الطفل الذي هز سوريا
طارق الحميد
الخميـس 01 رجـب 1432 هـ 2 يونيو 2011 العدد 11874
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: الــــــرأي
االحق أن الطفل حمزة الخطيب لم يهز سوريا وحدها، بل الضمير العالمي كله، وبعد أيام وحملات من الإنكار في الإعلام السوري الرسمي حول قصة الطفل، خرج النظام السوري عن صمته وقال إن تحقيقا سيجري حول التعذيب الوحشي الذي تعرض له الطفل.
تم التحقيق.. بحسب ما يقول النظام السوري،
واتضح، أيضا حسب تصريحات النظام، أن الطفل لم يعذب، لكن الطب الشرعي أثبت أنه تلقى ثلاث رصاصات أدت إلى قتله، هكذا بكل بساطة! عذر أقبح من ذنب، فكيف يقتل طفل أساسا، بثلاث رصاصات؟ بل وماذا عن 30 طفلا قالت اليونيسيف أنهم قتلوا بالرصاص في الانتفاضة؟ لذا، فإن كل القصة من أولها إلى آخرها محزنة، ومقززة، وتفاصيلها تأكيد على إدانة النظام السوري وإعلامه الذي بات السوريون يتندرون عليه؛ فبدلا من أن يقول السوريون لصغارهم إن من يكذب يذهب للنار، أصبحوا يقولون إن من يكذب يذهب إلى الإعلام السوري. كيف لا ونحن نشهد ظاهرة إعلامية جديدة مستفزة يتسامح معها الإعلام العربي المرئي بشكل غريب، وهي ظاهرة «المحللين» السوريين الذين يدافعون عن النظام، وأشك أنهم يصدقون حتى أنفسهم، وهم من أسميهم «الصحّافين الجدد»، نسبة إلى وزير الإعلام العراقي الأسبق محمد سعيد الصحاف.
والطريف أن هؤلاء «المحللين» يتحدثون عن سلفيين وجماعات مسلحة، فيخرج الرئيس ليقول إن هناك مطالب مشروعة، فينسف كل ما قالوه. ثم يقال إن مسؤولا لبنانيا يدعم المظاهرات السورية، وتقدم شيكات للدلالة على ذلك، ثم يظهر أنها مزورة، وهكذا. ثم يخرج أحدهم ليصف المتظاهرين السوريين بالحثالة، فيخرج الرئيس السوري ويعلن عن عفو، وهكذا!
والمفروض على المحطات الإخبارية العربية المحترمة في منطقتنا ألا تقبل بظهور هؤلاء، فإذا كان النظام السوري يريد الدفاع عن نفسه، فعليه تخصيص متحدث رسمي، أو عبر وزير إعلام النظام، أو متحدث أمني ما دامت اليد الطولى في دمشق اليوم هي للأمن، بدلا من خروج «محللين» تعرف المحطات - أكثر من غيرها - أن لا مصداقية لهم! ولأن الشيء بالشيء يذكر، فهناك فيديو على الـ«يوتيوب» يظهر مظاهرة في إحدى المدن السورية يردد فيها المتظاهرون أسماء «المحللين» المحسوبين على النظام السوري ثم يقولون بأعلى صوت: كاذب!
ولذا، ففي الوقت الذي يقال فيه إن الرئيس السوري قد عزى أهل الطفل المغدور، علينا أن نتذكر أن الطفل حمزة قد تحول إلى رمز للمنتفضين السوريين، كما كان البوعزيزي للتونسيين، حتى بعد أن زاره الرئيس التونسي السابق بن علي في المستشفى قبل أن يفارق البوعزيزي الحياة، ويرحل بن علي عن السلطة، كما أن الطفل حمزة تحول إلى رمز مثله مثل المصري خالد سعيد.
سمع العالم كله صرخة الظلم التي أطلقها أهل الطفل، وأصحاب الضمائر؛
فحتى محطة «سي إن إن» الأميركية قامت ببث لقطات محدودة من صور حمزة التي بثتها «الجزيرة»، إذ قال المذيع أندرسون كوبر: وجدنا أنه لا بد من عرض الصور ليرى العالم وحشية النظام السوري. وبالفعل رأى الجميع وحشية الصور، إلا الجامعة العربية على ما يبدو!
tariq@asharqalawsat.com
حمزة الخطيب يحرج النظام
ديانا مقلد
الخميـس 01 رجـب 1432 هـ 2 يونيو 2011 العدد 11874
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: الــــــرأي
معادلة التغطية الإعلامية الحاصلة اليوم في سوريا من وجهة نظر النظام قائمة على منطق ملخصه أنه على الإعلام العالمي أن يقبل بمنعه من الدخول إلى مناطق الاحتجاجات، وأن يمتنع عن تصديق روايات شهود العيان، وكل تلك الأشرطة والصور التي تظهر عبر «يوتيوب» وأن يقبل بما يقوله الإعلام الرسمي السوري..
بحسب هذا المنطق، كيف يمكن مقاربة مأساة الطفل الضحية حمزة الخطيب..
لقد تبنى الإعلام والرأي العام قضية حمزة الخطيب وعرض صوره معذبا وميتا، متجاوزا الكثير من الحدود المهنية لكشف مدى الفظاعات التي مورست بحق هذا الطفل. هنا، على أي إعلام مشكك في الأمر أن يعيد النظر، وأن يفكر مليا في قدرته على نفي ودحض صور على هذا النحو من القوة..
مرة جديدة، عرّض الإعلام السوري الرسمي نفسه لامتحان مضاد في قضية الطفل حمزة الخطيب، ولم يصب هذا الإعلام سوى مزيد من الانتكاسات في صورة النظام وتثبيت مدى التراجع الأخلاقي في محاولته مواجهة الحراك الشعبي السوري..
فما الذي طرحه علينا النظام السوري عبر إعلامه..
هو يريدنا أن نصدق أن الفتى السوري حمزة الخطيب قتل على يد عناصر مندسة، وأنه بقي شهرا في قبضة الأمن السوري لأسباب (إدارية!) وأن والديه وحال تسلمهما جثته بعد أسابيع من الانتظار المجنون عمدا إلى تسليم الجثة إلى من عاث فيها تشويها وتنكيلا، وبعد ذلك اتهما الأمن السوري بارتكاب هذه الفعلة..
مطلوب منا أن نصدق أغلظ الأيمان التي أطلقها الطبيب الشرعي السوري الذي أكد أن الطفل حين عاينه في مركز الأمن كان قد سقط بطلق ناري ولم يكن قد تعرض للتعذيب. علينا أن نصدق الطبيب الشرعي المعين من النظام المتهم نفسه،
وأن ننسى تقارير مزورة سبق أن أصدرها طبيب شرعي مصري حين قتل خالد سعيد تحت التعذيب في مركز الأمن.
علينا أن نصدق الرواية السورية، متناسين عدم قدرة أي إعلام على امتلاك رواية مستقلة أو على مقابلة ذوي الضحايا، خصوصا من الأطفال وأخذ شهاداتهم..
من يطرح علينا هذا المنطق هو ببساطة يدرك أنه لا يحاكي عقولنا، بل هو ربما غير مكترث بإقناعنا، فما يجري اليوم في سوريا من ترويع ليس مصادفة.
استخدام العنف بهذا الحجم هو قرار استراتيجي قائم على أن ممارسة القوة بشكل مفرط ستردع وتضمن استمرار السلطة، سواء أكانوا أطفالا أم نساء أم متخلفين عقليا، ليس مهما..
لكن تلك ممارسات لن يكون بإمكان أي إعلام مهما تذاكى وحاول التلاعب بأنمق الكلام أن يسوقها عبر خلط الكذب بالحقيقة..
النظام السوري نفسه اعترف مرارا بفشل إعلامي في هذه المرحلة، وهذا فشل قائم على عجز مطلق في ترويج أخبار معتمدة على روايات ركيكة..
[color=#FF0000]لذلك فإن شعارات الإصلاح التي يواجه بها المحتجون في سوريا لا تبشر بأي خير، خصوصا إذا كانت بوادره من نوع مأساة الطفل حمزة الخطيب وكيفية التعامل الإعلامي الرسمي السوري معها.[/ color]
diana@ asharqalawsat.com
* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام