الزميل العزيز أبانوب
أولا اسمح لى أن اعبر عن امتنانى بتواجدك فى هذا الشريط لسبب يخصنى شخصيا وهو يتعلق بحبى الشديد للمسيحية والتى أراها فيك ، ولا يعنى هذا أننى مؤمن بالمسيحية ولكن اعلم من الله أن المسيحية ليست شرا بل بها خير كثير وجاءت بعد ظلام دامس ولكن وجهة نظرى أن خيرها على مستوى الفرد وخطرها يكمن فى المستوى الجمعى وليس الفردى.
تفضلت بالقول
اقتباس:الله خلق حواء واحدة لآدم واحد وتلك هى الفطرة .. بعد سقوط الإنسان حدث انحراف عن تلك الفطرة ورأينا تعدد الزوجات فى العهد القديم وعاد السيد المسيح بتلك الفطرة قائلاً أن من طلق زوجته إلا لعلة الزنى وتزوج عليها يزنى .. أى أن هذا الرجل مخصص لتلك المرأة فقط وغير مسموح له بالزواج بأخرى إلا فى حالة الطلاق لعلة الزنى (زنى المرأة) .. ولكن الإسلام خالف الفطرة السليمة الأولى وعاد بالإنسان الى حاله قبل مجئ عهد النعمة (العهد الجديد).
تلك الفطرة لا تخالف الإسلام حيث يقول الله (وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) وكذلك قال (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم)
ونجد فى السنة النبوية أن الرسول صلى الله عليه وسلم رفض أن تكون لسيدنا على بن أبى طالب ضرة على ابنته وهذا حق لكل مسلم
هذا يقودنا إلى مفهوم آخر فى سير الحياة البشرية فالزواج هو أساس الحياة البشرية ومن اكبر ما نقم الشيطان على آدم عليه السلام أن جعل الله له زوجة ولهذا تعمد الإساءة للمرأة بصور مختلفة.
وهنا تظهر المشكلة جلية فى المسيحية حيث تفرض على اتبعها أن يلتزموا خط واحد لا يتفق مع طبيعة معظم البشر ... فلو نظرنا إلى الإنسان بما يمر بها من تغيرات مختلفة من صحة ومرض وغنى وفقر وظروف اجتماعية تجعل الإنسان يغير أفكاره مع الزمن .... الخ
ترى هل يصمد الإيمان المسيحى فى التمسك بزوجة واحدة مهما تغيرت الظروف ... أراها من الصعب فى أن تطلب من الجميع نفس التفكير .. بل لابد بشريا من وجود اختلاف وشذوذ عن تلك القاعدة بل انها تصبح عبئا على أصحابها ولهذا نرى مظاهرات الأقباط وهروبهم من ملة لأخرى درءا للوقوع فى خطيئة اكبر...
رغم أننا نرى معظم المسلمين يكتفون بزوجة واحدة فى الواقع ولكن التشريع هو من اجل عدم انفراط الخراف وهروبها من الراعى.
ولا يعنى هذا اننى ارفض شريعة السيد المسيح بل احترمها ولكننى اشعر أنها اقوى من أن تصير إجبارا بل امتيازا أخلاقيا يقوم به الإنسان من تلقاء نفسه يغلفه الخوف من الله ... خوفا يحول دون أن يصير الإنسان ظالما.
لذلك ادعوك للنظر فى واقع الأسر المسيحية الفاضلة التى تعيش بيننا ... وانظر الى من تثق من قلبك بأنه على الطريق المستقيم وأنه فعلا شخص مؤمن تقى ... هل تشعر بينهم بروح الحيوية أم تشعر بأنهم منعزلون عن الواقع نسبيا وبهم هدوء غير عادى يصل لدرجة اللامبالاة.
اقتباس:الفطرة تقول أن ما جمعه الله لا يفرقه انسان وأنه لا طلاق ولا إنفصال إلا بسبب خطية الزنا وبسبب كثرة الشر فى العهد القديم سمح الله بالطلاق ولكن نظمه قائلاً من طلق إمرأته فليعطها كتاب طلاق لكى يعلم أن زوجته بهذا صارت حرة من قيده ومسموح لها بالزواج من آخر لعله يرجع عن هذا الطلاق وقال الله فى العهد القديم أنه يكره الطلاق وحث الرجل على عدم الغدر بإمرأة شبابه (زوجته) .. وطبعاً الإسلام أطلق العنان لموضوع الطلاق لكل سبب ولم ينسى أن يقتبس موضوع كراهية الطلاق من العهد القديم وكان نتيجة هذا تفسخ المجتمع وأعلى نسبة طلاق فى مصر وأطفال الشوارع وإرتفاع نسبة المطلقات وبالتالى إرتفاع نسبة الإنحرافات الجنسية فى المجتمع .
بقلبك الجميل وضعت يدك على موطن من مواطن الإسلام والتى يختلف فيها عن المسيحية ولكن يتفق فيها مع اليهودية.
عن نفسى أثق بأن الأديان (اليهودية – المسيحية – الإسلام) هى أديان من عند الله ... ولن يفهم الإسلام جيدا من لم يسعى لفهم اليهودية وفهم المسيحية (وأتمنى أن تتاح لى هذه المعرفة).
المسيحية جاءت بعد شرور بنى إسرائيل فى الأرض باسم الله وسبب شرور بنى إسرائيل أن الله اختبرهم بنصوص غير متنوعة مثلما فعل فى الإسلام وهذا لحكمة لا نعلمها وهذه النصوص جعلت قلوبهم تقسوا فى طلب الدنيا وزاد الظلم بينهم وزاد الطغيان حتى وصل حدا عظيما استوجب من الله أن يرسل كلمة منه ... أن يرسل من تؤمنون بأنه أبن الله ... أن يرسل من هو يفوق البشر فى كل شئ ولأنه بشر فقد أيده الله بالروح القدس حتى يتم ما لا يستطع بشر أن يتمه بمفرده.
لذلك جوهر الإسلام يمكن أن يصطدم بجوهر اليهودية ولكنه لا يصطدم بجوهر المسيحية. الإسلام يمكن أن يصطدم بمسيحية تجمع العهد القديم والعهد الجديد ولكنه لن يصطدم مع مسيحية العهد الجديد.
ونرى فى الإسلام أيضا أن الله قال ببغضه للطلاق وجعل من النصوص ما هو مثل "البازل" تستطيع به ان تصنع صورا مختلفة كثيرة وليس مطلوبا من المسلم أن يقوم بها كلها ولكنها نصوص بديلة تختار منها ما يوافق الحالة السائدة فى المجتمع وأنت تسعى وتهدف لاحترام الكيان الانسانى.
فهكذا كان الفارق بين الإسلام والمسيحية ، فالمسيحية كانت تؤدب الإنسان بعد ظلمه فكان ارسال النور الشديد لإبعاد الظلام الحالك .... أما الاسلام اطلق للانسان الحرية نسبيا حتى لا تتأثر نواحى اخرى فى السلوك الانسانى الطامح دائما .. فاليهودية طموح زائد مدمر والمسيحية زهد صعب الاحتمال والإسلام طموح يختلط فيه الزهد.
اقتباس:الله خلق الإنسان وفى فطرته المحبة وعدم المعصية ولكن بسقوط الإنسان دخلت الكراهية الى طبيعة الإنسان ورأينا قايين يقتل أخاه هابيل بسبب الغيرة الشريرة ونرى حتى الأطفال الصغار يتشاجرون على لعبهم نتيجة دخول الخطية والكراهية على فطرة الإنسان .. ولكن بمجئ السيد المسيح وعهد النعمة لكى نتغلب على الكراهية والغيرة الشريرة الدخيلة على فطرتنا أعطانا القوة والنعمة لكى نعود الى الفطرة الأولى التى خُلقنا عليها وهى المحبة ومن خلال تلك المحبة يتم مسامحة المسيئين والمغفرة للأعداء والمبغضين بل والصلاة لأجلهم وهذا ما فعله السيد المسيح على الصليب عندما قال يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون .
أنت أثرت نقطة هامة جدا تحتاج إلى شريط بمفردها وهى (قايين او قابيل وهابيل) وهى اخطر النقاط فى حياتنا البشرية كبنى لأدم عليه السلام.
رأينا كيف لأخ غير عادى أن يقتل أخ غير عادى مثله....
رأينا كيف يمكن أن يتم القتل رغم أنهم كانوا أمام الله مباشرة ... يجب ان نسأل أنفسنا كيف لقابيل أن يقتل رغم أن الله هو صاحب الاختبار المباشر ولقد رأيا النار تأكل قربان احدهما ... فالأمر يدل على أن الإنسان عندما يتملكه الشيطان يمكنه ان يضل ويطغى ويقتل أخاه وهو اخ غير عادى لأن الأب بالتأكيد حكى لهم ما سبق وحدث له مع الشيطان.
هى قصة جميلة رائعة تحتاج الى دراسة لفهم السلوك البشرى من واقع رؤية أهل الأديان.
اقتباس:ومبدأ مسامحة المسيئين والمغفرة للأعداء والصلاة لأجلهم ليس من ضروب الخيال بل فعله قديسى المسيح الذين صاروا على دربه مثل القديس استفانوس اول الشهداء الذى قال قبل موته أثناء رجم اليهود له يا رب لا تقم لهم هذه الخطية .. وكثيرين من قديسى المسيح الشهداء قبل استشهادهم كانوا يصلون لأجل قاتليهم ولا يحملون ضدهم أى ضغينة بسبب النعمة التى أعطاها المسيح لهم فى قلوبهم وبسبب تلك المحبة تحولت الامبراطورية الرومانية بأكملها الى المسيحية فى خلال ثلاثة قرون بعد أن سفكت دماء ملايين المسيحيين على يد عشرة أباطرة متوحشين منهم نيرون ودومتيان ودقلديانوس .
وهذه لا أنكرها على المسيحى كما أنك يمكن ان تجدها فى المسلم ويمكن ان تجدها فى الملحد ، فالمسامحة والمغفرة هى جزء من فطرة البشر التى قد تضمر من واقع الحياة المعاشة ولاسيما التى لا تجد هدف أسمى للمسامحة ولهذا فقد زكاها الإسلام لعلمه بأنها درب من دروب الخير ورقى البشر فى سعيهم نحو الإنسانية فنجد الإسلام يقول على سبيل المثال (ليفعوا وليصفحوا) وأتبعها بقول (ألا تحبون أن يغفر الله لكم) وبهذا جعل فى بعض الأحيان من نتيجة العفو الحصول على مغفرة الله.
ولكن العفو المسيحى او المغفرة المسيحية أراها هى سلوك فى حدود المعقول أو سلوك النخبة وليس العامة (النخبة الإيمانية) ولكن فى غير ذلك يستحيل تنفيذها حتى أننا رأينا روما المسيحية تنقم على مصر المسيحية رغم أن كلاهما مسيحى.... وهنا لا اعنى نقصا فى الرومان المسيحيين ولكن أرى المسيحية غاية يصعب تطبيقها فى ظل مجتمع انسانى به معاملات مادية.
وهذا يترتب عليه آثارا سلبية على المجتمع لأنه قد تؤدى الى مجتمع يخدع نفسه وظاهره خلاف باطنه وعند القوة ترى شيئا صعب وظالم لأنه لم يجد النصوص التى تلائم قوته.
اقتباس:هذه أمثلة على أن الفطرة السليمة والحقيقية هى بعودة الإنسان الى حاله قبل السقوط .. حالة الطهارة والقداسة والنقاوة حيث كان الإنسان عرياناً ولا يعرف ولم يكن يعرف المعصية .. أما أن نقول أن فطرة الإنسان هى فى حالة سقوطه ودنسه ونجاسته بعد السقوط فهذا خطأ فادح .. فالله لم يخلقنا ساقطين مائتين بل خلقنا أحياء طاهرين مكرمين وتلك هى الفطرة .
هذه أراها مثالية المسيحية والتى (وأقسم بالله أننى صادق) أتمنى ان تستطيع فعلها ويستطيع كل مسيحى فعلها وهذه تقابل مقولة إسلامية (أفلح إن صدق) فأتمنى لك القدرة عليها وان تجاهد نفسك وتنتصر عليها فى سبيل تحقيق حالة الطهارة والقداسة والنقاوة التى احبها فى المسيحية.
ودمت بكل خير.