نعم.. الدين أفيون الشعوب
عصام عبدالله
GMT 6:00:00 2010 الأربعاء 23 يونيو
فاز المفكر والأديب اللبناني (الفرنسي) أمين معلوف يوم 9 يونيو الجاري بجائزة أمير استورياس للآداب 2010. وحسب بيان لجنة تحكيم هذه الجائزة الإسبانية المرموقة فإن أعماله " التي نقلت إلى أكثر من 20 لغة جعلت منه أحد الكتاب المعاصرين الذين جعلوا من الثقافة المتوسطية مساحة رمزية للتعايش والاعتدال "..
ولد معلوف في بيروت عام 1949، وانتقل إلى باريس عام 1976، وحاز علي جائزة غونكور عام 1993 عن روايته "صخرة طانيوس".
في مناسبة حصوله علي الجائزة قال معلوف:" لطالما كانت إسبانيا حاضرة في أعمالي. ليس فقط لأنها وطن بطل أول رواية لي "ليون الأفريقي" بل لأنها خصوصا أرض التلاقي بين الديانات الكبرى في المتوسط منذ قرون".
نبهتني الأستاذة " مني عباس فضل " إلي أهمية كتاب " اختلال العالم " لأمين معلوف، خاصة الفصل المعنون " التيقنات الخيالية "، حيث ينبش ويحفر في عمق إشكالية فهم الدين وتداخله مع النضال السياسي، من خلال تأويل جديد لأشهر المقولات المعروفة عن " كارل ماركس " في عالمنا العربي الإسلامي.
يقول معلوف أنه حين قال ماركس إن الدين " أفيون الشعوب " لم يقله بدافع الاستهزاء أو التعالي كما فعل تلاميذه، إذ لابد - كما يقول - من قراءة نص ماركس نفسه وكما ذكره، وهو: " إن القنوط الديني هو التعبير عن قنوط حقيقي وعن احتجاج على القنوط في آن. فالدين هو تنهيدة المخلوق المظلوم، قلب عالم بلا قلب، روح عالم بلا روح. إنه أفيون الشعوب ".
تأويل معلوف لهذه الفقرة: أنه يجب إلغاء هذه " السعادة الوهمية " وإذا تبين أن السعادة البديلة الموعودة أكثر وهمية أيضاً، فإن الشعوب ستعود إلى " أفيونها " المعزي. مشيرا إلى أن غلبة الإسلام السياسي جاءت على حساب القومية والماركسية اللتان لم تهزما فقط من الإسلام السياسي بل تم استملاكهما من قبله، وأن الثورة الإيرانية هي ثورة دينية وقومية في آن وهي مناهضة للنظام الملكي، معادية للغرب، معادية لإسرائيل، وتتحدث باسم جماهير المحرومين، وبالتالي فهي مزيج قوي جدا له تأثير حاسم.
الموقف المقابل للثورة الإيرانية، حسب معلوف، هو ما فعله سوكارنو في اندونيسيا، حيث جمع مفردات القومية والإسلام والشيوعية، وهو ما يعرف باللغة المحلية (مبدأ نازاكوم)، هذا الدمج التعسفي ما هو إلا لصق مصطنع ما لبث أن تفكك.. فالقومية لم تنجح في أي مكان من العالم الإسلامي في استيعاب الدين ولكن الدين استوعبها لاحقا.
تقول " منى عباس فضل ": أن ما ذكره معلوف عن ارتباط المرء بعقيدته في الإسلام، ينطبق علي تقاليد دينية أخرى، ففي الاتحاد السوفييتي السابق كان من المتصور أن الشيوعية قد انغرست إلى أمد طويل بعد استقرارها عدة عقود، وأن الإيمان المسيحي الأرثوذكسي لم يعد سوى أثر بعد عين، لكنه وقبل أن ينتهي القرن كانت الشيوعية قد سقطت كطعم يابس، وأخذ الحكام الجدد يرتادون الكنائس من جديد.
معلوف في طرحه – برأينا - يتوسل علم اجتماع المعرفة عند " كارل مانهايم " كما دشنه في كتابه (الإيديولوجيا واليوتوبيا): " في فهم الفكر في بيئته المادية الملموسة ". حسب مانهايم فإن: الاشتراكية الحديثة ترجع أصولها إلي العقيدة الدينية الألفية، ومن ثم فإن الحركة التي قادها " توماس مونزر "، ينبغي أن تعتبر (الخطوة الأولي) في الطريق إلي الحركات الثورية الحديثة. فقد كان مونزر ثائرا اشتراكيا بدوافع دينية، ويجب ان تمنح هذه الحركة اهتماما خاصا لأن العقيدة الألفية والثورة الاجتماعية مندمجتان فيها اندماجا بنيويا.
ان " روحنة السياسة " منذ ذلك الحين، تركت تأثيرا علي معظم الحركات الاجتماعبة في العالم كله، وفي مختلف العصور والأزمان.
أمين معلوف يضعنا وجها لوجه أمام تحد كبير، ويدعونا إلي إعادة قراءة الواقع كما هو وليس كما نرغب أن يكون فقط، فقد نجحت حركات الإسلام السياسي علي امتداد العالم الإسلامي ومنذ السبعينيات من القرن الماضي، في اجتذاب الجماهير من خلال الشعارات الدينية البراقة، مثل (الإسلام هو الحل) و(الحكم لله) و(المدينة الفاضلة)، ناهيك عن أنها كرست ذهنيا فكرة جوهرية، مفادها: أن تحقيق (العدل) الاجتماعي مرهون بوصولها إلى كرسي الحكم، ما يعني أن مضمون الإيمان لا يتحقق كامل معناه ومبناه إلا في ممارسة " الفكرة " التي ترمز إليه.
كارل ماركس في نقد الدين
... إن أساس النقد اللاديني: الإنسان هو الذي يصنع الدين، وليس الدين هو الذي يصنع الإنسان. إن الدين، في الواقع، هو وعي الذات وتقدير الذات لدى الإنسان الذي لم يعثر بعد على ذاته، أو أضاعها من جديد. لكن الإنسان ليس كائنا مجردا، جاشما في مكان ما خارج العالم. الإنسان هو عالم الإنسان، الدولة، المجتمع. وهذه الدولة، وهذا المجتمع ينتجان الدين؛ الوعي المقلوب للعالم. لأنهما بالذات عالم مقلوب.
الدين هو النظرية العامة لهذا العالم، خلاصته الموسوعية، منطقه في صيغته الشعبية، مناط شرفه الروحي، حماسته، جزاؤه الأخلاقي، تكملته المهيبة، أساس عزائه وتبريره الشامل. إنه التحقيق الخيالي لكينونة الإنسان، إذ ليس لكينونة الإنسان واقع حقيقي. إذن، النضال ضد الدين هو بصورة غير مباشرة، نضال ضد ذاك العالم الذي يشكل الدين عبيره الروحي. إن الشقاء الديني هو تعبير عن الشقاء الواقعي، وهو من جهة أخرى، احتجاج عليه. الدين زفير المخلوق المضطَهَد، قلبُ عالم لا قلبَ له، كما انه روح شروط اجتماعية لا روحَ فيها؛ إنه أفيون الشعب.
إن إلغاء الدين، بصفته سعادة الشعب الوهمية، يعني المطالبة بسعادته الفعلية. ومطالبة الشعب بالتخلي عن الأوهام حول وضعه، يعني مطالبته بالتخلي عن وضع في حاجة إلى أوهام. فنقد الدين هو، إذن، النقد الجنيني لوادي الدموع الذي يؤلف الدين هالة له.
لقد نزع النقد عن الأصفاد الزهور الوهمية التي كانت تغطيها، لا لكي يحمّل الإنسانَ أصفادا غير مزخرفة، موئسة، بل ليتخلى عن الأصفاد ويقطف الزهرة الحيّة. إن نقد الدين يحطم أوهام الإنسان، حتى يفكّر، ينشط، يصنع واقعه بصفته إنسانا تخلص من الأوهام وبلغ سنّ الرشد، لكي يدور حول نفسه، أي حول شمسه الحقيقية. فالدين ليس سوى الشمس الوهمية التي تدور حول الإنسان مادام الإنسان لا يدور حول نفسه.
إن مهمة التاريخ، إذن، بعد زوال عالم ما وراء الحقيقة هي أن يقيم حقيقة هذا العالم. تلك هي، بالدرجة الأولى، مهمة الفلسفة، التي تخدم التاريخ وذلك بعد أن يجري فضح الشكل المقدس للاستلاب الذاتي للإنسان، وينزع القناع عن الاستلاب الذاتي في أشكاله غير المقدسة. وبذلك يتحول نقد السماء إلى نقد الأرض، نقد الدين إلى نقد الحقوق، ونقد اللاهوت إلى نقد السياسة....
"نقد فلسفة الحقوق عند هيغل: مقدمة"
ترجمة المقطع خاصة بمجلة "النقطة" (باريس 1983)
http://www.elaph.com/Web/opinion/2010/6/572383.html