سوف ننظر هنا لطريقة الكاتب في التعبير عن فكرته والأدوات التي امتطاها لتسويقها وجعل الإيمان بها علي هذه الدرجة التي تجعل الزميل / لواء الدعوة يطلق عليها تلك الأوصاف الفخمة - أنها نقشت علي جدران السجون وكانت سلوي للمظلومين .. إلخ – وكأننا أمام عمل من فلتات الزمن , وللحقيقة فإن تلك القضية خطيرة ذلك أن مجال التلقي هنا كان مجالا متصلا بالأيديولوجيا بصرف النظر عن مجال التلقي الأدبي فالكاتب بما هو مشحون به من حمولة أيديولوجيا يحاول ( مغنطة ) الآخرين المتفقين معه في تلك الأيديولوجيا أو من هم علي أعتاب الدخول فيها لمحاولة صبغهم بتلك الأيديولوجيا ثم تبدأ التغذية المرتدة في ممارسة دورها بالإيمان الأعمي بتلك الأيدلوجيا ومحاولة فرضها علي الآخرين حتي ولو كانوا غير متفقين معها أو يأخذون منها موقفا لا يتفق مع موقف المؤمنين بها .
وإذا كان لتكريس شعائرية مثل هذا الأدب دوره الخطير في ازدياد تمسك المؤمنين به وأقصد بالشعائرية هنا هو ترتيل مثل هذا الأدب اجتماعيا والالتفاف حوله دون سواه من جماعة المؤمنين به ثم التنظير له من بعض مثقفيهم فيما يعرف بالأدب الإسلامي – محاولة منهم للصق صفة غير الإسلامي بما سواه – وجعل المعيار الذي نفرق به بين أدب وأدب معيارا دينيا أو أخلاقيا , فإن مقاومة مثل هذا التيار الذي يسري في مجتمعنا لن يتم بمجرد إلصاق تهمة الظلامية به – كما قال الزميل / ديك الجن - بل بمحاولة تفهم الآليات التي تحرك مثل هذا الأدب ومحاولة وضعها تحت عدسة الفحص والتحقيق
فأول ما نلاحظ علي أمثال تلك القصائد أنها تحاول أن تصنع حجاجا مع المتلقي لاستمالته لجانبها بما تتنبني من بعض القضايا التي تدغدغ مشاعره مثل قضية الحرية ومقاومة الظلم والفداء في سبيل نصرة تلك القضايا وكأن الأدب الآخر – غير الإسلامي في رأيهم – لا يتبني مثل هذه القضايا ولا يجود بنفسه في سبيلها , ثم يتحول الأمر خلال السير في القراءة للنصوص المعطاة إلي صبغة تلك القضايا بمفهوم أيديولوجي محدد هو الفهم الخاص لتلك الجماعة الأيديولوجية وحدها دون غيرها ثم يتحول الأمر إلي وصم المخالفين بتهم تثير العامة ضدهم مثل الخلاعة والمجون لمجرد عدم تعاطفهم مع مثل هذا النوع من الأدب .
فمفهوم الحرية مثلا قد تختلف بعض الفئات الاجتماعية والفكرية في جوهره وفي مداه أو تراه من منظور آخر فهل تسمح مثل تلك الاتجاهات الدينية - التي نصبت نفسها حامية للأدب الإسلامي ومنظرة له – بمثل هذا الاختلاف , قد نري أن حرية المعتقد الديني هو جوهر حرية الإنسان ومنه تشتق الحريات الأخري ومنها حرية التفكير وإبداء الرأي والسلوك إلخ فهل تتفق معنا الاتجاهات الدينية في ممارسة تلك الحرية أم سوف تتشدق بالأمان الاجتماعي - أو كما قال الشيخ القرضاوي – لايصح أن ينشر المذهب الشيعي في بلاد خالصة للمذهب السني أو العكس وفي قرارة نفسه يتمني لو خنق المذهب الشيعي في البلاد الخالصة للشيعة , ولكن وأعود لقولي الأول أن طرح الشعارات الفضفاضة هو مجرد آلية للخداع بما طرحت من مثال الحرية.
نأتي إلي ثاني تلك الآليات - ومن خلال النصوص - لنجد أن الخطاب يتوجه إلي المتلقي بمحاولة ضمه تحت تلك العباءة الأيديولوجية بطريقة خادعة فمثلا في نص سيد قطب نري تصدير القصيدة بمحاولة خلق علاقة بين المتلقي والمرسل تتجاوز العلاقة الأدبية فالمخاطبة بكلمة أخي المناداة مع حذف حرف النداء ثم جعلها كالعلامة في معظم الرباعيات يجعل المتلقي شريكا في الخطاب بطريقة لاشعورية ويسهل استمالته للمحتوي غير الأدبي فعندما يقول :
أخي أنت حر وراء السدود ............ أخي أنت حر بتلك القيود
إذا كنت بالله مستعصمًا ..................فماذا يضيرك كيد العبيد
يسجل بداية أن الحرية مفقودة كصفة أصلية ولكنها موجودة فقط في حالة واحدة وهي التمسك بحبل الدين , رابطة الأخوة التي يلقيها الكاتب هنا تجعل الرباط بينه وبين المتلقي رابطة دينية أكثر من كونها رابطة إنسانية - وهي همنا الأساسي لأننا نفهم الحرية بشكل مختلف - والرابطة الدينية كما سبق تدغدغ مشاعر العامة بما تحمله من تراث فيأتي التأكيد عليها واستثارتها , بينما نجد نصا آخر حين يأتي بتلك الكلمة ( أخي ) يستخدمها استخداما قوميا في قصيدة علي محمد طه ( فلسطين ) , وكل يغني علي ليلاه , يقول :
أخي جاوز الظالمون المدى .......... فحق الجهاد وحق الفدى
وأظن أنا( كوكو )أن سيد قطب عندما وضع قصيدته كانت قصيدة علي محمود طه نصب عينيه .
فإذا نظرنا إلي كثافة استعمال تلك الكلمة في القصيدة – تشكل 75 % تقريبا من صدر الرباعيات مع تلوينها باللون الخاص بمنظور الكاتب رأينا تلك الطريقة الأسلوبية في الاستمالة .
يتبع , ربما إن سمح الوقت .
العزيزة / هالة

شكرا علي أيكة الورد , وأرجو أن تكوني قريبة لأنني لا أقدر علي مجادلة هؤلاء القوم إلا في الأمور الأدبية .
كوكو