إصرار غير مسبوق لممارسة التبشير والتنصير بالمغرب
كتبهـا : د. عبـد الفتـاح الفاتحـي
وهذا هو رابط المقالة
يعيش المغرب هجمة تنصيرية لم يعرف لها مثيل منذ عهد الحماية، ويصر المبشرون وفق استراتيجية باتت مقصودة على المس بعقيدة المغاربة، بل ويقوم المنصرون الذين تم ترحيلهم بكل المساعي الدبلوماسية لدى المؤسسات الرسمية الأوربية والأمريكية من أجل الضغط على المغرب بكل الوسائل حتى يقبل بعودتهم لمتابعة أعمالهم التبشيرية على أراضيه.
ويبدو اليوم أن موجة التنصير للمغاربة بدأت على قدم وساق، وبعد أن تعذر عليهم العودة قرر المبشرون اعتراض العائدين المغربية ليوزعوا عليهم كتبا تبشيرية بالمجان. هذا وقد أكدت مصادر موثوقة أن مسيحيين عرب، يوزعون كتبا وأشرطة تنصيرية بالمجان على العائدين إلى المغرب بالحدود الاسبانية. وأفادت ذات المصادر أن أموالا هامة رصدت لتعبئة عدد من المجندين المسيحيين العرب مقابل توزيع الكتب والأشرطة التنصيرية على المهاجرين العائدين بعدد من نقط عبور الجالية المغربية. وأفادت المصادر ذاتها بناء على ما استقته من موزعين سوريين ولبنانية أقباط مصريين أنهم يتلقوا أموالا جد مهمة مقابل القيام بهذا العمل.
وبعدما تأكدت صحة هذه الأخبار، أعطت السلطات الأمنية والترابية بميناء بني أنصار ومطار العروي الدولي ومعبر باب مليلية ومختلف المنافذ المغربية المطلة على أوروبا قد تلقوا تعليمات صارمة بتشديد المراقبة على الأشخاص والسيارات التي تدخل المغرب خلال العطلة الصيفية، لمنع دخول كتب ومواد تبشيرية عن طريق أفراد الجالية المغربية نحو المغرب.
ومعلوم أن التعليمات التي أعطيت لعناصر مراقبة الحدود المغربية جاءت بعد أن تبين أن بعض المواطنين عن غير قصد أدخلوا كتبًا وأشرطة دينية وسلاسل تحمل رمز الصليب وقمصان عليها علامات تنصيرية إلى المغرب على شكل هدايا خاصة للأطفال يتسلمونها من البعثات التبشيرية، وأن بعضهم فوجئ حينما ضبطت لديه الكتب، وأكد عدم علاقته بالموضوع.
وتأتي هذه المستجدات بعيد الصرامة التي أبدتها السلطات المغربية في وجه أي سلوكات تبشيرية داخل المغرب، بعدما تأكد أن المملكة المغربية أصبحت تمثل وجهة هامة لعدد من المبشرين على اختلاف جنسياتهم.
وعلى الرغم من أن ظاهرة التبشير بالمغرب ظاهرة قديمة ارتبطت باستيطان المبشرين في عدد من المدن والقرى والمداشر المغربية في عهد الحماية، وقاموا بنشر المسيحية بين الناس تحت مظلة الحماية، إلا أن هول ما يسجل من أرقام للمنصرين اليوم صار يثير قلق السلطات المغربية، ويتساءل المهتمون كيف أمكن لهذه الظاهرة أن تعاود نشاطها بهذه القوة في الوقت الراهن؟.
وكشفت تقارير حكومية رسمية وأخرى غير رسمية أن حملات تنصير المغاربة قد تضاعفت بشكل غير متوقع، بل أن هذه الحملات باتت تتحدث عن تنصير 20 في المائة من المغاربة في أفق 2020 كرهان استراتيجي توفر له مختلف الوسائل الإعلامية والمادية لبلوغه.
وأشارت إلى وجود ما يقارب 800 منصِّر يزاولون أنشطة تنصيرية داخل المملكة، وأنهم يتخذون من بعض الجمعيات ستارًا لإخفاء أنشطتهم التبشرية، وأردف التقرير ذاته أن هؤلاء المنصرون قد تمكنوا من تنصير ما يزيد عن ألف فرد من المغاربة. مما جعل وزارة الداخلية تبادر بإجراءات عملية، فقامت بطرد مجموعة من المنصرين بمنطقة الأطلس المتوسط والريف من بينهم 16 شخصًا يتوزعون بين مسؤولين ومقيمين بمؤسسة تعنى باليتامى.
وأمام هذا الخطر توعدت السلطات المغربية بأنه سيكون لها رد قاس مع كل الذين يتلاعبون بالقيم الدينية”، وجاء هذا بعد انتقادات وجهتها المنظمة الإنجيلية بروتستانتية الدولية "وبن دور" غير الحكومية وأعربت فيها عن غضبها من إبعاد المنصرين المتهمين بممارسة نشاطات تنصيرية في المغرب.
وكانت السلطات المغربية كذلك قد طردت عشرات من الأجانب بينهم هولنديون وأمريكيون قالت إنهم ضبطوا يمارسون التنصير في المناطق المغربية الفقيرة والنائية في حق أطفال قاصرين بنواحي عين لوح (وسط البلاد) وهو ما أثار احتجاج دول وجمعيات أوروبية اعتبرت القرار المغربي مسا وانتهاكا لحرية العقيدة.
وأجاب خالد الناصري وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغرب إن السلطات ملتزمة برد قاس مع كل الذين يتلاعبون بـ"القيم الدينية" للبلاد ولن تسمح باستغلال ضعف الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لأشخاص معوزين من أجل إخراجهم من دينهم وتنصيرهم وكل ذلك تحت غطاء الأعمال الخيرية وخاصة عبر الإشراف على "ميتم".
استنكرت عدة هيئات دينية مسيحية رسمية بالمغرب استهداف المنصرين للأطفال اليتامى والأميين واستغلال الأوضاع الصعبة والهشاشة التي يعيشها قرويون في مناطق نائية في البلاد لإغرائهم باعتناق المسيحية مقابل مساعدات مادية وعينية.
وأكدت تصريحات رجال الدين المعتمدين بالمملكة المغربية، جميعهم أن العاهل المغربي والسلطات المغربية ترعى بديمقراطية حرية المعتقد، وأن الكنائس في المغرب مفتوحة في وجه المسيحيين الأجانب حيث يمكنهم ممارسة ديانتهم دون أدنى تضييق.
وأكدوا أن الأشخاص الذين تم طردهم من طرف السلطات المغربية مؤخرا لقيامهم بأعمال تبشير "لا يتصرفون وفق قوانين الكنيسة الكاثوليكية ولا تربطهم أية صلة بالأسقفية الكاثوليكية".
ورغم ما شهد به رجالات دين وقساوسة ورهبان من أن المغرب يسمح بحرية التدين، إلا أن دولا أوروبية رأت في الضغط على المغرب مناسبة لمحاكمته مباشرة بعد حصوله على صفة الوضع المتقدم مع الاتحاد الأوربي. حيث استدعت وزارة الخارجية الهولندية سفير المملكة المغرب في لاهاي للاحتجاج ضد إقدام الرباط على طرد 7 مسيحيين من أصل هولندي من المغرب.
وقال حينها وزير الخارجية الهولندي ماكسيم فرهاخن إن هذا العمل مرفوض بالنسبة لبلاده، وإن المغرب لم يتح الفرصة للهولنديين السبعة للدفاع عن أنفسهم حيث كانوا يقومون برعاية الأطفال اليتامى، وكان يجب عرض المشكلة على القضاء لإظهار الحقيقة قبل اتخاذ قرار الطرد على هذا النحو المؤسف.
ووافق البرلمان الإسباني على اقتراح يطالب المغرب باحترام حرية الأفراد في اعتناق أي دين، وحرية الإعلان عن المعتقدات الدينية والاعتراف بحرية تلقي ونشر الكتب الدينية والعقيدة، واستخدامها بحرية.
وكانت الولايات المتحدة قد اتهمت المغرب بممارسة الانتهاكات تجاه مواطنيها وكبت حرياتهم الدينية، في إشارة إلى طرد السلطات المغربية أمريكيين متهمين بالتنصير.
ودعت الإدارة الأمريكية سفيرها فى الرباط صامويل كابلان للاحتجاج على هذا ومطالبة المغرب بتوقف عمليات الطرد على الفور، كما حثت السفارة الأمريكية مواطنيها بعدم الانصياع لأي أوامر طرد.
وأعرب السفير الأمريكي بالرباط صاموئيل كابلان عن الانزعاج من قرار السلطات المغربية واصدر بيانا يحمل نقدا لاذعا لقرارها وهو ما اعتبرته الأوساط السياسية المغربية "تدخلا في شأن سيادي وطني لا ينسجم مع مقتضيات واجب التحفظ، وذلك بالنظر لكون التصريح تزامن مع صدور التقرير الأمريكي لحقوق الإنسان، مما يعمق الخلط بين احترام حرية العقيدة وبين الحق في اتخاذ الإجراءات المطلوبة ضد منتهكي القانون، والذين أقدموا على استهداف أطفال متخلى عنهم والعمل على تغيير دينهم".
كما عقد الكونغريس الأمريكي جلسة استماع إلى منصرين طردهم المغرب في مارس الماضي لاتهامهم بزعزعة عقيدة المسلمين وتنصير الأطفال. وتشكيل لجنة لدراسة وضعية الحرية الدينية في المغرب، وقد رصدت هذه اللجنة 100 مسيحي تم ترحيلهم من المغرب لقيامهم بعمليات التبشير هناك.
ويعتقد بعض الملاحظين أن ما تقوم به وسائل الإعلام الإسبانية في الآونة الأخيرة للمغاربة، مثل "لاريوخا" و"لاراثون" و"الموندو" و"الباييس" وغيرها من الصحف باتهام المغرب بأنه "بلد استبدادي لا حرية فيه للمسيحيين وبلد قمع واضطهاد" في تعاطيه مع "التنصير والمغاربة المتنصرين" وكذا فيما يتعلق بموضوع الشذوذ أو في توظيفها لقضية حقوق الإنسان في الصحراء.
وهو ما يشكل حسب المهتمين حربا ضد تطور العلاقات المغربية الاسبانية إلى مستويات قياسية، ويستندون في ذلك على مواقف عدد من الهيئات الاسبانية التي تعتبر أن الارتقاء بالعلاقات المغربية الاسبانية في عهد زاباتيرو، فيه تقويض لمستقبل عدد من الأحزاب الاسبانية الصغيرة، ولذلك فهي تحاول جاهدة الرفع من شعبيتها على حساب الإساءة إلى المغرب وجعله عدوا استراتيجيا لاسبانيا.
وفي السياق ذاته يرى محللون للأزمة الدينية بين المغرب وأوربا إنما تعود إلى أن عددا من السياسيين الأوربيين باتوا يأملون في أن يصبح المغرب امتدادا لأوربا في إفريقيا، ويرى عدد آخر منهم بأن مناصرة المبشرين للقيام بعمليات تبشيرية داخل المغرب يعد جوابا دينيا على تهديد القاعدة في إفريقيا، واختبارا حول أي اندماج يتوق إليه المغرب.
عدد من المهتمين المغاربة ينظرون إلى هذه الحملة الإعلامية التي تقام في أوروبا حول طرد المغرب لمبشرين، مزايدة سياسية بعد منح المغرب صفة الوضع المتقدم مع الاتحاد الأوربي، وهو ما يريد منه الغربيون جعل الفضاء المغربي مشتركا للأوربيين لممارسة أنشطتهم بكل حرية بناء على تعهدات المغرب بالقيام بإصلاحات كبيرة في حقوق الإنسان، وما يرتبط بها من حرية الاعتقاد، وحرية القيام بأنشطة دينية واجتماعية في المغرب.
وعلى الرغم من أن حلفاء المغرب الأوربيون يعرفون بأن الدين في المغرب، كما في باقي البلدان المسلمة جزء من النظام العام فضلا عن كونه دين وشريعة المجتمع، وأن المس بالنظام العام في جميع البلدان ممنوع ومجرم، فإن نشطات التبشير تزايدت بشكل مهول بالتزامن مع ارتقاء العلاقات المغربية الأوربية إلى مستوى الشريك النموذجي مع الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية.
إن عدة مؤشرات تؤكد أن التنصير في المغرب دخل مرحلة دقيقة بعد تدويل النقاش حول طرد المغرب لمبشرين من فوق أراضيه، في أفق إكراه المغرب على الاعتراف بشرعية عمل المبشرين والتعامل معها كأمر واقع لا يمكن تجاهله.
ويتخوف المتتبعون المغاربة من أن يتحول هذا الاهتمام الإعلامي الأوربي الكبير بملف إبعاد المغرب للمبشرين، قد تدفع الأوربيون اللجوء إلى توظيف شوكة نزاع الصحراء لمزيد من توريم خاصرة المغرب، وذلك عبر الدعوة إلى تعديل الموقف الأوربي حيال قضية الصحراء للدفع بالمغرب إلى التغاضي عن الأنشطة التنصيرية أو السماح للمنصرين بالعودة إلى المغرب لمزاولة مهامهم وأنشطتهم التي يدعون أنها خيرية.
لكن عدد من المراقبين يرون أن المغرب لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يسمح بممارسة التنصير على أراضيه لاعتبارات ترتبط بمقومات النظام الملكي، الذي يستمد شرعيته السياسية من حفظ الدين، وإعلاء كلمته وحماية عقيدة رعاياه، وأن التغاضي عن أنشطة المبشرين هو خرق لأهم شرط من شروط البيعة في المغرب. وتلك هي أهم المبررات والتحديات التي تجعل المغرب من غير المعقول على الأقل في الوقت الراهن القبول بأن يغامر بعامل من عوامل بقائه واستمراره، ولأن الفعاليات السياسية والإجماع المغربي والمجتمع المدني من لا يمكن إقناعه بعودة المبشرين إلى المغرب أو التغاضي عن مراقبة أنشطتهم التبشيرية.
ويرى متتبعون للشأن الديني بالمغرب أن وثيرة التنصير بالمغرب قد تزايدت بشكل كبير، وفسروا ذلك بأنه ضريبة للوضع المتقدم لدى الاتحاد الأوربي، وذهبوا إلى أن الشراكة المغربية الأوربية لن تنتهي عند هذا الحد، بحيث أبدى عدد من الدارسين بأن التنصير في السنين القادمة قد يصبح علانية، في إطار التعريف بقيم التسامح في الدين المسيحي أو على الأقل في إطار التعامل بالمثل، وأن المغرب حينها سيكون مطالبا إلى حذف النصوص القانونية التي تجرم نشر التعاليم المسيحية، من منطلق حق المواطنين في الانتماء الديني والعقدي.
واستدلوا على صواب هذا الرأي، بأن المغرب اليوم وبعد حصوله على صفة الوضع المتقدم، ظهرت عدة أصوات بين الفينة الأخرى تحمل في وجهه ورقة سحب صفة الوضع المتقدم من قبل عدد من الأحزاب الصغيرة والعنصرية، التي لم تستوعب الشراكة مع دولة من جنوب الاتحاد الأوربي، ولذلك تعمل على أن تجعل من صفة الوضع المتقدم بالنسبة للمغرب سياسة العصا والجزرة.
ويتحدث عدد من المراقبين أن التنصير بالمغرب يعد ضريبة للوضع المتقدم لدى الاتحاد الأوربي، وذهبوا إلى أن الشراكة المغربية الأوربية لن تنتهي عند هذا الحد، بحيث أبدى عدد من الدارسين بأن التنصير في السنين القادمة قد يصبح علانية، في إطار التعريف بقيم التسامح في الدين المسيحي أو على الأقل في إطار التعامل بالمثل، وأن المغرب حينها سيكون مطالبا إلى حذف النصوص القانونية التي تجرم نشر التعاليم المسيحية، من منطلق حق المواطنين في الانتماء الديني والعقدي