اقتباس: بهجت كتب/كتبت
6.هل يمكن أن يتعايش الإسلام مع العالم المعاصر أم أن التصادم حتمي ؟ .
7.هل سيتجذر الإرهاب ؟.
8.ما هو مستقبل الأصولية الإسلامية في عالم ليبرالي ؟.
[quote]فليس
الدين هو الذي لا يتوافق مع الليبرالية و الحداثة ، بل ممارسوه هم الذين يعادون التغيير و الحرية التي تمثلهما الليبرالية
الزميل المحترم و العزيز / بهجت
أحب تفاديا للبس الذي قد تسببه التعريفات أو مدلولات الألفاظ أن أحاول فض الإشتباك بين العديد من المصطلحات التي باتت تمر على أسماعنا ليل نهار بجميع وسائل الإعلام بإختلافها تاركة لدى مستقبليها إنطباعات مغرضة (أعني ذات غرض مقصود مسبقا) - قد تكون تلك الإنطباعات الغرض منها تكوين مشاعر سلبية أو إيجابية للقضايا المطروحة أو لمجرد التمويه لتفادي التصادم. و قد بدأت تلك العملية مع بدايات إنفتاح مجتمعاتنا على الحضارة الغربية - و تصاعدت مع تصاعد الإحتكاك حينا - أو لتواكب الأحداث و المتغيرات حينا - و لتمييع و تدليس المدلولات الحقيقية للألفاظ لتفادي الصدام أحيانا - كما تم إستخدام التلاعب بالألفاظ من جميع الأطراف المتصارعة - و بخاصة طرف الإعلام الحكومي الرسمي و بشكل تدليسي واعي لإعلان الحرب على الأطراف الأخرى معنويا - و أولها الطرف الأسلامي.
لكن الأمر المؤسف أن تلك العملية التي يرجح أن يكون الغرض الأول منها هو التوفيق بدون تصادم بين ثقافاتنا و بين الحضارة الوافدة قد تسببت و ببطئ في حالة من الإلتباس الفكري و الثقافي - و كوننا أصبحنا (على المستوى الرسمي) نبني مواقفنا الفكرية / الأخلاقية / الثقافية على مواقف ترتكز على ألفاظ و مدلولات غير ذات واقع حقيقي - فقد إنهارت شرعيتنا الثقافية الرسمية.
دعنا نبدأ ببعض الألفاظ المراوغة و التي تعبر آذاننا ليل نهار:
الإسلام - الإعتدال - الوسط - التطرف - الأصولية - الإرهاب.
و لنأخذ مثال عام للقياس بعيدا عن إلتباسات هذه المصطلحات و مدلولاتها.
في أي مجتمع متجانس و بغض النظر عن خلفياته المعرفية - و تركيبته الإجتماعية و علاقات أفراده الإقتصادية - يرتبط أفراد هذا المجتمع سويا بعلاقات توجهها قيم أخلاقية مشتركة - ثم تباعا تسود تلك القيم و تقنن لكي تصبح قوانين جماعية ثم دساتير - أي أنها تصبح أخلاق سائدة تفرض من المجتمع على الأفراد بواسطة التربية و التعليم و الثواب و العقاب. و يحرص هذا المجتمع على أن يتشرب أفراده هذه الأخلاق و القيم منذ نعومة أظافره.
و الفرد في هذا المجتمع لا يحرص على هذه القيم الأخلاقية لمجرد خوفه من العقاب (القوانين الجنائية و المدنية) فالدافع أكبر من مجرد الخوف - فهو دافع نفسي قاهر بالإضافة للثواب المعنوي الذي يتمتع به الفرد الذي يتمسك بالنموذج الأخلاقي و الذي يلاقيه من محيط مجتمعه.
و مجموع تلك القيم الأخلاقية تمثل في النهاية الفرد المثالي النظري الذي يتمنى المجتمع أن يصبح جميع أفراده على شاكلته.
و على المستوى الفردي - كلما إقترب الشخص من هذا النموذج المثالي كلما زاد رصيده و تقييمه لنفسه و تقييم المجتمع له.
فالأصل هنا في المحاولة المستمرة في تمثل كامل النموذج الأخلاقي و هذه هي الفضيلة الكاملة - و ليس نهائيا في محاولة تمثل بعض سمات النموذج الأخلاقي المثالي و ترك أغلبه.
أما حالة وجود مجتمع ذو نموذج أخلاقي مثالي لا يمكن الإختلاف عليه من أي من أفراد هذا المجتمع - لكن و للعجب يكون الأصل و الفضيلة الكاملة في محاولة أفراده تمثل البعض فقط من سمات هذا النموذج المثالي و ترك أغلبه فهذه علامة خلل إجتماعي جد خطير. يدل في أول نتائجه على تيبس القيم الأخلاقية للمجتمع و إستعصائها على مواكبة العصر و المستجدات من ناحية - و على التنفيذ الواقعي من ناحية أخرى نتج عنها المتناقضة السابقة في أن يكون النموذج المثالي المعترف به من جميع الأفراد موجود و معروف و لكن على المستوى الفردي فالأصل في إحتذاء و تمثل أجزاء منه فقط و ترك الباقي - بل و المأساة في أنه في حالة المحاولات الفردية لتمثل باقي النموذج - قد تقابل بعنف من المجتمع يصل لحد القتل ؟؟
و لنعد الآن لمجتمعاتنا و ألفاظنا المراوغة.
(أ) الإسلام - التطرف - الإعتدال - الوسط.
النموذج الأخلاقي / القانوني الإسلامي شديد الوضوح و غير ملتبس - لكن الإلتباس كله في الألفاظ المستخدمة و مدلولاتها.
و المفترض في المجتمع الإسلامي أن يكون الأصل في المحاولة المستمرة لإمتثال كامل النموذج القانوني الأخلاقي من مصدره و هو القرآن و السنة و السيرة النبوية و الصحابة - و هذا النموذج باقي و موثق و لا يقبل الشك و لا التأويل في أغلبيته العظمى.
و لنفترض فردا ما من مجتمعنا حاول إمتثال هذا النموذج بدجة تقترب من المثالية - ماذا سيطلق عليه حينئذ؟
- من وجهة نظر الإسلاميين سيطلق عليه
ملتزم و سيزداد تقديرهم له بزيادة إلتزامه بهذه القيم.
- أما الإعلام الرسمي فيطلق عليه
متطرف (في مصر) أو من الفئة الضالة (السعودية) - و هو لفظ ذو مدلول غير جيد - و سوف يعتبر نموذج منحرف.
و لنأخذ نموذجا آخر من الأفراد و هو الذي إكتفى ببعض القيم من هذا النموذج المثالي و ترك أهمها و أغلبها - ماذا سيطلق عليه ؟
- من وجهة نظر الإسلاميين سيطلق عليه
ضال - أو مقصر.
- أما الإعلام الرسمي فيطلق عليه
معتدل - و هو لفظ ذو مدلول جيد و يعتبر نموذج مشرف.
و المأساة - كل المأساة - هو أن كل الأطراف بما فيها الطرف الرسمي الحكومي يعتمد النموذج المثالي للأخلاق الإسلامية و لا يوجد أدنى إعتراض عليه.
و النتيجة:
متطرف = ملتزم = شخص يحاول قدر إستطاعته تمثل النموذج الأخلاقي القانوني الإسلامي و المعترف به من كافة الأطراف.
معتدل = عاصي أو ضال = شخص إكتفى بتمثل ما تيسر من النموذج الأخلاقي و ترك أغلبه.
أما عن السر في هذا التلاعب بالألفاظ و المدلولات فقد إتفق أن تكون المصلحة المشتركة لأطراف عدة في هذا الوضع المدلس غير المستقر:
- فمن مصلحة المبشرين بالحضارة الغربية و قيم العلم عدم الإصطدام المباشر بالدين.
- و من مصلحة الحكومات الرسمية إقصاء الإسلاميين معنويا.
- و من مصلحة الغرب عدم الإصطدام بالإسلام و المسلمين.
و قد إتفق هؤلاء جميعا على إختراع وهم الإسلام المعتدل / الإسلام المتطرف - و الإسلام الأصولي / الإسلام الوسط ... و غيرها من هذه الثنائيات الواهمة.
و محاولة إعطاء الطرف الأول في الثناءية (متطرف - أصولي) مدلولات سيئة و العكس للطرف الثاني (معتدل - وسط).
و لفظ التطرف هو النزوع للطرف أو الآخر أو الناحية القصوى - و بالتالي فمن المفترض يكون خيرا في حالة محاولة النزوع للطرف المثالي (كما هو في حالتنا النموذج الإسلامي) و من المفترض أن يكون شرا في حالة البعد عن الطرف المثالي (كما هو بحالتنا ما يطلق عليه الإعتدال الإسلامي).
أما لفظ الإعتدال هنا و الذي تم أخذه من الإسلام كفضيلة - فلا يعني بالنسبة للأخلاق الإسلامية عدم تنفيذ بعض أو معظم قيم و أوامر و نواهي الإسلام - بل عدم الشطط في تنفيذ نوافله أو تحريم ما أحله إله الإسلام و تحريم ما حرمه.
أما لفظ الوسط فقد أطلقه الإسلام على نفسه بإعتباره - حسب إعتقاده هو - أن قيمه و أوامره و نواهيه - هي وسط بين الأديان الأخرى - أي نسبة للأديان الأخرى.
و كما هو واضح فقد تمت عملية إنتقاء الألفاظ بعناية من كل طرف لتواكب مصالحه و لتعطي الإنطباع المرغوب به لدى المتلقي مخالفة للحقيقة و مدلسة.
ما أود أن أقوله أنه لا يوجد إسلام متطرف (إخترع أصحابه قيما و نماذج أخلاقية خاصة بهم و لا توجد بالإسلام من المنبع) و لا و لن يوجد إسلام معتدل (تمكن من تعديل النموذج الأخلاقي الإسلامي لكي يتوافق مع المعطيات الحالية.
للحديث بقية ,,