العمل السياسي في مصر بين حاضره ومستقبله
أحمد نبيل الهلالي
eme55@hotmail.com
2004 / 3 / 6
* واقع العمل السياسي اليوم مأساوي، لأن الدولة تتفاعل معه وكأنه إثم أو جرم.
أولاً: الحركة الفاعلة هي وحدها القادرة على تحقيق التغيير الذي ينشده الشعب، لا يجوز ابتذال مدلول العمل السياسي.. باختزاله وحصره في مجرد الدردشة السياسية.. خلال ندوة منعقدة داخل قاعة مغلقة أو مؤتمر مقام في مقر حزب أو نقابة محاصر بفيالق الآمن المركزي.
إن للعمل السياسي مفهوم أعم. وأهم يشتمل على مجموعة عناصر متكاملة هي:
* حرية التفكير في السياسة.. وهموم الوطن والمواطن.
* حرية التعبير المعلن عن هذا التفكير.
* حرية التحرك بهذا الفكر وسط الجماهير.
* حرية الدعوة لهذا الفكر وتعبئة المواطنين حوله.
* حرية التنظيم في حزب، أو نقابة، أو مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني.
وتغيب أي من هذه العناصر مؤداه.. افتقاد العمل السياسي لمصداقيته وجدواه.
ثانياً: لا يمكن الكلام عن المستقبل مفصولاً عن تقييم الحاضر، ولأن حاضر العمل السياسي في مصر مظلم.. ومؤلم. فاستمرار هذا الحاضر وامتداده إلى المستقبل يقضي على أدنى أمل في أن يكون للعمل السياسي في مصر مستقبلاً.
ثالثاً: واقع العمل السياسي اليوم.. مأساوي.. لأن الدولة تتفاعل معه.. وكأنه.. إثم.. أو جرم.. أو عمل مشبوه.. أو مكروه، لذلك فالعمل السياسي الطلابي في الجامعات مصادر والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني محظور عليها النشاط السياسي.
ولأن مآسي واقع العمل السياسي يطول شرحها، فسأتناول في حديثي بضعة مظاهر على سبيل المثال لا الحصر.
أولاً: آفة تأبيد الطوارئ:
نظامنا الحاكم يعاني من داء إدمان الطوارئ. ويتوهم أنها ضرورة حياة أو موت وغرفة الإنعاش وطوق النجاة التي تضمن له الاستمرار على قيد الحياة.
وهو يبرر إرهاب الدولة.. بأنه القميص الواقي للديمقراطية من الإرهاب الفردي أو الديني. وهو يتجاهل بذلك دروس التاريخ التي تؤكد أن الطوارئ سلاح مفلول.
- وحالة الطوارئ لم تحم قرارات يناير 1977 الاقتصادية من انتفاضة الشعب على حرامية خبزه اليومي.
ولكي يكون العمل السياسي مستقبلاً يجب أولاً وقبل كل شيء إزاحة كابوس الطوارئ الجاثم على أنفاس الشعب.
أسوار المعتقلات.. صحيح.. صحيح.. أن دفعات محدودة ومعدودة من الإفراجات قد تحققت بالفعل.
لكن استمرار تقييد حرية الغالبية الساحقة من هؤلاء الأسرى جريمة.. والإفراج الفوري عنهم لا يجب أن يخضع لمعيار انتقائي أو تدريجي.
ثانياً: التعددية الحزبية:
تعددية زائفة.. خائفة:
رغم أن الدستور المصري يعتبر تعدد الأحزاب أساس النظام السياسي في البلاد.إلا أن جهابذة القوانين ابتدعوا قانوناً للأحزاب.. يشوِّه ويزِّيف التعددَّية الحزبية ويحولها إلى مجرد ستار لإخفاء احتكار الحزب الحاكم لسوق العمل الحزبي، فالحزب الحاكم – من خلال لجنة الأحزاب – هو الذي يمنح شهادة ميلاد أي حزب وهو الذي يصدر تصريح دفن أي حزب. والتعددية الحزبية المسموح بها تريد من الأحزاب الممنوحة صكوك الشرعية أن تكون مجرد نباتات للزينة وتجميل المنظر غير المسموح لها بأن تزهر أو تثمر. الإسلام السياسي واقع.. لا يمكن إلا لمكابر إنكاره وخير شاهد على ذلك، التظاهرة الحبيسة داخل أسوار إستاد القاهرة ضد العدوان الأمريكي على العراق، ثم وقائع تشييع جثمان المغفور له مرشد الإخوان السابق. حزب الكرامة تحت التأسيس.. واقع موجود على الساحة له ممثل في مجلس الشعب فاز في الانتخابات باكتساح، وقد وجِّهت له الدعوة للمشاركة في هذه الندوة.
الأحزاب الشيوعية المصرية.. واقع موجود تشهد به ملفات قضايا أمن الدولة.
وما دامت الأمور بكل هذا الوضوح، يظل السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح.. فيما إذن.. وإلى متى.. دفن الرؤوس في الرمال؟!
آن الأوان لإطلاق حملة شعبية هادفة لكسر احتكار الحزب الحاكم للعمل الحزبي وإسقاط قانون الأحزاب.
فالخطر التشريعي المفروض على هذه الأحزاب وتشديد الحساب وتغليط العقاب لن يسعف.. ولن يجدي.
لأن الحزب السياسي هو نتاج ضروري موضوعي.
- توافر هذه الضرورة هو شهادة ميلاد الحزب حتى لو اعتبر النظام الحاكم ساقط قيد وانتفاء هذه الضرورة هو شهادة وفاة الحزب حتى لو حاول الضارة تحنيط جثمانه.
- وليست هناك قوة سياسية تعشق السرية. وبوصفي شيوعي أؤكد أن الشيوعيين ليسوا هواة النشاط السياسي في جنح الظلام.. وإنما ظلت السرية مفروضة عليهم فرضاً على الدوام.
إن تاريخ بلادنا شهد بأن أول حزب شيوعي تأسس في مصر في العشرينات كان حزباً علنياً وظل حزباً علنياً حتى حظرته السلطة.
3- حرية الصحافة المؤداة:
تعاني الصحافة المصرية من محنة الذبح لسلاح تعطيل الصحف.. وقصف أقلام الصحفيين والزج بهم في السجون وتعريضهم للموت داخل الزنازين.
وقمع الصحافة يستهدف منع الصحافة من أداء رسالتها في كشف الانحراف والفساد.
إن أعداداً متزايدة من الصحفيين يحالون تباعاً إلى النيابة العامة ومحاكم الجنايات والجنح، وكل جريمتهم، هي تسليط الأضواء على انحراف أو فساد هذا المسؤول أو ذاك.
وإذا أريد للعمل السياسي أن يكون له مستقبلاً، فلا بد من إطلاق حرية الصحافة تملكاً.. وإصداراً وتحريراً.
ولا بد من إلغاء العقوبات المقيِّدة للحرية في جرائم النشر تأميناً لأمان الصحفي.
ومن غير المعقول ولا المقبول.. أن يعفي القانون المواطن العادي من المسؤولية الجنائية إذا ارتكب سب أو قذف من خلال ممارسة حق الدفاع عن حقوقه الشخصية أمام القضاء ثم تبخل على الصحفي بمثل هذه الحصانة عندما يدافع بقلمه عن حقوق الوطن والشعب.
4- تعطيل تداول السلطة:
لا مجال لأي حديث عن الديمقراطية في ظل تغييب آليات تداول السلطة.
والمقام لا يسمح بالطبع بالحديث عن كل جوانب تداول السلطة. لذلك سوف أتوقف فقط عند أمرين:
- أسلوب اختيار رئيس الجمهورية.
- ثم توريث السلطة.
لقد قيل الكثير والكثير أيها الأخوة في انتقاد اختيار رئيس الجمهورية بطريق الاستفتاء. وأنا بالطبع من المنادين بضرورة انتخاب رئيس الجمهورية، لكن وجه الخلل في تقديري لا يقتصر على أسلوب الاختيار. ولذلك فحتى!
لو انفتحت لنا ليلة القدر وتقرر بقدرة قادر اختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب بل، وبالانتخاب من بين أكثر من مرشح لن ينصلح الحال.
لأن الصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية تمكنه من الهيمنة ومن الإمساك بخيوط السلطات الثلاث: التنفيذية، التشريعية، القضائية، بين يديه سواء كان رئيساً منتخباً أو مستفتياً عليه. وهذا الوضع الشاذ الوارد في الدستور، يجعل رئيس الجمهورية أي رئيس الجمهورية هو الكل في الكل في هذا البلد. إن القوى الديمقراطية في بلادنا مطالبة بالنضال العملي في سبيل تداول السلطة، نضال بالأفعال.. وليس بمجرد الأقوال وإذا كانت ترتيبات توريث السلطة تستهدف قطع الطريق على تداول السلطة، فالقوى الديمقراطية مطالبة بسد الطريق – أو على الأقل – بتصعيب الطريق على محاولات التجديد الأوتوماتيكي لرئيس الجمهورية أو توريث السلطة.
ونحن أيها الأخوة على مشارف موسم جديد لتجديد الرئاسة فلنجعل من الموسم القادم ساحة للنضال الديمقراطية في سبيل تداول السلطة.
* إنني أبصم بأصابعي العشرة على حق الحزب الحاكم في أن يسمي مرشحه للرئاسة، سواء كان الرئيس حسني مبارك أو السيد جمال مبارك. هذا شأن هذا الحزب واختياره ولكن غير مسموح به أن يفرض الحزب الحاكم اختياره على الشعب كأمر واقعي لا بديل عنه من خلال أغلبية مصنوعة داخل مجلس الشعب. لذلك اقترح على القوى الديمقراطية في مصر أن تتفق فيما بينها على مرشح منافس لمرشح الحزب الحاكم. وبعد فلا زال للحديث بقية بل بواقٍ لذلك أختم كلامي بطرح مجموعة أخرى من المطالب بأسلوب تلغرافي:
* مطلوب إعادة أجهزة الأمن إلى حجمها الطبيعي، فتلك الأجهزة تعددت.. تضخمت،.. تغلغلت،.. تغوَّلت.. تحولت إلى أخطبوط له مائة رأس وألف ذراع.
بحيث أصبحت تتحكم في كل صغيرة وكبيرة من حياة المواطن وكل نشاطاته السياسية والاجتماعية والثقافية، بل وحتى في ممارسة المواطن لشعائره الدينية.
* مطلوب من الدولة التي يصفها الدستور بأنها دولة سيادة القانون، مطلوب منها احترام أحكام السلطة القضائية التي يعتبر الدستور الامتناع عنها أو عرقلة تنفيذها جريمة.
إن تحدي الحكومة لأحكام المحكمة الإدارية العليا في شأن الانتخابات التكميلية في دوائر نواب التجنيد خرق فاضح للدستور.
وبعد الاعتذار عن الإطالة.. بقيت لي كلمة أخيرة..
أنا أتوقع عندما ينفتح الباب للمناقشة. أن يواجهني متساءلٌ أو معقبٌ قائلاً: )لقد أعطيت لنا صورة سوداوية لأوضاع العمل السياسي في مصر( و)طلعَّت القطط الفاطسة في الديمقراطية القائمة(. ومع ذلك أليس في دعوتك للمشاركة في هذه الندوة دليل على أنك تجاوزت وتجنيت.
وأن الديمقراطية التي نعيش اليوم أزهى عصورها لا تصادر رأياً؟ وردي المسبق على مثل هذا التعقيب المتوقع هو الآتي:
صحيح أن دعوتي للمشاركة في هذه الندوة.. ودعوة آخرين من المعارضين لندوات أخرى.. هي خطوة مشكورة.. وغير منكرة.. في الاتجاه الصحيح.
لكن دعوني أعبر لكم بصراحة عن إحساسي، وأنا أتحدث في هذه الندوة. إني أشعر بأن حريتي في الحديث.. أشبه بحرية الأسد الحبيس داخل قفصه الحديدي في حديقة الحيوان.
من حقه أن يزأر، وأن يزمجر
بل من واجبه أن يزأر وأن يزمجر
لكي يجذب الزبائن إلى الحديقة لأن الحديقة لو عرضت أُسوداً خرساء.. سوف تشهر إفلاسها لأن المواطنين
لن يتكبدوا تكلفة تذاكر الدخول وسيتوجهون فوراً إلى كوبري قصر النيل للمشاهدة المجانية للأسود الخرساء هناك.
( ) كلمة ألقاها في ندوة بمعرض القاهرة للكتاب ألقيت باختصار 24/1/2004
________________________________________
http://www.rezgar.com/
الحوار المتمدن