قضية الخلود شائكة، وعلتها المركزية هي خلايا الدماغ التي حتى فترة قريبة كان يُظن أنها لا تتجدد.
ناقشنا هذا الموضع في الجامعة ذات مرة، وكانت النتيجة أن التطبيق بعيد جداً عن الأدوات الموجودة اليوم بسبب محدودية القدرة على التحكم بالخلايا العصبية التي هي الأساس من وراء فكرة الخلود، فلا هدف من خالد يعود كل 80 عاماً الى جيل الصفر ليتعلم من جديد.
أما الفكرة الأبسط هي إطالة عمر الخلايا التي قد يُقدم فيها العلم الحديث شيئاً يستحق الذكر.
هذا مقال (متعوب عليه) عن تجديد خلايا الدماغ، تعلمناه في محاضرة عن الجهاز العصبي والدماغ وسأترجم حالياً ما استطعت.
المقال كُتب في 2009 على ما أذكر:
في تسعينات القرن الماضي حصل تغيير جذري في علم الأعصاب الدماغية بعد أن تبين أن دماغ الثديات البالغة قادر على انتاج خلايا جديدة (كان الإعتقاد الشائع أن انتاج خلايا الدماغ يتم في الأجيال الصغيرة في وقت نموها)، لكن عالمة أعصاب أمريكية اسمها اليزابيث غولد (
ويكيبيديا) أثبتت أن أن الخلايا الدماغية ممكن أن تنتج عند البالغين أيضاً في منطقة تُدعى بالهيبوكومبوس Hippocampus المتعلق أساساً بالذاكرة والتعليم، وبعد فترة قصيرة بدأت الأبحاث التي تؤكد ما جاءت به اليزابيث تنهال من كل حدب وصوب بدءاً من الفئران حتى أنواع معينة من القرود Marmoset، وفي عام 1998 قطع الشك اليقين وثبت أن دماغ الانسان البالغ له القدرة أيضاً على إنتاج خلايا جديدة.
متابعة إنتاج الخلايا تتم عن طريق الحقن بمادة تدعى BrdU (
ويكيبيديا) الذي يُظهر الخلايا الجديدة فيسهل متابعتها، وتبين أن دماغ الفئران يُنتج بين 5 و10 آلاف خلية جديدة يومياً (لا يُعرف حتى الآن كم عددها عند الإنسان لصعوبة التعامل مع الدماغ البشري وحساسيته)، وطبعاً فالكمية غير ثابتة وتتأثر بعدة عوامل، فالفئران التي كانت تتمرن على الدولاب أنتجت ضعف الخلايا من نظيراتها التي كانت مرتاحة طول اليوم كما أن بعض الأطعمة أظهرت نتيجة مشابهة.
المفاجئة كانت أن هذه الخلايا الجديدة تموت بسرعة (عدة أسابيع)، وهنا طرح السؤال عن سبب انتاج الدماغ لهذه الخلايا ما دامت ستموت بعد فترة قصيرة، والجواب كان أن الدماغ ينتجها للاحتياط، فسيبقيها إن احتاجها أو سيتخلص منها إن لم يكن لها فائدة، وهنا قررت بروفيسور غولد أن تقوم بتجربة وهي جعل الدماغ يحتاج هذه الخلايا، وبما أنها تُنتج في مركز التعليم والذاكرة فالمطلوب كان تعليم الفئران شيئاً جديداً.
التجربة كانت هي تعليم الفئران أن يرمشوا (-لا أعرف الكلمة الفصحى- Blink) على غرار كلاب بابلوف التي يسيل لعابها عندما تسمع صوتاً مرتبطاً بالطعام (التجربة المعروفة)، والطريقة هي بأن تسمع الفئران صوتاً وبعد 500 ميلي-ثانية (نصف ثانية) يتم أجبارها أن ترمش من خلال نفخة هواء خفيفة.
تم حقن الفئران بالـ BrdU وضم قسم منها الى التجربة بعد اسبوع، وقسم آخر بقي في قفص آخر.
بعد 5 أيام من التدريب كانت النتيجة أن الهيبوكامبوس عند الفئران المدربة حافظ على عدد خلايا جديدة أكثر من نظيراتها الغير مدربة، وخلال فترة قصيرة بقيت خلايا قليلة جداً عند الفئران الغير مدربة مقابل ما بقي عند الفئران المدربة، ونفس النتيجة كانت عند حيوانات دُربت على السير في متاهة.
المفاجئة الأخرى هي أن التدريب وحده لم يكن كافياً ليحافظ الدماغ على الخلايا، فعند الفئران التي لم تنجح في توقع المستقبل وغمض أعينها خلال نصف ثانية كانت أعداد خلايا الدماغ الجديدة عندها مشابهة لتلك التي لم تتدرب بتاتاً، وتبين أيضاً أن نوع التدريب أيضاً مؤثر، فتعليم حيوان أن يسبح نحو منصة عائمة لم يعط تأثير تدريب الرمش، والسبب هو أن هذه التدريبات لا تتطلب قدرة عقلية، انما غريزة البقاء أو عدم الرغبة في الغرق هي التي تُحركها.
سأعود لأترجم باقي المقال لاحقاً.