نقلا عن موقع عشاق الله
http://www.ushaaqallah.com/ubbthreads/show...ue#Post1182أهـل الكهـف
"أصحاب الكهف": يريد القرآن بهذا الاسم الإشارة إلى الفتية الذين جرت العادة في الغرب على تسميتهم "نوام أفسس السبعة". ويقص القرآن قصتهم في سورة الكهف (الآية الثامنة وما بعدها) فيقول إن بعض الفتية من مدينة كانت تعبد الأوثان ظلوا وحدهم يعبدون الله مخلصين، وهربوا إلى كهف يطل بابه على ناحية الشمال، وهناك ضرب الله على آذانهم فناموا ومعهم كلبهم "لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعباً" ولبثوا في كهفهم ثلثمائة سنين وازدادوا تسعاً، ثم بعثهم الله فبعثوا بأحدهم إلى المدينة ليشتري لهم طعاماً. ولا يذكر القرآن عنهم أكثر من هذا إلا أنهم قالوا إن عددهم ثلاثة أو خمسة أو سبعة، وإن الغرض من هذه القصة هو تمكين الاعتقاد في البعث.
على أن المؤرخين والمفسرين قد ذكروا عن أهل الكهف شيئاً كثيراً. والروايات المختلفة التي أوردها الطبري (طبعة ده غوي، جـ1، ص 775 وما بعدها؛ التفسير، جـ15، ص 123 وما بعدها) يتفق أكثرها على القول بأن عدداً من الفتية نبذوا عبادة الأوثان واعتنقوا المسيحية في مدينة من مدن الروم (اليونان أو آسيا الصغرى) ثم فروا من تلك المدينة وأووا إلى كهف وكان معهم كلب عجزوا عن إبعاده، وناموا في هذا الكهف، ثم جاء الملك الوثني داقيوس (ويسمى أيضاً داقينوس وداقينانوس) ومعه أتباعه للقبض عليهم، ولكن لم يستطع أي واحد منهم دخول الكهف، فبنى عليهم داقيوس باب الكهف ليموت الفتية جوعاً وعطشاً. ونسي الناس أمرهم بعد ذلك. وفي يوم من الأيام بعث أحد الرعاة برجاله وأمرهم بفتح الباب ليتخذ من الكهف حظيرة لغنمه. ولما دخل رجاله الكهف لم يروا أول الأمر الفتية الذين بعثهم الله في الأجل الذي ضربه ليقظتهم. وعندما استيقظوا كانوا لا يزالون يملؤهم الفزع والرعب من الخطر الذي نجوا منه، فعمدوا إلى الحيطة وبعثوا بأحدهم إلى المدينة ليشتري لهم طعاماً. ولم يعرف بائع الطعام النقود التي دفعها إليه الفتى، فساقه إلى الملك وهناك تبين كل شيء: فقد نام الفتية ثلثمائة سنة وتسعاً، وكانت الوثنية قد انقرضت خلال هذه المدة وحلت النصرانية محلها. وفرح الملك بأصحاب الكهف فرحاً عظيماً لأن بعثهم أيد عقيدة دينية كان البعض يشك في صحتها وهي أن الناس يبعثون بالجسد والروح معاً. ولم يكد الفتى يعود إلى الكهف ثانية حتى ضرب الله على آذانهم مرة أخرى، فشيدوا في ذلك المكان كنيسة.
ولعل فيما ذكرناه الكفاية، غير أننا نريد أن نورد رواية أخرى تنسب إلى وهب بن منبه (الطبري، طبعة ده غوى جـ1، ص778 وما بعدها؛ ابن الأثير طبعة تورنبرج، جـ1، ص 254 وما بعدها). تقول تلك الرواية "إنه جاء حوارى من أصحاب عيسى إلى تلك المدينة وأراد أن يدخلها فقيل له إن على بابها صنماً، لا يدخلها أحد حتى يسجد له، فلم يدخلها وأتى حماماً قريباً من المدينة فكان يعمل فيه، فرأى صاحب الحمام البركة وعلقه الفتية فجعل يخبرهم خبر السماء والأرض وخبر الآخرة حتى آمنوا به وصدقوه. فكان على ذلك حتى جاء ابن الملك بامرأة فدخل بها الحمام فعيره الحوارى فاستحيا، ثم رجع مرة أخرة فعيره فسبه وانتهره، ودخل الحمام ومعه المرأة فماتا في الحمام، فقيل للملك إن الذي بالحمام قتلهما، فطلبه الملك فلم يجده، فقال من كان يصحبه فذكر الفتية فطلبهم فهربوا إلى الكهف مع صاحب لهم وتبعهم كلبه أيضاً".
ثم تتفق هذه الرواية مع الروايات الأخرى في بقية القصة. وقد زادت المصادر التي أوردت هذه القصة كثيراً من المعلومات التاريخية والجغرافية، غير أن الكثير منها متناقض، وبعضها لم يتيسر تعليله حتى الآن تعليلاً مقبولاً. وسنتكلم الآن على أهم هذه المعلومات فنقول: إن الملك الوثني الذي اضطهد النصارى كان يسمى داقيوس (249-251). أما الملك النصراني الذي بعث الفتية في عهده فهو الملك يتودوس الثاني (408-450) وهذا لا يتفق مع ما ورد في القرآن من أن أصحاب الكهف لبثوا في كهفهم ثلثمائة سنين وازدادوا تسعاً(1) ولامع الروايات الأخرى التي تذهب إلى أنهم لبثوا فيه 372 عاماً. وهناك أمر آخر عظيم الأهمية هو معرفة المدينة التي حدثت فيها هذه القصة. تقول المصادر الغربية إنها حدثت في مدينة أفسس Ephèse وتتفق معها في هذا بعض المصادر الشرقية أيضاً. على أن العرب يعرفون مدينتين بهذا الاسم: إحداهما المدينة المعروفة، والأخرى مدينة عربسوس القديمة في كبادوشيا وكانت تسمى أيضاً أبسس وتسمى اليوم بربوز. فهل كانت مدينة أبسس هذه هي المسرح الذي وقعت فيه تلك الحوادث الحقيقية أو التي أوحى بها الخيال؟
أما ده غوى فيؤيد هذا الرأي معتمداً على براهين استمدها من النصوص. وفي الحق إن بعض الرحالة قالوا إنهم رأوا في مدينة أبسس هذه كهفاً كان به جثث ثلاثة عشر رجلاً قد تيبست (ياقوت: المعجم، جـ2، ص 806، المقدسي، ص 153، ابن خرداذبه، ص 106، 110؛ البيروني: الآثار الباقية، طبعة سخاو ص 290)، وفوق هذا فقد تضمنت مجموعة النصوص المتعلقة بتاريخ السلاجقة (طبعة هوتسما، جـ4، ص 152) ما ينص صراح على أن عربسوس هي مدينة "أصحاب الكهف والرقيم" وربما كان اكتشاف هذه الجثث الثلاث عشرة هو الأصل الأول لقصة أهل الكهف ثم حرف الناس أبسس فيما بعد إلىأفسس؟
وهناك مسألة أخرى أيضاً هي معرفة معنى "أصحاب الكهف والرقيم" التي وردت في القرآن. ذهب الكثيرون إلى أن الرقيم هو اسم الكلب، وذهب آخرون إلى أن الرقيم هو اللوح الذي نقشت عليه قصة أصحاب الكهف. أما جغرافيو العرب فيرون أن الرقيم اسم مكان، فابن خرداذبه مثلاً يقول إن الكهف الذي كان فيه الجثث اسمه الرقيم وإن قصة أصحاب الكهف حدثت في أفسس. أما المقدسي فيرى أن الثلاثة عشر رجلاً الذي وجدت جثثهم في الكهف كانوا أصحاب الكهف، ويرى أن الرقيم هي جهة في شرق الأردن قريبة من عمان. ويقال إن هذه الجهة كانت مسرحاً لحادث شاذ حدث لثلاثة من الرجال. وقد زار الكهف الذي كان فيها كلرمون جانو Clermont Ganneau وهو يرى أن هذه الجهة هي التي جاء ذكرها في القرآن.
ولسنا ندري أي شأن للكلب في قصة أصحاب الكهف ولا مكان جبل أنخيلوس (ويرسم على أشكال مختلفة) وليست المصادر متفقة في عدد الفتية ولا في أسمائهم.
وقد ظهرت قصة أصحاب الكهف الأول مرة في الشرق في كتاب سرياني يرجع تاريخه إلى القرن الخامس، ذكرها دنيس. ووردت عند الغربيين في كتاب تيودسيوس عن الأرض المقدسة. وأسماء الفتية في هذه المصادر أسماء يونانية، وليس هناك اتفاق على ما إذا كانت الرواية التي ذكرها دنيس قد نقلت عن اليونانية أم أنها كتبت بالسريانية من أول الأمر.
وقصة أصحاب الكهف مشهورة ذائعة في الآداب الشرقية والغربية على حد سواء. راجع في هذا الصدد كتاب جون كوخ John Koch الذي حاول أن يجعل لهذه القصة أصلاً في الأساطير.
-----------
(1) الذي ألاحظه أن عبارة دائرة المعارف الإسلامية كعبارة أكثر المفسرين تعتبر أن قوله تعالى "ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا) خبر عن مدة مكث أهل الكهف في كهفهم منذ دخلوه إلى أن استيقظوا.ح
ولكني أفهم غير ذلك وأقول إن قوله "ولبثوا...إلخ" معمول لقوله "سيقولون ثلاثة... إلخ" فهو من مقول السائلين وليس خبراً من الله تعالى ولذا أتبع ذلك القول بقوله "قل الله أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا القليل".
وعلى ذلك فالقرآن لم ينص على عدد أهل الكهف ولا على المدة التي مكثوها فيه قبل أن يعثر عليهم – بل أمر الله رسوله أن يقول عن عددهم "ربي أعلم بعدتهم" وأن يرد عليهم حين يقولون (ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا) بقوله "الله أعلم بما لبثوا" وقد ورد هذا القول عن ابن عباس.