العريضي أبلغ الأسد: «المختارة لم تتغير»
جنبلاط يرفض سيناريو أميركياً يُدخل لبنان وسوريا في المجهول
«لن نسمح لك إلا بتسمية المرشحين الدروز فقط»، بهذا الموقف الآمر أنهى نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي، ديفيد ساترفيلد حديثه الصاخب مع رئيس «اللقاء الديمقراطي» النيابي المعارض وليد جنبلاط أثناء لقائهما الأخير في بلدة المختارة الشوفية. وقد جاءت هذه النهاية الصارمة تتويجاً لنقاش حاد بين الرجلين في شأن مستقبل لبنان ووجهه السياسي الجديد الذي ترغب به واشنطن والذي يرتكز على إعادة الاعتبار والدور لقوى المعارضة المناوئة لسوريا ولا تنظر إلى إسرائيل كعدو بل كجار مثل غيرها من الدول المجاورة للبنان.
ولا بُدَّ أن تحين اللحظة لتوقيع معاهدة سلام معها، بعد إزالة المعوقات أمام هذه الغاية، وخصوصاً «حزب الله» الذي ينطلق من مفاهيم عقائدية في عدائه المطلق لإسرائيل، داعماً موقفه هذا بترسانة من الأسلحة التي لا تشكل فقط قوة ردع لإسرائيل عن القيام بأي عدوان على لبنان، بل تخيف أي طرف لبناني بإنهاء حال الصراع مع الدولة العبرية، لذا لا بُدَّ من تحجيم دور هذا الحزب ونزع سلاحه ولكن ليس الآن.
ضمن هذه العناوين، كان ساترفيلد يُلقي إملاءاته على جنبلاط الذي استغرب الطروحات الأميركية في التعامل معه، والذي لم يقتصر سوءه على هذا الجانب، بل كان إحدى حلقات متسلسلة كان أقساها على جنبلاط فتح قناة اتصال مباشرة مع البطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير والتعاطي معه على أنه قطب المعارضة الأوحد، ما يُفقد جنبلاط دالته على ملفات المسيحيين.
وتوج ذلك بدعوة البطريرك صفير لزيارة واشنطن ولقاء الرئيس جورج بوش والمسؤولين الكبار الأميركيين، فيما جنبلاط يقبع في المختارة خائفاً على نفسه وعلى عائلته من أي اعتداء بسبب التحوّل السياسي العميق الذي أحدثه على الساحة اللبنانية، متقاطعاً بشكل أو بآخر مع «الأجندة» الأميركية للمنطقة.
وقالت مصادر تابعة ما جرى بين جنبلاط وساترفيلد أن المسؤول الأميركي أبلغ الزعيم الدرزي بشكل حاسم أن الإدارة الأميركية ستعمل على الإتيان برئيس الحكومة العسكرية الانتقالية السابق العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، بعد إرغام الرئيس الحالي إميل لحود على الاستقالة عقب الانتخابات النيابية المقبلة لمميزات عدة يتمتع بها عون ومطلوبة في المرحلة.
وأبرزها عداؤه لدمشق التي كانت سبباً في خلعه عن رئاسة الحكومة عام 1990 ونفيه إلى باريس، وقدرته على اتخاذ القرار بإرسال الجيش إلى الجنوب على الحدود مع إسرائيل، ومواجهة «حزب الله» إذا اقتضى الأمر عند ممانعة الأخير هذا الأمر أو عند البحث في نزع سلاحه.
ولذلك، فإن واشنطن مع حلفائها الفرنسيين والأمم المتحدة ستضغط بقوة لإجراء الانتخابات في موعدها للإفادة من حماس الشارع والالتفاف الشعبي الواسع غير المسبوق حول المعارضة نتيجة أخطاء السلطة الحالية وأجهزة الأمن السورية في لبنان.
إلا أن جنبلاط وبحسب المصادر استغرب الطرح الأميركي الجديد والطريقة التي تحدث بها ساترفيلد معه، ولم يمض يوم على رفضه الجازم وبطريقة استفزازية منع بعض الأحزاب والقوى اللبنانية من التدخل في شؤون لبنان الداخلية بحجة أنها مقربة من سوريا وإيران، فبدا واضحاً أن الوصاية الأميركية ستحل مكان الوصاية السورية التي ناضل جنبلاط بشراسة لرفعها عن لبنان.
واحتدم النقاش بين الجانبين بعدما رفض جنبلاط كلام ساترفيلد فغادر الأخير غاضباً ومستاءً من الزعيم الدرزي الذي سارع إلى طلب موعد في اليوم ذاته من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله متخلياً عن كل حذره الأمني، والتقاه بعد الظهر في مقره بحارة حريك في ضاحية بيروت الجنوبية في حضور عضو كتلة جنبلاط النيابية المقرب من دمشق النائب غازي العريضي.
وقبل أن يبدأ جنبلاط حديثه عاتبه نصر الله بشدة على مواقفه، خصوصاً تلك التي رفض فيها الحوار مع «لقاء عين التينة» وكانت سبباً في احتدام الأزمة السياسية. إلا أن جنبلاط استوعب الموقف بابتسامته الخجولة، وأبلغ نصر الله بما دار بينه وبين ساترفيلد، مشدداً على ضرورة تطويق السيناريو الأميركي بتحضير مرشح غير عون لرئاسة الجمهورية مستعد لحمل برنامج مختلف عن الأجندة الأميركية. وطلب جنبلاط ترتيب اتصال مع القيادة السورية.
وأخذ نصر الله هذا الأمر على عاتقه، ورتب موعد زيارة العريضي لدمشق وقد حصلت بالفعل أول من أمس حيث التقى الرئيس السوري بشار الأسد، وهذه الزيارة هي أول خطوة لإعادة التواصل بين جنبلاط ودمشق. وتمحور اللقاء حول السيناريو الأميركي وضرورة إعادة التنسيق لمنع تنفيذه نظراً لخطورته على الاستقرار في لبنان وسوريا وبعدها المنطقة بكاملها.
كذلك نصح نصر الله جنبلاط بضرورة التواصل مع الأطراف الأقوى في «لقاء عين التينة» لتنفيس الاحتقان القائم على خلفية الانتخابات النيابية والقانون المزمع إجراؤها على أساسه، وإعادة تحصين الوضع السياسي عموماً بالتركيز على اتفاق الطائف الذي يعيد الجميع إلى الحاضنة العربية التي كانت وراء الاتفاق.
وفي هذا السياق، تمت زيارة جنبلاط لرئيس المجلس النيابي نبيه بري التي لم تكن مفاجئة للأخير، لكنه أراد من خلال قوله هذا الإيحاء بأن الأمر طارئ وبات الوضع على درجة كبيرة من الخطورة تبرر النقلة النوعية لجنبلاط.
ثم جاءت زيارة جنبلاط للرئيس المكلف تشكيل الحكومة عمر كرامي ذات دلالات بالغة خصوصاً بعد تنويه جنبلاط بهذا «البيت العربي الوثيق» في إشارة إلى استشهاد شقيق كرامي رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رشيد كرامي الذي اغتيل بتفجير طوافة عسكرية كانت تنقله من بيروت إلى مسقط رأسه طرابلس في الثمانينات نتيجة مواقفه المتصلبة في وجه السياسات الإسرائيلية والأميركية في لبنان آنذاك.
وختمت المصادر بأن جنبلاط سيستكمل جولة على بعض أقطاب الموالاة لإعادة ترتيب العلاقات بعد التصدع الكبير الذي أصابها. وبذلك يتحقق تكهن «حزب الله» الذي دأبت على تكراره منذ تغيير جنبلاط مواقفه وميله إلى المعارضة الحادة بأنه سيعود يوماً إلى صفه، إلا أن كل شيء معلق على نتائج زيارة العريضي لدمشق التي حرص جنبلاط على إبلاغها أن «المختارة لم تتغير».
الموالاة تنتقد لارسن
في سياق آخر انتقد لقاء الاحزاب والقوى اللبنانية الموالية لسوريا تصريحات لارسن التي ادلى بها في بيروت عن هوية مزارع شبعا، وفي شأن موضوع الانتخابات النيابية ومطالبته باعتماد القضاء دائرة انتخابية. ووصفت الاحزاب اللبنانية في بيان عقب اجتماعها الدوري امس تصريحات لارسن بأنها تشكل تدخلاً فظاً بشئوون لبنان الداخلية يتجاوز المهمات الموكلة اليه.
واستنكر البيان الاعتداءات التي يتعرض لها مواطنون لبنانيون وعمال سوريون، معتبرا انها تندرج في اطار حملة عنصرية معادية للخط الوطني والقومي، وتصب في خدمة اسرائيل والسعي الى ايجاد المبررات والتربة لإحياء مشاريع الكانتونات والتسليح الذاتي. وطالب قوى الجيش والقوى الأمنية التصدي بقوة لمثل هذه الظواهر الخطيرة واتخاذ الاجراءات الضرورية لحفظ الأمن والاستقرار.
بيروت ـ حسين حمود:
http://www.albayan.ae/servlet/Satellite?ci...nArticle&c=Page