو ستصبح الأجرة ثلاثة آلاف ليرة.
اضطرب حمزة بيك وأخذ يصرخ بأعلى صوته سيقتلوني أنا الرجل العجوز ، ها قد بدأت بالرجفان هل سيدفعون لي ثمن الدواء فيما لو مرضت؟
سمع أمين صوت الجرس الكهربائي بينما كان يهم بالدخول إلى غرفة النوم ومن المعروف أن الجرس الكهربائي كان يستخدم في الليل فقط لدعوته، لذلك إرتدى ثيابه وصعد مسرعاً كأنما لدغته أفعى.
- أمين أفندي...
- نعم يا بيك.
- ليتقبل الله صلاتي، هل تعلم ماذا تذكرت في صلاة العشاء؟ عزيزي أمين لا تشغل جهاز التدفئة غداً. الطقس والحمد لله لم يعد بارداً. ما شاء الله سيكون فصل الصيف في هذا العام حاراً، لقد نظرت إلى التقويم وجدت أن طيور السنونو ستمر غداً من فوق بلادنا... لم التدفئة المركزية؟ حرام... سيحاسبنا الله على تبذيرنا سيسألني الله يوم القيامة يا عبدي لقد أرسلت لك طيور السنونو مبشرةً بقدوم فصل الصيف وأنت ما زلت تشغل جهاز التدفئة، حرام إن الله لا يحب المبذرين، لذلك لا تشغل جهاز التدفئة غداً فأنا أخاف الله، قل لهم لقد انتهى فصل الشتاء. أمين أفندي لقد سمعت أحوال الطقس من المذياع عندما كنت أصلي، لقد أذاعوا بأن سرعة الرياح ستكون طبيعية وأن درجة الحرارة ستتجاوز الخمس مئوية.
أوف يا ربي ، المسألة مسألة نهب واحتيال، يدفعون مائتي ليرة مقابل تشغيل جهاز التدفئة وكأ،هم بذلك يريدون تشغيل التدفئة ليلاً نهاراً آه يا ربي ألهمني الصبر. آه آه... وحتى المياه الساخنة إقطعها عنهم، ومن لا يعجبه هذا الاجراء ليخرج من البيت، لأنني لا أجبر أحد على البقاء في بيتي. مثلما عليه الحال كل يوم طرق الباب:
- أمين أفندي، أمين أفندي...
أردف إثر هذا الصباح بمعزوفته اليومية والتي تتجلى بالسعال الجاف. فتح أمين أفندي الباب وهو يرتدي بنطاله:
- تفضل يا بيك.
ليتقبل الله صلاتي، بينما كنت بين يدي الله في صلاة الصبح، قلت في نفسي طالما أنهم يسكنون مرتاحي البال ها ه ه ه؟... خطرت ببالي فكرة، لمَ لا أعلن عن بيع البناء برمته، إعلان كاذب وهكذا سيتوافد الزبائن ليتفحصوا الشقق، ألن يدفعوا نقوداً مقابل شراء الشقق؟ لذا من حقهم تفحص ما يودون شراءه. من الطبيعي لن يأتي الزبون لوحده بل مع زوجته وأولاده ليشاطروه الرأي. أمين أفندي... سأعلن عن بيع البناء بأسعار متهاودة جداً كي أجلب الزبائن وهكذا سيتدفق الزبائن، وبذلك سيفتح قاطنو الشقق أبوابهم مرات عديدة، قل ثلاثين مرة على أقل تقدير يومياً كي يدخلوا ويتفحصوا ، نعم ثلاثون مرة سيدخلون ويخرجون، هل فهمت؟ وهكذا سنخرجهم من جلودهم طوال العام، سنعيشهم على القلق ما بين الاستقبال والوداع ولن يستطيعوا الإعراب عن إستيائهم لأن الشقق ملكي ومن حقي البيع والشراء.
لقد أتعبوني يا أمين أفندي، لذلك علينا مضايقتهم كي يخرجوا من هنا؟ كيف؟ أليست فكرة ذكية هاه؟ وبذلك نرغمهم على الإخلاء وبشكل غير مباشر، فأنا يا أمين كما تعلم طيب القلب تصور يا أمين أن هذه الأفكار تراودني أثناء الصلاة.
بينما كان أمين أفندي منهمكاً بمسح جدران الدرج صدفه حمزة بيك قادماً من الزقاق.
- أمين أفندي، انظر واسمعني جيداً ها أنا ذا قادم من المسجد بعدما أديت صلاة الجمعة، الله يتقبل مني صلاتي، هل تعلم يا أمين أفندي ما تذكرت عندما كنت أصلي؟ لقد تذكرت أولئك القاطنين في الشقة الثامنة؟ لقد نسيت إخبارك بأن المياه تتسرب من عندهم طوال الليل، لقد خربوا ماسورة المياه إنهم سيهدمون عمارتي... فأنا إحدى قدماي في القبر.. لقد.. صلاة الجمعة بسببهم... أفهمت؟ هذه العمارة ليست ملك كفار، قل لهم أن حمزة بيك يرغب أن تدفعوا له أجرة سنوية سلفاً، سلفاً، هل فهمت... لأنك لن تجد هذه الأيام شقة يمئتي ليرة، تصور يا أمين أفندي أنهم خربوا الحديقة، آه منهم، إن ما فعلوه تعجز عنه قوات الاحتلال.
- أمين أفندي، أمين أفندي.
- نعم يا بيك.
إنني قادم من صلاة العيد، الله يتقبل مني، لقد راودتني فكرة أثناء الصلاة ولكن ما هي يا ربي؟... آه لقد نسيت ما أود قوله... إن تصرفات أولئك المستأجرين ستزهق عقلي. آه شيئاً ما كنت أود إعلامك به تصوّر كنت في حالة الركوع عندما تذكرت ولكن ما هو...؟ لقد أخذوا عقلي... آه نعم لقد تذكرت، عندما كنت أصلي ، الله يتقبل مني، تذكرت أولئك القاطنين في الشقة الثالثة، خدعوني، تصور لقد قالوا بأن ليس لديهم أولاد، وإذ بهم يرزقون بولد بعد ثلاثة أشهر من سكنهم وهكذا في كل سنة، هذا ل يجوز يا أمين أفندي، قال الله إن الكذب ممنوع في الدين الاسلامي، آه يا أمين أفندي لقد تذكرت ذلك وأنا في حضرة الله، قل لهم أنني أمهلهم مدة شهر كي يجدوا شقة أخرى. إقطع عنهم الماء وتحجج لهم بأن المواسير مكسورة، ما هذا طفل في كل عام!.. وهل افتتحت بيتي داراً لحضانة الأطفال أن أعشاش لهم، أوف ألا يستطيع المرء أن يقف بين يدي الله مرتاحاً،أوف يا أمين أفندي حتى صباح هذا اليوم المبارك يشغلون تفكيري.
صعد أمين أفندي الذي يعمل بواباً منذ أربع عشرة سنة إلى الشقة السادسة وقرع بابها، سأل الخادم...
- أين البيك؟.
- يصلي...
دخل غرفة الانتظار وقال للخادم:
- عندما ينهي صلاته أخبره بأنني هنا.
بعد لحظات دخل حمزة بيك غرفة الانتظار وقال:
- يا للمصادفة، كنت سأرسل خلفك لأقول لك منذ قليل بينما أنا بين يدي الله...
رفع أمين أفندي يده مشيراً لحمزة بيك بالتوقف عن الكلام:
- قبل أن تقول لي ماذا تذكرت أثناء الصلاة سأقول لك بأنني قبل لحظات دخلت المرحاض وبينما أنا هناك قلت بيني وبين نفسي لمَ ينزعج بيكنا؟ لم؟ قلت أفضل شيء، لم لا يبيع هذه العمارة ويستريح من هم المستأجرين ، هكذا فجأة ولكن هذا الشيطان الملعون قاتله الله. قلت، عفوك يا بيك، هذا القواد يملك العمارات ، هذا الكافر يملك الملايين هذا عديم الضمير يملك المعامل، ولك هذا الشيخ الهرم قدميه الاثنتين في القبر، هل فهمت؟ هكذا والله يا بيك، خطرت ببالي بينما كنت في المرحاض، أموال لا تأكلها النيران. أوف إنه لا يريحني حتى في المرحاض!!
إصفر لون وجه حمزة بيك، ويداه أخذتا بالرجفان وخار على الأريكة.
- أمين أفندي، لا تصدق ما أوحاه لك الشيطان، نعم أملك الكثير من الأموال والعقارات ولكن لو بعت هذه العقارات فإني سأموت نعم سأموت يا أمين أفندي لأنني اعتدت على المشاجرة مع أولئك المستأجرين. ماذا أفعل؟
في اليوم التالي اقترب حمزة بيك من مقهى الحي وكأنه يعرف أن أمين البواب موجود فيه، ولعل ما زاد استغرابه أن ذاك الوقت لا يصادف أي موعد للصلاة، وكما هو معروف أن حمزة بيك لا يتذكر الأشياء إلا أثناء الصلاة:
- أبحث عنك يا أمين أفندي، أين أنت منذ ساعة، فاليوم أنا معكر المزاج.
بالفعل، مظهره الخارجي كان يدل على ذلك، صوته يرتجف كالباكي.
- أوف يا أمين أفندي لقد واريت صديقي، بل أعز أصدقائي، الثرى وها أنا ذا قادم من الجنازة. إيه هذا مصير الانسان، إنا لله وإنا إليه لراجعون. ولكن أتدري ما خطر ببالي أثناء صلاة الجنازة؟ لقد قدم إليّ أحدهم وطلب مني أن أقبله بواباً للعمارة وأن يدفع ثلاثة آلاف ليرة شهرياً، تصوّر يا أمين أفندي، سيدفع كي يعمل بواباً وأنا لا آخذ منك ولا متليكاً واحداً.
قال أمين البواب:
- حسناً ، ليأتي ذلك الرجل وليستلم البيت الذي أسكنه وليستلم العمل وأنا ذاهب لأجمع حوائجي.
استغرب حمزة بيك تصرفه كثيراً بل إنه لم يصدق ما يحدث أمامه..
- كيف ، الآن، ولماذا؟..
- نعم حالاً.
- هكذا بكل بساطة دون أن تغضب أو تنزعج، وتعويضاتك عن خدماتك، هكذا دون محامي وقاضي حتى دون مخافر!
- لا أريد قلت لك لا أريد، سأذهب وأجمع حوائجي.
- يا خسارة الدنيا، لم يعد لها طعم ولا لون. آه، لأذهب، إذ حان موعد صلاة العصر.


[CENTER]***[/CENTER]

*متليك: من أجزاء الليرة العثمانية القديمة
02-11-2006, 09:22 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
قارع الأجراس غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 262
الانضمام: Dec 2005
مشاركة: #19
مختارات من أدب عزيز نيسين
[CENTER]القطة السعيدة


إلتقينا مجموعة من الأصدقاء والمعارف في حفل افتتاح معرض للفنون الخزفية الذي أقامته إحدى فناناتنا المشهورات.
ساد اللقاء جو من الحديث الشيّق والحار، هذا يناقش صديقه، وذاك يعاتب صاحبه وهكذا.. أثناء ذلك تقدمت فنانة أخرى قائلة:
يا أولاد ، البارحة حلمت حلماً...
قاطعها أحد الشعراء:
أكان مزعجاً؟
لا أدري، لكن أما من أحد يفسر حلمي؟
وراحت تلك الفنانة تحدثنا عن حلمها.
- كنت سائرة بين مجموعة من الأشخاص، هذا ذاهب إلى عمله وذاك عائد منه، أما أنا فقد كنت هناك، كما أسلفت ، ذاهبة إلى مكان ما، وفجأة سمعت صوت أحدهم يقول:
- _ أنا ....!!
استدار الجميع إلى مصدر الصوت. بينما راح صاحبه يتابع ما بدأ به:
- أقول لكم ليقف كل في مكانه.
فوقفنا جميعاً.
سألها أحد النحاتين:
ولم وقفتم؟.
ردت عليه الفنانة قائلة:
ومن أين لي أن أعرف، المهم وقفنا، ألم أقل لك مجرد حلم.
تابع صاحب ذاك الصوت قائلاً:
والآن ليرسم كل منكم دائرة بالطباشير حول نفسه.
فظهر بيد البعض قطع من الطباشير ورسم كل منهم دائرة حول نفسه.
لكن أحد المتواجدين هناك استفسر قائلاً:
ليس لديّ طبشورة ماذا عساي أن أفعل؟.
أجابه ذلك الرجل:
من ليس لديه طبشورة ليرسم بقلمه.
راح البعض يرسم دائرته بقلم رصاص والآخر بالمداد الجاف أ, السائل. بحثت ملياً في حقيبة يدي، علّي أجد قلماً ولكن عبثاً، ولحسن الحظ لم أكن الوحيدة في ذلك، حيث ظهر عدة أشخاص لا يملكون أقلاماً.
لا أدري ما سبب الخوف الذي تسلل في أعماقي حتى رحت أرتجف وترتعد أوصالي، أحد أقراني ممن ليس لديه قلم سأل صاحب ذاك الصوت:
ليس لدينا أقلام، ما العمل؟
ردّ عليه قائلاً:
- من ليس لديه قلم ليرسم دائرته بنفسه.
وضعت كعب قدمي كمركز فرجار ورحت أدور حول نفسي راسمة دائرتي المطلوبة. أحد الحضور سأل فنانتنا:
- ولمّ رسمت الدائرة؟
- ما هذا السؤال! ألم أقل لك أنه مجرد حلم.
تدخل ممثل آخر بالحديث قائلاً:
إن الأحلام عادة لا تتسم بالواقعية.
وهكذا دبّ النقاش بين الحضور حول واقعية الأحلام.
وفي النهاية توصلنا إلى نتيجة مفادها أن الأحلام ليست منطقية ولا واقعية.
بعدما رسم الجميع دوائرهم، طلب صاحب ذاك الصوت عدم مغادرتها، وبالفعل تجاوب الجميع للأوامر. وبذلك أصبحنا أسيري دوائرنا.
سألها أحد الشعراء:
- ألم تستطيعوا الخروج من هذه الدوائر إطلاقاً؟
ردت عليه قائلة:
- لا، لم نستطع الخروج بتاتاً.
- ولماذا؟
- يا أخي ممنوع، ممنوع الخروج من الدوائر، ممنوع ألا تفهم؟.
عاود أحد النحاتين وسألها:
- حسناً فهمنا أنه ممنوع، ولكن لماذا؟
إستشاطت الفنانة غضباً إلا أنها كبتت غيظها وقالت:
- يا روحي ألم أقل لكم أنه مجرد حلم.
- أهناك أسباب ومسببات في الأحلام.
هكذا بقينا داخل دوائرنا.
- حسناً ولكن ليس لديك دائرة؟.
- ألم أرسمها على الهواء؟
- لكنها ليست مرئية، وحدودها ليست واضحة.
- لم أستطع الخروج منها، ولكن كيف؟ لا أدري!
- لم لا تخرجي من دائرتك وما المانع؟
- لأنه لا أحد يخرج من دائرته كي أتشجع وأخرج بدوري.
- ولم؟
- آه (أمان يا ربي)، لم لم لم ألم أقل لكم أنه مجرد حلم.
- آه نعم.
رغبتي كانت جامحة للخروج...
لو أستطيع مدّ إصبعي كي تمحوا ما رسمته، حاولت ذلك لكن صراخ صاحب ذاك الصوت زلزل أحشائي ـ لا أحد يمحو دائرته ـ وهكذا أصبحت أسيرة دائرتي.
ولكن ـ قال أحد الممثلين ـ منذ البداية كان عليك أن لا ترسمي تلك الدائرة.
- أنت محق بذلك، ولكن عزائي أنني لست الوحيدة حبيسة دائرتها.
لقد أشفقت كثيراً على ذلك الشاب المشلول، سمعته يقول عشرون عاماً وأنا طريح الفراش لا أستطيع الحراك، أما الآن وبعد احتباسي داخل هذه الدائرة، تولدت في أعماقي رغبة راحت تمزقني وتدفعني للخروج من هذه الدائرة. ولكن كيف سنخرج، ونحن لا نستطيع الحراك؟.
كما قلت لحظة إنغلاقي داخل هذه الدائرة اللعينة، شعرت بأنني قادر على الخروج مشياً، بل قولي راكضاً، ولو يسمح لنا إزالة هذه الدائرة.
إلتفت إلى الوراء وإذ بي أمام امرأة نائمة، نظرت إليها بإمعان وجدتها بلا روح، نعم بلا روح، ولكن الغريب بالأمر أنها تتكلم وتقول: آه لو تُمسح هذه الدوائر لخرجت وتفسحت قليلاً.
سألتها:
- أيعقل هذا، أنت ميتة وتتكلمين؟
- ردّت عليّ قائلة:
- منذ أن فارقت الحياة ماتت في أعماقي رغبتي في القيام بالزيارات، لكن منذ أن حبست داخل هذه الدائرة عادت هذه الرغبة تتفجر في أعماقي من جديد، آه لو لم أكن أسيرة دائرتي لاستطعت المسير والزيارات مثلكم أيها الأحياء.
التفت ثانية إلى الأمام وإذا بي بشاب مفلوج يقول:
- آه لو يخرج أحدهم ويزيل خطوط دائرتي ويخرجني من هنا ويخلصني من هذا البلاء.
قلت له:
- أنت مفلوج ولا تستطيع الحراك، كيف رسمت هذه الدائرة؟
أجابني قائلاً:
- نعم معك حق، أنا لم أرسم دائرتي بيدي، بل برأسي ، وإن ما قمت برسمه لم يكن سوى مشروع دائرة.
جميعنا هنا محتجزون داخل دوائرنا، رسمناها بأيدينا أو بأقلامنا وحتى برؤوسنا ولا نستطيع الخروج منها، وبذلك نقف عاجزين أمام دوائرنا.
بعد فترة إحتباس داخل دوائرنا، راحت تتغير العبارات، وتصبح على الشكل التالي:
آه لو يأتي أحدهم ويمسح دوائرنا، ويخلصنا منها، وهكذا راحت الأصوات تتعالى:
آه لو يأتي أحدهم وينقلنا، آه لو يأتي أحدهم وينشلنا من دوائرنا.
وباعتبار أن الجميع كان يردد هذه العبارات، لذلك رحت بدوري أردد أثناء ذلك راح الليل ينسج خيوطه المظلمة ويلقيها علينا.
- آه سأفقد عقلي أما من منقذ ينقذنا؟
فجأة صدر صوت جديد وبنبرة جديدة:
"آه لو يخرج أحدهم من دائرته لخرجت مباشرة"
وهكذا رحنا نردد نفس العبارة، راحت الأصوات تتعالى "ليخرج ذاك الشخص كائناً من كان".
ولكن رغم جميع الأصوات لم يخرج هذا (الأحدهم)، وقال: أنا هو الذي تبحثون عنه.
غطت الظلمة جميع أصقاع المنطقة ونحن ما زلنا محتبسين رهن دوائرنا.
في تلك الأثناء راحت قطة ذات عينين براقتين تصول وتجول بين دوائرنا، لا أحد يردّها أو يقول لها من أنت وإلى أين ذاهبة؟
قلت بيني وبين نفسي، آه لو كنت قطة ما أسعد هذه القطة.
راح الجميع يحسد القطة على حريتها.
كم هي ذكية هذه القطة، وكأنها عرفت ما يجول في أعماقنا، لذلك راحت تعاكسنا غير آبهة بأحد.
إنزعجت كثيراً من هذه القطة، وعلى أثر ذلك فتحت عينيّ، وإذ بي سابحة في بحر من العرق. وبعد أن أنهت فنانتنا حديثها عن حلمها قالت:
- والآن أما من أحد يفسر حلمي.
حاول أحد الكتاب التظاهر بالمعرفة إذ قال:
- عندما لا يستطيع المرء أن ينجح بسلك سلوك الإنسان، يحاول أن يهتم بسعادة القطط، على كلّ سأقوم بكتابة كل ما تحدثت به.
تدخلت تلك الفنانة منزعجة.
- ولم ستكتب؟.
تدخل النحات قائلاً:
- قد يجد أحد القراء في نفسه الكفاءة، ويلقي بنفسه خارج دائرته، وبذلك يظهر هذا الأحدهم الذي كنتم تبحثون عنه وتخرجون من دوائركم.

[CENTER]***[/CENTER]
02-11-2006, 09:31 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
قارع الأجراس غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 262
الانضمام: Dec 2005
مشاركة: #20
مختارات من أدب عزيز نيسين
[CENTER]كيف يجب أن يكون رئيس البلدية؟


تتم التحضيرات لانتخاب رئيس البلدية في إحدى المدن الصغيرة، ويتنافس فيها ممثلا أقوى حزبين، أما باقي المرشحين فقد كانوا خارج ظل المنافسة.
لقد انتهت الحملات الدعائية التي كانت تجري في المحلات والمنازل والمقاهي ولم يبق سوى المقابلات المباشرة مع المتنافسين.
بشير أفندي كان أحد المتنافسين، وهو الذي خدم في الجيش برتبة عالية وبعد ذلك عمل بصفة مدّع عام قرابة ثلاثين عاماً.
أما المتنافس الآخر فهو البقّال كاظم أفندي، مختار المدينة منذ سنوات طويلة، رجل أميّ، يجيد القراءة قليلاً، والكتابة لا يجيدها إطلاقاً، أما حسابات دكان البقالة فكان يقوم بها من خلال مجموعة إشارات ومصطلحات وضعها لنفسه.
ساحة المهرجان تقع مقابل مركز الحكومة في المدينة، حيث جهزت المنصة ووضع عليها إبريق ماء وكأس.
وبما أن الأجواء السائدة بين الحزبين اللذين يمثلهما المتنافسان كانت جيدة، لذلك دخل بشير أفندي وكاظم متأبطاً كل منهما ذراع الآخر.
تجمع أهالي المدينة والقرى المحيطة في الساحة. وبما أن بشير أفندي كان معروفاً من قبل الجميع فإنه كان على يقين تام من أنه سيصعد المنصة أولاً.
فتقدم من كاظم أفندي قائلاً:
- تفضل يا كاظم أفندي كي تلقي كلمتك أولاً.
أجابه كاظم أفندي:
- أستغفر الله ومن أنا حتى أصعد أولاً، تفضل واصعد يا بشير أفندي.
استمر بشير أفندي كريس بلدية طيلة فترة ثلاث دورات متتالية وهذا ما جعله يتدلل قليلاً، إلا أنه صعد المنصة في نهاية المطاف، وبدأ كلمته مباشرة ودون أي اضطراب وهذا نابع من طبيعة عمله في محكمة المدينة سنوات طويلة.
"أيها الأخوة المواطنون، كان لي الشرف إذ أنني كسبت ثقتكم العزيزة مدة ثلاث دورات ولكي أحافظ على هذه الثقة جهدت أن أكون أهلاً لهذه المهمة التي أوليتموني إياها والآن ونحن ندخل مرحلة إنتخابية جديدة لا أقول لكم إنتخبوني ولا أصر على ذلك، وما أود قوله أنني متعب جداً وفي نفس الوقت مشغول جداً ولديّ الأعمال الخاصة ولكنني رشحت نفسي ثانية خدمةً لمواطنيّ الأعزاء، ولهذا فالقرار قراركم في اختياري أو اختياره، رمق كاظم بيك بنظرة جانبية، ولكن عليّ توعيتكم فيما يتعلق بسمات رئيس البلدية، وسأقوم بذلك قدر طاقتي الشخصية.
إن رئاسة البلدية مهمة شاقة ومرهقة لذلك يجب أن لا يكون رئيس البلدية هرماً، ولا يضع طقم أسنان _ كاظم أفندي كان أكبر من بشير أفندي بأربعة عشر عاماً أصلع الرأس ويضع طقم أسنان ـ يعني رئيس البلدية يجب أن يكون عمره بحدود الخمسين عاماً ـ بشير أفندي كان في الخمسين من العمر ـ إياكم أن تنتخبوا شخصاً لا يفقه شيئاً في القانون أو النظام فيعطل أعمالكم ـ في المدينة كلها لا يوجد غير بشير أفندي رجل قانون ـ أنا لا أقول إنتخبوني ولكن يجب أن تحسنوا الاختيار، لا تنتخبوا شخصاً لا يجيد القراءة والكتابة!. ولأن رئيس البلدية يذهب إلى كل مكان، يجب أن يكون بنطاله مكوي، إياكم أن تنتخبوا رجلاً لا يضع ربطة عنق، وإلا ستفقدون شرف مدينتنا وكرامتها ـ في المدينة كلها لم يكن سوى بشير أفندي من يرتدي بنطالاً مكوياً، ويضع ربطة عنق ـ إياكم أن تنتخبوا شخصاً يرتدي قبعة غير لباديّة، إياكم أن تنتخبوا شخصاً لا يعتمر قبعة لباديّة ـ خلع قبعته اللباديّة وعرضها على الحضور ـ وإلا ستهينوننا ـ في المدينة كلها لم يعتمر القبعة اللباديّة سواه ـ أنا لا أذع عليكم كي تنتخبوني ولكن عند اختياركم ريس البلدية يجب أن تكون سماته كما شرحت لكم."
أخذ القرويون الذين ملؤوا الساحة يتهامسون عندما كان بشير أفندي ينزل من على المنصة:
- نعم يقول الصدق.
- إنه محق تماماً.
بعد ذلك صعد كاظم أفندي المنصة وبدأ كلمته قائلاً:
" بشير أفندي أوضح لكم كل شيء ـ مشيراً بيده نحو بشير أفندي ـ إن أنياب رئيس البلدية يجب أن تكون مغطاة بصفيح من الذهب ـ أنياب بشير أفندي كانت مغطاة بالذهب، تابع قوله مشيراً أيضاً بيده نحو بشير أفندي ـ ريس البلدية يجب أن يكون له عينان زرقاوان..."
أما القرويون فقد كانوا يقهقهون بأعلى صوتهم ، تابع:
"رئيس البلدية يجب أن يكون شخصاً أقف على يساره."
استشاط بشير أفندي غيظاً وغضباً. تابع:
"كذلك رئيس البلدية يجب أن يحمل مثل ذلك العكاز ويسند على أرنبة أنفه نظارتين."
كان القرويون يقهقهون بشدة من حديث كاظم أفندي.
"رئيس البلدية يجب أن يكون إسمه بشير.."
نزل كاظم أفندي من على المنصة أما الحضور فكانوا لا يستطيعون التماسك من شدة الضحك. أما بشير أفندي فقد كان يقضم شاربيه بأسنانه من شدة الغيظ.
استمر المهرجان الانتخابي في اليوم الثاني، أما الجماهير المحتشدة والتي زاد عددهم عن الضعفين، فانقسمت إلى قسمين، الالبية تقف إلى جانب بشير أفندي.
تخلى بشير أفندي هذا عن المواقف اللينة لذلك راح ينشر الغسيل الوسخ لمنافسه. وهذا ما جعل الأحاديث كلها تدور حول أملاك كاظم أفندي.
إعتلى بشير أفندي المنصة متوتراً من حديث البارحة ولذلك بدأ حديثه مباشرةً:
"أيها المواطنون:
إنني مجبر على الإفصاح عن جميع القضايا، هل هناك أحد لا يعرف ما قدمه كاظم أفندي طيلة فترة مخترته. عندما يزور مدينتنا أي ضيف كبير فإلى أين يذهب أولاً، من المؤكد أنه سيذهب إلى بيت المختار كاظم أفندي، ولكن لماذا؟ أنتم جميعاً تعرفون السبب. هل تذكرون ما جرى في العام الماضي عندما استضاف ثلاثة زوّار، هنا أشفقت على أمينة يومها! أليس هو الذي داعبها في البستان وترك زوّاره..."
دبت همهمة واضحة بين القرويين:
- صحيح تماماً.
- نعم صحيح ما يقوله.
"أيها المواطنون:
هل تعلمون ماذا فعل بجلود الأغنام التي أخذها في عيد الأضحى الماضي؟ إن هذا الرجل الذي يود أن يصبح رئيساً للبلدية تزوج من أربع نساء بعقد غير قانوني. هل هناك من لا يعرف ذلك؟.."
إرتفع صوت القرويين قليلاً:
- حلال على الشاطر.
"أيها المواطنون:
كلكم يعرف تماماً أن هذا الرجل لم يكن يملك سوى دكان بقالة فقط قبل أن يصبح مختاراً ولكن خلال عشر سنوات كلكم تعرفون أنه يمتلك نصف هذه المدينة.."
ارتفعت أصوات القرويين ثانيةً:
- كم هو بارع هذا المختار.
"أيها المواطنون:
إن الحديث الذي أود قوله لم ينته بعد وهناك الكثير ولكن لا يجوز الاستمرار أكثر من ذلك، ولذلك أنتم أصحاب القرار في الاختيار."
اعتلى كاظم أفندي المنصة بعد انتهاء التصفيق الحاد وبدأ خطابه:
"صحيح تماماً كل ما قاله بشير أفندي إنه مدّع عام منذ ثلاثين عاماً ولكن لا يملك قطعة أرض صغيرة ولا حتى زوج ثيران!... إنه إنسان شريف جداً وإذا نزل عنده أي زائر فهو لا يملك مكاناً يجلسه فيه، أو سريراً ينام عليه. أما إذا كنتم تودون أن تعرفوا وضعي فأستطيع القول أنني لم أكن أملك أي شيء قبل أن أصبح مختاراً، أما الآن ولله الحمد فأملك قطعة أرض تبلغ مساحتها /250/ دونماً وقبعة لباديّة... لديه نظارتان وربطة عنق، أما أنا فإنسان أمّي لا أجيد القراءة ولا الكتابة. هذا ما رغبت في قوله وعليكم الاختيار".
انتهى المهرجان الخطابي وتفرق الجميع، أما الإقتراع فسيبدأ بعد يومين.
إجتمع أصدقاء المختار في بقاليته:
- ماذا فعلت يا كاظم أفندي؟ ما هذا الكلام الذي قلته؟ لقد جعلت منه ملاكاً طاهراً، ولا يملك شيئاً وأنت تعرف تماماً أن لديه القدرة أن يزينك بالذهب.
ضحك كاظم أفندي وقال:
- لنر ماذا سيحصل في الانتخابات؟
- ياهوه... ألم تكن لديك مائتا رأس ماشية، والدونمات الثلاثون التي ورثتها عن والدك، وزوج الثيران. ألم يكن لديك كل هذا قبل أن تصبح مختاراً، وأمينة التي أشفق عليها أليس هو الذي هتك عرضها.
- هدئ من روعك.. لنر ماذا سيحصل في الانتخابات.
إنتهت الانتخابات وتم فرز الأصوات. ولم يستطع بشير أفندي رئيس البلدية السابق الحصول على ربع الأصوات التي حصل عليها المختار. وهكذا أصبحت نتائج الانتخابات الشغل الشاغل لأهل المنطقة.
- يلزمنا تعبيد الطريق وتمديد أنابيب المياه، كذلك يلزمنا بذار وماشية. بشير أفندي ماذا فعل طيلة هذه السنوات ماذا استفدنا من علمه، إنه إنسان غير ماهر.! أما المختار فهو رجل كبير لا شك ولا يستطيع عمل شيء، ولكنه إنسان مدبر.
بعد تلك الانتخابات تغيرت أساليب الدعاية الانتخابية ولذلك أخذ المرشحون يعرفون أنفسهم على النحو التالي:
"أيها المواطنون مائة رأس من الماشية، أربعة أزواج من الثيران، وأربع نساء، وخمسمائة دونم أرض، وكل أسبوع أداعب امرأة وأهتك عرضها، وببراعتي حصلت خلال شهر على كل ذلك."


[CENTER]***[/CENTER]
02-11-2006, 09:33 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  مشجوج بالفأس - مختارات من الشعر الأمريكي والأنجليزي _ ترجمة : فاطمة ناعوت ali alik 0 896 03-31-2010, 12:43 AM
آخر رد: ali alik
  الشخصانية الإسلامية - محمد عزيز الحبابي الواد روقه 3 4,049 07-29-2009, 10:58 PM
آخر رد: الواد روقه
  محمد عزيز لحبابي يجعله عامر 20 7,650 05-12-2009, 03:11 PM
آخر رد: محمد شريف
  مختارات من كتاب (المرأة .. بحث في سيكولوجيا الأعماق) skeptic 1 871 03-12-2006, 02:00 AM
آخر رد: skeptic
  مختارات للرائع ابدا طلال حيدر bassel 1 829 01-31-2006, 02:55 PM
آخر رد: bassel

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS