اقتباس: بهجت كتب/كتبت
إن الليبرالية ليست منتجا نهائيا يمكن للشعوب تقبلها بشكل دوجمائي ، و للأسف فإن هذا الشكل الدوجمائي وحده يتناسب مع التناول العقائدي للأفكار الذي نمارسه في الشرق العربي ، فيبدوا أن عقولنا لا تعمل خارج الشعارات و الصيغ سابقة الإعداد . الليبرالية في طبيعتها هي اتجاه عقلي أو منهج للمعرفة و إدراك الكون . لذلك فالليبرالية تنشأ كمناخ عام للحرية الفكرية و الروحية ، و يمكنها استيعاب طيفا كبيرا من الأفكار و الاتجاهات
هنا لخصتم سيادتكم الإجابة على التساؤل الذي كنت طرحته:
"هل الليبرالية نظام يمكن تطبيقه على أي بيئة ثقافية؟ أم أنها نتيجة حتمية لخلفية ثقافية و معرفية معينة؟"
نعم و بدون الدخول في تفاصيل تعريف الليبرالية - فهي كنظام إقتصادي / ثقافي / إجتماعي / أخلاقي - ليست منهجا قابل للتطبيق المباشر على أي بيئة - بل هي منظومة متكاملة و ناتجة بالضرورة عن ظروف معينة.
و تباعا نصل للسؤال:
ما هي الظروف المحددة التي تؤدي لتبني المنظومة الليبرالية؟ و بصياغة أخرى - ما هي الشروط التأهيلية لقبول و تبني الفكر الليبرالي؟
و لكي نحاول الإجابة على هذا التساؤل فلتسمح لي بالعودة لمنظومة الإقتصاد / الثقافة و تأثيراتها المتبادلة. و هذا منعا للخلط.
و لنسأل السؤال التالي:
ماذا يمكن أن يغير الإقتصاد بثقافة مجتمع؟
و لنأخذ كمثال أو المثل الخليجي - تغيرات إقتصادية هائلة أدت لمجتمع وفرة يعتمد على آخر و احدث نتائج التكنولوجيا - و هذا بزمن شديد القصر.
ماذا تغير بثقافة المجتمع السعودي؟؟
الإجابة = صفر
و قد يعترض البعض بأمثلة لمتغيرات حياتية - لكنها لن تعدو أن تكون متغيرات سلوكية و ليست أخلاقية ناهيك عن كونها ثقافية.
ثم دعنا الآن نطرح عاملا آخر بات مؤثرا منذ القرن العشرين و هو الميديا أو الإعلام و مدى قدرته على التأثير بثقافة مجتمع.
هل من الممكن للتكرار الإعلامي - موجه كان أم عفوي - أن يغير من ثقافة مجتمع؟
الإجابة نعم - لكن لأي مدى - و هل هذا المدى يكفي لتبني المنظومة الليبرالية؟
من غير العدل إنكار تأثير الميديا على ثقافة المجتمعات - بل و تبنيها عادات و أخلاقيات و ربما قيم ليبرالية. و بخاصة عند إضافة الضغوط الخارجية لعامل الإعلام.
و أخيرا هل من الممكن أن تصل هذه التغيرات - الناتجة عن الضغوط الخارجية و الإعلام لتبني كامل المنظومة الليبرالية؟؟
الإجابة و بالتأكيد نعم و لم لا؟ و الأمثلة كثيرة من شرق آسيا لشرق أوروبا ...ألخ.
إذا .. لماذا فشلت المجتمعات العربية تحت نفس تلك الظروف في تبني المنظومة الليبرالية.
و لنضرب كمثال على الحالة الأخيرة النموذج المصري - و برغم المظاهر الليبرالية و الميديا و الضغوط الخارجية - لماذا فشلت التجربة الليبرالية مرتين: قبل ثورة 23 يوليو - ثم فشل محاولات التنمية يساريا - ثم أخيرا الفشل الحالي الذريع و التناقض و التعقيد الشديد في الحالة المصرية (نفس المثال لكل من الجزائر و المغرب و دول الشام).
و هذا يقودنا لنتيجة:
بعض الدول تحت نفس الظروف تنجح في تبني المنظومة الليبرالية و بعضها يصاب بفشل تلو الآخر.
مما يصل بنا لتساؤل سيادتكم:
اقتباس: بهجت كتب/كتبت
لماذا تستطيع شعوب دون أخرى أن تتبنى قيم الحداثة و تعمل وفقا لمناهجها ؟. سؤال هام جدا ، أطرحه على الجميع .
و للإجابة عن هذا التساؤل نرجع للمثلين أعلاه و نتساءل:
ما الذي لم يغيره التغيير الإقتصادي الهائل في حالة الخليج؟؟
و ما الذي لم يتغير تحت الضغوط الخارجية الهائلة و الإلحاح الإعلامي بمناطق مثل مصر؟؟
و الأدهى أنك تجد في المثال المصري و هو الأقدم تناقضات و تعقيدات هائلة أعيت منظري و مفكري المجتمع:
قيم ليبرالية بالإعلام و المجتمع - جنبا إلى جنب مع ما يناقضها من قيم دينية.
أخلاق و مثل عليا كمثال يحتذى يلح عليها الإعلام (تحرير المرأة - القيم العلمية - تحديث التعليم ....) - جنبا إلى جنب (و بنفس الإعلام) مع دعوات الإنغلاق و العودة لأخلاق البداوة و نبذ و تحقير شأن العلوم.
و في خضم هذه المتناقضات تجد تفسيرات سطحية لفشل التجربة الديموقراطية و فشل التنمية و فشل المنظومة الليبرالية ككل:
1-فيعلق الفشل تارة على النظام الحاكم - و كأنه جاء من الفضاء - و لم يسأل أحدهم نفسه عن نفس الوضع لو جاء نظام فاسد بدولة ليبرالية فما النتيجة؟ أو لو تم نسف هذا النظام هل سينتج المجتمع نفس الفساد أم أنه سيتولد مجتمع جديد.
2-و يعلق الفشل تارة على المؤامرات الإمبريالية - ناسين أو متناسين تجارب الدول الأكثر تعرضا للمنافسة الإقتصادية و السياسية لحد التدمير منا.
3- و يعلق تارة على البعد عن المنهج الإلهي بالحكم - و هو العكس المنطقي للمنظومة الليبرالية.
و نطرح آلاف الأسباب و نظل نتناقش و نصيح: لماذا نحن فاشلون؟؟
و لكن لم نقترب أبدا و عن قصد لسبب شديد الوضوح و البساطة و لو بالخطأ (أليس في هذا مدعاة للتساؤل؟):
[SIZE=4]
عدم تغيير منظومة المرجعية المعرفية للمجتمعات العربية
العامل الذي لم يتغير بتجارب مصر و السعودية و كافة الدول العربية هو بوضوح و بساطة المرجعية المعرفية و تباعا المرجعية الأخلاقية للمجتمع..
لو أخضعنا أي مجتمع و لو بدائي للبحث ستجد لهذا المجتمع مرجعية معرفية و هي المصدر الذي يستقي منه هذا المجتمع يقينه و معارفه و آراؤه - و تباعا مجموعة من القوانين التي تحكم السلوك و هي المرجعية الأخلاقية. و في حركة تطور هذا المجتمع - يحدث تغيير للمرجعية المعرفية بزيادة المعارف ثم تباعا أيضا يحدث التغيير بمنظومة القوانين الأخلاقية التي تحكم السلوكيات و المعاملات.
و في المثال السعودي و مع التعتيم و القمع الإعلامي من جهة و التغيير الإقتصادي من جهة لم يتغير كلا من المرجعيات المعرفية و الأخلاقية بمقدار الصفر.
أما بمصر و مع الإنفتاح النسبي للميديا و الإحتلال و محاولات التنوير فالذي حدث هو محاولات تبني إنتقائي لبعض القيم الأخلاقية الليبرالية ليس إلا.
محاولات التنوير تحاشت تماما الإصطدام بالمرجعية المعرفية الدينية للمجتمع و على إستحياء بدأت بالعكس من ناحية القدمين بمحاولات نشر مفاهيم أخلاقية ليبرالية مثل تحرير المرأة و نشر العلم - و لتحاشي الإصطدام بدأت عملية محاولات توفيق محكومة بالفشل بين هذه القيم الأخلاقية الدخيلة و بين المرجعية الدينية للمجتمع - و حين نقرر بيقين أن هذه المحاولات محكومة بالفشل ببساطة لكون هذه القيم الأخلاقية ناتج عن مرجعية معرفية مختلفة كل الإختلاف عن المرجعية الدينية التي تحاول هذه النخب توفيقها معها.
و مع أول صدام و مع أول إحباط جماعي يبدأ المجتمع بالرجوع و الإحتماء بمرجعياته - ماذا نتوقع نتيجة هذا الصدام؟؟
إنهيار تام للقيم الأخلاقية المستوردة بغير قاعدة تستند عليها - بل و نزيد بحالتنا - تتناقض مع كلا من المنظومة المعرفية الدينية أولا و المنظومة الأخلاقية الدينية التابعة لها في مجتمعاتنا.
و يبدو المثل بوضوح شديد بتراجع حتى الأخلاق الليبرالية من بعد نكسة 67 بمصر خاصة - تراجع وضع المرأة - دعوات تحقير العلم - إنتشار هائل للفكر الأصولي - حالة من التشتت و الضباب الفكري للمجتمع. و يبدو هذا واضحا في حالة الرعب و الفشل المصاحبة لكلمة "تغيير الدستور" بمصر الآن - فالدستور هو المرجعية - أي مرجعية نتحدث عنها؟؟؟
الذي حدث ببساطة هو محاولات بناء صرح بدون أساسات. هو محاولات إعتناق قيم ناتجة عن مرجعية معرفية مخالفة بل و مناقضة لمرجعية المجتمع - و هو وضع غير مسبوق بالتاريخ.
و في إعتقادي إجابة لآخر تساؤلات الشريط لماذا تنجح بعض الدول و تفشل الأخرى في تبني منظومة الليبرالية:
السبب ببساطة في إمكان تغيير أو تطوير المرجعية المعرفية لمجتمعات ما نظرا لطبيعة أو لمرونة هذه المرجعيات - إلى مرجعيات علمية.
أما الحال الآخر فهو تصلب و تيبس المرجعيات المعرفية للمجتمعات الفاشلة - و المهددة بالإنقراض - عن مجرد التطور و تبني مرجعية علمي و هذا لتناقضها الصريح و الشديد معها.
لقد لخص السيد فرعون مصر بأسلوب بسيط و بدون تعقيدات مكمن الإشكالية التي حاولت كل جهود التطوير تحاشي مجرد الحديث عنها.
الحل يا سيدي هو الصدام المباشر مع المرجعية الدينية - و ليس محاولات تدليسية محكوم عليها بالفشل عند أول صدام لتبني قيم و أخلاق هي نتائج لمنظومة معرفية مناقضة.
تحياتي للجميع