أولاً وقبل كل شيء دعوني أعبر عن أملي بالمستقبل الجديد الذي تصوغه الأمة الإسلامية بيدي شبابها الجدد ، وأن أعبر عن هذا المستقبل ببيت قاله العشماوي ذات مرة :
صبح تنفس بالضياء وأشرقا *** والصحوة الكبرى تهز البيرقا
وشبيبة الإسلام هذا فيلق *** في ساحة الأمجاد يتبع فيلقا

فالخارطة السياسية في كل أرجاء الوطن العربي والإسلامي تتجه نحو خيار واحد ، وهو ما يطرحه الإسلاميين من أطروحات فكرية وعقدية وسياسية ، في مصر الإخوان هم من يتحرك وفي تونس كذلك وفي ليبيا وفي الأردن وفي فلسطين ، الخارجة يشكلها الآن تيار واحد صمد وثبت طيلة سنوات الإستبداد السياسي بينما اندثرت باقي التيارات وأصبحت نسياً منسيا .

أما الديمقراطية التي يقولبها البعض كيفما يريد ، ويضع لها تعريفات لتناسب أطروحاته المتهافتة ، لا تلزمني ولا تلزم الإسلاميين جميعهم ، فنحن أصلاً كإسلاميين نفرق بين الديمقراطية العملية " الترشيح والانتخاب وحرية الرأي وإحترام كرامة الفرد " وبين الديمقراطية الفلسفية التي تعني أن لا حاكم إلا البشر والشعب وأن التشريع بيدهم فقط أي جعل الديمقراطية ديناً كاملاً ويقدم بديلاً عن الطرح الإسلامي فهذا لا نريده ولا يقول به أي من الإسلاميين ، لأن الديمقراطية نفسها هي عبارة عن نظام إجتماعي كان نتيجة تجارب مر بها أصحابها فكونوا هذا النظام ليناسب حياتهم ، فالفكرة نفسها ليست ثابتة انما تتغير لتناسب عادات وثقافات ومصالح تلك الشعوب .

ثانياً : من يستغل نموذج حماس ليبرر كلامه عليه أن يراجع مواقفه جيداً ، لأن حماس حالة خاصة وهي لم تفشل بعد من الأساس ، فهي أصلاً لم تمنح تجربتها الديمقراطية ولم تمنح حقها الكامل في ممارسة الحياة الدستورية والدولية بكل حرية ، إنما ضيقت وحوصرت وجرت مصادرة قرار الشعب الفلسطيني بأكمله عندما إختار حماس ،فمن صادر حق حماس في تجربتها الديمقراطية وجب على حماس أن تصادر ديمقراطيته التي يطالب بها ، فضلاً عن أن طرح حماس في إجراء أي انتخابات جديدة يتطلب مصالحة أولاً وتوافق ثانياً وبدون هذه القواعد لن تجرى أي انتخابات جديدة حتى لو وافقت عليها حماس .

ثالثاً وهو الأهم إن الإسلاميين بشكل عام يطمحون على المستوى البعيد لتشكيل الدولة الجامعة ، أي دولة الخلافة التي يحكمها الحاكم المسلم ، ولذلك هم يعملون على تشكيل الوعي العام وليس الرأي العام ، فهناك فرق بين الوعي الثابت والرأي المتغير ، وهذا الهدف يتطلب موافقة الشعب وتعاونه في تحقيقه ، حتى على مستوى النظرية الديمقراطية التي تعتمد على مبدأ " العقد الإجتماعي " فإن الإسلاميين يعملون على تشكيل وعي شعبي لتحقيق هذا المبدأ ، أي أننا لا نؤمن بالديمقراطية كحل واحد وأخير بل هي جزء من الحلول ، وهذه هي نظرة المجتمع الأوروبي نفسه ، فتصوير الأمر وكأن الديمقراطية هي الحل الوحيد والوحيد فقط ولذلك يجب أن نعمل على دمقرطة كل شيء في أي شيء وجعل الديمقراطية محور خطابنا وأهدافنا فهذا الأمر أصلاً لا يقول به الإسلاميين وليس من أطروحاتهم .

أما بخصوص إحترام نتائج الإنتخابات ، طبعاً بما أننا دخلنا هذه اللعبة بمضارها ومحاسنها ، فنحن سنحترم نتيجتها سواء فزنا بها نحن أم خسرنا بها ، فالمسلمين عند اشراطهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى وإن كانت هذه النتيجة تتعارض مع موقفي ومع رأيي ومع حبي لجماعتي ، وفي معرض هذا الأمر أتذكر صلح النبي صلى الله عليه وسلم مع قريش في صلح الحديبية عندما كانت احدى نصوص هذا الاتفاق أن أي كافر يدخل في الاسلام ويلجئ للمدينة تأخذه قريش ولكن أي مسلم يكفر بدين الإسلام ويدخل قريش لا ترجعه قريش للنبي ، وعندما هرب أحد أكابر الصحابة من مكة وهو الصحابي أبو جندل للمدينة ملتجئاً بالنبي وأهل المدينة من بطش قريش ، جاءت قريش تريد من النبي ان يسلمها أبو جندل ، تخيلوا في ظل هذا الموقف العصيب وتضامن المسلمين مع هذا الصحابي وبكاء أهل المدينة عليه ، لم يجد النبي بداً من تنفيذ شروط الإتفاق وسلمه لقريش وصحابة النبي يبكون دماً عليه .

ولكن لفت إنتباهي معلومة أوردها بعضهم ، لا يوجد فيها مصداقية بالمطلق ، وتحتوي على تدليس كبير - أريد أن أحسن الظن وأعتبره غير مقصود - مفادها بأن الإخوان في مصر حصلوا فقط على 20% من انتخابات اتحادات الجامعات ، فالمعلومة في شقها الأول صحيح ولكن في شقها الثاني مغلوطة ، فالإنتخابات جرت في جامعة واحدة حصل فيها الإخوان على هذه النسبة ولكن في نفس الوقت اكتسح الإخوان باقي الجامعات المصرية ، فأغلبها فاز فيها الإخوان اما بإكتساح أو بفوز عالي أو بفوز كامل .

ورغم ذلك لو دخل الإخوان هذه الإنتخابات جميعها ولم يحصلوا إلا على صفر على الشمال فقطعاً سأحترم هذه النتائج ، وسأعامل على تفادي الأخطاء التي أودتني لهذه النتيجة وإصلاحها .