[size=4]عزيزي No one illegal
أشكر لك تقديرك .:97:
لم أعتقد أبدا أن الحرية في أي مكان هي نهر بلا شطئان. إننا أيضا لا نسبغ على المجتمعات الغربية أي نوع من القداسة فهم لا يسبغونها على أنفسهم . إن المفكر الغربي المنصف يعترف عادة أن هناك حدود لا يستطيع الفرد تجاوزها ليس فقط في التعبير عن أفكاره بل حتى فيما يعتقده .
للأستاذ نعوم تشومسكي ( N Chomsky ) مقال بديع أقتبس منه كثيرا بعنوان يدل على محتواه هو : ( حدود الفكر الذي يمكن التفكير فيه ( The Boundaries of The Thinkable Thoughts ، يبين فيه كيف أن الفرد الأمريكي و الغربي عموما خاضع لما يسميه تشومسكي ( حدود الفكر الذي يمكن التفكير فيه ) ، إن المسألة ليست فقط ما يستطيع الفرد أو لا يستطيع أن يعبر عنه ، بل ما يستطيع أو لا يستطيع أن يؤمن به . إن سيطرة مصالح معينة على المناخ الثقافي العام ووسائل الإعلام ، تجعل تلك المصالح هي التي تصنع الفكر الذي يقتات منه المواطن و تجعل حرية الفكر المطلقة مجرد خرافة .
يا عزيزي ..إن حرية الرأي و حرية التعبير كانت دائما مقترنة بالحدود و الاستثناءات ، كذلك فإن التسامح مع الرأي الآخر دائما يفسر في حدود ما يؤمن به المجتمع و يرى فيه مصالحه ، أما ما يرتكب من جرائم ومن تقييد للحريات نفسها باسم الحرية وحقوق الإنسان فأشهر من أن يشهر !. ليس من الممكن أن نتصور إنسانا يتخلص من كل تحيزاته المسبقة و مصالحه في الحكم على الأمور ، بل إن هذا الإنسان المطلق المنفتح دوما رغم استحالته غير مطلوب.لقد لخص برتراند راسل الأمر في عبارته البليغة التالية .( عقل منفتح على الدوام ، هو عقل فارغ على الدوام ) ، A mind perpetually open will be a mind perpetually vacant .فليس من الممكن أو من المصلحة لأي ما كان ، أن يتخلص إنسان من ولائه لأسرته و عشيرته ووطنه و أمته و مبادئه ؟.و إلا فكيف يمكن للإنسان أن يفكر و يصدر مختلف الأحكام و يمارس مختلف أنواع السلوك في حياته بلا أي ثوابت .. بلا جذور .
إنني بالطبع لا أعتقد أن تلك الظاهرة قاصرة على الفكر الغربي المعاصر بل هي ظاهرة عامة في كل المجتمعات في كل العصور ، و لكن هذه الحقيقة أيضا لا تتناقض مع حقيقة أخرى هي أن الإنسان في المجتمعات الحرة المعاصرة يتمتع بهامش واسع من الحرية غير مسبوق في تاريخه كله ، هذه الحرية لم نشارك جميعا في زرعها رغم أننا نتشارك في ثمارها ، إن فكرة الحرية طارئة على العقل البشري ولا يوجد ما يؤكد أنها ستصمد للأعاصير التي تدفع الإنسان في الإتجاه المعاكس و تحاول إعادته إلى قفص القبيلة و العقيدة و الآلهة و الشياطين ، ولكن هناك فصائل نبيلة من الجنس البشري مازالت صامدة في المعركة و تقاتل ببسالة و حماس من أجل إبقاء مشعل الحرية مضيئا ، و نحن نحاول أن ننضم إلى تلك الفصائل الإنسانية الباسلة و ندعوا الآخرين إلى ذلك .. تلك هي خلاصة القضية في عبارة بسيطة .[/size]

الصديق القديم بهجت:

كلما تعمق حوارنا، كلما زادت متعتي، فشكرا جزيلا لكَ و لبريق حرفكَ.

سأوجز نقاط حوارنا بأقسام منفصلة، حتى لا نضيّع أصل المقال.

أولاً:

إذا كنا قد أتفقنا بأن المعايير الزمنيّة تختلف (نوعا ما) بين زمن و آخر، فأننا قطا عاجزين عن محاكمة حقبة محددة وفقا لإسقاطات مرحلتنا الحضاريّة، لكن لا أؤيد رأيك من أننا نفوقهم إنسانيّة أو رصيدا حضاريا. لا بل أعتقد بأن إنسان النهضة الأوربية (و ما تلاها من مراحل أثّرت على العالم لاحقا) ليس بأوعى أو أكثر قلقا على مصيره من إنسان أثينا أو روما أو بغداد أو القاهرة. قبلا، كان الإنسان منشغلا بتهذيب ذاته و الكدح الفكري لجعل عالمه أفضل مكانا للعيش، و لجعل ذاته أكثر ثقافة و فهما. كانت "العدالة" و "المعرفة" و "الأخلاق" و "الدولة" هي التي تشغله، و كان المحيط شاغلا كبيرا له.

بينما أرى أن إنساننا منشغل فلسفيا بتبرير غرائزه لا أكثر. إنسان لم يعد يبحث عن الثابت (و كان لتراجع الميتافيزيقا أثره) بل أقتنع بالمتحوّل. أمست الصيرورة طريقا للتبرير، و دربا للتحليل المطلوب لكل ما لا يمكن تحليله أو أي غرض يجب التوصل إليه عبر هدم كل ماهو ثابت.

أرى أن الحرية صارت مفهوما متطرفا بعض الشيء، و صارت "وثنا" أكثر منه "معيارا" يُستفاد منه. كلنا قرأنا مثلا عن مطالبة بعض الألمانيين بالسماح بنكاح المحارم قانونيا، و كلنا نرى يوميا نساء بدينات بزي رجال أو رجال يرتدون حمالات الصدر النسائية أمام أطفالك، و الحجة دوما أنها "حريته". حريته أن يفتق أعين أبنتك أن هناك نساء بلحايا، و لكنها ليست حريتك أن تعترض أنك ستكون بعدها "عنصري" أو "جندري" .. ألخ. كلنا نشهد يوميا ملابس تثير الغثيان و منطقا بلا تحفظات و سوقية إجتماعية صارت تقلق المثقفين هنا، و الحجّة أنها "حريته". الحرية الزائدة عن الحاجة، التي تعني أن هناك من سيستخدمها بشكل غير مسؤول و أن الدولة ستضطر لتعزيز قدرات الشرطة و الردع القانوني، و بالنهاية سنعيش بدولة بوليسية، حيث الكل مشكوك به و حيث تبرير "هناك أشخاص خطرين" جاهز عندما تعترض على معاملة الشرطة لك كمجرم بينما كل قضيتك هو عدم دفع مخالفة سير. يا عزيزي، أن تقرأ ميل و كانط و روسو شيء، و أن تعيش هنا شيء آخر.

ثانيا:

طبعا الحريات التي بمصر لا تشبه الحريات التي بالرياض، لكن لا علاقة للدين جوهريا، فمصر ليست أقل إسلاما من السعودية، و إنما رؤيتهم للإسلام و تنفيذهم له تختلف. و هذا يعني أن المشكلة بالمجتمع و ليس الدين الذي يتبناه، و لا أنكر أن للدين تأثير، إلا أن المجتمع قادر على لوي عنق الدين و تحويله لما يرغب.

ثالثا:

تعتبرنا دولا غير متحضرة، و أن الحضارة بفرنسا و السويد و أمريكا. ولا أتفق معك. لا أنكر أن لنا مشاكلنا، و لكن هل أفهم أنك تطالب أن تكون مصر فرنسا جديدة؟ أعتذر، و لكنك تعيش وهما لا أكثر. لكل حضارة طريقا تسلكه نحو الحريّة و مفاهيما تحددها لنوع الحريّة وفقا لقناعاتها و تجربتها التأريخيّة و موروثها الحضاري، و عليه فإن ما يراه سارتر قد يخص فرنسا وحدها أو من يرغب بتصديقه، لكن لا تنتظر أن تتحول أفكار سارتر لرأي عموم الشعب العربي. السب بسيط: سارتر ليس ممثلا لحضارتنا، و لن يؤثر بنا كما أثّر بن رشد أو ساطع الحُصري.

رابعا:

الحرية التي أؤمن بها قد تختلف مع حريتك ربما، لذا سأعرفك على ما أعنيه من كلمة "حريّة". أن أكون حراً، يعني أن أكون مسؤولا بالدرجة الأولى تجاه نفسي و مجتمعي و مقدساتي. مقولة "حريتك تقف عند حرية الآخرين" لا تقنعني، بل أقول أن "حريتك تقف عند كرامتكَ الإنسانيّة". الحريّة هي أن أمارس مجموعة من الحقوق، شريطة أن لا أتطرف أو أتمادى بهذه الممارسة، و من جُملة هذي الحقوق، هو حق التفكير و الإختيار و الإرتباط و الإبداع. من حقي أن أبدع برسم لوحة تشكيليّة تبيّن رأيا محددا لي، و لكنه لا يحق لي أن أرسم شيئا يؤجج نار حرب طائفيّة مثلا. لذا، كانت المسؤولية هي أول ما يتبادر لذهني بعد مصطلح الحريّة. المسؤولية تحتاج لإدراك فلسفي و أخلاقي عميق، و الإدراك بحاجة لمعرفة، و المعرفة تحتاج لثقافة، و هكذا فالثافة التي عندنا هي التي ستحدد الحرية التي سأعيشها مادمتُ جزءً من المجتمع الذي ولدت فيه.

أن أكون حرّا يعني أن أمتلك ح الإختيار و الإختلاف و الإنتماء السياسي، و أن أمتلك حق الإتّجار و الأمان، شريطة أن لا أسبب ضررا مباشرا أو غير مباشر للمجتمع أو لحضارتي.

و إذن، هل نقف على ذات التغسير لكلمة حريّة؟

خامسا:

لسنا أئمة تفسير قرآني، و لكن ما أعرفه أن المذهب الإمامي (الشيعي) لا يقتلون المرتد بحال لم يضر المسلمين ضررا مباشرا، و بالفعل هناك من يقتل المرتد، و لكن إذا كان البعض يقتل المسلمين لخلافات بسيطة تأريخية، أغستعجب لأنه يقتل غيرهم؟ قلنا أن الإسلام ليس شكلا واحدا، و محاولة لصقع بالإسلام السلفي هو عملية فاشلة على المدى البعيد.

و أما الجزية فأغلب المفسرين أعتبرها واجبة بحالة الحرب فقط، فمثلا لم تكن الجزية تجبى من المسيحيين العرب بالعهد العباسي، و لكن الإمبراطور البيزنطي كان يدفعها منذ عهد الرشيد (و رجله فوق راسه) بعد أن تحرّش بحدود الدولة العباسية، و بقيت الجزية تجبى بعهد الأمين و المأمون و المعتصم و المتوكل.

لذا، أفضّل أن نهرج من النقاش لالديني، لأنه واسع جدا و لا يعنينا بالدرجة الأولى.


لك التحيّة و عذرا للإطالة.

متابعة..
بالعودة إلى ماطرحتموه وخاصة الأستاذ بهجت، فأنا أتفق معه في أن مفهوم الحرية محصور بين ماهو فلسفي وماهو قانوني (نصي أو عرفي).. كما أنه متغير حسب الزمن والمكان والسياق بشكل عام.. فالحرية لدى الفلاسفة قد تكون مطلقة وقد تتخذ أشكالاً وأراءاً متباينة.. والحرية عند القانون مقيدة.. وإذا ما أخذنا الشرعة الدولية لحقوق الانسان فسنجد مفهوم الحرية مقيد ويتطور تدريجيا حسب تأثير الفلسفة عليه.. ورغم ذلك فأن الميزة الجيدة لهذه الشرعة هي مبدأ (الكونية).. فيفترض أن الحرية المكفولة في الشرعة هي حرية لكل الناس المشتركين في الأصل الانساني وبذا تذوب تلك القوانين العرفية والسياقات المختلفة للحرية..

أقول،
بخصوص عبدالله سعيد، وكتابه عن الردة apostasy.. فيه الكثير من القول هو الحرية والحرية في الاسلام.. وهو يتجه نحو جعل الاسلام ليبرالي ويجد سبله لذلك .. لا أدري كيف يجدون ذلك ولكني أرى في ذلك خيراً :10:

الاسلام السياسي لا يؤمن بالحرية..نعم.. وأرفق لكم هذه الدراسة المختصرة والمفيدة.. أخوان المسليمن ومناطق الضباب الست:)
http://www.carnegieendowment.org/programs/...amistpolicy.pdf

شكرا من القلب..(f)

الأخ السياب .
تحية قلبية .:97:
يسعدني أن يتواصل الحوار بيننا ، آملا أن ينضم إلينا مزيد من الزملاء .
سأعد ردا خلال يوم أو يومين راجيا أن يتناسب مع مداخلتك السخية ، فقط أود أن أشير أن معرفتي بالغربيين ليست فقط خلال القراءة ، و لكن أيضا خلال التجربة المباشرة الطويلة سواء في أوروبا أو في الخليج ، شيء آخر هو أني مقتنع بأن على المفكر أن يكون كالقاضي لا يحكم بتجربته و تحيزاته مهما كانت مقنعة له ، و لكن عليه بالوقائع المادية الصلبة ، فقد تكون التجربة الذاتية خادعة وهذا كثيرا ما يحدث ، شخصيا لست منبهرا بالغربيين و عاداتهم ، و هذا طبيعي كوني مصري من بيئة محافظة و إن كانت غير متزمتة ، كما أني شخصيا أنفر من الحياة المنفلتة و ألزم نفسي بكثير جدا من التقاليد التي يراها زملائي بالية ، و ثق أني سأجد نفسي بين آيات الله في قم أفضل كثيرا من وجودي بين من يشاركوني أفكاري في باريس ، إني أنحاز للأفكار الليبرالية ليس لكراهيتي للعفة الجنسية مثلا فمازلت أراها فضيلة ،و لست علماني لأني أريد توافر الخمور في كل بقالة ، فلست أتعاطى الخمور ولا المكيفات ولا أطيقها ، و لكني أنحاز للعلمانية الليبرالية لأنها السبيل الوحيد لتقدم بلادي و عالمنا العربي ،وهذا الهدف هو المعيار الوحيد الذي يقودني في خياراتي و تحيزاتي الثقافية و السياسية ، ولو تحررت من الروح الوطنية ولو بعض الشيء لربما تغيرت مواقفي كلها ، أقول هذا لأن كثير من الزملاء يربطون بين التحرر السياسي و الإنفلات الأخلاقي وهذا غير صحيح ، إن العلمانية الليبرالية موقف جاد جدا من الحياة و ليست لهوا و حياة بوهيمية، فقط أحببت أن أبدأ بهذا الإيضاح الذي ربما يلتبس في أذهان كثير من الشباب أحيانا بحسن نية و غالبا بسبب الدعاية الأصولية .
خالص التقدير .

الغالي بهجت:

لا تفهمني خطأ يا عزيزي، فأنا لم أفكر يوما بأنك منحاز إلى الثقافة الغربيّة أبدا، بل أعرف بك بهجت (الأستاذ م. ) العروبي العلماني المؤمن بتراثه. كلنا ندعو لعلمنة الدولة، و لكن نختلف بالمذاهب الفكرية و هذا حقّ مشروع طبعا.

أتمنى أن تأخذ وقتك بالرد، و أنا بأنتظار مداخلتك المفيدة.

(f)

السياب العزيز .(f)
Arrayأرى أن الحرية صارت مفهوما متطرفا بعض الشيء، و صارت "وثنا" أكثر منه "معيارا" يُستفاد منه[/quote].
رغم أن كل البشر يتوقون إلى الحرية ، إلا أن مشكلة الحريات في الغرب تختلف عن مشكلتها في بلادنا ، ففي الغرب هناك عاصفة من الحريات قد تصل للإعصار الضار أحيانا ، و هنا لدينا حريات مريضة معتقلة في سجن السلطة و الفقهاء و التدين السياسي الشعبي ، حريات أشبه بالهواء الراكد الملوث ، أرى أن نترك مشكلة الحرية في الغرب للمفكرين هناك ، فالغرب يراجع ثقافته دائما .. منابعها و مسارها . و هو الذي ينقدها و يحللها بعمق و منهجية ،و غالبا كل ما نفعله هو إعادة إنتاج هذا الفكر المراجع مع إكسابه خطابا إسلاميا ، أرى أن نهتم بمشاكلنا نحن ، فالحرية لدينا في مأزق حقيقي ليس فقط بسبب غياب الإرادة الشعبية و لكن بسببها وهذه معضلة فريدة ، المشكلة لدينا ثقافية بالأساس ، لدينا رعب اسمه الدين يشل التفكير تماما ، فالدين يستدعي دائما في كل شيء ، و لكن الفقهاء هم الذين يجيبون بأسخف الأفكار و أبعدها عن العقل و الحضارة و الضمير الحي ، موتى يفتون لمغيبين في طريقهم إلى الموت الحضاري و الخروج من التاريخ كالديناصورات المنقرضة ، نحن أشبه بذلك المضحك الذي يحتفظ بصورة لوحش أسطوري في حافظته و يخرجها كل دقيقة ليرعب نفسه ، مشكلتنا ليست في الإسلام و لكن في العقل الجبان الذي يتعامل مع العقائد و الأفكار بل و كل شيء في الحياة .
نعم ليس كل ما هو موجود في الغرب بالضرورة حضاري ، و أننا لسنا في حاجة إلى إجراء عملية تغريب كاملة بل نحن في حاجة لعملية حداثة انتقائية . إن الحضارة الغربية ليست كما واحدا ، بل هي كتلة من المتناقضات ، و القيم الغربية ليست كلها حضارية ، بل بعضها كذلك ، فالغرب الذي أعطى للإنسان حقوقا أصيلة و حقيقية لأول مرة في التاريخ ، قصر هذه الحقوق غالبا على مواطنيه ،و الغرب الذي صنع لنا كل تلك الأدوات التي طورت نوعية الحياة على ظهر الأرض ، هو الذي صنع القنابل الذرية وألقاها على البشر في اليابان ،و مارس الحرب الكيماوية و البكترولوجية . و الغرب الذي حرر فرنسا و بلجيكا و هولندا من محتليها هو الذي دمر فيتنام و احتل العراق و يدعم البغي الصهيوني .
مخلصا لمهنتي الأساسية كمهندس كيميائي أقترح تصورا لسلبيات الحضارة الغربية ، وهو أن لكل حضارة كبرى مثل الحضارة الغربية / الكونية المعاصرة منتجات رئيسية main products و منتجات ثانوية by- products ،و الأخيرة مثل أي تفاعل ضخم تكون حتمية غالبا و تظهر بشكل عرضي تماما و غير مقصود ،و كثيرا ما تكون ضارة و يجب التخلص منها .
إن المنتجات الرئيسية كالعلوم و التكنولوجسا و الإنتاج الكثيف و الحرية و الفنون الراقية هي عناصر الحضارة التي يجب الحصول عليها بشكل ملح ، كي نتحضر و نصل إلى الحداثة المنشودة ، و لا يجب أن نتردد في دفع الثمن الضروري لذلك لأن التحدي هو الوجود ذاته ، بل ما هو أهم من الوجود ، كيفية هذا الوجود . أما ما غير ذلك فهي عناصر أو منتجات ثانوية يجب أن نأخذ منها ما يتلائم مع تراثنا و قيمنا.
أما تلك المنتجات ثانوية التي يجب عزلها فهي عديدة أيضا مثل الاستغلال و الجريمة والمخدرات و الانحراف الخلقي و الشذوذ الجنسي و تفسخ الأسر و الموسيقى الخليعة ...و الفنون الإباحية ... الخ .
لقد استوعبت اليابان المنتجات الرئيسية و عزلتها عن المنتجات الثانوية ، فحافظت على كيانها القومي و تسلحت بالقوة المادية ، بينما أقبلنا نحن على المنتجات الثانوية فقط معتقدين أنها حضارة الغرب ، لقد تغربنا دون أن نتحضر فأصبحنا كالقرد أبو قبعة لا هو قرد و لا هو إنسان !..
Arrayلكل حضارة طريقا تسلكه نحو الحريّة و مفاهيما تحددها لنوع الحريّة وفقا لقناعاتها و تجربتها التأريخيّة و موروثها الحضاري، و عليه فإن ما يراه سارتر قد يخص فرنسا وحدها أو من يرغب بتصديقه، لكن لا تنتظر أن تتحول أفكار سارتر لرأي عموم الشعب العربي[/quote]
قضية خصوصية الثقافة العربية الإسلامية هذه مثل خطوة الألف ميل الشهيرة لو بدأناها فسنمضي بعيدا جدا ، كثيرا ما تناولناها هنا في نادي الفكر تحت مسميات و مقتربات متعددة ، ربما آخرها في رد لي على تعليق زميلنا العزيز مالك في شريط (مستقبل الدين في عالم ليبرالي ) ، هذا الرد يعبر بشكل أراه واقعي على علاقات الثقافات المعاصرة المختلفة وسوف ألخصه هنا ، هناك تعبير متداول فى الخطاب العربى المعاصر يصف مجمل التيارات والحركات الفكرية المعاصرة مثل العقلانية والتجريبية والعلمانية والديموقراطية بأنها كلها نشأت فى "سياق ثقافي مغاير" بهدف نزع الصلاحية عن الفكرة المذكورة بوصفها فكرة غربية لا تناسب البيئة العربية التى سيقت إليها وهذا أمر مخادع ، فلو طبقنا فكرة السياق على المصدرين العربى والغربى لوجدنا الأمر يتناقض تماماً مع ما هذا المنطق الإنعزالي . فلو نظرنا إلى ما يجمعنا بأى فيلسوف غربى معاصر مثل كارل بوبر أو هابرماس أو ميشيل فوكو لوجدنا أننا نركب نفس وسائل المواصلات ونشاهد التليفزيون فى المساء ونعيش فى كنف نمط إنتاجي واحد وتشغلنا قضية الديموقراطية والمواطنة وحرية التعبير، ولكن لو نظرنا إلى ما يجمعنا بالاشاعرة أو ابن رشد أو أبى حنيفة لاستوقفنا الفارق الهائل بين ظروفنا التاريخية وظروفهم ، فلا يجمعنا بهم وسائل الاعلام والمواصلات ولا نمط الانتاج ولا الظروف السياسية ولا دواعى الحرب والسلم وهذا يعنى أن تعبير السياق الثقافي المغاير ينطبق بصورة أكبر على الأفكار الموروثة من العصور الوسطى أكثر كثيرا مما ينطبق على الأفكار المستجلبة من الغرب.
Array لذا، أفضّل أن نخرج من النقاش الديني، لأنه واسع جدا و لا يعنينا بالدرجة الأولى.[/quote]
إني أيضا غير معني بالتقاش الديني ،و لكننا جميعا ندفع دفعا لمناقشة الجوانب السياسية و الثقافية و القانونية المؤثرة نظرا لأن هناك مشروع أصولي يطرح تفسه بإلحاح على العقل المسلم سواء السني خلال الفكر الوهابي الإخواني أو الشيعي خلال مبدأ ولاية الفقيه ، إن الأصولية المتغولة الآن نجحت أو كادت في إيهام المسلم و حتى القبطي المصري أن الإستقلال الفكري خارج سيطرة المرجعيات الدينية و هيمنتها على كافة المجالات الوظيفية هو نوع من الكفر و المروق و الخيانة و .. الخ .
Arrayالحرية التي أؤمن بها قد تختلف مع حريتك ربما، لذا سأعرفك على ما أعنيه من كلمة "حريّة".[/quote]
سوف أرجئ تعليقي عن مفهوم الحرية لأني آمل طرح قضية الحرية في شريط مستقل .

و تقبل خالص تقديري .:wr:

العزيز بهجت:

رغبة مني بالولوج بماهية الحرية (في موضوع منفصل) سأسعى لتلخيص حوارنا لعدة نقاط ختامي آمل أن نتفق عليها:

أولا:

أتفق معك تماما أن الحريات التي نطلبها هي الإنتاج الأساسي للحرية، من مصداقية رأي و تعدد سياسي و فكري، إلى احترام خصوصيات الفرد خصوصا أمام السلطة التنفيذيّة.

ثانيا:

إن أتفقنا على لون الحريّة المطلوبة، أفلا يجب أن نتفق على الأداة التي سترسيها بالمجتمع؟ الإعلام؟ أنه منحط للغاية و تبعي، بدليل أن برامج مثل "الأخ الأكبر"، "ستار أكاديمي"، "سوبر ستار"، "مليونير" هي التي تستحوذ على فضائياتنا التي يسخرها أمراء النفط لتحطيم آخر ركائز خصوصياتنا الإيجابية الحضاريّة. الفن (و لنأخذ الغناء مثلا) لم يعد ما يمكن سماعه حتى الأمس القريب، بل صار عرض مباشر للجسد و خطاب صريح للمخيلة الجنسية الذكورية و الأنثوية، و أنتهى بالترويج للشذوذ الجنسي بأكثر من طريقة، يصل بعضها للصفاقة و الشبه مباشرة.

إذن، كيف نتحكم بهذا الكم من الزبالة الفكريّة المستوردة؟ قد تقترح الوعي المضاد بفضائيات هادفة، و الواقع أنها موجودة، و لكن النتائج لا تزال أقوى و أكبر عند الجانب الرأسمالي التجاري بمستقبلنا، و المطلوب هو تبني جهة تحدد حدودا للحرية السلبيّة، لأن العنف هو الذي سيحل القضية إن غاب صوت الحل السلمي.

ثالثا:

كنت أرغب براغماتية عربيّة تجاه الحضارة الغربيّة، مع إسقاط التطور الصناعي من المجهود، و الإكتفاء بالإقتباس المباشر كما فعلت الهند و الصين. أي، إسقاط أهمية الطائرة المصنوعة فرنسيا من نظرتنا الحضارية لفرنسا.


الخلاصة:

أننا متفقان بالمضمون العام و نقف على جانب واحد.