مرحباً للجميع :
بداية مبروك للعزيز عاشق (ولو أنه لم يفتح موضوع بالاجتماعية على ما أعتقد كي ينبهنا) والعزيز إبراهيم على المواليد الجدد ...
وحقيقة لن أتكلم مواسياً ومؤازراً إبراهيم كون الشباب سبقوني إلى ذلك وهم أفضل مني في هذا المجال وبعد كلامهم سوف يكون كلامي مبتذلاً ربما .
لكن ببساطة شديدة أنا متعاطف مع صديقنا إبراهيم ، وهو سيكون باعتقادي ككل أب طبيعي يبذل كل ما باستطاعته من محبة وعطاء تجاه ابنه الجديد كي يريح ضميره ويؤدي رسالته .
بعيداً عن صديقنا ابراهيم ومولوده الجديد ، اسمحوا لي هنا أن أتطرق إلى جزئية تناولها صديقنا fares فيما يختص الأمراض والعاهات التي تصيب البشر وموقفه منها ، واسمحوا لي أيضاً أن أعبر عن وجهة نظر شخص لا ديني يعتقد بصحة الداروينية كنظرية علمية وسوف ألخص أقوال صديقنا fares التي استرعت انتباهي لأطرح الموضوع في العمق بعد ذلك :
صديقنا fares
(09-20-2010, 12:07 PM)fares كتب: أنا شخصيا وعن قناعه تامه لو ولد لي طفل مصاب بأي مرض خطير أو إعاقه سوف أتخلص منه على الفور
.
.
.
الموضوع بالنسبه لي هو البقاء للأصلح
(09-21-2010, 01:37 AM)fares كتب: أنا قوي إذن أنا موجود
.
.
هذا رأيي و لو كان الأمر بيدي لمنعت محدودي الذكاء ومن لديهم تاريخ في الأمراض الوراثيه من الإنجاب
.
.
أنا شايف أن التخلص من طفل معاق و إنتاج واحد سليم أفضل على المدى البعيد من التعايش مع شخص غير سليم
يعني مثلا لو أصبت بسرطان أو بحادث و أصبحت عبئ على غيري ولا استطيع القيام بشؤون نفسي , سوف اتخلص من حياتي
أنا على العكس منك يا ابراهيم , طول ما أنا ماشي أنظر حولي عما هو ضار و أقتله
بداية ما هو تقييمنا لما هو ضار ...؟
سؤال ضخم وضخم جداً لا يجوز النظر إليه بسطحية ...
إن مداخلة fares تندرج تحت شقين مهمين :
أولاً - المحاكمة العقلية للمشكلة المطروحة .
ثانياً - المحاكمة الأخلاقية أو بالأصح تقييم الصحيح من الخاطئ على صعيد القيم الإنسانية للمشكلة المطروحة .
أولاً - المحاكمة العقلية للمشكلة المطروحة . :
لا بد في البداية من تصحيح خطأ وقع فيه الزميل fares كما يقع فيه الكثير من المتدينين ، ألا وهو فهمهم للتطور من منظار بيولوجي أو بالأدق إشكالية الخطأ التي يقع فيها البعض في فهمهم للاصطفاء الطبيعي وعبارة "البقاء للأصلح " (Survival of the fittest)* ....
إن من أشد الأخطاء التي يقع فيها البعض المتدين وغير المتدين هو فهم التطور ومفهوم "البقاء للأصلح" ضمن إطار التطور البيولوجي والطبيعي وإسقاطه بشكل مجرد وفج على الإنسان في بعده الإنساني والاجتماعي ....
دعوني أؤكد على أن التطور لا يعني التطور دائماً للأفضل بل يعني التطور للأعقد فيما يختص بالنظم البيولوجية ، وعليه عبارة "البقاء للأصلح" لا تعني أن من بقي هو الأفضل بالضرورة ، بل تعني أن من بقي هو المتلائم أكثر مع بيئته ومع الكائن المتطور من ناحية النظم البيولوجية الجزئية ... مثال منظومة الرؤية عند الإنسان هي منظومة من مجموعة منظومات للرؤية متنوعة ومتعددة لدى الكائنات وقد بقيت عند الإنسان ليست لأنها الأفضل ضمن هذه المنظومات بل لأنها ببساطة كانت المنظومة المرافقة للإنسان خلال تطوره .
وبالتالي نحن نتفق أن عبارة الأصلح لا تعني الأفضل بالضرورة ...
إلى ماذا يؤدي هذا ؟
يؤدي ببساطة إلى التساؤل حول تعبير الأصلح ، ولماذا الأصلح "ضمن بيئته" وليس الأفضل ؟
لأنه ببساطة لو كان التطور (بيولوجياً) نحو الأفضل دائماً ، سوف يؤدي هذا إلى عدم التوازن في البيئة المحيطة وبالتالي عدم ضمان تماشي التطور بدرجة متوازنة في البيئة المحيطة .
إلى هنا أعتقد أنا انتهينا من مفهوم "البقاء للأصلح" على المستوى البيولوجي رغم أن واضعه على ما أعتقد هو هربرت سبنسر وقد استُخدم المصطلح في الداروينية الاجتماعية* وهذا مبحث آخر لإن هذه النظرية لم تثبت دقتها العلمية على مستوى دراسات علم الاجتماع ...
دعوني أيضاً أعرج بسرعة على مفهوم متشابك مع الموضوع بشكل مباشر اعتمدته الجدلية المادية في القرن التاسع عشر قد طغى على الفكر الغربي بأن التطور يؤدي حتماً إلى التقدم وقد ثبت خطأه فيما بعد ... وللأسف يقع بعضنا في هذا الخطأ وقد وجب التنبيه للتمهيد للفكرة اللاحقة حتى لا يغيب عن بالنا عندما نتكلم عن التطور أننا لا نقصد أنه نحو الأفضل بالضرورة ولكن نحو التعقيد والتركيب والملائمة .
أكثر من ذلك ...
لو تأملنا في الأوبئة التي اجتاحت البشرية عبر التاريخ الحديث ... لوجدنا أن الوجود الإنساني على الصعيد الحضاري لم ينجو منها بواسطة الاصطفاء الطبيعي تماماً بل لأن العقل البشري استطاع اجتراح الحلول للمشاكل المستعصية التي واجهته .
إن أسلوب الزميل fares في إيجاد الحلول للمشاكل يعتمد مبدأ البتر وهذا ليس صحيح بالإطلاق .
فوجود المرض سوف يؤدي إلى وجود مشكلة على الصعيد الاجتماعي وتفاقم هذه المشكلة سوف يجبر المجتمع للبحث عن هذه المشكلة وتوصله لحل لهذه المشكلة على المدى البعيد سوف يؤدي إلى تراكم معرفي يتجذر في الوعي يؤسس إلى تطور وإرتقاء العقل البشري وتكريس التقدم الإنساني على المستوى الحضاري في أصل وجوده ككل ....
وتصوروا معي لو كل دورة وباء سوف نعتمد على قضية الاصطفاء الطبيعية كم ستخسر البشرية .
ومن هنا تعالوا لنتصور أننا بترنا الأجزاء المريضة وغير الفاعلة في المجتمع بفعل الإصطفاء الاصطناعي (البشري) ... ما الضامن أن الجينات المستقبلية سوف تكون أكثر ملائمة (تذكروا معي مبدأ البقاء للأصلح) ، وهذا سيطرح سؤال كبير كيف نستطيع تقييم الأصلح للمستقبل ؟
فآينشتاين بحسب مدرس الرياضيات (إذا لم تخني الذاكرة) في الابتدائي كان غبياً ...!!
تصوروا لو تسرعنا وتركنا تقييم آينشتاين لمدرسه وبترناه من تاريخ البشرية ...
أكثر من ذلك تصوروا لو بترنا آينشتاين بسبب دينه وفقاً لمفهوم النازية ...!!
كلكم لاحظ إلى ما أريد أن أصل إليه ... إن مبدأ البتر ليس فقط لا يحل المشكلة بل يسبب مشاكل في المستقبل حول ما هو المعيار الذي سنتبعه في عملية البتر بيولوجي -عقلي - عقائدي - نفسي ... إلخ ... وهو موصول بالتالي مع منظومة القيم المتبعة والتي سنأتي على ذكرها لاحقاً .
إذا ً سنتفق نحن والعزيز fares ... أن البشر لم يتسيدوا هذا الكوكب لأنهم متطورين عقلياً وبيولوجياً وحسب ، بل لأن تطورهم سمح لهم بإيجاد الحلول للمشكلات التي يواجهونها يعني نستطيع تسميتهم "حلالي المشاكل" ... وإلا كان الإصطفاء الطبيعي حصدهم كل فترة وبقيت عجلة البشرية تدور دونما تقدم مهم على المستوى الحضاري لأنهم يعتمدون البتر (كأفضل حل) في مواجهة مشاكلهم .
ثانياً - المحاكمة الأخلاقية أو بالأصح تقييم الصحيح من الخاطئ على صعيد القيم الإنسانية للمشكلة المطروحة :
دعوني أتفق أنا والجميع أن الإنسان العاقل المتحضر الذي يتمرد على عبوديته لكائن مفترض يسمى "الله" أو "الرب" أو أياً كان ، يتمرد من أجل تحقيق إنسانية الإنسان وليس من أجل تعميق مبدأ حيوانية الإنسان ... وبالتالي سعيه الحثيث لخلق وجود متسامي في الشكل والمضمون عن الحيوان .
إن المبادئ الأخلاقية التي ينتهجها الإنسان ليست ترفاً فكرياً يمارس في أوقات الفراغ .
نعم قد تحتم الظروف على الإنسان إظهار الجانب الحيواني في موقف يؤدي إلى صراع مع البقاء ، وهذا ضروري كوننا جزءاً لا يتجزأ من الطبيعة ، لكن كلنا يعرف أن الطبيعة ما كانت لتدين لنا وتصبح تحت سيطرتنا لولا ارتقاء الجانب الاجتماعي ليحقق توازن على حساب الجانب الفردي ، وبالتالي الوصول إلى معادلة دقيقة بين الفردي والاجتماعي ، فالإنسان كائن اجتماعي أولاً وأخيراً .
قد يقول أحدكم إلى ماذا تريد أن تصل ؟
ببساطة شديدة التزام الإنسان بمجموعة قيم تتسامى عن الغرائزية أو عن مبدأ البقاء للأقوى "أنا قوي أنا موجود" سوف يؤدي إلى توازن اجتماعي سينعكس بدوره كإطار للتعاضد والتعاون شئنا أم أبينا ، هذا الإطار يبدأ من أصغر مؤسسة (الأسرة) وصولاً إلى المجتمع بمجموعه .
مجتمع يعتمد البتر مع أفراده هو مجتمع غير آمن ولا يحقق لأفراده الأمن النفسي والبيولوجي والعقلي والأخلاقي حتى ، لأننا كلنا معرضون في مرحلة إلى البتر نتيجة لسبب أو لآخر . وبالتالي هذا المجتمع يحمل بذرة فنائه وفق مفاهيمه بيديه .
أيضاً أكثر من ذلك تصوروا معي تطبيق مفهوم البتر تجاه مشاكلنا البيولوجية ... سوف يكرس عبوديتنا نحو جيناتنا التي نطمح للتخلص منها او تخفيفها على أقل تقدير عبر العلم .
بالمختصر المفيد المشاكل المرضية للإنسان لا تواجه بالتخلص من الإنسان بل بإيجاد الحلول لهذه المشاكل .
فالمستعصي اليوم قد يكون سهل الحل جداً في الغد وهذا هو ديدن العلم في التعامل مع المشاكل .
آسف على الإطالة
الهوامش :
Survival of the fittest : البقاء للأصلح ، مع ملاحظة أن كلمة fittest تترجم الأصلح أو الأكثر ملائمة أو الأكثر استعداداً .
الدراوينية الاجتماعية : نظرية استخدمت في مرحلة من المراحل لتبرير الأفعال الشنيعة للحضارة الغربية مع الشعوب المستعمرة ، وتصوروا معي لو أن قدرنا أن نظل في الحضيض لأننا لسنا مواطنين من الدول الكبرى ، هذا سيكرس عبوديتنا الأبدية تجاه الآخر والأهم من ذلك لو طبقنا هذا المبدأ في عدم حق الإنسان في تكافؤ الفرص نتيجة الداروينية الاجتماعية هل نلوم الإرهابي الذي يفجر نفسه في الآخرين ؟!.