(07-30-2011, 08:55 AM)Kairos كتب: ارجو التوضيح بما تقصد بفوق بشري؟ وما تقصد فلسفياً؟ هل تنادي بـ"نومين" (Noumene) جديد؟ إذا كان ذلك ما الفرق بين الملحد والديني؟ إذا كان الله من اختراع البشر كما نعلم، الا يعني اختراع عالم فوق بشري نستمد منه الأخلاق و "المثل" —الأفلاطونية!— هو انشاءٌ جديد لإله جديد على مقياس نصف-الحادي؟ الا نصبح عندها عبيداً لهذا العالم الفوق-بشري الذي انشأناه انشاءاً بإرادتنا وكامل وعينا، وبتنا كما كنا ماضياً تحت رحمة وعقاب هذا العالم؟ الذي نحن "مجبرين" التقيد به لتصبح لنا اخلاق "متفق عليها"؟
الم يقم كانط بهذه العملية من قبل، وفشل فشلاً ذريعاً، فإستبدل الله بطبقات الواجب (Categorical Imperative) والشيء-في-ذاته.
كل هذا الكلام يذكر بقول فولتير: "Si Dieu n'existait pas, il faudrait l'inventer." [إذا ما كان الله موجوداً فعلينا اختراعه]...
وكأننا نعود القهقري. وتقبل مني هذه المشاركة دعوة للحوار في هذه النقطة بالذات، لأن على اساسها قد تُبنى اديانٍ وطوائف مستقبلاً.
دمتم،
بالراحة علي يا عزيزي فأنا لا أجاريك في معلوماتك و لا ثقافتك.
ثم إني كنت أفكر بصوت عالي لأن موضوع الأخلاق اللادينية هذا يثيرني و يضايقني في نفس الوقت.
و يقلقني أني لم أحسم مشاكل اخلاقية مهمة حتى الآن و لا عندي تصور مرضي لمنهج أخلاقي أو فلسفة اخلاقية يكون لها موقف من كل مشكلة أخلاقية ..
أنا أعرف أن كل مشكلة أخلاقية تحتاج إلي دراسة لوحدها و أن لها خصوصيتها و لكني أعتقد أن هناك حاجة لفلسفة يكون لها خط معين أو رؤية واضحة بخصوص القضايا الأخلاقية العامة.
أما الذي أقصده بفوق بشري فلا أعرف تحديدا ..
لكني أعرف أن هناك حاجة لشيء يفوق الهوى البشري أو المزاج البشري المتقلب و لكن لا يفوق العقل البشري بل يستمد شرعيته منه. يعني أنا لا أعني أن يكون الشيء فوق الإنسان بمجمله و إنما قصدت تنحية الهوى و المزاج البشريين فقط.
هذا معاكس لفكرة الإله الذي يفوق العقل و المنطق و الهوى و المزاج و المشاعر جميعا ..
ثم إن الإله خرافة و لكني أريد لو نعتمد على شيء حقيقي في تحديد المعايير الأخلاقية.
أما الشيء نفسه فلا آدري كنهه ..
فليكن علما أو فلسفة أو حتى كمبيوتر ضخم و ذكي .. لا يهمني.
يعني لو هناك معادلة اخلاقية نكتشفها بحيث أنها تخرج لنا الحل الأخلاقي لو أدخلنا إليها تفاصيل المشكلة الأخلاقية. معادلة تعطي منطقا للأمور و تعقلن السلوك و تنظمه ..
أما إننا سنكون عبيدا لهذا الكمبيوتر الضخم أو تلك المعادلة الرائعة فلا أعتقد ذلك ..
الكمبيوتر في كل الحالات يتحكم في حياتنا الآن كثيرا و يزيد تحكمه أكثر و أكثر و بالتالي لا أجد ضررا لو نظم العلم أو الكمبيوتر السلوك كما ينظم إشارات المرور أو إطلاق الصواريخ.
يعني مادام العلم رائعا و فعالا فلماذا لا نعطيه مهام أخرى ؟
و في كل الحالات نحن من نكتشف العلم أو نصنع الكمبيوتر بل إن معرفتنا بالصح و الخطأ لا يحتم علينا ان نقوم بهذا الصح أو أن نترك هذا الخطأ, في كل الحالات نحن لدينا إرادة حرة و الإرادة الحرة تضعف و تتحمل تبعات ضعفها بل و قد يكون لدى المرء حسابات أخرى غير الخطأ و الصواب.
يعني معرفة الخير و الشر لن تقضي على الإرادة الحرة لانها ليست ملزمة قانونا بل ملزمة أخلاقيا و قيميا فقط ..
أما إننا محتاجين لله فلا أعتقد ذلك ..
الله غير حقيقي أولا و بالتالي فكل ما يقام على باطل فهو باطل أيضا.
و لان الله غير حقيقي فهو غير فعال ثانيا لأن غالبية الناس تعرف أنه لا يوجد إله و بالتالي لا يهمها لو قامت بمعصيته و إرتكاب حتى أفظع الجرائم و بالتالي فالله لا يمثل رادعا قويا لأي شخص لديه بعض الذكاء.
و لأن الله يفوق العقل فهو غير معقول ثالثا و بالتالي فإن الاخلاق التي يقدمها قد تكون متعارضة او غير منطقية على أساس ان هناك حكمة مخفية يعلمها هو فقط و بالتالي لإن أتباع الأخلاق الإلهية غالبا ما يكونوا غير عقلانيين في سلوكهم و أخلاقهم.
و لكني مع ذلك أعتقد أن هناك حاجة لجهة مسئولة عن الأخلاق و لكن بشروط تحقق لنا ما لم يحققه الله :
1- أن تكون الجهة شيء حقيقي و واقعي يمكن الإعتماد عليه.
2- أن تعتمد على حجج عقلية أو أدلة منطقية بحيث يصير الأخلاقيين عقلاء و العقلاء أخلاقيين.
3- أن لا يكون هناك رادع مادي أو قانوني يلزم الناس بكل الأخلاق بل رادع معنوي فقط.
بالطبع هناك أخلاق يجب أن تكون ملزمة قانونا مثل لا تسرق و لا تقتل .. ألخ
و لكنني أتكلم عن عدم إرهاب الناس بمصير مخيف لو قاموا بأي تجاوز أخلاقي بسيط لكي لا يكونوا مضطرين أو مجبورين بل أحرار و يختاروا السلوك القويم بكامل حرية من أجل أن يصيروا بشر أفضل و يحافظوا على المجتمع و يصونوه فقط.
و بالتالي فإن الله يعتبر إختراع غير حقيقي و غير عقلاني و غير فعال و لا يشبع الحاجة البشرية للمعرفة الأخلاقية الواقعية العقلانية الحرة.
ربما يستطيع علم النفس في المستقبل أن يقدم لنا حلولا أخلاقية من باب أن هذا سلوك سوي نفسيا و هذا سلوك مريض نفسيا أو عقليا و يحتاج إلي تقويم. و لكن هذا العلم حاليا لا أعتقد أنه قادر على تقديم مثل تلك الحلول فهو يتكلم عن السلوك المريض دون ان يتكلم عن السلوك السوي على حد علمي.
لكن على العموم أنا أتنبأ أن علم النفس هو الكهانة الجديدة و علماء النفس سيكونوا هم الكهنة الجدد ..
و إن كنت أرى عيوبا في تقويم السلوك بناء على ان هذا السلوك سوي أو مريض لأن هذا ينفي عن الإنسان حرية الإرادة تماما و يجعله خاضع تماما للمعايير النفسية في الصحة و المرض حتى لو إن لم تكن صحيحة.
قبل عام 1973 كان الشذوذ الجنسي مُدرجًا في قائمة الاضطرابات النفسية في الكتيّب التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders، والذي يُعتبر المصدر الرئيسي لتشخيص الاضطرابات النفسية في أمريكا وفي أغلب دول العالم. إلا أن ضغوط جمعيات الشواذ جنسيا قد تسببت في تشكيل لجنة لمراجعة موقف الكتيّب من الشذوذ الجنسي و في حذف الشذوذ الجنسي كاضطراب نفسي من الكتيب التشخيصي.
فهل الشذوذ أو المثلية الجنسية مرض نفسي أم لا ؟
هل هو خطا أخلاقي أم لا ؟
بوجه عام انا اعتقد من حق المثليين أن يمارسوا مثليتهم طالما انهم لا يضرون احدا و لكني لست متأكدا إن كانوا اخلاقيين أم منفلتين ولا إن كانوا مرضي نفسيين ام أصحاء. بل و لست متأكدا إن كان الخطا الأخلاقي هو المرض النفسي أم لا ..
أنا أعرف أن للسيكوباتي مثلا نفسية المجرم و لكنه لن يكون مجرما أو لا اخلاقيا لو إمتلك النفسية المريضة و لم يرتكب خطأ أخلاقي, لو إن هذا محتمل يعني. لكن عموما علم النفس يخيفني لانه يوحي لي بان الإنسان خاضع لنفسيته بلا إرادة منه و أن كل البشر هم روبوتات نفسية.
كل هذا يعبر عن مشكلة كبيرة هي مشكلة التطور الاخلاقي عند البشر ..
اليوم نحن نترك الأديان و الآلهة و نترك أخلاقياتهم الرجعية المتزمتة المتقادمة .. و لكننا لم ننشيء نسق جديد بديل. اليوم نحن نعدل من نظرتنا للمثلية الجنسية مثلا فهل سنعدل غدا نظرتنا للإغتصاب أو إستغلال الأطفال جنسيا ؟
طبعا يجب أن تتطور الاخلاق و تتغير بتغير الظروف ..
و لكن علم البيولوجيا يحكي عن التطور الطبيعي أنه ليس تغيرا نحو الأفضل دائما فهل سنتطور طبيعيا نحو الأفضل أو الأسوأ أم أننا سنقود التغيير نحو الأفضل فقط بناء على علم اخلاقي أو فلسفة أخلاقية أو معادلة أخلاقية أو كمبيوتر اخلاقي ؟
كل ود و إحترام.