مرحبا يا إبراهيم (f)
طيب بما أننا قاعدين في الأجزخانة ممكن ندردش شوية كأنها قهوة :D
أنا عاجبني في كارين أرمسترونج هو أن تجربتها شبيهة بتجربتي.
فقد كانت رحلتي طويلة للغاية مع الأديان. دخلت في ثلاثة أديان وآمنت بها ثم تحسرت عندما لم أجدها حقيقية بل وجدتها مجرد وعود فارغة لتحقيق مآرب معينة ، أو في أحسن الأحوال محاولات إصلاحية غير مكتملة ويشوبها النقص البشري الذي لا يمكن أن يكون الله متورطاً فيه .
يمكنك أن تقول عني بأنني ذلك النوع من الملحدين الذي أنكر وجود الله لأنه أحب الله زيادة عن اللازم..
فأنا وضعت تصوراً لله يرفعه كثيراً فوق كل ما جاءت به الأديان التي تسمي نفسها بالسماوية، ورأيت أنها جميعاً تهين الله بنصوصها التي تدعي أنه قالها عن نفسه.
وفي النهاية لم اعد أؤمن بوجوده لأنه لم يتدخل وأنا لا أحبذ فكرة الإله المتفرج الذي لم يرسل شيئاً.
، والشرح طبعا يطول جدا ولا يمكن أن أتحدث عنه هنا بتفصيل. ولكن هذا بإيجاز شديد.
عندما دخلت في كل الاديان تلك : الإسلام - المسيحية - البوذية
شعرت في كل مرة بانتمائي الشديد إلى جماعة المؤمنين في تلك الأديان وشعرت بآلامهم وطموحاتهم وحملت معهم همومهم.
في الإسلام شعرت بتألم المسلمين من الانحطاط الذي يمرون به وكيف يشعرون بأنهم مهددون بالإزاحة من الآخر الذي أصبح يتسلح كل يوم استعداداً لإزاحتهم بالفعل. وشعرت بالأمل الأخروي الإسلامي وأحسست معهم بوجدانهم. ولكن فجاجة الحقيقة المحمدية التي وضعتني أمام وقائع تاريخية لا يقبلها ضميري ولا أخلاقي حتى على نفسي، فلو جاء لي رجل يجر وراءه تسع نسوة ويقول لي أنه يدور عليهن في الساعة الواحدة وأنه فحل ، ويحب النسوة والخيل ، ثم يعطيني سيفاً حتى أسقيه من دماء المخالفين وأروي عطشه ، ثم يقول لي أن الجنة التي من المفترض ألا أسمع فيها لغواً إلا سلاما ، سوف أتحول فيها إلى "كائن قميء" بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. قميء إلى درجة أن يعرض علي كل يوم أناس مسلوخو الجلود مشوهو الوجوه يقلبهم الزبانية في النار ، وأنا أتفرج عليهم في الجنة وأتكيء على الأريكة وإلى جانبي العاهرة الفردوسية ، وفي يدي كأس الخمر، ثم أشمت فيهم وأقول لهم ، اصلوها اليوم بما كنتم تكذبون ، ها ها ها ، مرحى يا أبا ذر ، ثم اخبط كأسي في كأسه مع ضحكة حورية رقيعة من رفيقتي. هذه الشماتة الفظيعة التي تحصل عندما يعرض الكافرون يوميا على المؤمنين في جنة الله ليستنجدوا بهم والتي لن يكون فيها أي شيء أو هدف أو غاية سوى الحريم والخمر وسوق الجمعة الاستهلاكية التي لا تختلف كثيراً عن سيتي ستارز أو أي مول، هي التي يحاول المسلمون اليوم تحقيقها فتراهم تحولوا إلى استهلاكيين متلذذين طوال الوقت بأي شيء وكل شيء. ولكن للأسف لا يوجد وراءهم خدام وعبيد وغلمان حتى يقومون بجمع زبالتهم من الطرقات التي أصبحت خرابات ولا يوجد من يشيل خراهم الذي يطفح كل يوم على العالم الذي يصفونه بالكافر وهم لحم أكتافهم من هؤلاء الكفرة، ولم يعد امامي بد من الاعتراف بأن قرآنا بدون "واضربوهنّ" كان سوف يصبح أفضل، وأن نبياً بزوجة واحدة لكان أفضل بكثير من نبي بتسعة مهما كانت المبررات التي يسوقونها له والتي لا تدخل رأس أي مفكر ببصلة ، وأن ديناً بدون سيف لهو أجمل بكثير من "خذوهم واقتلوهم واقعدوا لهم كل مرصد" ، وأن "محمد الطائف" المسكين المضروب كان أجمل بكثير من "محمد مكة" محطم الأصنام الذي يعطي الأمان ويعلن انتصاره بالقوة ، وكانت النتيجة أن ضرب صحابته الوقورون رقاب بعض بمجرد أن لفظ انفاسه الأخيرة ، ولا زالت تبعات تلطيشهم في بعضهم بعضاً يعاني منها الملايين حتى اليوم بتشرذمهم وتحزبهم نحو صف هذا الصحابي أو ذاك، وأصبح الأمر كله اقتسام للأرض والثروة والنساء ، وأصبحت الآخرة أيضا عملية استيلاء على المزيد من الأرض والثروة والنساء، حتى أن تسبيحة الله تساوي نخلة في الجنة، والحوقلة بكنز في الجنة ، وكل شيء كان مفترضاً أن يصدر عن محبة خالصة أصبح يعامل بأسلوب البنكنوت وسبائك الذهب وسوق البورصة.
وعندما دخلت في المسيحية شعرت بالمحبة كما لم أشعر بها من قبل ، وطرت في دنيا شبيهة بسنو وايت والأقزام السبعة أو شجرة الفاصوليا والعملاق والأميرة ، حيث يسوع هو الذي تسلق شجرة الفاصوليا ووصل إلى العملاق وأنقذني أنا الأميرة. وأصبحت نفسي له للأبد.
وشعرت طبعاً بمأساة الأقباط وكثيراً ما تعاطفت معهم وأحسست بألمهم كأقلية تريد أن تخرج إلى الشارع بحرية وتقول أنها مسيحية ، وتريد أن ترى البابا كل أسبوع على تلفزيون الحكومة ، وتريد أن يشهر من يريد مسيحيته بحرية كما يشهر من هو مسيحي إسلامه بحرية، وشعرت أيضاً بتألم العالم كله بغض النظر عن أديان شعوب ذلك العالم. وأنت طبعاً تعلم تلك الكتب التي تقول في عناوينها "صلاة من أجل العالم على مدار السنة" حيث تضع في كل يوم صلوات متخصصة من أجل دولة محددة من دول العالم . وطبعاً بعد كل هذه الرومانسية الحالمة كان لا بد من السقوط من فوق شجرة الفاصوليا لأعود إلى الأرض وتدك رأسي على أسفلت الواقع الذي يصرخ بفشل النظرية المسيحية من حيث التطبيق وأنها حلمت أكثر من اللازم وصورت للمسيحيين إلها وهمياً إلى درجة أنهم تخدروا ونسوا جرائمه السابقة في النصف الأول من كتابهم الذي يؤمنون به (العهد القديم). لم أستطع أن أستمر وأدعي أن الروح القدس داخلي وأنا لا أرى أي روح قدس بل أراني بقيت مثل ما أنا .. إنسان عادي، مثل المسلم والملحد ، ولست ابناً لأي كائن إلهي، ولا يوجد شيء يعمل داخلي سوى نفسي، وها هم من يقولون عن أنفسهم أنهم أبناء الله وأحباؤه كل يوم يشربون المخدرات ويزنون وهم شمامسة وكهنة و أبناء لله.
ولهذا كان لا بد من البوذية التي تقول أنني أنا وحدي من يستطيع أن يخلص نفسه، وكانت البوذية بداية حقيقية لتقبلي للإلحاد وفي نفس الوقت بقائي ككائن روحي ، ولكنها حررتني من الاتكالية على الغير إلى الاتكال على نفسي ، وكانت مدخلاً جيداً جدا للوجودية التي تحملني مسئولية اختياراتي وتضع ماهيتي تحت تصرفي. وقد تركت البوذية أيضاً لأنها حالمة زيادة عن اللازم ولأن التنفس وتلك الأشياء لا تؤدي إلى أي استنارة بل تؤدي إلى حالة ريلاكس مؤقتة تزول مع يوم العمل التالي، غير أنها مفيدة جدا، ولكن ليس لدرجة الاستنارة . أيضاً بدت لي فكرة الكارما كقانون عادل بديل للإله الذي أحببته كثيراً حتى نفيت وجوده تماماً فكرة ممتازة، فأشخاص مثل هتلر ومليسوفيتش لا بد أن يعاد تشكلهم على هيئة صراصير أو خنازير حتى يلقوا مصيرهم معذبين أو مدهوسين ليعاد تشكلهم بعدها على هيئة ذباب ثم كائنات أخرى كثيرة حتى تنتهي كل الديون التي عليهم في قانون الكارما، ثم يعودون بشراً مرة اخرى بعد مئات السنين ربما وقتها سوف تطرح عليهم فرصة جديدة للخلاص بأن يصبحوا أخيرا طيبين ويتحولوا إلى مساعدة الناس . وبهذا يكون الكون قد حقق عدالته بنفسه، وساعدني على تقبل هذا هههه كتب الإعجاز العلمي البوذية والتي تتناول حالات تثبت أن إعادة التجسد تحصل بالفعل ويمكنك أن تجد هذا في الكتاب التالي :
http://www.buddhanet.net/pdf_file/rebirthscience.pdf
فهم أيضاً لديهم ثقافة الإعجاز العلمي هذه التي أصابت المسلمين بالخبل والدروشة، ولكن على الأقل قرأت شيئا جديدا بدلا من آيات النحل والنمل والعناكب..
لم أقبل البوذية لأنها أيضاً لا تؤدي إلى أي استنارة كما أن الرهبنة وتضييع السنين الطويلة في "التنفس" وأن تصبح رسالتي في الحياة هو أن أرتدي ثوباً أحمر حتى أقوم بـ "التنفس" حتى أصل إلى استنارة مزعومة كلام فارغ. ولهذا تحولت إلى الداوية وبوذية الزن Zen تلك التي تسخر من البوذية التقليدية وتقول بأن على الإنسان أن ينزل إلى الشارع ويسعى ويعمل كل ما يستطيع عمله ولكنها تنادي فقط باتباع خطوتين اثتنين تعتبرا محور الزن كله :
الأول : Here and Now
والثاني : What is is, and what ain't ain't
وهذان يطول شرحهما كثيراً .. ولكني لا زلت حتى اليوم أعتبر كتاب Tao Te Ching هو أفضل نص كتب على الإطلاق. والذي كتبه رجل كان يعمل أميناً لمكتبة في الصين ، واسمه غير معروف ولكنه لقب وعرف بالرجل العجوز Lao Tzu
وقد كتب الكتاب مرغماً عندما ذهب ليموت وحيداً في الجبل حيث بلغ الثمانين وقرر أن يذهب ليموت في مكان هاديء. فاعترضه حارس المدينة الذي كان أحد تلاميذه ، وقال له أنه لن يفتح له الباب حتى يمكث ويكتب كتاباً للبشرية ولا يترك البشرية هكذا ويرحل. فوافق الرجل العجوز على مضض ، وبقي على الحدود ثلاثة أيام يكتب كتابه "الطريقة القديمة" Tao Te Ching والذي اعتبره الإعجاز الحقيقي اليوم إذا كنا بصدد الحديث عن إعجاز علمي . فهذا هو الإعجاز أو "أفضل ما يمكن أن يقتبس من كتب قديمة تتفق مع العلم الحديث" في تعبير أكثر تواضعاً .
والدليل على هذا كتب فريتجوف كابرا The Tao of Physics وجزؤه الثاني The Turning Point اللذان طرحتهما في موضوعي "في البدء كان الهيدروجين " كما تعلم . حيث أكد مقولة الرجل العجوز الذي كتبها رغم أنفه عام 500 قبل الميلاد، وقال فيها أن الروح والجسد واحد ولا يوجد اثنين ، وكل شيء واحد. وأمن على كلامه الفيزيائي فريتجوف كابرا. وقال العجوز لاو تسو بأن الحقيقة "أنثى " فصدر كتاب "أنثوية العلم " لمؤلفة غربية لا أذكر اسمها الآن لتفصل في هذه الكلمة وتعتمد في حديثها على علم النفس اليونجي .
لماذا كل هذه الثرثرة.. حتى أقول لك أنني دخلت في هذه الأشياء وأحببت أهل كل دين عندما عشت معه، دخلت على جبهة كل منهم وشعرت بمخاوفهم وآمالهم. وهذا بالضبط ما تعبر عنه كارين أرمسترونج في كتابها "معارك في سبيل الإله" فهي أيضاً دخلت في الجبهات الثلاث ، ارتدت القلنسوة الإسلامية وشعرت بمشاعر حرس الثغور الخائفين على نسائهم وأطفالهم الذي خلفوهم وراءهم ، ثم لبست المسوح الرهبانية وأحست بقلق الناسك وتطلعه نحو الحب المفقود، وارتدت عباءة الحاخام وأحست بخوف الزوال من الوجود الذي شعر به كل يهودي في وقت من الأوقات. ثم خرجت وتعالت فوق الإنتماء واختارت أن تنظر بشكل high level لهؤلاء جميعاً وتخبر كل واحد منهم عن مشاعر الآخر ، وليس عن خططه ومؤامراته، بل عن مشاعره. بحيث جاء كتابها سيمفونية وليس مجرد نص عادي، بل سيمفونية ملحمة وليس أقل من ملحمة البشرية التي لم أقرأ ما يضياهيها في الجمال سوى الملحمة الخيالية الخالدة Lord of The Rings .. ولكن ملحمة كارين حقيقية ، و"خاتم الخلود" حقيقي جدا فيها ، والوحوش والأبطال الذين فيها حقيقيون وأثروا في عالمنا كما هو اليوم وفي تشكل خريطته بل وبلغ أثرهم إلى درجة أكبر مما نتصور حتى أنك اليوم مثلاً تعيش في أمريكا بسبب ما حصل في فصول هذه الملحمة وما نتج عنها من خريطة للعالم سواء جغرافيا أو دينياً أو سياسياً، لقد أثرت هذه الملحمة التي سطرت كارين فصولها بمنتهى البراعة وبأنامل فنانة وليس فقط مؤرخة في وجودنا وفي اختياراتنا ولا زالت تؤثر في حياتنا اليومية.
الذي أحزنني بشدة منك منذ عام هو أنك احياناً تهاجم الشخص بشكل غير مبرر، فتكون صافي المزاج اليوم معي، ثم غدا أفاجأ أنك انقلبت على شخصي بشدة بسبب خلاف فكري بيننا ، وأخذت تقول عني أنني متخلف. أو تهاجمني حتى أشعر بأن الهجوم المقصود به أتا وليس الخلاف الفكري الذي نتحدث عنه ، حتى ان كلماتك أحيانا قد تكون جارحة للغاية، فيشعر الإنسان أنه انضرب منك على قفاه لأنه اقترب منك بمودة. كما أنني أستطيع أن أتفهم تناقض المواقف إلى حد معين ، ولكن أن يصل إلى مرحلة معينة بحيث يبدو كأنه "أخذ على قد العقل" فهذا يحزن الشخص الذي يتعامل معك كثيراً ويشعره انك ضربته من الخلف.
وهذا تعبير صريح لا مواربة فيه عما شعرت به أنا منذ عام..لا أقصد بهذا أن أسيء إليك ولكنني أحب الصراحة جداً خاصة ولا أعرف اللف والدوران في التعبير عن مشاعري أو عما أغضبني.
أما أنا فأعتذر لك أيضاً إذا كنت قد قلت كلمة أساءت لك وأرجو أن لا تحزن من كلامي. فأنا مشكلتي أنني لا أستطيع أن أخبيء عن أحد ما يدور في قلبي ، ولا أحب اللف والدوران أو أن أبدو على خلاف ما انا عليه حقيقة، فيكفي جداً ان الإنسان في الحياة الحقيقية كثيراً ما يضطر إلى الكذب والدبلوماسية وارتداء الأقنعة بشكل قميء حتى يعيش بسلام ويتركه الآخرون في حاله، فالموضوع لا يحتمل أن نصبح هكذا حتى على الإنترنت... سيكون هذا أكثر بكثير من القدرة على الاحتمال.
وأعتذر عن الثرثرة يا جميل (f)
أحب الحديث الفكري معك واحترمك كثيراً يا إبراهيم
أراكم بعد حين