أحيانا نشعر بالغربة مع وجدودنا في محيط اجتماعي نشط .. إلا أن الغربة ليست فقط غربة المكان بل غربة " الذات " أيضا وهو شعور ضاغط أكثر وقعا على النفس من أي غربة .. ربما هذا شعور معظم من يقتحمون عالم المنتديات ، والإنترنت بالمعية .

إلا أن لنسائم الحرية – بالمقابل – طعم آخر يدفعك دفعا لمجرد تجربة عوالم مختلفة ما كنت تستطيع اقتحامها قبلا ، هذه كانت الإنترنت بالنسبة للكثير من المستخدمين العرب المحاصرين في المكان والزمان ، والذات معا .

أعترف أنني واحد من هؤلاء ..
عندما بدأت غيمة الإنترنت إمطارها فوق صحراء الملح ، مارسها العرب بمراهقة شديدة ، بدون تجني على الواقع فإن الغالبية العظمى من العرب استخدموها للمتعة والتسلية وليس للفائدة .
خلافا بسيطا ، فقد دخلتها من جانبها المهني كمحرر لدليل انترنت عربي وكباحث ومصنف لأبوابه ، وبذلك ربما أكون – بأمر الواقع – قد فتحت برميل الإنترنت من أسفله .. ليس ترفعا على الواقع ، لكن هكذا اقتضت الحالة لا أكثر .
وربما لو لم أكن هكذا .. لكنت كذلك .. كالبقية .. أقضي ساعات طويلة أبحث عن عيون زرق ترتدي الأديم .

كانت الإنترنت في بداياتها و كان عدد مستخدميها محدود للغاية بسبب الجهل التقني بها وارتفاع تكاليفها ، لتنتشر مقاهي الإنترنت كانتشار النار في الهشيم ..
المقاهي كانت تقدم لمرتاديها الدعم التقني اللازم لمن لا يجيد الإبحار ، وتوفر لهم جوا ملائما ليس للإبحار المثقف في غياهب البحر الأسود ، بل للدردشة .. لا شئ غير الدردشة ... أكاد أجزم أن 99،99% * من مرتادي المقاهي وقتها كانوا يرتادونها للبحث عن " الآخر " وليس للبحث عن الذات .. هذا الآخر الذي لم يكن بحال طرفا ثقافيا أو حضاريا ، بل شريكا بنصف التفاحة التي أخرجت الإنسان من الجنة .

أليس غريبا أن معظم العرب عبروا عن حاجتهم للحريات الشخصية أكثر من الديموقراطية السياسية حسب مسح أجري لصالح تقرير التنمية الإنسانية ؟!
ربما لا .. ربما هذا هو المنطق وأن علينا بدء ارتقاء السلم الإنساني من درجاته الخفيضة قبل أن نصل للتفكير بحق القرار .. علينا أولا أن نشعر بإنسانيتنا .. ثم .. لكل حادث حديث .

إلا أن الفضول قتل القطة ..
ليس إلا فضول إنساني لذيذ نمارسه منذ الأزل .. آدم .. حواء .. التفاحة .. الجنة ، ثم الأرض السفلى .. تيامه .. إبسو .. وصراع الآلهة والجسد .. صراع أزلي لا ينتهي .
والتفاحة هنا : الماسنجر ..

قد يبدو من الصعب ادعاء الترفع عن الخوض ببحر المغامرات الإلكترونية التي كانت الدافع الأول للكثيرين للخوض في مغامرة الإنترنت ، ذلك أننا – كعرب – نقيس الأمور بمعاييرها التي نريدها أن تكون عليها لا كما هي عليها فعلا ، من أسفل إلى أعلى وليس العكس ..لكنها الحقيقة .. وبكل شفافية وتواضع .
بعد أشهر طويلة نسبيا مقارنة بما وصله غيري من فتوحات ، دفعني أحد زملاء العمل للدخول بالتجربة :
- لماذا تعتقد أن كل من يدخل برامج الدردشة إنما يدخلها لأغراض غير نزيهة ؟
- هكذا هو الحال ..

حقيقة ، فكل من كنت أعرفهم في محيط العمل وخارجه ، كانوا يقضون آناء الليل وأطراف النهار ** في لا شئ .. لا شئ على الإطلاق سوى مطاردة الأشباح .. وبشكل كان يثير الإزدراء والسخرية .

إلا أنه كان مثقفا !!.
وهل المثقف ليس إنسان ؟!

لكن شيطان الإنس غلب شيطان الجن ..
لتبدأ الرحلة " التفاعلية " مع عالم مغلق لم أكن اراه سوى من خلال عشرات الكتب التي أفرغتها من مواقعها أستجدي الوقت لكي أقرأها .. ثم لم أقرأ معظمها حتى اللحظة .


سأحاول ..
أن يتبع

إلا أنه قبل أن يتبع .. سألقي وردة في طريق العزيز جاد ولو تسديدا صغيرا لحساب وروده (f)

(f)





* شكرا عبد الناصر .
** هكذا أم العكس ؟!

في كل منتدى أنخت فيه ناقتي أجد من يتساءل :
- لماذا نكتب في المنتديات ؟!
ولأنني واحد من هؤلاء ، فقد تساءلت مع المتسائلين :
- فعلا ، لماذا نحن هنا ؟!

ما واجهت عبر هذه الرحلة سؤالا عصي على الإجابة كهذا السؤال ..
الجواب كان غالبا إعلان عن الإعتزال ..
- لماذا أنا هنا ؟ إذا لأهرب من هنا ..

تبدو تجربة اقتحام الأثير تجربة غامضة خطرة لمن يتعامل معها برهبة ، أو بجدية ، أو بنيات مسبقة .. لكنها تبدو عكس ذلك إذا تعاملنا معها ببساطة أو بعدم اكتراث .
إلا أننا هنا ..
لا يمكن أن نوزع أنفسنا بين عالمين متنافرين ، أحدهما حقيقة والآخر سراب .

أكاد أجزم أن ما من أحد خاض غمار المنتديات إلا وعاش هذه التجربة- الشرخ .. تجربة حاول الكثيرون الفكاك منها حتى بات من المعتاد جدا أن تجد من يكتب قرار اعتزاله اليوم ، ليعود غدا أو بعد غد ..
وأنا – لا زلت - واحد من هؤلاء .. عشرات المرات انسحبت ، ومئات المرات عدت دون أن أعرف السبب في الحالتين .

تبقى المشكلة التي مالها حل :
- لماذا نحن هنا ؟!

ربما لا لشئ ، فقط ثقب في جدار الخيمة نسترق منه النظر للآخرين .. فسحة من حرية ، أو ربما لأننا – فعلا – نبحث عن مكان لأصواتنا وسط الضجيج .

عبر البساط السحري ..
يا لهذه الثورة ..
لو أعاد كتبة ألف ليلة وليلة صياغة أساطيرهم عن هذا العصر والأوان ، فبأي قالب أسطوري كانوا سيضعون الإنترنت ؟!
ربما هي الأسطورة ذاتها ولا حاجة لإضفاء أي بعد أسطوري آخر عليها ..
فعبر هذا البساط الساحر .. وصلت إلى عوالم ما كان لمصباح علاء الدين أن يوصل السندباد إليها ..
- ضابط إسرائيلي متقاعد : يا بني أنت لا تعرف ماذا تعني الحرب .
- سيدة إسرائيلية من حركة السلام الآن : أريد لأحفادي أن يذهبوا إلى المدرسة دون خوف .
- هل تكرهون حافظ الأسد لأنه علوي ؟!
- ما اسمك ؟ أم أنه سر عسكري سوري ؟!
- أنتم العرب .. أنا لا أحبكم ولا أحب اليهود ، لكني أتمنى أن ينتصروا عليكم لأنكم همج متخلفون وهم متحضرون لديهم Cable TV !!.
- كيف أستطيع الوصول إلى أبو ظبي ؟ سأقف على قارعة الطريق أنتظر أن يخطفني أحد الشيوخ ويضمني إلى حريمه ..
- لم أكتشف أنني عربية إلا بعد أن أصبح عمري ثلاثون عاما ، والدي الكويتي تركنا وعاد إلى بلاده ، هل تدلني على أبي ؟!
- لا أستطيع أن أسترخي على مقعدي أشاهد أطفال فلسطين يقتلون بسلاح أنفق عليه من الضرائب التي أدفعها ثم أسكت .. تلك أغرب حالة واجهتها على الإطلاق ، فتاة أمريكية عمرها 17 عاما لا غير .. من أين تعلمت هذا ؟!
- جوني .. عمره ضعفي عمرها ويدير منتدى عن السلام ، ولا يعرف هذه الحقيقة !!.
- أتعرف ؟ عندما عدت إلى أمريكا وجدت أمامي طلبا للتحقيق لأنهم عرفوا أنني زرت رام الله .
- وكيف لك أن تعرف طبيعة هذا الشعور وأنت رجل ؟ " سحاقية " .
- أنت عربي ؟ أنا أحب الشبان العرب .. بالأمس كنت أقيم حفلا لشبان عراقيين في منزلي : آه .. إنهم **** .
- كابتن فريقنا الوطني لعب في السعودية وأكلتم حقوقه المادية .. ترينيداد وتوباكو ، ولأول مرة أعرف أن لاعبا من ذلك المجهول كان يلعب مع هذا المجهول الآخر .
- سوريا ؟ أين تقع ، لم أسمع بها .. آها .. قرب إسرائيل ، الآن عرفت .
- وهل ضاقت أمريكا بالعاشقين حتى تبحثي عنهم في النصف الآخر من الكرة ؟!
- ومن قال لك أننا نعرف الحب في أمريكا ؟!
- لدي سرطان الثدي وأحتاج لثلاثة آلاف دولار فقط كي أنقذ حياتي وحياة ابني ، هل أعتمد عليك ؟! عربي غني طبعا ولا يقاوم رغبات الجنس الآخر !!!!!!.
- يا إلهي ، كيف عرفتم باختراع إسمه الإنترنت ؟!

ومئات .. بلا مبالغة .. مئات القصص من أقصى الدنيا إلى أقصاها .

كان لزاما علي – على ما يبدو – أن ألف الدنيا كلها على جناح مارد المصباح قبل أن أكتشف أن للوطن باب خلفي صنعته أحرف صماء وشاشة سوداء :

- لماذا لا تنضم إلينا في المنتدى ؟ ستستمتع كثيرا .. جميعنا في المنتدى سوريون .
- إن لم تقفل منتداك ، رح يصير فيك متل ما صار بصاحبك فلان .. بتعرف وين هو هلأ ؟!

نعم ، أعرف ..
لكن الملك بشار وعد بالديموقراطية وتجاوز تبعات الثلاثون العجاف !!.


لذا ..

سيتبع

(f)

>>

اتــابــع ..

اسجل نقاطا ، حول وفي الموضوع ، تستدعي رأيا شخصيا ..

لطالما جال في ذهني عن التجربة كلها .

تحياتي


<<

منتدى freesyria لم يكن منتدى بالمعنى الحواري للكلمة ، ما يربطه بغيره أنه لصيق لمنتديات ياهو الحوارية ، أجمل فترة عرفت فيها المنتديات على الإطلاق قبل أن تتحول منتديات ياهو إلى غرف مغلقة e-group ما عادت تغري على الدخول .
كانت Yahoo بنظرنا هي الإنترنت ولا شئ آخر ، وكانت تقدم عبر بريدها خدمات رائعة منها برنامج المنتديات المسبق الإعداد ، إذ يكفي أن تضغط create حتى تصبح مديرا ومشرفا لمنتدى حواري !!.
تلك لم تكن الميزة الوحيدة ، فمنتديات ياهو Yahoo forums كانت عالما متنوعا من كل شئ ، وكون معرف ياهو User IDبحد ذاته كان المفتاح ، فقد كان كافيا لأن يمنحك حرية العبور والإشتراك في كل منتديات ياهو قاطبة ..

إلا أن المنتديات الإجتماعية السورية وكونها جزء إفتراضي من وطن حقيقي ، فقد شهدت – كالوطن ذاته - زلزالا عنيفا بموت حافظ الأسد قسم السوريون بين التهليل واللطم .
كان واضحا أن تحولا ما سيحدث .. ربما ليس بالتحول الكبير بقدر ما هو " تطور " من حال إلى حال ، لكنه كان كافيا لأن يخرج رأس المارد من القمقم .. و قبلها كنت قد بدأت الإنسحاب التدريجي اتقاءا للزوبعة :


From: mehyar_80
Date: Mon Jul 10, 2000 3:51 pm
Subject: دمشق عروس للشيطان


اليوم ستساق دمشق الى حجرة من سيهتك شرفها ، وسيشهد على فضيحتها أكثر من تسعة ملايين سوري.
اليوم سيقوم قوادو ومخصيو مجلس الشعب بإقتياد دمشق الى حجرة بشار الأسد العشيق الجديد، وسيقف على باب حجرتها كامل أفراد الجيش السوري لمنعها من الصراخ أو محاولة الدفاع عن عرضها.
إسمحو لي قبل أن أسترسل باستعارة أبيات من قصيدة الشاعر العراقي مظفر النواب " القدس عروس عروبتكم"، ولضرورة الحدث الجلل الذي تشهده دمشق اليوم فسأستعير بعض ابياته وأهديها الى قوادي مجلس الشعب :
"دمشق"عروس عروبتكم
فلماذا ادخلتم كل زناة الليل الى حجرتها
ووقفتم تسترقون السمع وراء الابواب لصرخات بكارتها
وسحبتم كل خناجركم وتنافختم شرفا
وصرختم فيها ان تسكت صونا للعرض؟
فما اشرفكم
اولاد القحبة هل تسكت مغتصبة؟
اولاد القحبة
لست خجولا حين اصارحكم بحقيقتكم
ان حظيرة خنزير اطهر من اطهركم
تتحرك دكة غسل الموتى
اما انتم
لا تهتز لكم قصبة " .

ليس أكثر عارا على الإنسان الحر من أن يرى أمه التي أرضعته حبها وحضارتها وأمجادها التليدة وهي تساق الى من سيهتك عرضها،دمشق أمنا سيسوقها اليوم قوادو مجلس
الشعب الى مغتصبها،الى غر جاهل مستهتر يدعى بشار الأسد .
دمشق اليوم سيرثها المغتصب الأصغر عن أبيه المغتصب الأكبر ونحن أبناءها نراقب موكب زفافها بصمت وخنوع وضعف وذل غير قادرين حتى على البكاء لأجلها .. ولأجلنا .

أولاد القحبة ....
أولاد القحبة..... أولاد القحبة
تتحرك دكة غسل الموتى أما أنتم..يا أولاد القحبة لا تهتز لكم قصبة
بل أكثر من ذلك... تقودونها أنتم بأنفسكم الى من سيغتصبها
اولاد القحبة ... لست خجولا حين اصارحكم بحقيقتكم
ان حظيرة خنزير اطهر من اطهركم

من أعطى الحق لكم ولطفلكم المدلل ان يرث أمجاد معاوية بن أبي سفيان..؟؟؟ من منحكم الحق أن تقدموا شرف دمشق..عرض دمشق قربانا في مذبح الذل والمهانة والمناصب ؟؟؟ من ؟؟!!
هل هو الشعب الذي أنتم تدعون تمثيله؟؟
إن الكلمات لتعجز عن وصف المصيبة..عن وصف الكارثة التي ستقع اليوم في دمشق، قبور بني أمية نبشت اليوم وقدمت جثثهم طعاما للكلاب ونحن نراقب ما يحدث بذل ومهانة. ماذا سنقول لأبنائنا ؟؟ أنقول لهم أننامشينا صاغرين في موكب الإهانة؟؟
أنقول لهم أننا جلسنا على الأرصفة نتفرج على الكلاب وهي تجرجر أشلاء معاوية وعمر بن عبد العزيز في أزقة دمشق؟؟
ماذا سنقول لهم؟؟ إذا والله فبطن الأرض أشرف و أكرم لنا من ظهرها.
لم أعد قادرا على الكلام، لقد تعطلت جميع حواسي، اشعر بمرارة العار في فمي، مرارة لا تطفئها أنهار العالم،لكن لي رجاء...وما أعز واصعب أن تترجى من لا رجاء منه، أرجو أن لا تقدم دمشق غدا كهدية بعد حفلة توقيع السلام لزناة جدد كباراك وليفي ومردخاي وأي
مغتصب جديد قد تفرزه معامل خيانتكم ... ومهانتكم.

فلينهدم باب السجون ...
ولينهزم هذا الجنون ....
ولينرجم ... ولينرجم ... ولينرجم من قد يخون
وهذه قلوبنا معاقل الحرية
وهذه أجسادنا ذخائر القضية
ونقسم...ونقسم...ونقسم سنبقى لأننا و أرضنا والحق .. أغلبية .


ملاحظة : سألني البعض ان كنت سأقوم اليوم بالادلاء بصوتي لبشار الأسد...ها قد قرأتم صوتي.
سؤال الى مخصيي مجلس الشعب : ما فائدة أن تجرجروا الشعب السوري الى صناديق
القمامة التي تسمونهاصناديق اقتراع طالما أن طفلكم المدلل ناجح لا محالة؟؟؟ هل للإمعان في إذلال الشعب السوري..؟؟؟
أذلكم الله وزادكم ذلا على ذل .
ليس لي هنا إلا ان أقول كما قال الشاعر الأندلسي وهو يرى غرناطة يتعاقب على
عرشها الامراء:
عجوز لعمر الصبى بالية
لها في الحشى صورة الغانية
زنت بالرجال على حسنها
فيا حبذا هي من زانية



المواطن لا شئ أبدا أبدا أبدا


وفي منتدى آخر كان أحدهم يكتب :
مهيار .. هذا الجبان الوغد يسخر من قادتنا وينعت أعضاء مجلس شعبنا بأنهم أولاد قحبة ..
ويرد عليه سوري أسترالي :
لا بل أنت الوغد الجبان .. أنت وأعضاء مجلس شعبك ..

لتتطاير أشلاء المنتديات المجاورة ..
أشلاءاً .


يتبع ..

(f)



ويا نديم الطريق الإلكتروني ..
بشوق لسماع رؤيتك الشخصية ..

(f)

لا أستطيع الإدعاء بأن تجربة منتدى Free Syria أحد أبناء ياهو كانت تجربة حوارية كما أسلفت ، حقيقة لم تكن أكثر من " صفحة " حرة أقترف فيها خطاياي بحق الوطن بعد أن فهمنا من الرفاق أن النظام هو الوطن .. الله هو الحاكم .. والحاكم هو بأمر الله .

لا أعتقد أن فرقا كبيرا هنا يفصل الإسلاميون دعاة الحاكمية لله عن سواهم من الشيوعيين أو القوميين أو بقية المتمترسين بالأيديولوجيا ، فالله حاكم .. الحزب حاكم ، لا فرق ، ولست أدري لماذا يرمي هؤلاء الإسلاميين بدائهم ويَنسلّون طالما أن المرجعية في النهاية واحدة : الخليفة يحكم بإسم الله ، والحزب يحكم بإسم الوطن والكل يتشرعن بما وراء الطبيعة أكان إلها أو شعبا مغيب تماما عن القرار !!.

كانت أحد المنتديات المفجوعة بوفاة حافظ الأسد يتشح بالسواد ويطلب مشرفها من الأعضاء ألا ينضموا لسوريا الحرة وإلا سيفصلون ، وأكثر :

- كيف تسمحين لمهيار بالبقاء في منتداك وهو معارض يكره حافظ الأسد لأنه علوي ؟!
- لا تزاود علي في هذا الأمر فأنا علوية ولست أراه سببا كافيا للمعارضة .

إلا أنه واقع صار قاعدة في سوريا وليس شواذا عن القاعدة ، فمن يكره النظام .. يكره الله .. يكره الشعب .. يكره الطائفة .. فهو إذا طائفي .
ومن يكره الخليفة .. يكره الله .. يكره الوطن .. يكره الدين : فهو إذا كافر ..
يعني القضية ذاتها .. أبدا لا فرق ، ومن لا يعاقب على كفره من آلهة السماء ، فسيعاقبه آلهة الأرض على نوعا آخر من الكفر .

مع ذلك .. فقد كنت سعيدا للغاية بهذه التجربة البالغة البساطة والتواضع .. كنت سعيدا لأنني بت أكتشف شيئا فشيئا أنها لم تكن كذلك ، وأن هناك عيون خائفة تقرأ بصمت .. وكان عداد الزيارات في النادي يشي باضطراد الزيادة في عدد القراء الذين يتركون بصماتهم الإلكترونية ويخرجون .
بالنسبة لي كان كافيا للغاية .. لم أكن أتوقع أكثر من ذلك ، ولم أكن أريد أكثر من ذلك .. فقد كنت – تقريبا - الكاتب الوحيد في هذه الصفحة ، لكني لم أكن القارئ الوحيد .. وكم كانت سعادتي كبيرة بأن بعض من كان يشارك في مسيرة العزاء الكربلائي هناك ، كان يقرأ هنا ويرسل التعليقات عبر الرسائل أو في الأحاديث الماسنجرية الجانبية .

تلك هي سوريا بكل تناقضاتها التي صنعتها المرحلة .. فخلف طابور الصباح والعلم وكتاب التربية الوطنية ، كان يختفي الخوف والحذر الذي لاحقنا حتى أقاصي الدنيا :
- صحيح أعيش في أمريكا ولا أزور سوريا إلا كل عدة سنوات ، لكن لي أقارب هناك أخاف عليهم .

ومن قال أن الخوف بحد ذاته ليس – أيضا – بسطارا غليظا ومخبرا يعيش في داخلنا في بلد محكوم بسلسلة من الأجهزة الأمنية العلنية والسرية ؟!

وفي الجوار وتحت ذات التصنيف المناطقي لياهو .. بدأت تتناثر أندية سورية معارضة أخرى .. لكنها كانت أندية حزبية رفض منشؤوها الإنضواء في منتدى سياسي واحد.. وهذا مرض سوري آخر .. لتموت سريعا تماما كأحلام المعارضة السورية بالتحرير بالجهد الذاتي ، وباصوات في الداخل لا تعرف حقيقة من يمثلها ولا برامجه ، وصولا إلى العهد الأمريكي الذي ألغى كل الأزمنة قاطبة وصنع زمانا جديدا رغما عن الكل .

في حارة أخرى من حارات الإنترنت وبعد سبحا طويلا من العزف المنفرد في سوريا الحرة ، كان منتدى اللجنة السورية لحقوق الإنسان بدأ يستقطب سوريون مسكونون بالهم السياسي من مشارب عدة ، لأبدأ الرحلة الحقيقة في عالم المنتديات ، رحلة حوارية أكثر نضجا وأوسع أفقا وتحتاج إلى أكثر من مواضيع اجتماعية بحتة كما هو الحال في منتديات ياهو طيب الله ثراها ، وأكثر من كاتب واحد يتحاور مع الخوف تارة ، ومع من يدخلون لإسماعه وصلة شتيمة وطنية لما يقترفه من ذنوب ، أو يتسللون عبر بريده الإلكتروني ..

إلا أن سوريا الحرة لم يكن بعيدا أيضا عن هجمات " الظلاميين " الذين اعتادت المنتديات أن تفترض سلفا أنهم إسلاميون متطرفون ..
فقد تعرضت إيميلات العدد القليل جدا من المسجلين في المنتدى لرسائل انفجارية لم نفلح وبعض الزملاء في إيقافها طوال ليلة كاملة .. والمهاجم لم يكن ظلاميا قروسطيا على أي حال ، بل مهاجما تقدميا جدا .. وكانت منتديات ياهو قد تحولت أساسا لمجموعات e-groups لم تعد تغري على البقاء .. وكانت الحرارة قد بدأت بالإرتفاع في منتدى اللجنة السورية لحقوق الإنسان بكل ما يعني هذا الإرتفاع من إغراء لأقلام كانت – ولا زالت – تعتقد أن الطريق إلى الوطن يمر عبر شاشة صماء وأحرف ملتهبة وليس عبر حراك مجتمعي منظم ، أو عبر البوابة الأمريكية التي ستفرز " غادري " لا يعرف حتى كيف يتحدث كبقية خلق الله ولا عن أي موضوع يتحدث .. وربما لا يعرف حتى أين تقع سوريا على الخارطه .. مجرد لص مقاهي متورط بأعمال مالية غير مشروعة كالنسخة العراقية تماما ..

لكنه سرق مني شخصيا حلما مقدسا كان يوما ما يعني لي الكثير الكثير رغم كل تواضعه ..
سرق مني Free Syria ليصبح إسما لإذاعة صوت سوريا الحرة ..


من واشنطن



يتبع ..




(f)

ياريت تحدثنا عن مدن ومعاركك الدون كيشوتية مع عمرو الخيير...هي لحالها بدها موضوع..

:lol2::lol2::lol2:

موضوع مذهل وعجيب.... كيف استطعت استحضار كل هذه الذكريات يا معرى

ربما لأنني صرت جزء من هذا العالم يا فضل

(f)

إلا أنني محض كاذب ..
للمرة الألف : أنا أكذب
وليس لأنني كاذب فطري ، بل لأنني عربي فطري ..
من يستطيع التعايش مع واقعه دون جرعة يومية من سياسة يقرأها مؤتمرا عربيا فاشلا أو يسمعها وعدا حكوميا كاذبا ، أو يستشعرها طيارة * من مجند جاهل ، أو نظرة تعالي من شرطي مرور لا يساوي شراك حذاءه الذي ينتعله ؟؟!!
جميعنا في هذا الوطن سياسيون .. لأنها قدرنا اليومي .. خبزنا اليومي .. همنا الأزلي .
تلك ببساطة علاقتنا مع السياسة ..
لسنا سياسيون ولا قادة أحزاب وليس بمقدورنا تحريك حجر في هذا الوطن .. فقط نتقيأ ما نأكله عادة صبح مساء .. سياسة .
اهتمامنا بالسياسة كاهتمام الملاحدة بالبحث عن إله .. الملحد مسكون بإله يرقبه في كل حركاته وسكناته أكثر من المؤمن فعلا بوجود هذا الإله .. ومن يخاف من العفريت يطلعله كما يقول المثل المصري .. ومن يخاف من السياسة ؟!
لا شئ .. يعاقرها رغما عن أنفه .

كان من الدروس الأولى التي تعلمناها في الإعلام أن من لا يحتك بوسيلة إعلامية ولو مرة واحدة في اليوم .. فقد غاب عن العالم لهذا اليوم ..
نحن العرب – حمدا للسلطان – لا نغيب أبدا عن العالم حتى ونحن نيام ، لذلك فنحن دائما أحياء " نرزقون " .. ونأكلون ونشربون .. ونتناسلون كالبهائم ، ذلك لأننا في اتصال دائم مع الله ، والتاريخ ، والسياسة ، والجريدة الرسمية ، وخطاب الأب القائد .. فأين سيهرب قابيل بسوءته في أخيه ؟ **

إلا أننا – نحن من ندعي الثورة – مخطئون ... لأنه ببساطة ، لا ثورة .. ولا شئ يدفعنا إلى هذا الهم دفعا سوى الإحباط .. أو ربما لأننا لا نعايش ما يحدث داخل حدود الوطن ولا نعرف ما هي أولويات من يعاقر الهم لحظة بلحظة :

" أما زلت تتحدث عن الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان ؟ روح يا ابني تزوج وجبلك ولدين تلحق تربيهم ينفعوك في آخرتك ، وصليلك ركعتين لربك حتى يغفرلك ، الناس في سوريا همها تحصيل لقمة العيش أكثر من الحرية والديموقراطية " ..

ذلك زميل يمتهن – مثلي – التسول على باب صاحبة الجلالة التي صارت صاحبة جلالة فعلا وتحكمنا من ذات العرش الذي يعتليه صاحب الجلالة وبذات الحذاء الغليظ أيضا .. أرسلها لي بعد عودته من زيارة " يتيمة " لسوريا يبدو أنه لم يكررها ثانية .

أليس الإحباط إذا ؟!
والإحباط ذاته هو من قادني يوما إلى " فري سيريا " ثم إلى اللجنة السورية لحقوق الإنسان .. فقط لأنها لجنة سورية لحقوق الإنسان .. ثم إلى أبعاد تتوالد من أبعاد .. وهو الإحباط ذاته الذي جعلني – كذبا وهروبا – أعتزل المنتديات عشرات المرات ثم أعود .. مرة سأطلق السياسة وأعيد لها أبناءها المعاقين والعجزة .. ومرة سأطلق المنتديات .. ومرة الإنترنت ذاتها ، وأكتشف دائما أن : محال .

هذا العالم " الموازي " كما قالت إحدى الزميلات هنا لم يعد عالما موازيا بقدر ما أصبح عالما من دم وروح وأحاسيس أيضا .. ربما لأنني منذ البداية تعاملت معه بجدية مبالغ فيها قبل أن أكتشف أن لا شئ .. للمرة الألف : أضعت يداي على خصر امرأة من سراب .. والنتيجة : لا شئ .. لا ثورة ، لا تغيير ، لا وطن ، لا شئ .. فقط أدمنت أن أضيع يداي على خصر امرأة من سراب .

إلا أن منتدى اللجنة السورية لحقوق الإنسان بدا للوهلة الأولى " شئ " أو نواة لشئ ربما يحدث .. أو هكذا – كما العادة – خيل لي .. عالما مختلفا عن " سوريا الحرة " بحراكه النشط ، ومصداقيته ومصداقية اللجنة ذاتها ، وممثلين لأحزاب سورية متعددة ولو أن الطيف الإخواني كان هو الطاغي بحكم طغيان الطيف ذاته على جسد المعارضة السورية .
هناك بدأت أكتشف أن أحزابا سورية كنا نعتقد أنها ماتت بشكل إكلينيكي لا تزال تنبض بالحلم ، وأن خارطة الوطن السياسية أكبر بكثير من خارطتها الطبيعية .. وأن الوطن ليس فقط " ملصقا سياحيا في غرف نومنا " وليس فقط هواءً وترابا وجبالا ووجها حسن ، بل قبائل تتناحر فيما بينها تارة ، ثم تتناحر مع السلطان تارة ، ثم تعود لتتناحر فيما بينها تارة أخرى .


يتبع ..

(f)





* الطيارة : صناعة سورية تهبط على الأقفية وليس على المطارات .. لو أن لدينا في سوريا طائرات حقيقية بعدد ما يهبط على أقفيتنا من " طيارات " ، لوصلنا إلى أبعد ما وصله النمرود بن كنعان .. إلى ما فوق عرش الإله بسنين ضوئية .
** من قتل الآخر ، قابيل أم هابيل ؟!

:97: